السلوك والمناقب» الذي فرغ من تأليفه سنة عشر وألف :
وكان على دين المحبة والتقى |
|
محمد المشهور في حسن عزلة |
كواكبه سارت على فلك ذكره |
|
إليه تدلى الذكر من جد طينة |
وذاك أبو يحيى الذي عاش طيبا |
|
ومات على منوال أهل المحبة |
الشيخ محمد الذي جده الكواكبي كان رجلا صالحا تقيا محبا العزلة والتفرد ، وكان له قلب طيب لا يفتر عن ذكر الله تعالى ، فقلوبنا دائمة الذكر ولو كنا سكوتا بالألسنة. وقال لي : قد مضت لناأوقات طيبة وصبيحات بذكر الله تلذذ القلب ، ولكن الهمم تقاصرت ، ولو عاملنا الفقراء بالطريق لفروا بالكلية. وكنت أسمع منه أخبارا وحكما وتربية تبرز منه وعليها كسوة حال ، فكنت أستدل بها على صحة قلبه رضي الله تعالى عنه ونفعنا ببركاته. ولو لم يكن من فضله إلا انقطاعه واختلاؤه مع الله لا ضرر ولا ضرار لكفاه. وكنت أرى منه أنه كان يكره المنكر ويثقل عليه الأمر المخالف للأدب والشريعة. وكان لا يشرب القهوة ، وكان يحكي لي عن رجل أنه رأى في المنام أن شرب القهوة يفرغ في أفواههم القطران المغلي ، وهذا يحمل على مزج شربها بمنكر كمن يشربها في بيوت القهوات من أيدي المرد مع التجاهر بالكلام المنكر وبذل الدراهم للمرد جهارا من غير مبالاة بدين الله بل يفتخرون بذلك ، فلقرنها بهذه الأفعال رأى من رأى ما رأى ، وإلا فعينها حل وشربها مباح ، فإن الأعيان إنما تحرم لإسكارها أو لضررها أو لنجاستها أو لكرامتها ، والقهوة ليست مسكرة ولا مضرة لا في البدن ولا في العقل ولا نجسة ولا مكرمة كالآدمي فإنه إنما حرم تناول لحمه لكرامته ، فالشيخ رضياللهعنه كان تركه لشربها من باب الورع ومجاهدة النفس عن ملذوذات الدنيا ، وهذا حال أهل الله تعالى.
وكنت أسمع منه أخبارا في فضل زيارة الأخوان والمتحابين في الله تعالى ، ولا شك في أن زيارة الأخوان وأهل الفضل والتحابب في الله من السنة.
(ثم قال) : ورأيت في إجازة رتبها الشيخ شهاب الدين [بن مهنا المذكور في الترجمة] أن الطريقة الكواكبية متصلة بالشيخ عبد القادر الكيلاني رضياللهعنه ، ولكن جرت العادة أن الطريق إذا ظهر فيه شيخ له قوة وإذن من الله نسب ذلك الطريق إليه ، فلقوّة الشيخ أبي يحيى الكواكبي نسب الطريق إليه فصار يقال الطريقة الكواكبية ، ومن فضل