الحدائق الناضرة - ج ١٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

وعن عمار الساباطي (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «الدنانير بالدراهم بثلاثين أو أربعين أو نحو ذلك نسيئة لا بأس».

وعن زرارة (٢) عن أبى جعفر (عليه‌السلام) «قال لا بأس ان يبيع الرجل الدينار نسيئة بمائة وأقل وأكثر».

وعن عمار الساباطي (٣) في الموثق عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «عن الرجل هل يحل له أن يسلف دنانير بكذا وكذا درهما إلى أجل معلوم قال : نعم ، وعن الرجل يحل له أن يشترى دنانير بالنسيئة قال : نعم انما الذهب وغيره في الشراء والبيع سواء».

وعن محمد بن عمرو (٤) «قال كتبت الى ابى الحسن الرضا (عليه‌السلام) ان امرأة من أهلنا أوصت أن ندفع إليك ثلاثين دينارا ، وكان لها عندي ، فلم يحضرني فذهبت الى بعض الصيارفة ، فقلت : أسلفني دنانير على أن أعطيك ثمن كل دينار ستة وعشرين درهما ، فأخذت منه عشرة دنانير بماءتين وستين درهما وقد بعثتها إليك ، فكتب (عليه‌السلام) الي : وصلت الدنانير».

قال الشيخ بعد نقل اخبار العمار : الأصل فيها عمار ، فلا تعارض الأخبار الكثيرة السابقة ، ثم قال : ويحتمل ان قوله (نسيئة) صفة لدنانير ، ولا يكون حالا للبيع ، بمعنى ان من كان له على غيره دنانير نسيئة جاز ان يبيعها عليه في الحال بدراهم ويأخذ الثمن عاجلا. انتهى.

ولا يخفى ما فيه من البعد ، وأكثر المتأخرين من أصحاب هذا الاصطلاح المحدث ، ردوا هذه الاخبار بضعف الاسناد ، واعتمدوا على الإجماع حيث لم يظهر الخلاف في المسألة الا من الصدوق ، وخلاف معلوم النسب غير قادح فيه ، واليه

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) التهذيب ج ٧ ص ١٠٠ وص ١٠١.

٢٨١

يشير كلامه في المسالك (١).

وبعضهم ممن يعمل بالموثق احتمل الجمع بين الاخبار بحمل ما دل على المشهور على الفضل والاستحباب ، وما دل على مذهب الصدوق على الجواز ، وهذه القاعدة الغالبة بينهم في الجمع بين الاخبار مع تعارضها.

والأقرب عندي هو حمل هذه الاخبار الأخيرة على التقية ، وإن لم يعلم القائل الان بذلك كما أوضحناه في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب المتقدمة في جلد كتاب الطهارة (٢) فإن الأخبار المذكورة ظاهرة في المخالفة ، واتفاق الأصحاب قديما وحديثا على الحكم المذكور ـ مع تظافر أخبارهم به ـ دليل ظاهر على كونه ذلك مذهب أئمتهم (عليهم‌السلام) ، فان مذهب كل امام لا يعلم الا بنقل اتباعه وعلمهم به ، وتخرج الأخبار المذكورة شاهدا ، وحينئذ فلا مناص فيما خالف ذلك عن الحمل على النقية التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية ، وقد تقدم في المقدمة المشار إليها دلالة الأخبار المتكاثرة على إيقاعهم (عليهم‌السلام) الاختلاف في الأحكام وان لم يكن بها قائل من أولئك الطغام الذين هم أضل من الانعام.

وربما احتمل بعض المحدثين حمل الأخبار المذكورة على الأخذ بطريق القرض ، قال : فإنه يجوز رد العوض بحسب التراضي فيما بعد من غير شرط ولو بزيادة ، كما يأتي إنشاء الله تعالى.

ولا يخفى بعده من سياق الأخبار المذكورة ، ثم احتمل التقية أيضا وهو جيد لما ذكرناه ، ومما يرجح الأخبار الأولة موافقتها للاحتياط ، وهذا من جملة المرجحات المنصوصة في مقام اختلاف الاخبار ، كما اشتملت عليه رواية زرارة والله العالم.

__________________

(١) حيث قال : ونبه بالأشهر على خلاف الصدوق بن بابويه حيث لم يعتبر المجلس استنادا الى روايات ضعيفة ، والأصحاب كلهم على خلاف فربما كان الشرط إجماعيا. انتهى منه رحمه‌الله المسالك ص ٢٠١.

(٢) جلد ١ ص ٥.

٢٨٢

فروع

الأول ـ قالوا : لو قبض البعض صح فيما قبض حسب ، وبطل في غير المقبوض ، ويتخير كل منهما في فسخ المقبوض وإمضائه لتبعيض الصفقة ان لم يكن حصل منهما تفريط في تأخير القبض ، والا فلا ، ولو اختص أحدهما بعدم التفريط اختص بالخيار.

