لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالّة على صدق الخبر وإن اشتمل طريقه على ضعف ، كما أشرنا إليه سلفاً فلم يكن للصحيح كثير مزيّة توجب له التمييز باصطلاح أو غيره ، فلمّا اندرست تلك الآثار واستقلّت الأسانيد بالأخبار ، اضطرّ المتأخّرون إلى تمييز الخالي من الريب وتعيين البعيد عن الشك ، فاصطلحوا على ما قدّمنا بيانه ، ولا يكاد يعلم وجود هذا الاصطلاح قبل زمان العلّامة إلّا من السيّد جمال الدين ابن طاوس رحمهالله ، وإذا أطلقت الصحّة في كلام من تقدّم فمرادهم منها الثبوت أو الصدق ، وقد قوي الوهم في هذا الباب على بعض من عاصرناه من مشايخنا فاعتمد في توثيق كثير من المجهولين على صحّة الرواية عنهم واشتمالها على أحد الجماعة الذين نقلوا الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم» (١).
أقول : إنّ هذا وإن اشتهر عند متأخّري الأعصار إلّا أنّ الصحيح أنّ تقسيم الحديث كان ديدن القدماء حتّى في عصر الرواة بأقسام تربو على الخمسة ، وغاية ما صنعه العلّامة وشيخه السيّد ابن طاوس هو وضع الاصطلاح ، وإلّا فالتقسيم كان متداولاً منذ القدم عندهم ويميّزون في كيفيّة الحجّية بينها.
بل إنّ الضعيف له درجات عندهم كما أنّ المعتبر له درجات عندهم أيضاً وثمرة ذلك عندهم يبدونها عند التعارض والترجيح وفي كيفيّة تحصيل الوثوق بالصدور من ضمّ قرائن إلى الخبر الضعيف ، فدرجة الضعف على نوع القرائن على صلة وثيقة في تصاعد الاحتمال والوثوق بالصدور.
وكذا في معرفة العدد اللازم في الطرق لحصول الاستفاضة أو التواتر ، فإنّ درجة اعتبار الطريق أو درجة ضعفه مؤثّرة في الغاية في العدد اللازم لتحصيل
__________________
(١) منتقى الجمان / الفائدة الأولى ١ / ٤ ـ ١٤.