الحدائق الناضرة - ج ١٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

وعلى الثاني في الجملة ما رواه في الكافي عن داود بن فرقد (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة أشهر وليس بها حمل ، قال : ان كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر ، فهذا عيب ترد منه». ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب.

وللمشتري الخيار بين الرد والقبول مع الأرش في صورة الجهل بالعيب عند الشراء ، ويسقط الرد خاصة دون الأرش بالتصرف في المبيع ، سواء كان قبل علمه بالعيب أم بعده ، وسواء كان التصرف ناقلا للملك أم لا ، مغير اللعين أم لا.

ونقل عن ابن حمزة أنه إذا تصرف المشترى بعد العلم بالعيب سقط الرد والأرش معا ،

وهو مردود بالاخبار الاتية ، وكذا يسقط الرد خاصة دون الأرش بحدوث عيب بعد القبض ، فإنه مانع من الرد بالعيب السابق ، ويسقطان معا بالعلم بالعيب قبل العقد ، فان قدومه عليه عالما به رضى بالعيب.

وكذا يسقطان بالرضا به بعده ، وفي حكمه إسقاط الخيار وكذا يسقطان ببراءة البائع من العيوب ، والأصل في بعض هذه الأحكام الاخبار الجارية في هذا المضمار.

ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح أو الحسن عن جميل (٢) عن بعض أصحابنا عن أحدهما ـ (عليهما‌السلام) «في الرجل يشترى الثوب من الرجل أو المتاع فيجد به عيبا ، قال : ان كان الثوب قائما بعينه رده على صاحبه وأخذ الثمن ، وان كان خاط الثوب أو صبغه أو قطعه رجع بنقصان العيب».

وما رواه في الكافي والتهذيب (٣) عن زرارة عن أبى جعفر (عليه‌السلام)

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٦٥ الفقيه ج ٣ ـ ٢٨٥ الكافي ج ٥ ص ٢١٣.

(٢) الفقيه ص ١٣٦ الرقم ٣٣ الكافي ج ٥٤ ص ٢٠٧ مع اختلاف يسير ، التهذيب ج ٧ ص ٦٠ الرقم ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٢٠٧ الرقم ٣ التهذيب ج ٧ ص ٦٠ الرقم ١.

٦١

قال : «أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب أو عواز لم يتبرأ إليه منه ولم يبرأ به وأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا وعلم بذلك العور أو بذلك العيب انه يمضى عليه البيع ويرد عليه بقدر ما ينقص ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به».

وما رواه في الكافي عن أبى صادق (١) قال : «دخل أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ورواه الصدوق مرسلا قال دخل أمير المؤمنين (عليه‌السلام) سوق التمارين فإذا امرأة قائمة تبكي وهي تخاصم رجلا تمارا ، فقال لها : مالك؟ فقالت : يا أمير المؤمنين اشتريت من هذا تمرا بدرهم فخرج أسفله رديا وليس مثل هذا الذي رأيت فقال له. رد عليها ، فأبى حتى قال له ثلاث مرات فأبى ، فعلاه بالدرة حتى رد عليها ، وكان عليه‌السلام يكره أن يجلل التمر.».

وما رواه المشايخ الثلاثة عن ميسر بن عبد العزيز (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل اشترى زق زيت فوجد فيه درديا فقال : ان كان ممن يعلم ان ذلك يكون في الزيت لم يرده عليه ، وان لم يكن يعلم أن ذلك يكون في الازيت رده عليه».

وما رواه في التهذيب عن جعفر بن عيسى (٣) قال : «كتبت الى أبى الحسن (ع) جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد ، فينادي عليه المنادي فإذا نادى عليه بري‌ء من كل عيب فيه ، فإذا اشتراه المشترى ورضيه ، ولم يبق إلا نقده الثمن فربما زهده فإذا زهد فيه ادعى فيه عيوبا وأنه لم يعلم بها فيقول له المنادي : قد برئت منها ، فيقول له المشترى : لم أسمع البراءة منها أيصدق فلا يجب عليه الثمن ، أم لا يصدق فيجب عليه الثمن؟ فكتب (عليه‌السلام) : عليه الثمن».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٣٠ الفقيه ج ٣ ص ١٧٢ الرقم ٢.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ١٧٢ التهذيب ج ٧ ـ ص ٦٦ الكافي ج ٥ ص ٢٢٩.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٦٦ الرقم ٢٩.

٦٢

الا أن ظاهر الأصحاب عدم القول بهذه الرواية كما سيأتي تحقيقه إنشاء الله تعالى. في فصل العيوب.

وما رواه في التهذيب أيضا ـ عن السكوني (١) عن جعفر عن أبيه عليهم‌السلام «أن عليا (عليه‌السلام) قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة فوجد فيها ربا فخاصمه الى علي (عليه‌السلام) فقال له علي (عليه‌السلام) : لك بكيل الرب سمنا ، فقال له الرجل : انما بعته منك حكرة ، فقال له (عليه‌السلام) ـ : انما اشترى منك سمنا ولم يشتر منك ربا».

قال في الوافي والحكر الجمع والإمساك يقال : اشترى المتاع حكرة أي جملة. انتهى ، الى غير ذلك من الاخبار الاتية إنشاء الله في الفصل الذي في حكم العيوب ، وقد تقدم في المباحث السابقة ما يدل على بعض هذه الأحكام ايضا.