أقول : قد تقدم في صحيحة الحلبي (١) «في الرجل يبتاع من رجل بدينار هل يصلح أن يأخذ بنصفه ورقا أو بيعا ويترك نصفه حتى يأتي بعد فيأخذ منه ورقا أو بيعا قال : ما أحب أن أترك شيئا حتى آخذه جميعا فلا يفعله». وظاهر الخبر مع صحة سنده بطلان المعاملة من رأس ، لا الصحة في النصف والتخيير في الباقي كما ذكروه.

الثاني ـ قالوا : لو وكل أحدهما في القبض عنه فقبض الوكيل قبل تفرقهما صح ، ولو قبض بعد التفرق بطل ، قال في المسالك : الضابط في ذلك أن المعتبر حصول التقابض قبل تفرق المتعاقدين ، فمتى كان الوكيل في القبض غير المتعاقدين ، اعتبر قبضه قبل تفرق المتعاقدين ، ولا اعتبار بتفرق الوكيلين ، ومتى كان المتعاقدان وكيلين اعتبر تقابضهما في المجلس ، أو تقابض المالكين قبل تفرق الوكيلين ، وبنحو ذلك صرح المحقق الثاني في شرح القواعد.

الثالث ـ المشهور بين الأصحاب أنه إذا اشترى الإنسان دراهم بدنانير ، وقبل قبض الدراهم من البائع اشترى بها دنانير لم يصح الثاني ، لأن ذلك العوض في الصرف موقوف على التقابض ، ولم يحصل فيكون قد باع ثانيا ما لم يملكه ، وحينئذ

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٤٧ التهذيب ج ٧ ١٠٠.

٢٨٣

فلو افترقا والحال كذلك بطل العقدان معا.

أما الأول فلعدم التقابض وأما الثاني فلما عرفت من بيع ما لم يملكه ، والأصل في ذلك ما ذكره الشيخ في النهاية ، وتبعه أكثر الأصحاب عليه قال : إذا باع الإنسان دراهم بالدنانير لم يجز له أن يأخذ بالدنانير دراهم مثلها الا بعد أن يقبض الدنانير ، ثم يشترى بها دراهم إنشاء.

وخالفه ابن إدريس فقال : ان لم يتفارقا من المجلس الا بعد قبض الدراهم المبتاعة بالدنانير التي على المشترى الأول ، فلا بأس بذلك ، وان لم يكن قبضه الدنانير التي هي ثمن الدراهم الأول المبتاعة ، هذا إذا عينا الدراهم الأخيرة ، فان لم يعيناها فلا يجوز ذلك ، لانه يكون بيع دين بدين ، وان عيناها لم يصرح بيع دين بدين ، بل يصير بيع دين بعين.

ورده العلامة في المختلف بأنه غير جيد قال : أما أولا فلان الشيخ يمنع من بيع ما يكال ويوزن قبل قبضه ، وأما ثانيا فحكمه بأنه لو اشترى بثمن غير معين كان قد اشترى بالدين ليس بمعتمد. انتهى ملخصا.

أقول : اما ما ذكره من التعليل للبطلان في الوجه الأول ، فهو وجه آخر ايضا لعدم الصحة ، زيادة على الوجه الذي قدمناه ، وهو عدم ملكه لعدم التقابض الذي هو شرط في صحة الملك في الصرف.

واما ذكره في الوجه الثاني فهو مبنى على ان الثمن متى لم يكن عينا بل في الذمة ، وان كان حالا غير مؤجل هل هو من قبيل الدين ، فيصدق على بيع الدين به أنه بيع دين بدين ، أم لا يصدق ذلك حتى يكون دينا قبل وقوع العقد؟ وظاهر اختيار جملة من الأصحاب الثاني ، ومنهم شيخنا الشهيد الثاني ، فإنه صرح بأن ذلك ليس من بيع الدين بالدين ، وانما يصدق ذلك فيما إذا كان دينا قبل العقد ، وظاهر العلامة هنا ذلك أيضا ، وقد تقدمت الإشارة الى هذه المسألة وسيأتي تحقيقها إنشاء الله تعالى في باب الدين ، قال في المسالك. بعد نقل ملخص كلام ابن إدريس ـ :

٢٨٤

وينبغي القول بالصحة مطلقا إذا تقابضا قبل التفرق ، وغاية ما يحصل في البيع الثاني أن يكون فضوليا ، فإذا لحقه القبض صح ، وسيأتي أن بيع الدين بالدين على هذا الوجه غير ممتنع. انتهى.

الرابع ـ لو كان له عليه دراهم فاشترى بها دنانير صح وان لم يتقابضا ، وكذا لو كان له عليه دنانير فاشترى بها دراهم ، لان النقدين من جنس واحد ، وما في الذمة بمنزلة المقبوض ، فلا يحتاج الى تقابض زائد على ذلك.

