تختلف العبارات بالأزمنة والأمكنة والأقوام ، بل قد يدلّ عليه بالإشارة والكتابة كما يدلّ عليه بالعبارة ـ إلى أن قال ـ : وإنّه غير العلم ، إذ قد يخبر الرجل عمّا لا يعلمه بل هو يعلم خلافه أو يشكّ فيه ، وغير الإرادة ، لأنّه قد يأمر بما لا يريده كالمختبر لعبده هل يطيعه أم لا ، فإذا هو صفة ثالثة غير العلم والإرادة ، قائمة بالنفس ، ثمّ نزعم أنّه قديم لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى ـ إلى أن قال ـ : الأدلّة الدالّة على حدوث الألفاظ إنّما تفيدهم بالنسبة إلى الحنابلة ، وأمّا بالنسبة إلينا فيكون نصّاً للدّليل في غير محلّ النزاع. وأمّا ما دلّ على حدوث القرآن مطلقاً ، فحيث يمكن حمله على حدوث الألفاظ ، لا يكون لهم فيه حجّة علينا ، ولا يجدي عليهم إلاّ أن يبرهنوا على عدم المعنى الزائد على العلم والإرادة. (١)
فقد أحسن العضدي وأنصف. وستوافيك البرهنة على أنّ ما يسمونه كلاماً نفسياً أمر صحيح ، لكنّه ليس خارجاً عن إطار العلم والإرادة ، وليس وصفاً ثالثاً وراءهما.
ثمّ إنّ الشهرستاني قد قام بتبيين المقصود من الكلام النفساني في كلام مبسوط. وبما أنّ الكلام النفسي قد أحاط به الإجمال والإبهام ، فنأتي بنصّ كلامه ، وإن كان لايخلو عن تعقيد في الإنشاء ، حتّى يتبيّن المقصود منه قال :
العاقل إذا راجع نفسه وطالع ذهنه وجد من نفسه كلاماً وقولاً يجول في قلبه ، تارةً إخباراً عن أُمور رآها على هيئة وجودها أو سمعها من مبتداها إلى منتهاها على وفق ثبوتها ، وتارةً حديثاً مع نفسه بأمر ونهي ووعد ووعيد لأشخاص على تقدير وجودهم ومشاهدتهم ، ثمّ يعبّر عن تلك الأحاديث وقت المشاهدة ، وتارةً نطقاً عقلياً إمّا بجزم القول أنّ الحقّ والصدق كذا ، وإمّا بترديد الفكر أنّه هل يجوز أن يكون الشيء كذا أو يستحيل أو يجب ، إلى غير ذلك من الأفكار حتّى أنّ كلّ صانع يحدث نفسه أوّلاً بالغرض الذي توجهت
ــــــــــــــــــ
١ ـ المواقف : ٢٩٤.