والعجب من صاحب الكفاية هنا حيث قال : ولو تصرف المشترى سقط الرد دون الأرش للاخبار المتعددة ، لكن الأخبار مختصة بمن اشترى جارية فوطأها ثم وجد بها عيبا. انتهى.

وكأنه لم يقف على هذه الاخبار التي قدمناها صريحة في الأرش مع التصرف في المبيع مطلقا جارية أو غيرها ، الا ان عندي في المقام اشكالا ، وهو ان المذكور في كلامهم انه مع ظهور العيب السابق قبل العقد أو القبض فللمشتري الخيار بين الرد والقبول مع الأرش ، والروايات المتقدمة خالية من ذكر الأرش ، وانما المذكور فيها الرد ، والأرش إنما ذكر في صورة التصرف المانع من الرد ، ومثلها الاخبار الاتية إنشاء الله تعالى ـ في شراء الجواري ، ولم أقف على من تنبه لذلك ولا نبه عليه (٢).

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٦٦ الرقم ٣٠.

(٢) أقول الى ما ذكرنا من الاشكال هنا أشار المحقق الأردبيلي في شرحه

٦٣

وبالجملة فالدليل على التخيير المذكور غير ظاهر من الاخبار الا ان يكون الإجماع ، لظهور اتفاقهم على الحكم المذكور.

نعم ذلك مذكور في الفقه الرضوي (١) حيث قال (عليه‌السلام) «فان خرج في السلعة عيب وعلم المشترى ، فالخيار اليه ان شاء رد وان شاء أخذه أورد عليه بالقيمة مع أرش العيب». وظاهر العبارة التخيير بين الرد وبين أخذه من غير أرش أو أخذه مع الأرش ويحتمل أن لفظة (أو) غلط ، وانما هو بالواو فيكون مخيرا بين الأول والثالث.

والظاهر أن هذه العبارة هي المستند في ذلك ، في كلام المتقدمين وجرى عليه جملة المتأخرين كما في جملة من الأحكام التي أسلفنا ذكرها في غير مقام.

وأما باقي شقوق المسألة مما لا يظهر وجهه من هذه الاخبار ، فيمكن استفادته من الرجوع الى القواعد المقررة والضوابط المعتبرة.

والأرش المذكور في الاخبار المتقدمة عبارة عن نسبة التفاوت بين قيمته صحيحا وقيمته معيبا ، فيؤخذ من الثمن بتلك النسبة ، لا تفاوت ما بين الصحيح والمعيب ، لانه قد يحيط بالثمن أو يزيد عليه ، فيلزم أخذه العوض والمعوض ، كما إذا اشتراه بخمسين وقوم معيبا بها ، وقوم صحيحا بمأة أو أزيد ، وعلى اعتبار النسبة يرجع في المثال المذكور بخمسة وعشرين ، وعلى هذا القياس.

وتمام تحقيق المسألة يأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ في الفصل المعقود للعيب ، وهذا ما وعدنا به آنفا من ذكر ثمانية من أفراد الخيار المذكورة في كلام أكثر الأصحاب ، وزاد شيخنا في اللمعة ستة على هذه الثمانية بحيث يبلغ المجموع أربعة عشر ، وانما أعرضنا عن ذكرها لعدم وجود النصوص على كثير من أحكامها وسيأتي ـ إنشاء الله ـ التعرض لذكرها كل في مقامه ، وبيان ما يتعلق بنقضه وإبرامه.

__________________

على الإرشاد إلا انا لم نقف عليه الا بعد تجاوز هذا المقام فاستثناه بعد ذلك فيما يأتي في مسألة الرد من احداث السنة في فصل العيوب فليتراجع منه قدس‌سره.

(١) المستدرك ج ٢ ص ٤٧٤.

٦٤

المقام الثاني في أحكام الخيار

وقد تقدم ذكر كثير منها في المباحث المتقدمة في المقام الأول ، وبقي الكلام هنا في مسائل :

الأولى : قد صرح جمع من الأصحاب ـ رضى الله عنهم ـ بأن خيار الشرط يثبت في كل نوع من أنواع العقود ، سوى النكاح والوقف والإبراء والطلاق والعتق.

أما جواز الشرط في العقود ، فلعموم الأخبار المتقدمة في خيار الشرط الدالة على جواز الاشتراط إذا كان الشرط سائغا لا يخالف الكتاب والسنة ، وقد استثنى من البيع ما يتعقبه العتق ، كشراء القريب الذي ينعتق عليه ، فإنه لا يثبت فيه خيار الشرط ، ولا المجلس ، وكذا شراء العبد نفسه إذا جوزناه ، فإنه مناف لمقتضاه ، وسيأتي تحقيق المسألة ـ إنشاء الله تعالى ـ في محلها.

واما استثناء ما ذكر ، فعلل بان النكاح لا يقصد فيه المعاوضة ، والوقف ازالة ملك على وجه القربة ، ومثله العتق ، وقريب منه الإبراء.

وادعى في المسالك الإجماع على استثناء هذه المذكورات أولا ، والظاهر أنه هو العمدة عندهم ، والا فهذه التعليلات لا تمنع تطرق المناقشة ، فإنها لا تصلح لتخصيص عموم تلك النصوص.

قال في التذكرة : والأقرب عندي دخول خيار الشرط في كل عقد معاوضة ، خلافا للجمهور ، وهو مؤذن بعدم الخلاف عند الأصحاب ، وقد الحق بالطلاق الخلع والمبارات ، وبالعتق التدبير والمكاتبة المطلقة ، وقد عرفت ما في المحلق به.

