دمي وشراييني. كلّما أعود إلى الوراء أجد ذاك الشيخ قد أشعل في أعماقي جذوة الغضب والرفض والانتقام ، الغضب للكرامة المهدورة والمشاعر المجروحة والرفض لتلك الألفاظ القاسية التي كادت تطيح بآمالي وأحلامي وكلّ شخصيّتي ، والانتقام من خلال إثبات الخلاف.
ولعلّي إن حاولت دراسة تلك الأوصاف التي نُعِتُّ بها من باب علميٍّ نقدي فسأقتنع أنّ الأمر جار ضمن النسق والمنهج المعرفي الذي يتبنّى الفكر النقدي على أنّه عامل بناء لا هدم ، حتى وإن كان ذلك الشيخ الكبير لم يكن يعلم معنى الفكر النقدي وأدواته المعرفيّة ، لكنّه منحني الحصيلة التي تنتظم ضمن هذا السياق والمحتوى ، وأنا أيضاً لم أكن أعي الفكر النقدي وأدواته وخصائصه ، إلاّ أنّ معالجتي للمشكلة قد شكّل ـ بالإضافة إلى النقد المذكور ـ عبر نتائجها الملموسة معادلة متكاملة من البناء ; إذ آليت على نفسي ألاّ أهدأ عن التعلّم بشتّى الطرق والأساليب مادمت قادراً عليه.
إنّ كلمات ذلك الشيخ الكبير باتت الأصل الذي يتّكئ عليه حسّ الانتقام المعرفي في كياني وذاتي ووجودي ، وصارت الانتقادات التي تليها جارية على ذات النسق ، تزيد فيَّ همّة التعلّم ، ولم أكتف بالانتقادات على صورها المعروفة بل صرت ـ مثلاً ـ أرى في نجاح الآخرين بمشاريعهم العلميّة والثقافيّة والمعرفيّة والاجتماعيّة انتقاداً غير مباشر لي ولبرامج أفكاري وآرائي ، التي وجدتها في أكثر الأحيان دون المستوى الذي يتناسب مع حركة العقل والفكر.