أقول : والأصل في هذه المسألة ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح عن إسحاق بن عمار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) يكون للرجل عندي الدراهم الوضح فيلقاني فيقول لي : كيف سعر الوضح اليوم؟ فأقول له : كذا وكذا ، فيقول لي : أليس عندك لي كذا وكذا ألف درهم وضحا؟ فأقول : نعم ، فيقول : حولها الى دنانير بهذا السعر وأثبتها لي عندك فما ترى في هذا؟ فقال لي : إذا كنت قد استقصيت له السعر يومئذ فلا بأس بذلك ، فقلت : انى لم أوازنه ولم أناقده ، انما كان كلاما بيني وبينه ، فقال : أليس الدراهم من عندك والدنانير من عندك ، فقلت : بلى ، قال : لا بأس بذلك». ونحوه

موثق عبيد بن زرارة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يكون لي عنده دراهم فآتيه فأقول : حولها لي دراهم وأثبتها عندك ولم أقبض منه شيئا؟ قال : لا بأس».

وجمع من الأصحاب عبروا في هذا المقام بعبارة الخبر ، قال في النهاية : إذا كان للإنسان على صير في دراهم أو دنانير فيقول له حول الدنانير الى الدراهم ، أو الدراهم الى الدنانير ، وساعره على ذلك كان جائزا وان لم يوازنه في الحال ولا يناقده ، لان النقدين من عنده.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٤٥ التهذيب ج ٧ ص ١٠٢ الفقيه ج ٣ ص ١٨٦.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٤٧ التهذيب ج ٧ ص ١٠٣.

٢٨٥

واعترضه ابن إدريس هنا فقال : ان أراد بذلك أنهما افترقا قبل التقابض في المجلس ، فلا يصح ذلك ولا يجوز بغير خلاف ، لان الصرف لا يصح أن يفترقا من المجلس الا بعد التقابض ، وان افترقا قبل أن يتقابضا بطل البيع والصرف ، وان أراد أنهما تقاولا على السعر ، وعينا الدراهم المبتاعة والدنانير المبيعة وتعاقد البيع ولم يوازنه ولا ناقده ، بل نطق البائع بمبلغ المبيع ثم تقابضا قبل التفرق والانتقال من المجلس كان ذلك جائزا صحيحا ، وان أراد الأول كان باطلا بلا خلاف ، يدل عليه قوله في المبسوط تصح الإقالة في جميع السلم وبعضه ، فإن أقاله من الجميع بري‌ء المسلم اليه من المسلم فيه ، ولزمه رد ما قبضه من رأس المال ان كان قائما ، وان كان تالفا لزمه مثله ، فان تراضيا بقدر بدله من جنس آخر بأن يأخذ الدراهم بدل الدنانير أو بالعكس كان جائزا ، فإن أخذ الدنانير بدل الدراهم أو بالعكس وجب التقابض في المجلس ، لانه صرف ، وان أخذ عوضا آخر جاز أن يفارقه قبل القبض ، لانه بيع عوض معين بثمن في الذمة. انتهى.

أقول : ما ذكره ابن إدريس جيد على مقتضى أصله الغير الأصيل ، والا فأي مانع من ذلك بعد دلالة الأخبار عليه ، واستثناء ذلك من قاعدة العرف بالاكتفاء بهذا الكلام بينهما من حيث اتحاد من عليه الحق ، فيكون كالتقابض ، وربما حمل كلام الشيخ المذكور على التوكيل ، وكذلك الخبران المذكوران ، فان قوله حول الدراهم الى الدنانير ، أو الدنانير الى الدراهم نوع توكيل ، وحينئذ فلا اشكال وان لم يتقابضا في المجلس.

قال في المسالك : وربما بنوا حكمهم على مقدمات يلزم من صحتها صحة الحكم هنا ، الاولى ـ ان الأمر بالتحويل توكيل في تولى طرفي العقد ، فان التوكيل لا ينحصر في اللفظ ، الثانية ـ أنه يصح تولى طرفي العقد من الواحد.

الثالثة ـ أنه يصح أيضا تولية طرفي العقد. الرابعة ـ ان ما في الذمة مقبوض.

الخامسة ـ ان بيع ما في الذمة للغير من الدين الحال بثمن في ذمته ليس بيع دين بدين.

٢٨٦

السادسة ان الوكيل في البيع إذا توقفت صحته على القبض يكون وكيلا فيه ، والا فإن مطلق التوكيل في البيع لا يقتضي التوكيل في القبض وإذا سلمت هذه المقدمات صحت المسألة ، انتهى.