والحق ان المسألة لا يخلو عن شوب الاشكال بالنظر الى إطلاق النصوص ، وعدم وجود مخصص يصلح الاعتماد عليه ، وان كان الأحوط الوقوف على ما ذكروه (رضى الله عنهم).

٦٥

الثانية : لا خلاف بين الأصحاب في أن الضابط في صحة الشرط هو أن لا يكون مؤديا إلى الجهالة في المبيع أو الثمن ، ولا مخالفا للكتاب والسنة ، فلو كان مؤديا إلى الجهالة في أحدهما بطل ، كاشتراط تأخير المبيع في يد البائع أو الثمن في يد المشترى ما شاء كل واحد منهما ، فإنه يلزم منه الجهالة ، فإن للأجل قسطا من الثمن ، وإذا كان مجهولا يجهل الثمن ، وكذا القول في جانب المبيع.

ومتى كان مخالفا للكتاب والسنة ، فإنه يبطل أيضا كاشتراط عدم وطئ الأمة ، أو شرط وطئ البائع إياها بعد العقد مرة أو أزيد ، واشتراط أن لا يبيعه أو لا يعتقه أو لا يهب.

قال في المسالك ـ بعد حد هذه الافراد ـ : وضابط ما ينافي مقتضى العقد ، بأن يقتضي عدم ترتب الأثر الذي جعل الشارع العقد من حيث هو يقتضيه ، وترتبه عليه ، كذا حققه جماعة انتهى.

ثم استشكل اشتراط عدم الانتفاع زمانا معينا ، واشتراط سقوط خيار المجلس والحيوان وما شاكل ذلك مما أجمع على صحة اشتراطه.

أقول : ويمكن دفع الإشكال بالنسبة إلى الأول بالوقوف على مقتضى الضابطة المذكورة ، والقول ببطلان هذا الشرط حيث لا دليل عليه ، وعن الثاني بجميع أفراده بان ذلك ليس من مقتضى العقد ، فان مقتضاه اللزوم كما تقدم ، وانما جاز الفسخ في هذه المواضع بدليل خارج أوجب الخروج عن مقتضى العقد.

وأما ما ذكره هنا هو وغيره من اشتراط أن لا يبيع ولا يهب فجيد ، بناء على الضابطة المذكورة ، الا أنه قد ورد في جملة من الاخبار ما يؤذن بصحة هذا الشرط مثل مرسلة (١) جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) في الرجل اشترى جارية وشرط لأهلها ان لا يبيع ولا يهب قال : يفي بذلك إذا شرط لهم.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٥ الرقم ٢٣.

٦٦

ومرسلته الثانية (١) عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) «في الرجل يشتري الجارية ويشترط لأهلها ان لا يبيع ولا يهب ولا يورث؟ قال : يفي بذلك إذا شرط لهم الا الميراث». ونحوهما في ذلك صحيحة الحلبي وقد تقدمت في القسم الثالث في خيار الشرط وتقدم نبذة من الكلام فيما يتعلق بهذا المقام.

وكذا يبطل الشرط باشتراط غير المقدور للمشروط عليه ، كاشتراط حمل الدابة في ما بعد ، أو ان الزرع يبلغ السنبل ، سواء شرط عليه ان يبلغ ذلك بفعله أو بفعل الله تعالى ، لاشتراكهما في عدم المقدورية.

ولو شرط تبقية الزرع في الأرض إلى أو ان السنبل إذا وقع البيع على أحدهما دون الأخر جاز ، لان ذلك مقدور له ، ولا يعتبر تعيين مدة البقاء بل يحمل على ما هو المتعارف عن البلوغ لانه منضبط.

وفي كل موضع يبطل الشرط فهل يختص البطلان به ـ لانه الممتنع شرعا ـ دون البيع ولتعلق التراضي بكل منهما ، أو يبطل العقد من أصله؟ لأنه غير مقصود بانفراده وما هو مقصود لم يسلم ، ولان للشرط قسطا من الثمن ، فإذا بطل يجهل الثمن ـ قولان : وما تقدم من قوله تعلق التراضي بهما يضعف بعدم تعلق التراضي وقصده منفردا وهو شرط الصحة.

أقول وما ذكروه في هذه المسألة في هذا الموضع وغيره من بطلان العقد باشتماله على الشرط الباطل ، ـ وعللوه من أن القصد انما تعلق بالجميع ـ والعقود تابع بالقصود ، فما تعلق به القصد غير حاصل ، وما حصل غير مقصود ـ جيد ، الا ان جملة من الاخبار قد دلت على بطلان الشرط في مواضع مع صحة العقد ، وبعض الاخبار يدل على ما ذكروه.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من أبواب بيع الحيوان في ذيل حديث الثاني.

٦٧

فهذه القاعدة غير مطردة بالنسبة الى ما دلت عليه الاخبار في الباب كما حققنا ذلك في المقدمة الحادية عشر من مقدمات الكتاب (١).

ولو شرط عتق المملوك جاز لانه شرط سائغ بل راجح ، لكن ان شرط عتقه عن المشتري أو أطلق فلا خلاف في الصحة ، وان شرط عتقه عن البائع ، فقولان : أصحهما العدم ، لقوله ـ عليه‌السلام ـ «لا عتق إلا في ملك» (٢). والبائع ليس مالكا وعن التذكرة الحكم بالجواز.

ولو مات العبد قبل العتق كان للبائع الخيار أيضا ، فإن اختار الفسخ رجع بجميع القيمة.

