تفسيره على أنه محاولة منه لشراء ولائهم ، عن طريق استغلال ضعفهم الناشئ عن مكابدة الحاجة ، ومكافحة الجوع ، ومعاناة البلاء والالآم ؛ لأن معنى ذلك هو أن مواقفه «صلى الله عليه وآله» وتصرفاته كانت تمليها عليه الروح التجارية ، والشعور الانتهازي وأهداف لا إنسانية بصورة عامة.
وإنما عكس ذلك هو الصحيح. فإن مواقف المشركين معه «صلى الله عليه وآله» ، وجرائمهم تجاهه ، وتجاه أهل بيته وأصحابه والتي كانت قد بلغت الغاية ، وأوفت على النهاية ، لو فرض أنها قد كان لها دور في ما يتخذه من مواقف ويقوم به من أعمال ، فقد كان اللازم هو أن يجد في معاناة أهل مكة أنواع البلاء ما يشفي غليل صدره ومتنفسا لحقده ووجده.
ولكننا نجده يعلن بفرحه وسروره ، ويعرب عن تمنياته بزيادة النكبات ، وتوالي المصاعب والمتاعب وبمضاعفة البلايا والمآسي على أولئك الذين لم يألوا جهدا ولم يدخروا وسعا في حربه ، وقهره ، وإلحاق مختلف أنواع الأذى به وبكل من يلوذ به.
نعم ، إن هذا هو الذي كان يمكن أن نتوقعه منه «صلى الله عليه وآله» في ظروف كهذه ولكن من يراجع حياة النبي «صلى الله عليه وآله» ومواقفه من أهل مكة قبل وبعد هذه القضية ، فإنه يجده ذلك الرجل المشفق ، والوالد الرحيم لهم حتى وهم يتخذون ضده وضد أهل بيته وأصحابه أعتى المواقف ، ويرتكبون في حقهم أبشع الجرائم وأفظعها ، فهو القائل في حرب أحد ، التي قتل فيها عمه أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
وهو الذي قال لأهل مكة ، حينما دخلها بعد ذلك في سنة ثمان للهجرة :