مع أقاربه ، أنشأه مدرسة وجامعا بلا منبر بل بكرسي يحمل ويوضع ، أخذ شكله من كرسي النجاري بالجامع الكبير ، وليس له سدة بل تخت من خشب موضوع للمؤذنين. وكان في محله معصرة معدة للسيرج فنفضها وجعلها قبالة الجامع المذكور ، وأسس هذا الجامع وبلغ بأساس المئذنة إلى الماء ، فنبع عليهم فعجزوا عن إزالة الماء ، فطرحوا في الأساس جرزونا وحواريق من أشجار التوت ، ثم بنى فوق ذلك. والباني أولا هو مصطفى ، ثم عدل عنه إلى المعلم محمد شقير ونحاته شخص مصري يقال له محمد الفيل ، ونقل إليها الأحجار والرخام الأسود والأصفر ، وأخذ بوابة كانت قبال المدرسة الزجاجية فجعلها بوابة هذا الجامع. وجد واجتهد في عمارته وحصل له في أول يوم وفي أول حجر وضع بعد الأساس نكاية عظيمة من ابن الرزاز الحنبلي فإنه صار ينشد :
كمطعمة الأيتام من كدّ فرجها |
|
لك الويل لا تزني ولا تتصدقي |
والله يعلم المفسد من المصلح.
ومحرابها وحائطها القبلي وقناطرها من الرخام الأسود والأصفر ، وأبوابها من المنجور في غاية الحسن ، وصانع ذلك هو الحاج أحمد بن الفقيه بترتيب الحاج عبد الله الخشاب وكان من أهل الخير ، إلا باب الشباك الذي عند قبر ولد الواقف فإنه من صنعة شخص أعجمي حضر إلى حلب فادعى معرفة الصنعة فاستعمله القاضي شهاب الدين في هذا الباب وفي حاجبه فكلفه عليه كلفة زائدة عن حده ، فأصرفه واستعمل الحاج أحمد المذكور ، وكان يقول لو عملت هذا الباب من ذهب ما كلفت عليه هذا القدر. ورخام صحنها في غاية الجودة ، وتأنق القاضي شهاب الدين المذكور في بنائها وجعل له فيها خلوة لينقطع عن المباشرات فيها. وكان مغرما بهذا الجامع مكثرا لذكره ، وعمل لنفسه جبة من الصوف الأسود ليلبسها عند جلوته في الخلوة ، واقتطع من ملكه وشرى أملاكا فوقفها على هذا الجامع ، وشرى كتبا نفيسة ووقفها عليه ، ورتب خطيبا فخطب بهذا الجامع ، وقد خطب به الشيخ عمر الأعزازي وهو من أهل الخير والصلاح ، وخطب به شيخنا محمد الأعزازي وسيأتي تاريخ وفاته مع ترجمته ، ورتب مدرسا فدرس بها الشيخ علي الكردي تلميذ والدي وهو من أهل الفضل ، وكان والدي يميل إليه ويحبه ، ودرس بها الشيخ العلامة قاضي المسلمين أبو بكر بن إسحق الحنفي والشيخ شمس الدين أمير حاج المعري أحضره القاضي شهاب الدين من القاهرة وكان صوفيا منقطعا عن الناس عارفا بالقراءات ، وأول إجلاس