والرعدة الضرورية ، والقدرة ليست خاصيتها إلاّ التأثير ، فوجب تخصيص عمومات النصوص بما سوى أفعالالعباد الاختيارية ، فيكونون مستقلين بإيجاد أفعالهم بقدرتهم الحادثة بخلق الله تعالى إيّاها كما هو رأي المعتزلة والفلاسفة. وإلاّ كان جبراً محضاً فيبطل الأمر والنهي.
قلنا : إنّ براهين وجوب استناد كلّ الحوادث إلى القدرة القديمة بالإيجاد ، إنّما تلجئ إلى القول بتعلّق القدرة بالفعل بلا تأثير ، لو لم تكن عمومات تحتمل التخصيص. فأمّا إذا وجد ما يوجب التخصيص فلا. لكن الأمر كذلك. وذلك المخصص أمر عقلي ، هو أنّ إرادة العموم فيها يستلزم الجبر المحض المستلزم لضياع التكليف وبطلان الأمر والنهي. ثمّ أوضح ذلك بقوله : لو عرف الله تعالى العبد العاقل أفعال الخير والشر ، ثمّ خلق له قدرة أمكنه بها من الفعل والترك ، ثمّ كلّفه بالإتيان بالخير ووعده عليه. وترك الشر وأوعده عليه ، بناء على ذلك الإقدار لم يوجب ذلك نقصاً في الألوهية. إذ غاية ما فيه أنّه أقدره على بعض مقدوراته لحكمة صحة التكليف واتجاه الأمر والنهي. غير أنّ السمع ورد بما يقتضي نسبة الكل إليه تعالى بالإيجاد وقطعها عن العباد. فلنفي الجبر المحض وصحة التكليف وجب التخصيص ، وهو لا يتوقف على نسبة جميع أفعال العباد إليهم بالإيجاد ، بل يكفي لنفيه أن يقال : جميع ما يتوقف عليه أفعال الجوارح من الحركات وكذا التروك التي هي أفعال النفس من الميل والداعية التي تدعو والاختيار ، بخلق الله تعالى ، لا تأثير لقدرة العبد فيه. وإنّما محل قدرته ، عزمه عقيب خلق الله تعالى هذه الأُمور في باطنه عزماً مصمماً بلا تردد ، فإذا أوجد العبد ذلك العزم خلق الله تعالى له الفعل. فيكون منسوباً إليه تعالى من حيث هو حرّكه ، وإلى العبد من حيث هو زنى ونحوه. فعن ذلك العزم الكائن بقدرة العبد المخلوقة لله تعالى ، صحّ تكليفه وثوابه وعقابه. وكفى في التخصيص تصحيح التكليف هذا الأمر الواحد. أعني : العزم المصمّم ، وما سواه ممّا لا يحصى من الأفعال الجزئية والتروك كلّها مخلوقة لله تعالى ومتأثرة عن قدرته ابتداءً بلا واسطة القدرة الحادثة. (١)
ــــــــــــــــــ
١ ـ شروح العقيدة الطحاوية : ١٢٢ ـ ١٢٦ نقلاً عن « المسايرة » لاحظ شرحها ٩٨.