وإن قالوا : قديمة... ادّعى أنّ عيسى قديم. (١)
وعلى ذلك وجد من قال إنّ القرآن مخلوق ، ليرد كيد هؤلاء ، فقال ذلك الجعد بن درهم ، وقاله الجهم بن صفوان ، وقالته المعتزلة واعتنق ذلك الرأي المأمون.
وقد أعلن في سنة ٢١٢ ، أنّ المذهب الحقّ هو أنّ القرآن مخلوق ، وأخذ يدعو لذلك في مجلس مناظراته ، وأدلى في ذلك بما يراه حججاً قاطعة في هذا الموضوع ، وقد ترك المناقشة حرة ، والناس أحراراً فيما يقولون.
ولكن في سنة ٢١٨ وهي السنة التي توفي فيها ، بدا له أن يدعو الناس بقوة السلطان إلى اعتناق هذه الفكرة ، ومن الغريب أنّه ابتدأ بهذا وهو خارج بغداد ، وقد خرج مجاهداً فكتب هذه الكتب وهو بمدينة الرقة ، وأخذ يرسل الكتب لحمل الناس على اعتناق عقيدة أنّ القرآن مخلوق ، إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم ، وقد جاء في بعض كتبه : وأعلمهم أنّ أمير المؤمنين غير مستعين في عمله ، ولا واثق فيمن قلده واستحفظه من أُمور رعيته بمن لا يوثق بدينه ، وخلوص توحيده ويقينه ، فإذا أقروا بذلك ووافقوا أمير المؤمنين فيه وكانوا على سبيل الهدى والنجاة ، فمرهم بنصّ من يحضرهم من الشهود على الناس ومسألتهم عن علمهم في القرآن وترك شهادة من لم يقر بأنّه مخلوق محدث. (٢)
وقد سارع نائبه ببغداد إلى تنفيذ ما أمر به ، لكنّه تجاوز الحدّ السلبي إلى الحدّ الإيجابي فأحضر المحدثين والفقهاء فسألهم عن عقيدتهم حول القرآن ،
ــــــــــــــــــ
١ ـ « ولا شكّ أنّ ذلك تلبيس ، لأنّ معنى كلمة الله ، أنّ الله خلقه بكلمة منه ، كما نصّ على ذلك في آيات أُخرى ، لا أنّه هو ذات كلمة الله ». هذا ما أفاده أبو زهرة في تعليقته على كتابه. والحقّ أنّ المسيح كلمة الله نفسها ، وليس المسيح وحده كذلك ، بل الموجودات الإمكانية كلّها كلامه تعالى. قال سبحانه : ( وَلو أنّ ما فِي الأَرض مِنْ شَجَرة أَقلام وَالبَحر يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَة أَبْحُر ما نَفِدَتْ كَلمات الله)( لقمان : ٢٧ ).
٢ ـ تاريخ الطبري : ٧/١٩٦ ، والرسالة مبسوطة.