بالفوائد الجزيلة ثم يثقل عليه الوفاء كما أشرت إليه قريبا ، ولا يزال لذلك يتشكى حتى إن العلم ابن الجيعان يكثر تفقده له بالمبرات مع كونه رام مناطحة العلم فخذل ، وكذا أسعفه الدوادار الكبير مرة بعد أخرى. وأما الزين ابن هرمز فلم يزل يتفقده حتى بالطعام مع مزيد جنايته عليه حتى مواجهة ومشافهة ، على أن العز الحنبلي لم يكن يقبل منه شكواه ولا دعواه ويقول بل هو كثير الأموال. ورغبة في الانتقام ممن يفهم عنه مناوأة أو معارضة ما بحيث لا يتخلف عن ذلك إلا عند العجز ويصرح بما معناه اثبت إلى أن تجد مجالا فدق وبت. ويحكى عنه في الاحتيال على الإتلاف مالا أثبته ، ومنه ما حكاه لي الزين قاسم أنه دس عليه من وضع في زيره شيئا بحيث خرج على بدنه ما كاد أن يصل إلى حد الجذام ونحوه. كثير التأنق في ملبسه ومسكنه وسائر تمتعاته ، وهو بالمباشرين أشبه منه بالعلماء كما صرح به له غير مرة الكافياجي (شيخ الجلال السيوطي) بل والعز الحنبلي ولم يكن يقيم له وزنا في العلم كما سمعته أنا وغيري منه. وما وجد بخطه في المائة التاسعة له من ترجمته له فيما قلدني فيه قبل أن أخبره بما قلدت فيه بعضهم على ما يشهد به خطه الذي عندي. وقال له المناوي : كيف يدعي العلم من هو مستغرق في تمتعاته وتفكهاته ويبيت في لحف النساء ليله بتمامه ، العلم له أهل.
والكلام فيه كثير جدا لا أقدر على حكايته ، وعلى كل حال فمجموعه حسن الظاهر ، ولهذا كان شيخنا يميل إليه خصوصا مع رغبته في تحصيل تصانيفه ، وكذا لم أزل أسمع من صاحب الترجمة الهمار (هكذا ولعله الهماز) (١) محبته ولكن مع إدراج أشياء تلمح فيها بشيء ، ثم رأيته ترجمه في مقدمة شرحه للهداية بقوله : وكان كثير التبكيت في تاريخه على مشايخه وأحبابه وأصحابه سيما الحنفية فإنه يظهر من زلاتهم ونقائصهم التي لا يعرى عنها غالب الناس ما يقدر عليه ، ويغفل عن ذكر محاسنهم وفضائلهم إلا ما ألجأته الضرورة إليه ، فهو سالك في حقهم ما سلكه الذهبي في حقهم وحق الشافعية حتى قال السبكي :
إنه لا ينبغي أن يؤخذ من كلامه ترجمة شافعي ولا حنبلي ، وكذا يقول في شيخنا رحمهالله إنه لا ينبغي أن يؤخذ من كلامه ترجمة حنفي متقدم ولا متأخر ، وكل هذا ليس بجيد ، ولقد جرح هذا الكلام لما وقفت عليه قلبي ، وما حمله عليه إلا ما قاله في أبيه ، وشيخنا
__________________
(١) في الضوء اللامع : إظهار.