وهو جيد لو ثبت توقف صحة البيع عليها ، الا أن الظاهر أنه ليس كذلك ، وان كان جواز بعضها مما يفهم من الخبرين المذكورين ، والعمدة هو ورود النص بذلك ولا يجب علينا تطلب وجهه وسببه ، كما في أكثر النصوص التي لا يمكن معرفة العلة فيها لما ذكر فيها من الأحكام ، والظاهر أنه لا مخالف في هذا الحكم سوى ابن إدريس ، وكل من تأخر عنه رد كلامه لما ذكر فيها ، وظاهر المحقق الأردبيلي هنا الميل الى ما ذهب اليه ابن إدريس ، حيث قال بعد قول المصنف «ولو كان له عليه دراهم فاشترى بها دنانير أو بالعكس صح وان لم يتقابضا» ما صورته (١) : يعني إذا كان لزيد مثلا على عمرو في ذمته دراهم فضة وقال : اشتريت منك الدنانير بها ، صح الصرف ، ولا يحتاج الى التقابض بأن يوكله في قبضه له الدنانير ، ولا تعيينه لنفسه ما به الدنانير من الدراهم وان كان مطلقا وفي الذمة ، ولا الى مضى زمان يسع التقابض ، فلو تفرق قبله لم يبطل ، فيطالبه بالدنانير لحصول القبض وفيه تأمل واضح ، لان الدراهم وان كانت مقبوضة ، ولكن الدنانير غير مقبوضة للمشتري فما حصل التقابض ، وهو قبض كل واحد مال الأخر الذي انتقل إليه بواسطة البيع والشراء وهو ظاهر. نعم يمكن ذلك لو وكله في القبض والتعيين للمشتري الدنانير ، بل ينبغي تعيينه الدراهم أيضا ثم القبض لنفسه قبل التفرق ، ويمكن ان يكون المراد أن يكون الدنانير أيضا في ذمة المشترى

__________________

(١) كذا صورة العبارة في الأصل المنقول منه ، والظاهر انه لا يخلو من غلط ، الا أن المعنى ظاهر ، وهو أنه لا يحتاج ايضا الى تعيين الدنانير للمشتري وبيان كميتها وعددها والدراهم للبائع وبيان قدرها ، كما هو مشترط في البيع في غير هذه الصورة ، بل يكفى التهاتر الواقع بعد وقوع المقاولة على السعر وتعينه ، وان كان الجميع في الذمة مطلقا. منه رحمه‌الله.

٢٨٧

فهي أيضا مقبوضة له ، وحينئذ يكون كل المال المنتقل إلى الأخر مقبوضا له ، والظاهر صحة البيع وعدم الاحتياج الى التوكيل للتعيين والقبض ، ولا الى مضى زمان ، لصدق القبض المفهوم من الاخبار التي هي دليل الحكم ، لانه يصدق أنه باع يدا بيد ، والمبيع والمشترى مقبوض لهما ، وأنه أخذا قبل التفرق ، وهو ظاهر من غير فرق بين المتجانسين المتساويين والمختلفين مطلقا ، الا أنه يجي‌ء فيه الاشكال من جهة أنه بيع دين بدين ، والظاهر عدم جوازه. انتهى.

أقول : ظاهر هذا الكلام أن قائله قد غفل عن ملاحظة الخبرين المتقدمتين في المسألة ، وظن أن هذا الحكم انما وقع في كلام الأصحاب ، ولهذا تأوله بقوله ويمكن أن يكون المراد الى آخره ، وأن هذا الفرض انما يجرى في عبارة المصنف المذكورة لا في الاخبار ، لأنها صريحة في كون الثمن والمثمن انما هو عند الذي عليه الطلب ، ويؤيده ما قلناه أنه في جميع الأحكام يبالغ في تتبع الاخبار ونقلها وإيرادها من مؤالف ومخالف ، هنا لم يتعرض للخبرين المذكورين بالكلية ، ولو بالإشارة ، وانما تكلم على عبارة المصنف كي يبين مراده أولا ، ثم ناقشه بمناقشة ابن إدريس للشيخ ، مع أن المصنف وغيره إنما أخذوا الحكم المذكور من الخبرين ، ولكنهم عبروا بهذه العبارة لصراحتها في البيع والشراء ، بخلاف لفظ التحويل الذي في الخبرين ، وحينئذ فالعذر له ظاهر ، والا فلو أنه اطلع على الخبرين ومع هذا عدل عن القول بما دلا عليه ، لأجاب عنهما وتأولهما كما هي عادته وقاعدته ، وبالجملة فإن كلامه هنا بالنظر الى الخبرين مما لا يلتفت اليه ، ولا يعرج عليه ، والله العالم.

المسألة الثانية ـ قالوا : إذا اتحدت الجنس وجب التساوي قدرا وان اختلفا في الجودة والرداءة والصفة ، وإذا اختلفا فيه جاز الاختلاف زيادة ونقصانا.

أقول : أما وجوب التساوي مع الاتحاد فلما استفاضت به الاخبار من أن الزيادة مع الاتحاد رباء محض كصحيحة الحلبي (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٩٨.

٢٨٨

قال : «الفضة بالفضة مثلا بمثل ليس فيه زيادة ولا نقصان ، الزائد والمستزيد في النار».

ورواية وليد بن صبيح (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة الفضل فيهما هو الربا المنكر».

