مرتين لم تطل مدته فيها ، الأولى عن الأمير تنم بن عبد الرزاق المؤيدي والثانية عن يار علي الطويل.
ثم ركدت ريحه وتضعف عن الحركة لكبر سنه واستمر مقيما بداره إلى أن أخرجت عنه الأحباس لعلاء الدين علي بن محمد بن أقبرس أحد نواب الحكم الشافعي وندماء الملك الظاهر جقمق في سنة ثلاث وخمسين ، فعظم عليه ذلك لقلة موجوده ، وصار يبيع من أملاكه وكتبه إلى أن توفي ليلة الثلاثاء رابع ذي الحجة سنة خمس وخمسين وثمانمائة ، وصلي عليه بالغد في الجامع الأزهر ودفن بمدرسته بجوار داره رحمهالله. وكانت جنازته مشهودة ، وكثر أسف الناس عليه.
وكان بارعا في عدة علوم مفننا عالما بالفقه والأصول والنحو والتصريف واللغة مشاركا في غيرهم مشاركة حسنة ، أعجوبة في التاريخ ، حلو المحاضرة ، محظوظا عند الملوك إلا الملك الظاهر جقمق ، كثير الاطلاع واسع الباع في المعقول والمنقول لا يستنقصه متغرض ، قل أن يذكر علم إلا ويشارك فيه مشاركة جيدة. ومصنفاته كثيرة الفوائد أخذت عنه واستفدت منه ولي منه إجازة بجميع مروياته وتصانيفه.
وكان شيخا أسمر اللون قصيرا مسترسل اللحية فصيحا باللغة التركية لكلامه في التاريخ وغيره طلاوة. وكان جيد الخط سريع الكتابة ، قيل إنه كتب كتاب القدوري في الفقه في ليلة واحدة في مبادي أمره. وكانت مسوداته مبيضات. وله نظم ونثر ليس بقدر علمه ، ومن مصنفاته شرح البخاري في مجلدات كثيرة نحو العشرين مجلدا ، وشرح الهداية في الفقه ، وشرح الكنز في الفقه ، وشرح مجمع البحرين في الفقه أيضا ، وشرح تحفة الملوك وشرح الكلم الطيب لابن تيميّة ، وشرح قطعة من سنن أبي داود ، وقطعة كبيرة من سيرة ابن هشام ، وشرح العوامل ، وشرح الجاربردي ، وكتاب في المواعظ والرقائق في ثماني مجلدات ، ومعجم مشائخه في مجلد ، ومختصر في الفتاوي الظهيرية ، ومختصر المحيط ، وشرح التسهيل لابن مالك مطولا ومختصرا ، وشرح شواهد الألفية لابن مالك وهو كتاب نفيس احتاج إليه صديقه وعدوه وانتفع بهذا الكتاب غالب علماء عصره ، وشرح معاني الآثار للطحاوي في اثنتي عشرة مجلدة ، وكتاب طبقات الشعراء ، وحواشي على شرح الألفية لابن مالك ، وكتاب طبقات الحنفية ، والتاريخ الكبير على السنين في عشرين