والأماكن والأزمان ، فالعزّة والكرامة تبدأ بالأنا الذاتيّة لينتهي بها المطاف بالأنا المجتمعية والاُممية ، وهكذا سائر الأشياء ومعها الأحداث والمواقف ، فإنّها تنطلق ابتداءً بأنا الخاصّة لتحطّ الرحال بالأنا العامّة .. إنّه نسق الحياة والنهج الذي تترتّب على ضوئه الموازين والضوابط والمعادلات الإنسانيّة والفكريّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة ; إذن الخطوة الحسّاسة المصيرية تبدأ بنقطة وتنتهي بنقطة : نقطتي الأنا الذاتيّة ونقطة الأنا العامّة.
إنّ صنعة الفكر والمعرفة والثقافة لا يمكن لها التخلّي عن الاُصول والثوابت التي قامت واستندت عليها ، إنّها على الدوام ترصد وتراقب وتلاحظ وتسجّل وتراجع وتستقرئ وتقارن وتحفر وتحلّل وتبعثر وتستنتج وتدوّن ; استفراغاً للوسع نحو استيعاب وضمّ الذات الأعمّ ، وهذا ما ترومه الأديان والمذاهب والتيّارات والأفكار والنظريّات التي تحوم حول شيء واحد وتدّعي شيئاً واحداً : الأخذ بالإنسان إلى الفوز. أو تهدف إلى نجاة الإنسان.
ولا ينجو الإنسان إلاّ :
بالجهل القصوري ، وهذه مرتبة تجعله خارجاً عمليّاً عن مرتبة الإنسانيّة وداخلاً في صنف الحيوانيّة.
أو بالمعرفة على اختلاف مراتبها ، والمعرفة أقلّ ما تعنيه الوعي الذي يسبح في أمواج التفكير ويحلّق في آفاق التأمّل والتدبّر.
وما بينهما ضياع وحيرة وتخبّط.