وصحيحة محمد بن مسلم (٢) «عن أبى جعفر (عليه‌السلام) أنه قال : الورق بالورق وزنا بوزن ، والذهب بالذهب وزنا بوزن».

وصحيحة إسحاق بن عمار (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): الدراهم بالدراهم والرصاص؟ فقال : الرصاص باطل». الى غير ذلك من الاخبار ، وفي الخبر الأخير دلالة على حصول الربا بالزيادة وان كانت من غير الجنس.

واما جواز البيع مع الاتحاد وان اختلفا في الجودة والرداءة فلما تقرر عندهم من أن جيد كل جنس ورديه واحد (٤) ويدل عليه صحيحة الحلبي (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يستبدل الكوفية بالشامية وزنا بوزن فيقول الصيرفي : لا أبدل لك حتى تبدل لي يوسفية بغلة وزنا بوزن ، فقال : لا بأس فقلت : إن الصيرفي إنما طلب فضل اليوسفية على البغلة ، فقال : لا بأس به».

ورواية أبي بصير (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يستبدل الشامية بالكوفية وزنا بوزن فقال : لا بأس به». وأما مع الاختلاف فلا اشكال لعدم

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٩٨.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٩٨.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٢٤٦.

(٤) قال في الشرائع : ويستوي في وجوب التماثل المصوغ والمكسور وجيد الجوهر ورديه ، وظاهر بعض مشايخنا وجود القول هنا بالمنع من حيث ان الجودة زيادة حكمية فيحصل بها الربا حينئذ ، والروايات ترده.

منه رحمه‌الله.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٢٤٧.

(٦) التهذيب ج ٧ ص ١٠٤.

٢٨٩

المانع مع استكمال شروع البيع كما تقدم في فصل الربا.

المسألة الثالثة : قد صرحوا بأنه إذا كان في الفضة غش مجهول لم يبع الا بالذهب أو بجنس غير الفضة وكذلك الذهب».

قال في المسالك : هذا مبنى على الغالب من أن المغشوش لا يباع بوزنه خالصا ، لان البيع مبنى على المماكسة والمغالبة ، فلا يدفع المشترى بوزن المغشوش صافيا ، والا فلو فرض وقوع ذلك صح بيعه بجنسه أيضا ، بل متى علم زيادة الخالص عن مجانسة المغشوش صح وان لم يبلغ قدر المجموع من النقد والغش. انتهى.

أقول : الوجه ـ فيما ذكره (قدس‌سره) ـ هو أنه إذا بيع المغشوش بالخالص وزنا فإنه يكون الزيادة التي في الخالص في مغابله الغش ، فلا مانع حينئذ ، لكن لما كان بناء البيع والشراء على ما ذكره لم يجز ذلك الا مع علم المشترى ورضاه بذلك ، وأما إذا كان الغش معلوما فإنه يجوز بيعه بمثل جنسه مع زيادة تقابل الغش وكذا لو جهل بان جهل قدره ، ولكن علم أنه لا يزيد عن النصف ، فإنه يجوز بيعه بزيادة يسيرة عن النصف من جنسه ، وينصرف الزائد في مقابلة الغش ، ومعنى المقابلة في هذا المواضع أن تصلح عوضا في مقابلة الغش بحيث تتمول وان لم يكن قدره قيمة.

وكيف كان فالظاهر أنه لا بد من التقابض قبل التفرق في المقام الذي يصح فيه البيع كما هو الشرط في الصرف.

قال العلامة في التذكرة الدراهم والدنانير المغشوشة إذا علم مقدار الغش فيها جاز بيعها بجنسها بشرط زيادة في السليم تقابل الغش ليخلص من الربا لو بيع بقدر الصافي منها ، ويجوز بيعها بغير الجنس مطلقا ، وان لم يعلم مقدار الغش وجب أن تباع بغير جنسها حذرا من الربا ، لإمكان أن يتساوى الصافي والثمن في القدر ، فيبقى الغش زيادة في أحد متساويين.

٢٩٠

ولما رواه ابن سنان (١) في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «سألته عن شراء الفضة فيها الرصاص بالورق وإذا خلصت نقصت من كل عشرة درهمين أو ثلاثة؟ قال : لا يصلح الا بالذهب ، وسألته عن شراء الذهب فيه الفضة والزيبق والتراب بالدنانير والورق ، فقال : لا تصارفه الا بالورق». ولو بيع بوزن المغشوش فإنه يجوز ، إذ الفاضل من الصافي يقابل الغش ، إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز إنفاقه إلا بعد إبانته وإيضاح حاله ، الا أن يكون معلوم الصرف بين الناس. انتهى.

