واعلم أنّ ظاهر هذه الآيات يقتضي ما لا يجيزه مسلم ولا يطلقه أحد من الأمة. ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [طه : ٣٩] يوجب أن يكون صنع المخاطب وهو موسى عليهالسلام على عين الله تعالى ، وكذلك قوله : (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) [الطور : ٤٨] يقتضي أن يكون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأعينه تعالى فتكون أعينه مكانا له. وكذلك قوله : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) [هود : ٣٧] ، وقوله : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) [القمر : ١٤] ، والقوم لا يقولون بذلك. ويقتضي أيضا أن يكون له تعالى أكثر من عينين ، وذلك مما لا يصح القول به. فإذا منع الدليل من الجريان على الظاهر ، ورجعوا إلى التأويل ، فنحن أولى منهم بذلك لما تقدم من الدلالة ، وهكذا نسلك معهم هذا المسلك في جميع الآيات والله الهادي.
ومما تعلقت به الحشويّة المشبهة قوله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) [القلم : ٤٢] قالت الحشوية وذلك أن ربّهم يأتيهم يوم القيامة في غير صورته التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم فيهمّون أن يبطشوا به ، فيكشف عن ساقه ، فيخرّون سجّدا. تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا (١).
والجواب : عن ذلك أن نقول ليس لهم في ظاهر الآية تعلّق ؛ لأنه تعالى لم يقل لهم : إنّه يكشف عن ساقه ، ولا أنبأهم من الذي يكشف عن ساقه ، وإنما أخبر عن لفظ المجهول ، فذكر ساقا منكّرا غير معرّف (٢) ولا دلالة في ظاهر الآية
__________________
(١) رواه البخاري ٦ / ٢٧٠٦ رقم ٧٠٠١ ، ومتن الحديث ظاهر النكارة يعرف ذلك من تأمله من غير تعصب وهو أيضا مروي برقم ٤٣٠٥ ، ٧٠٠٠. وفي مسلم ١ / ١٦٧ ، ١٦٣ ، في باب الرؤية. وينظر الصفات لابن خزيمة ص ٩٠. وأقاويل الثقات ص ١٧٣. وتفسير ابن كثير ٤ / ٤٠٧.
(٢) في (ب) ، (ج) : معروف.