أريد أن أشق عليكم ، وليس بخاف عن علمكم الحديث المشهور : (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).
ولما كانت سنة إحدى وثلاثين أمر صاحب الترجمة جماعة من أتباعه بالطواف في الأسواق مع حمل الخرز في رقابهم ولبس الفراء المقلوبة ونحو ذلك ، وبعضهم خزم أنفه ، فكره كثير من الناس فعل ذلك ، وأنكر بعض الفقهاء ، فساعده كما قيل قاضي حلب عبيد الله سبط ابن الفناري ، فكتب عند ذلك الشيخ شمس الدين محمد المنيّر الواسطي يستفتي ، وأرسل بصورة فتواه إلى حماة ، فكتب له الشيخ علوان بعد حمد الله تعالى :
أما الديار فإنها كديارهم |
|
وأرى نساء الحي غير نسائها (١) |
ثم أخذ يذكر أن بساط التصوف قد طوي من لدن أبي القاسم الجنيد شيخ الطائفة إلى هلم جرا ، وإنما كان هو ومن بعده من الصديقين والصادقين يتكلمون في حواشيه. إلى أن قال : وزبدة الخبر أن توزن هذه الأفعال المرتكبة بموازين الشريعة ، فما خرج عن المأذون فيه فهو داخل في المنهي عنه ، ولا يخرج ما دخل في حيز المنهي عن الكراهة والتحريم. وأما السؤال عن كونها بدعة أو سنة فإن أريد بالسنة ما تخلق به المصطفى صلىاللهعليهوسلم من الأحوال والأقوال والأفعال فلا شبهة أن هذه الأفعال المرتكبة لم يرتكبها بنفسه عليه الصلاة والسلام ولا أحد من الصحابة الأعلام فكانت بدعة في الدين وحدثا لم يعهد في زمن سيد الأولين والآخرين صلىاللهعليهوسلم وعلى آله أجمعين ، وإن أريد بالسنة ما هو أعم من ذلك مما أباحه للأمة وشرعه لها ففي بعض الأفعال ما لا يحرمه الشرع كتعليق الخرز ونحوه ، وإن كان خارما للمروءة مانعا من قبول الرواية والشهادة ، وحينئذ ينظر في حاله مرتكبه ونيته ، فإن لم يجد صلاحا لقلبه بدونه فله ذلك إذ المعالجة بالنجاسة عند تعذر الطاهر جائزة ، هذا إن لم يترتب عليه مفسدة راجحة ، فإن ترتبت درئت ، لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح. وليس بخاف عن جهابذة العلماء وصيارفة الفقهاء مصطلح الصادقين من الصوفية كما تضمنه «الإحياء» وغيره ولكل مقام مقال (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) وهو أعلم بالصواب.
هذا وقد وقفت في موضع آخر من «عيون الأخبار» على ملخص الرسالة التي أرسلها
__________________
(١) البيت ينسب إلى المجنون. «قوت القلوب ١ / ٣٤٩».