أقول : إنّ الإمام في العقائد لدى أهل السنّة ، وهو الإمام أحمد ، وبعده الإمام الأشعري ، والمفروض أنّهم لا يقولون بعدم تأثير قدرة العبد في فعله ، ومعه : كيف يمكن أن ينسب إلى أهل السنّة غيره؟!
والحقّ أنّ ابن تيمية من رماة القول على عواهنه فيقضي ويبرم وينقض بلا مصدر صحيح ، وسيوافيك نبذ من جزافاته في الجزء الرابع من هذه الموسوعة ، عند البحث عن عقائد الوهابية.
التفسير والتطور والإنكار
لقد وقفت على نصوص أعلام الأشاعرة حول نظرية الكسب ، وحتى نصّ الأشعري فيها. والتدبر فيما نقلناه يعرب عن أنّ هذه النظرية ـ لأجل إحاطة الإبهام بها ووجود الغموض فيها ـ مضت عليها مراحل ثلاث :
١ ـ مرحلة التبيين والتفسير.
٢ ـ مرحلة التطور والتكامل.
٣ ـ مرحلة الإنكار والإبطال.
وهذه المراحل وإن لم تتكون حسب الترتيب الزمني ، ولكنّها تكونت طيلة قرون تنوف على عشرة.
أمّا المرحلة الأُولى فقد تكونت بفكرة الغزالي أوّلاً ، والتفتازاني ثانياً. فقام الأوّل بتفسيرها ب ـ « صدور الفعل من الله عند إيجاد القدرة في العبد » ، كما أنّ الثاني فسرها ب ـ « توجه قدرة العبد صوب الفعل عند صدوره من الله ».
فهذان التفسيران لم يزيدا في بناء النظرية شيئاً إلاّ إلقاء الضوء عليها ، وتصويرها بشكل قابل للتصوّر.
أمّا المرحلة الثانية ـ أعني : مرحلة التطوّر ـ فقد حصلت باعتراف القاضي الباقلاني بتأثير قدرة العبد في ترتب العناوين على الفعل ، من الطاعة والعصيان