قلت : إنّ الأخبار دلّت على أنّ مُطلق الخروج مبطل فيه (١) ، فكيف لا تدلّ على إبطال الطويل منه ، فلا حاجة إلى ذكره.
فإن قلت : نعم ، ولكن مع استثناء المستثنيات ، فلا بدّ أن يذكروا أنّ ذلك بشرط عدم الطول الماحي.
قلت : إنّ الاستثناء بقدر المتعارف ، فالاستثناء محدود بالمتعارف لا يجوز التعدّي عنه ، وأما التعدّي عن العادة فهو داخل في الخروج الممنوع على سبيل الإطلاق.
مع أنّا نقول : مُبطلات العمل إما تعبديّة ، وإما عقلية ، فمثل أكلِ لقمة في الصلاة مُبطل ، وإن لم يكن ماحياً ، سيّما إذا كان يبلغ ما كان في فيه قبل الصلاة ، وذلك لأجل التعبّد ، وأما إبطال الفعل الكثير ، فلأجل عدم الامتثال عقلاً ، بغير ما هو على الوجه المأمور به بحسب الكم والكيف ، أو مع ترك نفس المأمور به ، فقد ذكروا في الصلاة أنّ الأكل مبطل والشرب مبطل مثلاً ، والفعل الكثير مبطل.
فالمحتاج إلى التعرّض في حكم المبطل بسبب الفعل الكثير في الخروج إنّما هو المكره ؛ لأنّه لم يتحقّق منه خروج ، أو لم يتحقّق الخروج المنهي عنه حتّى يتعرّض لحكمه ، بخلاف المختار ، فذكروا في المختار أنّ الخروج فيه مبطل ، والخروج للأفعال الضرورية على حسب المعتاد غير مبطل ، وذلك لا ينافي بطلانه مع الخروج عن المعتاد ، ومحو صورة الاعتكاف.
ويشهد بذلك ما ذكره في المسالك بعد ذلك في مسألة استثناء قضاء الحاجة قال : ولو خرج عن كونه معتكفاً لطول الحاجة بطل مطلقاً (٢) ، فلأجل توهّم دخول الخروج القَسري في أفراد الخروج المنهي عنه نبّهوا على أنّه غير مضرّ ، إلا إذا صار ماحياً لصورة الاعتكاف ، فهو حينئذٍ مُبطل لأجل أنّه ماحٍ ، لا لأجل أنّه خروج.
فظهر مما حقّقناه : أنّ نظر أرباب القول الثاني ، إلى أنّ الخروج منافٍ لمهيّة الاعتكاف
__________________
(١) الوسائل ٧ : ٤٠٧ أبواب الاعتكاف ب ٧.
(٢) المسالك ٢ : ١٠٣.