وفي تعيين وقتها أقوال تقدم نقلها في الموضع الثالث من المسألة السابعة من المقام الثالث في العوضين (٣) ـ ورد ما قبضه من الثمن لبطلان البيع بالفسخ ، وانما يرجع بالقيمة ، لأنه مضمون ـ على المشترى بعد القبض.

أما لو اختار الإمضاء فهل يرجع على المشترى بما يقتضيه شرط العتق من القيمة ، فإنه يقتضي نقصانا من الثمن أم يلزم مع اجازة ما عين من الثمن خاصة قولان (٤)

__________________

(١) ج ١ ص ١٣٣.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٢١٧.

(٣) ج ١٨ ص ٤٦٨.

(٤) أحدهما ما ذهب إليه العلامة وجماعة ، وهو الأول.

وثانيهما ما يظهر من الدروس محتجا عليه بان الشروط لا يوزع عليه الثمن ورد بأن الثمن لم يوزع على الشرط بحيث يجعل بعضه مقابلا له ، وانما الشرط محسوب مع الثمن ، وقد حصل باعتباره نقصان في القيمة ، وطريق تداركه ما ذكر وطريق معرفة ما يقتضيه الشرط أن يقوم العبد بدون الشرط ، ويقوم معه ، وينظر التفاوت بين القيمتين ، وينسب إلى القيمة التي هي مع شرط العتق ، ويؤخذ من المشترى مضافا الى الثمن بمقدار تلك النسبة من الثمن.

فلو كانت قيمته بدون الشرط مائة ومعه ثمانين فالتفاوت بعشرين ونسبتها الى الثمانين الربع فيؤخذ من المشترى مقدار ربع الثمن مضافا اليه وذلك هو الذي سامح به البائع في مقابلة شرط العتق منه ـ قدس‌سره.

٦٨

ولو شرط أن لا خسارة على المشترى لو باع المبيع بل على البائع فخسر ، فان هذا الشرط باطل ، لمنافاته لمقتضى البيع.

ويدل عليه رواية عبد الملك بن عتبة (١) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل ابتاع منه متاعا على ان ليس على منه وضيعة هل يستقيم هذا وكيف يستقيم وحد ذلك؟ قال : لا ينبغي». ولفظ لا ينبغي وان كان في العرف الان بمعنى الكراهة ، الا أن وروده بمعنى التحريم في الاخبار أكثر كثير ، والمراد منه هنا ذلك.

ولو شرط في البيع ان يضمن انسان كل الثمن أو بعضه جاز ، كما صرح به جملة من الأصحاب ،

وكل شرط لم يسلم لمشترطه بان امتنع المشروط عليه من الوفاء به ، فهل الواجب جبره على الوفاء به؟ ـ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد (٢) الدال على الوجوب ، وقولهم (عليهم‌السلام) «المؤمنون عند شروطهم» (٣). الدال على وجوب الوفاء بالشرط ، فعلى هذا لو امتنع من الوفاء بالشرط أثم وعوقب بتركه ووجب إجباره على ذلك ، ولو لم يمكن إجباره رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي ليجبره عليه ، ان كان مذهبه ذلك وان تعذر فسخ إنشاء.

أو انه لا يجب على المشروط عليه ، لأن الأصل عدم الوجوب ، وللمشروط له وسيلة إلى التخلص بالفسخ ، فغاية الشرط حينئذ جعل البيع اللازم عرضة للزوال عند فقد الشرط ، ولزومه عند الإتيان به ، قولان : أظهرهما الأول لما عرفت من حجج القولين.

ويؤكده أيضا انه في مثل شرط العتق فيه حق لله سبحانه وللعبد ، فكيف إبطاله.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٣٨ الرقم ٦٢.

(٢) سورة المائدة الآية ١.

(٣) الوسائل الباب ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

٦٩

وعن الشهيد في بعض تحقيقاته تفصيل في هذا المقام ، وهو ان الشرط الواقع في العقد اللازم ان كان العقد كافيا في تحققه ، ولا يحتاج بعده إلى صيغة فهو لازم لا يجوز الإخلال به كشرط الوكالة في العقد ، وان احتاج بعده إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق فليس بلازم ، بل يقلب العقد اللازم جائزا ، وجعل السر فيه ان اشتراطه للعقد كاف في تحققه كجزء من الإيجاب والقبول فهو تابع لهما في اللزوم والجواز ، واشتراط ما سيوجد أمر منفصل عن العقد ، وقد علق عليه العقد والمعلق على الممكن ممكن ، وهو معنى قلب اللازم جائزا.

واستحسن هذا التفصيل في المسالك ، لكنه اختار القول الأول وهو الأظهر كما عرفت ، وهذا التفصيل من حيث الاعتبار بالتقريب الذي ذكره لا يخلو من وجه ، لكن قد عرفت ـ في غير موضع ما تقدم ان بناء الأحكام الشرعية على هذه الاعتبارات العقلية مشكل ، والقول الأول مطابق لمقتضى النصوص كما عرفت والله العالم.

الثالثة : قد صرح الأصحاب ـ رضى الله عنهم ـ بأنه إذا مات من له الخيار انتقل الى وارثه ، من أي أنواع الخيار كان ، والوجه فيه أنه حق مالي قابل للانتقال فيدخل تحت عموم الأخبار الدالة على إرث مثل ذلك ، وحينئذ فلو كان الخيار خيار شرط ثبت للوارث في بقية المدة المضروبة ، ولو كان غائبا أو حاضرا ولم يبلغه الخبر حتى انقضت مدة الخيار سقط خياره بانقضاء المدة كالمورث.