أقول : لا يخفى : أن الخبر المذكور بحسب ظاهره مناف لما قدمناه مما ظاهرهم الاتفاق عليه من جواز بيع المغشوش بجنسه الخالص إذا كان مساويا له في الوزن ، لانصراف الزيادة التي في الخالص الى الغش ، لانه قد نهى (عليه‌السلام) عن شراء الفضة التي فيها الرصاص بالورق ، وأمر بالذهب ، ومن المعلوم أنه لا يقع الشراء الا بالوزن ، وقد عرفت أنه مع تماثلهما في الوزن وتساويهما يصح البيع ، لانصراف الزيادة التي في الخالص الى الغش الذي في الأخر ، فالواجب حمل الخبر على ما ذكره شيخنا المتقدم ذكره من أنه لما كان بناء البيع والشراء على المماكسة والمغالبة ـ فالمشتري لا يبذل فضة خالصة أو ذهبا خالصا في مقابلة غش ـ منع (عليه‌السلام) من هذه المقابلة الا بغير الجنس.

المسألة الرابعة : قالوا : ولا يباع تراب معدن الفضة بالفضة ، وانما يباع بالذهب وكذا معدن الذهب انما يباع بالفضة لا بالذهب احتياطا في الموضعين ، (٢) ولو جمعا في صفقة جاز بيعهما بالذهب والفضة معا ويجوز بيع جوهر الرصاص والصفر بالذهب والفضة وان كان فيه يسير فضة أو ذهب ، لان الغالب غيرهما ، وأنه يجوز

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٠٩.

(٢) أقول المراد بالاحتياط يعنى ان مستند الوجوب هو الاحتياط والتحرز من الوقوع في الربا لا بمعنى الاستحباب كما هو المتبادر. منه رحمه‌الله.

٢٩١

إخراج الدراهم المغشوشة مع جهالة الغش إذا كانت معلومة الصرف بين الناس ، وان كانت مجهولة الصرف لم يجز إنفاقها إلا بعد ابانه حالها ، وهذا الكلام يتضمن جملة من الأحكام.

الأول ـ حكم بيع تراب المعدن ، أما بيع كل منهما بالاخر فلا شك في جوازه ، لعدم الربا بالزيادة مع اختلاف الجنس ، وكذا يصح ايضا بيعه بمثله (١) إذا علم المقدار والتساوي ان لم يكن لما صحبه من المعدن قيمة والا فبالمثل مع اشتماله على زيادة تقابل تراب المعدن ، ولكن لما كان الفرض بعيدا لم يذكروا ذلك.

وأما بيعهما بالنقدين إذا جعلا في صفقة واحدة فلا إشكال أيضا في صحته للتخالف ، وانصراف كل الى ما يخالفه ، ويدل عليه رواية عبد الله مولى عبد ربه (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الجوهر الذي يخرج من المعدن ، وفيه ذهب وفضة وصفر جميعا كيف نشتريه؟ فقال تشتريه بالذهب والفضة جميعا». ورواية عبد الله بن سنان (٣) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن شراء الذهب فيه الفضة بالذهب؟ قال لا يصلح الا بالدنانير والورق». ويمكن هنا أيضا البيع بأحدهما إذا تحقق في الثمن اشتماله على مثل معدنه وزيادة تقابل المعدن الأخر وهو ظاهر ، والظاهر أنه لبلد فرضه لم ينبهوا عليه ، وأظهر جوازا البيع بغيرهما.

__________________

(١) اى بمثل الفضة أو الذهب ، ولهذا قال : إذا علم المقدار ، وأما بيعه بمثل الجميع من التراب وبما فيه من الذهب أو الفضة ، فلا يجوز إذ لم يكن للتراب قيمة ، لان ما فيه من التراب لا قيمة له ، فيبقى الزائد في المقابل بغير عوض ويلزم الربا فيه. منه رحمه‌الله.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ١١١ الكافي ج ٥ ص ٢٤٩.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٠٩.

٢٩٢

وكيف كان فلا بد من اعتبار شرائط البيع الأخر ، والظاهر ان مثل هذا لا يدخل في باب الصرف فيشترط في صحته التقابض في المجلس أو قبل التفرق ، لانه لا يصدق عليه بيع الأثمان بالأثمان ، وعدم صدق الذهب والفضة وانما هو تراب الذهب وتراب الفضة ، الا ان الذي يظهر من اخبار بيع السيوف المحلاة (١) كما يأتي إنشاء الله ـ تعالى ـ اشتراط التقابض قبل التفرق ، فينبغي أن يكون هنا أولى ، والاحتياط لا يخفى.

الثاني ما ذكره من أنه يجوز بيع الرصاص بالفضة والصفر بالذهب ، وان اشتمل كل منهما على يسير من جنس ما بيع به ، فهو مما لا خلاف فيه ولا اشكال ، لاضمحلال ما في كل منهما من يسير الذهب والفضة في جنب ما هو فيه ، وصدق الاسم بدونهما ، والأحكام تابعة لصدق التسمية وهو بمنزلة الحلية التي تعمل في سقوف البيوت وجدرانها غير مقصودة بالبيع ، ولا ملحوظة فيه ، فلا يشترط حينئذ في صحة البيع العلم بزيادة الثمن عن ذلك اليسير من الذهب أو الفضة ، ليكون في مقابلة الجنس الأخر.

