مجرّدة عن المقابلة والجهة والمكان ، وهذا ما يصعب تصوّره للإنسان. فتحقّق الرؤية ـ سواء قلنا بأنّها تتحقّق بانطباع صورة المرئي في العين كما عليه العلم الحديث ، أو بخروج الشعاع كما عليه بعض القدماء ـ في غير هذه الظروف أشبه بترسيم أسد بلا رأس ولا ذنب على جسم بطل ؛ ولأجل ذلك يحاول التفتازاني أن يصحّح هذا النوع من الرؤية ويقول :
إنّا إذا عرفنا الشمس مثلاً بحدّ أو رسم ، كان نوعاً من المعرفة ، ثمّ إذا أبصرناها وغمضنا العين ، كان نوعاً آخر فوق الأوّل ، ثمّ إذا فتحنا العين حصل نوع آخر من الإدراك فوق الأوّلين نسميه الرؤية ، ولا تتعلّق في الدنيا إلاّبما هو في جهة ومكان ، فمثل هذه الحالة الإدراكية ، هل تصحّ أن تقع بدون المقابلة والجهة ، وأن تتعلّق بذات الله تعالى منزهاً عن الجهة والمكان ، أو لا؟. (١)
يلاحظ عليه :
أوّلاً : أنّ الرؤية الأُولى أيضاً قبل الغمض ، تصدق عليها الرؤية ، وليس الاختلاف بين الرؤيتين إلاّ في الوضوح والخفاء والقصر والطول ، ولكنّه إنّما خصّ النزاع بالرؤية الثانية لأجل ما ورد في الروايات ، من أنّ المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة كفلق البدر.
ثانياً : أنّ الرؤية قائمة بأُمور ثمانية : ١ ـ سلامة الحاسة ٢ ـ المقابلة أو حكمها كما في رؤية الصور المنطبعة في المرآة ٣ ـ عدم القرب المفرط ٤ ـ عدم البعد كذلك ٥ ـ عدم الحجاب بين الرائي والمرئي ٦ ـ عدم الشفافية ، فإنّ ما لا لون له كالهواء لا يرى ٧ ـ قصد الرؤية ٨ ـ وقوع الضوء على المرئي وانعكاسه منه إلى العين.
فلو قلنا بأنّ هذه الشرائط ليست إلزامية بل هي تابعة لظروف خاصة ، ولكن قسماً منها يعد مقوماً للرؤية بالأبصار ، وهو كون المرئي في حيز خاص ،
ــــــــــــــــــ
١ ـ شرح المقاصد : ٢/١١١.