وان كان خيار غبن اعتبر فيه الفورية حين بلوغه الخبر وعلمه بالفورية على القول بها وان طالت المدة.

وان كان خيار مجلس وكان الوارث حاضرا في مجلس البيع قام مقامه في الخيار وفيه تأمل ، لدلالة ظاهر الاخبار على تعلق ذلك بالبيعين الذين أوقعا العقد ، وعلى تقدير قيامه مقامه ، فهل يقوم مقامه في اعتبار التصرف ، أو يبقى الحكم معلقا على المفارقة من الميت أو الوارث وجهان.

٧٠

رجح ثانيهما في المسالك قال : عملا بظاهر النص فان ضمير يتفرقا عائد إلى المتبايعين ، والتفرق هنا يصدق بانتقال الحي ، وبنقل الميت مع عدم المصاحبة ، ومعها يبقى الى ان يتفرقا.

واما احتمال سقوط الخيار بالموت لأن مفارقة الدنيا أبعد من مفارقة المجلس فقد تقدم ما فيه في قسم خيار المجلس.

هذا كله مع اتحاد الوارث ، فلو تعدد في كل من هذه الأقسام فإن اتفقوا فلا اشكال وان فسخ بعضهم ، وأجاز الأخر ، قدم الفاسخ عند الأصحاب وفي انفساخ الجميع أو في حصته خاصة ، ثم يتخير الأخر لتبعض الصفقة وجهان :

وفي خيار المجلس مع عدم حضورهم جميعا للمجلس اشكال.

وبالجملة فإن أكثر هذه الفروع لا يخلو عن الاشكال والله العالم.

الرابعة : المشهور بين الأصحاب ـ رضى الله عنهم ـ ان المبيع يملك بالعقد ملكا متزلزلا قابلا للفسخ مدة الخيار. ونقل عن الشيخ أنه انما يملك بانقضاء الخيار إذا كان الخيار للبائع أو لهما ، أما لو كان للمشتري فإنه يملك من حين العقد.

وعن ابن الجنيد أنه انما يملك بانقضاء الخيار مطلقا ، وربما نقل الإطلاق عن الشيخ أيضا ، الا ان عبارته في الخلاف دالة على التفصيل المتقدم ، لكن ظاهرها انما هو زوال ملك البائع عن المبيع بنفس العقد ، متى كان الخيار للمشتري ، وأنه لا ينتقل إلى المشتري حتى ينقضي الخيار ، فإذا انقضى ملكه بالعقد الأول ، وهذا خلاف ما نقلوه عنه ، من أنه متى كان الخيار للمشتري فإنه يملك من حين العقد.

ومقتضى ما نقلناه عنه في الخلاف ان الفرق بين الأمرين انما هو باعتبار زوال ملك البائع ، وانه لا يزول في صورة ما لو كان الخيار له أو لهما ، ويزول فيما كان الخيار للمشتري ، وأما المشتري فإنه لا يملكه ولا ينتقل اليه الا بانقضاء الخيار مطلقا.

وهذه صورة عبارته في الكتاب ننقلها ليزول بذلك عما ذكرناه شبهة الشك والارتياب.

٧١

قال ـ رحمه‌الله : العقد يثبت بنفس الإيجاب والقبول فان كان مطلقا فإنه يلزم بالافتراق بالأبدان ، وان كان مشروطا فإنه يلزم بانقضاء الشرط ، فان كان الشرط لهما أو للبائع ، فإذا انقضى الخيار ملك المشترى بالعقد المتقدم ، وان كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس العقد ، لكنه لا ينتقل إلى المشتري حتى ينقضي الخيار فإذا انقضى ملك المشترى بالعقد الأول ـ انتهى.

ومقتضاه انه في صورة ما إذا كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن المبيع بنفس العقد ، ويبقى المبيع مدة الخيار بلا مالك لزوال ملك البائع بنفس العقد ، وعدم دخوله في ملك المشترى حتى ينقضي الخيار ، ولم أقف على من تنبه لذلك من عبارته مع انها ظاهرة فيما قلناه (١).

__________________

(١) نعم قد وقفت في كلام شيخنا الشهيد في كتاب غاية المراد في شرح نكت الإرشاد ما يؤيد على ما قلناه حيث قال : بعد ذكر آخر عبارة الشيخ المتقدمة وهذا الكلام يشم منه التناقض ، لكون الملك لا يخلو عن مالك ، ولا مالك غيرهما قطعا ، وقد زال ملك البائع مع الحكم بعدم انتقاله إلى المشترى مع أنه إذا لم ينتقل اليه كان ملكا للبائع ، فيكون ملك البائع زائلا غير زائل وملك المشترى ثابتا غير ثابت ، وانه تناقض.

ثم أجاب عن ذلك فقال قد يجاب بأن الموقوف هو الملك المستقر ، وعلى هذا يرتفع الخلاف انتهى ، وهو جيد.

وبالجملة فالأمر دائر بين العمل بكلام الشيخ بناء على ظاهره الذي نقله الأصحاب عنه ، واللازم منه ما عرفت من الإشكال في الموردين المذكورين وبين تأويل كلامه بما ذكر من الملك المستقر وبه يرجع الى كلام الأصحاب. ويزول الخلاف من البين بمعنى ان العقد سبب تام في الملك غاية ما في الباب انه متزلزل في موضع الخيار حتى يسقط فرفع الخيار موجب للقرار لا جزء علة نقله للملك (منه قدس‌سره).

