وقد كان الشيخ محمد عبده يعاني من القشريّين المتعبّدين بظواهر الكلم والجمل ، الذين عطّلوا عقولهم وفتحوا عيونهم على ظواهر الكتاب والسنّة فهؤلاء كانوا ألدّ الأعداء لرجال الإصلاح والنهضة العلمية في مصر ، وفيهم يقول الشيخ محمد عبده في أُخريات عمره :
ولست أُبالي أن يقال محمّد |
|
أبل أم التظت عليه المآتم |
ولكنّ ديناً قد أردت صلاحه |
|
أحاذر أن يقضي عليه العمائم |
فيا رب إن قدرت رجعي سريعةً |
|
إلى عالم الأرواح وانفض خاتم |
فبارك على الإسلام وارزقه مرشداً |
|
رشيداً يضيء النهج والليل قاتم |
خاتمة المطاف
إنّ شيخ الشيعة الحسن بن المطهر المعروف بالعلاّمة الحلّي ( ٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ ) ردّ على القول بأنّ العبد لا تأثير له في أفعاله ، بأنّه يستلزم أشياء شنيعة ، ولما وقف ابن تيمية على كتابه ، ورأى إتقان الاستدلال ، رد عليه بأنّ جمهور أهل السنّة المثبتين للقدر ، لا يقولون بما ذكره ، بل جمهورهم يقولون بأنّ العبد فاعل حقيقة ، وأنّ له قدرة حقيقية واستطاعة حقيقية ، وهم لا ينكرون تأثير الأسباب الطبيعية بل يقرون بما دلّ عليه العقل من أنّ الله تعالى يخلق السحاب بالرياح ، وينزل الماء بالسحاب وينبت النبات بالماء ، ولا يقولون بأنّ قوى الطبائع الموجودة في المخلوقات لا تأثير لها ، بل يقرّون أنّ لها تأثيراً لفظاً ومعنى.
ولكن هذا القول الذي حكاه هو ( العلاّمة الحلّي ) قول بعض المثبتة للقدر كالأشعري ومن وافقه من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد ، حيث لا يثبتون في المخلوقات قوى الطبائع ويقولون : إنّ الله فعل عندها لا بها ، ويقولون : إنّ قدرة العبد لا تأثير لها في الفعل ، وأبلغ من ذلك قول الأشعري بأنّ الله فاعل فعل العبد ، وأنّ عمل العبد ليس فعلاً للعبد ، بل كسب له ، وإنّما هو فعل الله ، وجمهور الناس من أهل السنّة من جميع الطوائف على خلاف ذلك ، وأنّ العبد فاعل لفعله حقيقة. (١)
ــــــــــــــــــ
١ ـ منهاج السنّة : ١/٢٦٦.