ويدل على ذلك أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «في الأسرب يشترى بالفضة ، فقال : ان كان الغالب عليه الأسرب فلا بأس به». والظاهر أن المراد الغلبة في صدق الاسم كما يدل عليه الخبر الاتى لا الغلبة في الجنس.

وما رواه في الكافي عن معاوية بن عمار (٣) وغيره عن أبى عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الصرف.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٤٨ التهذيب ج ٧ ص ١١٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٢٥١ التهذيب ج ٧ ص ١١١.

٢٩٣

قال : «سألته عن جوهر الأسرب وهو إذا خلص كان فيه فضة أيصلح ان يسلم الرجل فيه الدراهم المسماة؟ فقال إذا كان الغالب عليه اسم الأسرب فلا بأس بذلك يعنى لا يعرف إلا بالأسرب».

أقول : ويحتمل أن يكون هذا التفسير من الامام (عليه‌السلام) ويحتمل أن يكون من الراوي ، واحتمال كونه من الكليني بعيد.

وأما التعليل في جواز البيع في الصورة المذكورة بما تقدم نقله عنهم من أن جواز ذلك لكون الصفر والرصاص هو الأكثر والغالب فلا يحسم مادة الشبهة ، فإن مجرد الأغلبية غير كاف في جواز البيع بذلك النقد كيف اتفق ، حتى لو كان عشرا يمكن تمييزه لم يجز بيعه بجنسه الا مع الزيادة في الثمن عليه بحيث تقابل مقابل الأخر كما تقدم ويمكن حمل كلامهم على أن المراد الغلبة المستولية على النقد بحيث اضمحل معه تجوزا كما تجوزوا في قولهم في باب الأحداث النوم الغالب على الحاستين ، بمعنى اضمحلال الحس بهاتين الحاستين تحت النوم.

الثالث ما ذكروه من أنه يجوز إخراج الدراهم المغشوشة الى آخره ، فإنه يدل عليه جملة من الاخبار.

منها ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن عمر بن يزيد (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في إنفاق الدراهم المحمول عليها فقال : إذا كان الغالب عليها الفضة ، فلا بأس بإنفاقها».

أقول : المراد بالمحمول عليها المغشوشة حيث إنه حمل عليها من غيرها ، كما يظهر من الاخبار الاتية.

وعن ابن رئاب (٢) قال : «لا أعلمه إلا عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبي

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٥٣ التهذيب ج ٧ ص ١٠٨.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٥٣ التهذيب ج ٧ ص ١٠٩.

٢٩٤

عبد الله (عليه‌السلام) : الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره ثم يبيعها؟ فقال : إذا كان بين الناس ذلك فلا بأس». كذا في الكافي ، والمراد إذا كان رائجا بين الناس ، وفي التهذيب «إذا بين ذلك فلا بأس» وهو معنى صحيح الا ان الأول أوفق بأخبار المسألة.

وما رواه في الكافي عن حريز (١) قال : «كنت عند أبى عبد الله (عليه‌السلام) فدخل قوم من أهل سجستان فسألوه عن الدراهم المحمول عليها؟ فقال : إذا كان جوازا لمصر».

وعن أبى العباس البقباق (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الدراهم المحمول عليها؟ فقال : إذا أنفقت بما يجوز بين أهل المدينة أو البلد فلا بأس ، وان أنفقت ما لا يجوز بين أهل المدينة فلا».

وما رواه في التهذيب عن عمر بن يزيد (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن إنفاق الدراهم المحمول عليها؟ فقال إذا جازت الفضة (المثلين) فلا بأس».

وعن محمد بن مسلم (٤) عن ابى جعفر (عليه‌السلام) قال : «جاء رجل من أهل سجستان فقال له : ان عندنا دراهم يقال لها الشاهية تحمل على الدراهم دانقين؟ فقال : لا بأس به إذا كان يجوز».

وعن محمد بن مسلم (٥) «قال ، سألته عن الدراهم المحمول عليها؟ قال : لا بأس بإنفاقها».

وعن المفضل بن الجعفي (٦) «قال كنت : عند أبى عبد الله (عليه‌السلام) فالقي بين يديه الدراهم فقال : أيش هذا؟ قلت : ستوق ، قال : وما الستوق؟ فقلت : طبقتين

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٢٥٣.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦) التهذيب ج ٧ ص ١٠٨ الرقم ـ ٦٩ ـ وفي الوافي (الثلثين) بدل المثلين.

٢٩٥

فضة ، وطبقة من نحاس ، وطبقة من فضة؟ فقال : اكسرها فإنه لا يحل بيع هذا ولا إنفاقه» (١).

قال في الوافي الستوق بالضم والفتح معا وتشديد التاء ، وتستوق بضم التاء المزيف البهرج الملبس بالفضة ، «طبقتين فضة» الصواب طبقة من فضة وكأنه مما صحفه النساخ ، وحمل منع إنفاقه في التهذيبين على ما إذا لم يتبين أنه كذلك : فيظن الأخذ أنه جيد. انتهى.