٧٢

وفيه أيضا ان مقتضى ما ذكره في صورة ما لو كان الخيار مشتركا أو للبائع خاصة من جعل ملك المشترى معلقا على انقضاء الخيار ، وانه ينبغي أيضا ان يكون ملك البائع الثمن أيضا معلقا على ذلك ، ومتوقفا عليه ، وهذا اشكال آخر في العبارة المذكورة.

ثم انه على تقدير هذا القول مطلقا أو مقيدا كما ذكروه ، فهل يكون انقضاء الخيار مع عدم الفسخ كاشفا عن ملك المشترى من حين العقد أم ناقلا؟ كل محتمل ولكن ظاهر عبارة الشيخ المذكورة الأول.

ويظهر فائدة الخلاف في مواضع :

منها النماء المنفصل كاللبن والحمل والثمرة المتجددة زمن الخيار ، فإنه على القول المشهور وكذا على القول بالكشف إذا لم يفسخ يكون للمشتري وعلى القول بالنقل يكون للبائع.

ومنها ـ الأخذ بالشفعة زمن الخيار ، فعلى تقدير عدم الانتقال لا يأخذ بها الا بعد الخيار ، وعلى تقدير الانتقال يأخذ بها من بعد العقد.

ومنها ـ جريانه في حول الزكاة لو كان زكويا ، فإنه بعد العقد على تقدير الانتقال به ، وبعد الخيار على تقدير القول الأخر.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما ذكروه من الحكم المذكور غير مطرد بالنظر الى الاخبار ، فإنها مختلفة في ذلك بالنسبة إلى اختلاف الخيارات ، ففي بعضها ما يوافق المشهور وفي بعض آخر ما يوافق القول الأخر.

فمن الأخبار الدالة على الأول الاخبار الواردة في خيار الشرط ، وقد تقدمت في الموضع المذكور كموثقة إسحاق بن عمار ، (١) ورواية معاوية بن ميسرة ، (٢) فإنهما صريحتان في كونه زمن الخيار ملكا للمشتري ، وانه لو تلف في تلك المدة كان

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٧١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الخيار الرقم ـ ٣.

٧٣

من ماله ، ويحمل عليهما ما أطلق من اخبار المسألة.

ويؤيده أيضا ان المتبايعين أقدما على ان يكون المبيع للمشتري ، وانما شرطا خيارا في مدة معينة ، فالبيع على اللزوم كما هو مقتضاه ، وليس للبائع إلا مجرد الخيار.

ومن الاخبار الدالة على القول الأخر صحيحة ابن سنان ـ (١) المتقدمة في القسم الثاني في خيار الحيوان الدالة على أنه «إذا اشترى الدابة أو العبد واشترط الى يوم أو يومين ، فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث ، فضمان ذلك على البائع حتى ينقضي الشرط ، ويصير المبيع للمشتري». فإنها ظاهرة في عدم الملك للمشتري ، وان كان الأصحاب حملوها على استقرار الملك.

وموثقة عبد الرحمن بن أبى عبد الله (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اشترى أمة بشرط من رجل يوما أو يومين ، فماتت عنده ، وقد قطع الثمن على عن يكون الضمان؟ فقال : ليس على الذي اشترى ضمان حتى يمضى بشرطه».

والجواب عنه بعدم علمه بخيار الحيوان أو التأكيد أو بعد الثلاثة تكلف بعيد عن سياق الخبر.

ومرسلة ابن رباط (٣) عمن رواه عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ان حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البائع».

ورواية عبد الله بن الحسن (٤) بن زيد بن على بن الحسين (عليه‌السلام) عن أبيه عن جعفر بن محمد (عليه‌السلام) قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): في رجل اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيام ، فمات العبد في الشرط ، قال : يستحلف بالله ما رضيه وهو بري‌ء من الضمان.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٦٩ الوسائل الباب ٥ ـ من أبواب الخيار.

(٢) الكافي في ج ٥ ص ١٧١.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الخيار الرقم ـ ٥.

٧٤

وهي ظاهرة كما ترى في أن موت الحيوان في الشرط من البائع ، الا أن يلتزم المشترى بالبيع المسقط للخيار.

وبالجملة فروايات خيار الحيوان كما ترى مشتركة في ان تلفه مدة الخيار من مال البائع.

وهو خلاف ما عليه القول المشهور ، من ان المبيع ملك المشترى الموجب لكون التلف من ماله. وخلاف ما نقلوه عن الشيخ من أنه متى كان الخيار للمشتري ، فإنه يوافق القول المشهور في هذه الصورة ، مع ان الخيار هنا للمشتري كما هو الأشهر الأظهر.

وهذه الاخبار انما تصت على قول ابن الجنيد ، وأن مضي مدة الخيار ناقل لا كاشف ، مع أنه قول مرغوب عنه في كلامهم.

وقد تقدم في قسم خيار التأخير ذكر رواية عقبة ابن خالد (١) الدالة على تلف المتاع عند البائع ، وانه مضمون على البائع حتى يقبضه المشترى ، مع أن مقتضى قاعدتهم وقولهم أن المبيع يملك بالعقد هو كونه من ملك المشترى ، لخروجه بالعقد عن ملك البائع ، وكونه ملكا للمشتري ، وأما البناء ثمة على ما ذكروه من قاعدة التلف قبل القبض موجب للضمان على البائع.

