من التضحيات في سبيل الله سبحانه وتعالى ما يجعلها مؤهلة للتكريم والتقدير ، والمعاملة المتميزة وعلى المستوى الأعلى ، وبالذات من قبل أفضل الخلق ، وخاتم الأنبياء محمد «صلى الله عليه وآله» ،
إنه في حين يريد أن يعلن ذلك لسبب أو لآخر نجده يختار لهذا التكريم والتقدير ، ولهذه المعاملة المتميزة اتجاها لم نعهده من غيره في مجالات كهذه على الإطلاق.
فلقد كان هذا التكريم لا يهدف إلى المكافأة الدنيوية ، التي ليس فقط يكون مصيرها ـ كسائر حالات الدنيا وشؤونها ـ إلى الزوال والفناء.
وإنما هي قد تضر بحال من تكون له أو لأجله ، نفسيا وروحيا ـ على الأقل ، حينما يأخذ العجب والغرور ، والإحساس بالتميز بالنسبة لغيره من إخوانه وأقرانه ـ وأقل ما يقال في ذلك : إنه من الأدواء الخطيرة والمرعبة ، ولا أخطر من ذلك ولا أدهى.
وإنما اتخذت تلك المكافأة وذلك التكريم منحى أكثر واقعية ، وأعظم نفعا ، وأبعد عن مزالق الخطر ، ومخاطر الأدواء ، حيث ألبسها قميصه لتكسى من حلل الجنة ، واضطجع في قبرها لتهون عليها ضغطة القبر.
وهذا في الحقيقة هو محض الخير ، ومنتهى الإحسان ، وغاية النعمة حيث تحس به الروح الإنسانية إحساسا حقيقيا وواقعيا ، وعميقا ، حينما يمكن للروح أن تتلقاه عن طريق العقل بكل ما له من شفافية وطهر وصفاء لم يتكدر صفاؤه ، ولا تأثر طهره بأعراض الحياة الدنيا وزخارفها ، ولا خفف من درجة الإحساس به حجب الشهوات والأهواء ، ولا الانصراف ولا الانشغال بشواغل وصوارف اللهو واللعب. كما قال تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