وقال البقاعي في ترجمة التيزيني : وحصلت له كائنة مع ابن الشحنة في سنة خمسين بغته فيها وأدخل عليه الخمر إلى بيته من جهة ربيبه وزيّن لحاجب حلب حتى أوقع به وسجنه ، وله من هذا النمط بل وأفحش منه مما يتحاكاه أهل بلده الكثير. ولما ملوا منه وجه سعيه إلى رسوخ قدمه في الديار المصرية ليكون مرعيا في نفسه وجماعته وجهاته التي تفوق الوصف ، فاجتهد حتى ولي كتابة سرها في ذي القعدة سنة سبع وخمسين عوضا عن ابن الأشقر ببذل كثير جدا فلم يتهن بمباشرتها مع عظيم المملكة الجمال بل صار معه كآحاد الموقعين ، ومع ذلك فلم يستكمل فيها سنة بل أعيد صاحبها بعد ثمانية أشهر وأيام ، ودام هذا بالقاهرة مكروبا متعوبا مرعوبا مشغول الخاطر لما استدانه فيما لم يظفر منه بطائل إلى أن وجه لبيت المقدس في أواخر ذي القعدة من التي تليها بعد أن زود من أفضال الجمال بما يرتفق به ، فوصله في سابع ذي الحجة فأقام به ، ولقيته هناك على طريقة حسنة من العبادة والتلاوة والاشتغال والإشغال بحيث أخبرني أنه يختم القرآن كل يوم وأنه جوده بحضرة الشمس ابن عمران شيخ القراء بتلك الناحية ، وأنه كان يكتب في كل يوم كراسة فالله أعلم. ولكن رأيته هناك أحضر بعض مماليكه وأشهد عليه أنه إن أقام بالقاهرة أو حلب أو غيرها من البلاد الشامية أو صاحب أحدا من أعدائه أو صادقه أو نحو ذلك يكون مشركا بالله عزوجل ونحو هذا ، فكربت لذلك وما استطعت الجلوس بل انصرفت. ويقال إنه في مملكة ابن عثمان.
واستمر المحب مقيما في القدس إلى أحد الجماديين سنة اثنتين وستين فأذن له في العود للمملكة الحلبية بعد سعي شديد أو في الرجوع لمصر ، فاختار بلده فأقام بها دون وظيفة لرغبته عن قضاء الحنفية فيها لابنه الكبير الأثير من مدة ، وأضيف حينئذ قضاء الشافعية بها لحفيده الجلال أبي البقا محمد لمزيد تضررهم بمن كان يكون فيه كالشهاب الزهري ونحوه مما أظن تسليطهم عليه انتقاما من الله عزوجل بما عمله هو مع البرهان السوبيني ذاك العبد الصالح حسبما سمعته يتبجح بحكايته غير مرة ، فلم يزل مقيما بها إلى أن ورد الخبر بموت الجمال فبادر لقدوم القاهرة فوصلها في يوم الجمعة رابع جمادى الأولى من التي تليها ، فأعيد إلى كتابة السر أيضا ببذل يفوق الوصف بعد صرف المحب ابن الأشقر ، واستقر بحفيده لسان الدين أحمد في نيابتها ، ولم يلبث أن مات ابن الأشقر وباشر حينئذ مباشرة حسنة على الموضع بأبهة وضخامة وبشاشة وسار مع الناس سيرة مرضية بلين ورفق وتواضع ومداراة وأنزل الناس منازلهم وصرف الأمور تصريفا حسنا وأقبل عليه الأشرف إينال إقبالا