ففيه انه لا مستند شرعيا لهذه القاعدة ، ولعل قول الشيخ المفيد والمرتضى ومن تبعهما ثمة بكونه من مال المشترى ، التفاتا الى هذه القاعدة المذكورة هنا من حصول الملك بالعقد ، فإنه موجب لذلك الا أن الرواية كما ترى بخلاف ذلك.

ومن ذلك يظهر ان الاولى والأليق هو الوقوف في كل حكم على ما يقتضيه النصوص المتعلقة بذلك الحكم ، وعدم الوثوق بهذه القواعد التي يؤسوها. والله العالم.

الخامسة ـ قالوا إذا تلف المبيع قبل قبضه ، فهو من مال بايعه ، والمراد انه ينفسخ

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٧١.

٧٥

العقد بتلفه من حينه ، ويرجع الثمن الى ملك المشترى ، ولو كان قد تجدد له نماء بعد العقد وقبل التلف فهو للمشتري ، وليس للمشتري مطالبة البائع بالمثل أو القيمة ، وان كان الحكم بكونه من البائع يوهم ذلك.

وانما عبروا بذلك تبعا للنص (١) والمراد منه ما ذكر ، وحينئذ فيقدر دخوله في ملك البائع قبل التلف آنا ما ويكون التلف كاشفا عنه ، ومثله دخول الدية في ملك الميت ، والعبد المأمور بعتقه في ملك المعتق عنه.

وحكى في التذكرة وجها بان الفسخ هنا يكون من أصله ، وعليه فلا يحتاج الى التقدير.

هذا كله إذا كان تلفه من الله سبحانه ، أما لو كان من أجنبي أو من البائع تخير المشترى بين الرجوع بالثمن وبين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة ، ولو كان التلف من المشترى ولو بتفريطه فهو بمنزلة القبض ، فيكون التلف منه ولو كان التلف في زمن الخيار.

فإنه قد قرر له في المسالك ضابطة ، وهي ان المتلف ان كان هو المشترى فلا ضمان على البائع مطلقا ، لكن ان كان له خيار أو لأجنبي فاختار الفسخ يرجع الى المشتري بالمثل أو القيمة.

وان كان التلف من البائع أو من أجنبي تخير المشترى بين الفسخ والرجوع بالثمن ، وبين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة ان كان له خيار ، وان كان الخيار للبائع

__________________

(١) وهو ما نقله في التذكرة من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه». وهذا الخبر لم نقف عليه فيما وصل إلينا من كتب الاخبار ووجه الإيهام فيه قوله «من مال بائعه» فإنه دال على خروج ذلك عن ملكه بالبيع فليس معنا قوله من ماله الا باعتبار ضمانه مثله أو قيمته ، منه رحمه‌الله. واخرج هذا الحديث في المستدرك ج ٢ ص ٤٧٣ عن عوالي اللئالي.

٧٦

والمتلف أجنبي ، تخير كما مر ورجع على المشترى أو الأجنبي.

وان كانت التلف بآفة من الله تعالى سبحانه ، فان كان الخيار للمشتري أو له أو لأجنبي ، فالتلف من البائع ، والا فمن المشترى ، هذا خلاصة كلامهم في هذا المقام.

وأنت خبير بان ما ذكر من الكلام في هذا المقام مبنى على ثبوت القاعدة القائلة» بأن التلف قبل القبض مضمون على البائع» مع انها معارضة بالقاعدة الأخرى المتقدمة القائلة «بأن المبيع يملك بالعقد».

والتفصي عن المعارضة بما ذكر هنا من ان المراد بكونه من مال البائع انه ينفسخ العقد بتلف المبيع من حينه ، بمعنى انه يقدر دخوله في مال البائع آنا ما قبل التلف ويكون التلف كاشفا عنه ـ لا يظهر له وجه من النص الوارد في هذه المسألة ، وهو خبر عقبة بن خالد المتقدم ، بل ظاهره انما هو ما نقل عن العلامة من الوجه المتقدم ، وهو ان الفسخ يكون من أصله وبه يحصل الاشكال لتصادم القاعدتين في المقام.

والى ما ذكرنا هنا يشير كلام المحقق الأردبيلي ـ رضوان الله عليه ـ في شرح الإرشاد ـ حيث قال : بعد كلام في المسألة مماشاة للجماعة ـ ما لفظه «فتأمل فإن الأمر مشكل لكون الملك للمشتري مثلا قبل القبض في زمن الخيار على ما مر وبعده ، والبائع غير مقصر ، والقاعدة تقتضي كونه من ماله وايضا قالوا ان المراد بكونه من مال البائع فسخ العقد ، فيكون التالف من مال البائع مثلا وفي ملكه ، وليس للمشتري الا الثمن أو مثله لو أعطاه ، وليس له طلب مثل المبيع وقيمته ، والنماء الحاصل الى حين التلف أيضا مثل الولد والكنز الذي وجده المملوك والمال الذي وهب له وقبل وقبض ، وقال : وهو مشكل أيضا إذا كان ملكا للمشتري وتلف كيف يصير التلف في ملكه ، فقيل بتجدد الملك للبائع قبل الهلاك بجزء لا يتجزى من الزمان ، مثل دخول العبد المأمور بعتقه في ملك المعتق عنه ، ودخول

٧٧

الدية في ملك الميت ، فتأمل فيه» انتهى كلامه (١) وهو جيد وان كانت عباراته لا تخلو من تعقيد من حيث غلبة الاعجمية عليه.

