يلاحظ عليه : أنّ سياق الآية ، سياق الهداية والبرهنة على أنّه لا يُرى ، وعلى ما ذكره يكون الكلام وارداً موضع العتاب الخفيف على موسى ، لأجل طلب الرؤية من جانب قومه ، ليقف على استعظام عمله وعظم أثره ، وهو اندكاك الجبل وانخراره وصيرورته تراباً ، وهذا لا ينطبق على ظاهر الآية وإن استحسنه الزمخشري وقال :
« وهذا كلام وارد في أُسلوب عجيب ونمط بديع ، فقد تخلص من النظر إليه إلى النظر إلى الجبل بكلمة الاستدراك ».
الثاني : أنّ الاستدراك بمنزلة التعليل لقوله : « لن تراني » والمقصود بيان ضعف الإنسان وعدم طاقته لرؤيته سبحانه ، وقد بين ذلك بتجلّيه على الجبل فصار دكاً ، وهوأقوى من الإنسان وأرسخ منه ، فإذا كان هذا حال الجبل فكيف حال الإنسان الذي يشاركه في كونه موجوداً مادياً خاضعاً للسنن الكونية ، وقد خلق الإنسان ضعيفا؟!
وبذلك يحفظ على سياق الآية وارتباط أجزائها بعضها ببعض.
وأمّا ما هو المقصود من تجلّيه سبحانه ، فالتجلّي هو الانكشاف والظهور بعد الخفاء ، قال سبحانه : (وَاللّيلِ إِذا يَغْشى* وَالنَّهارِ إِذا تَجَلّى ) (١) فالليل يغشى النهار ويستره ، ثمّ يتجلّى النهار ويظهر بالتدريج. والمقصود من تجلّيه سبحانه هو تجلّيه بآثاره وأفعاله. وبما أنّ نتيجة التجلّي كانت اندكاك الجبل وصيرورته تراباً ، كان التجلّي بنزول الصاعقة على الجبل التي تقلع الأشجار ، وتهدم البيوت وتذيب الحديد ، وتحدث الحرائق ، وتقتل من تصيبه من الناس ، وليست هي إلاّ شرارة كهربائية تنتج من اتحاد كهربائية سحابة في الجو مع الكهربائية الأرضية ، فتكون نتيجة الاتحاد هي الصاعقة وبروز الشرارة ، وما يرى من نورها هو البرق ، وما يسمع هو الرعد ، وهو صوت الشرارة الكهربائية التي تخرق طبقات الهواء.
فإذا كان الإنسان عاجزاً وفاقداً للطاقة في مقابل تجلّيه بفعله وأثره ، فأولى
ــــــــــــــــــ
١ ـ الليل : ١ ـ ٢.