وبالجملة فالواجب هو الوقوف على الروايات في كل حكم حكم كما قدمنا ذكره ، والروايات المتعلقة بهذه المسألة هي ما قدمنا ذكر بعضها في المسألة المتقدمة ، وأشرنا إلى البعض الآخر فيما تقدم ، وهي أخبار خيار الشرط الدالة على كون المبيع ملكا للمشتري ، وأن تلفه منه ، واخبار خيار الحيوان المتقدمة على ان تلفه في زمن الخيار من ملك البائع ، وخبر عقبة بن خالد (٢) الدال على كون التلف من ملك البائع ، وعدم البناء وعلى هذه القاعدة التي لا مستندة لها من النصوص وكل ما يتفرع عليها من الفروع الا ما اقتضته قواعد آخر من الاخبار ، والله العالم.

__________________

(١) أقول : وحاصل هذا الكلام يرجع الى ملاحظة القاعدة الدالة على أنه بالعقد يدخل المبيع في ملك المشترى ، والجمع بينها وبين القاعدة المذكورة هنا ، وهي «ان تلف المبيع قبل القبض من مال البائع» بأن يقال : انه بالتلف ينفسخ البيع من حينه ، ويرجع المبيع الى ملك البائع ، والثمن الى ملك المشترى ، فيقدر دخوله في ملك البائع آنا ما قبل التلف ويكون التلف كاشفا عنه ، ولا ينافي ذلك كونه قبل ذلك ملكا للمشتري ، وان له نماؤه.

ومن أجل ذلك انه لا يرجع المشترى بالمثل أو القيمة لخروجه عن ملكه قبل التلف ، وصيرورته للبائع في ذلك الآن المقدر ، وانما يرجع بالثمن لبطلان البيع. منه رحمه‌الله.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٧١.

٧٨

الفصل الثالث في أحكام العيوب

وفيه مسائل

الأولى ـ قد صرح غير واحد منهم (رضى الله عنهم) بان مقتضى العقد السلامة ، والمراد من ذلك هو اللزوم معها ، والخيار مع عدمها ، الا ما ربما يتسارع الى الذهن من وقوع العقد على السالم دون المعيب ، والا لزم البطلان لو ظهر معيبا مع وقوع البيع على معين ، ومع الإطلاق يجب طلب السالم ان وجد ، والا بطل العقد ان حصل اليأس منه ، ولا يكون المعيب داخلا تحت العقد ولا موردا له. وهو خلاف ما عليه الاتفاق نصا وفتوى.

ولو شرطا الصحة فهو لا يزيد على مقتضى العقد ، فإن فائدته التأكيد ، لأنك قد عرفت ان الإطلاق يقتضي السلامة لأنها الأصل في الأعيان.

وربما قيل : ان فائدته جواز الفسخ وان تصرف لو ظهر عيب ، فيفيد فائدة زائدة على الإطلاق ، كاشتراط الحلول.

وكيف كان فان ظهر في المبيع عيب سابق على العقد ، تخير المشترى بين الرد والأخذ بالأرش ، وقد تقدمت الأخبار الواردة في ذلك ، الا أنها كما أشرنا إليه آنفا قاصرة عن ذلك ، وانما تدل على الرد مع ظهور العيب قبل التصرف ، والأرش

٧٩

بعد التصرف ـ الا ما عرفت من عبارة الفقه الرضوي وقد تقدمت أيضا مسقطات هذا الخيار ، والاخبار الدالة عليه.

ومنها التصرف قبل العلم بالعيب أو بعده ، فإنه يسقط به الخيار إلا في موضعين قد صرحوا باستثنائهما.

أحدهما : إذا اشترى أمة ووطأها ثم ظهرانها كانت حاملا فان له الرد ، ومن المعلوم ان الحمل عيب ، لأنه زيادة معرضة للتلف ومانعة من بعض الانتفاعات في الجملة.

ولا شك أيضا أن الوطي تصرف ، فمقتضى القاعدة عدم جواز الرد حينئذ ، بل الاقتصار على الأرش كما في غير هذا الموضع من التصرفات مع ظهور العيب ، لكن قد ورد استثناء هذا الموضع من القاعدة ، وظاهر الأصحاب الاتفاق على ذلك ايضا.

ومن الاخبار الدالة على أن حكم الجارية إذا ظهر بها عيب غير الحمل حكم غيرها ـ من أفراد تلك القاعدة المشار إليها ـ ما رواه في الكافي والتهذيب عن طلحة ابن زيد (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في رجل اشترى جارية فوطأها ثم وجد فيها عيبا ، قال : تقوم وهي صحيحة ، وتقوم وبها الداء ، ثم يرد البائع على المبتاع فضل ما بين الصحة والداء».

وما رواه فيهما أيضا في الصحيح عن منصور بن حازم (٢) عن أبى عبد الله (ع) «في رجل اشترى جارية فوقع عليها وقال : ان وجد فيها عيبا فليس له أن يردها ، ولكن يرد عليه بقيمة ما نقصها العيب» قال : قلت : هذا قول علي عليه‌السلام؟ قال : نعم».

وما رواه في التهذيب عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٢١٤ التهذيب ج ٧ ص ١٦ وفي التهذيب (وفيها).

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٦٠ الوسائل الباب ٤٠ من أبواب أحكام العيوب.

٨٠