أقول : الظاهر أن المراد من هذه الاخبار وكذا ما قدمناه من كلام الأصحاب انما هو بيان جواز إنفاق هذه الدراهم في سائر المعاملات دون ما يتعلق به الربا ويدخل في الصرف ، وقوفا على قواعد الأصحاب المذكورة في سابق هذه المسألة ، فلو أريد المعاملة بها في أحد هذين الوجهين فلا بد من مراعاة شروطهما كما تقدم ، ومرجع ذلك الى أنه متى كان عادة البلد المعاملة بذلك النقد المغشوش مع معلومية حاله

__________________

(١) قال ابن إدريس في كتاب السرائر : أما استفهام الامام (عليه‌السلام) ما هو التسوق ، فإنها كلمة فارسية غير عربية ، وهي مفتوحة السين الغير المعجمة مشددة التاء المنقطة من فوقها نقطتين المضمومة ، فالواو والقاف ومعناها ثلاث طبقات ، لان ست بالفارسية ثلاثة ، وتوق طبقات وهو الزايف الردى البهرج ، قال الصولي في كتاب الأوراق : اعترض مخلد الشاعر الموصلي الخليفة المعتمد لما دخل الموصل بمدح ، وحلفه ان يسمعه فأحضره وسمع مدحه ، ثم قال : أنشدني هجاك لأهل الموصل فأنشده.

هم قعدوا فانتفوا لهم حسبا

يجوز بعد العشاء في العجب

حتى إذا ما الصباح لاح لهم

تبين ستوقهم من الذهب

والناس قد أصبحوا صيارفة

أعلم شي‌ء لبهرج النسب

انتهى منه رحمه‌الله.

٢٩٦

عندهم كهذه الفروش التي في بلد ان الروم ، والطويلة التي في بلاد الأحساء ، فإنها من الصفر الملبس بالفضة ، فلا بأس بالمعاملة بها وإنفاقها ، وما عدا ذلك ، فلا يجوز إنفاقه إلا مع الا علام بحاله ، كما تقدم نقله عن العلامة في آخر عبارته المتقدمة ، وعلى هذا حمل الشيخ خبر المفضل المذكور.

ويدل على ذلك صريحا ما رواه في التهذيب عن جعفر بن عيسى (١) قال : «كتبت الى أبى الحسن الأول (عليه‌السلام) : ما تقول : جعلت فداك في الدراهم التي أعلم أنها لا تجوز بين المسلمين إلا بوضيعة ، تصير الى من بعضهم بغير وضيعة لجهلي به ، وانما أخذته على أنه جيد ، أيجوز لي أن آخذه وأخرجه من يدي اليه على حد ما صار الى من قبلهم؟ فكتب (عليه‌السلام) : لا يحل ذلك ، وكتبت اليه : جعلت فداك هل يجوز ان وصلت الى رده على صاحبه من غير معرفته به أو إبداله منه ، وهو لا يدرى أني أبدله منه وأورده عليه؟ فكتب (عليه‌السلام) لا يجوز».

ومما ذكرنا يظهر ما في كلام المحقق الأردبيلي (طاب ثراه) في هذا المقام من النظر الظاهر لذوي الأفهام ، وذلك في موضعين : أحدهما أنه قال في سابق هذه المسألة بعد بيان حكمها ما صورته : وفي الاخبار الكثيرة المعتبرة أنه يجوز بيعه بمثل ما فيه ان كان الغالب هو أو الغش بحيث يطلق عليه اسم ذلك ، فالظاهر ان المراد أن أحدهما مضمحل ولا قيمة له ، ثم استدل بحسنة عمر بن يزيد الاولى من الروايات المتقدمة ، ورواية على بن رئاب عن محمد بن مسلم وصحيحة عبد الرحمن الحجاج الواردة في الأسرب ، وروايته الأخرى الواردة أيضا فيه.

وأنت خبير بما قدمنا تحقيقه أن المراد من روايتي عمر بن يزيد وعلي بن رئاب المذكورتين في كلامه انما هو إنفاق الدراهم المغشوشة في المعاملة في غير ما يدخل في الربا بالصرف ، وان كان الغش كثيرا كما صرح به (عليه‌السلام) في رواية

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١١٦ الرقم ١١٢.

٢٩٧

عمر بن يزيد الثانية من قوله (عليه‌السلام) «إذا جازت الفضة الثلثين فلا بأس» فإنه يعطي جواز المعاملة بما يكون الغش فيه يبلغ الربع وعلى ذلك يدل إطلاق جملة من أخبار المسألة ، وتمسكه في ذلك بخبري عبد الرحمن بن الحجاج ليس في محله ، لان هذا حكم آخر كما فصلناه هنا.

قال في المسالك في هذه المسألة : ولا يخفى أن المراد هنا الغش المعتبر ، دون ما يستهلك لقلته ، نبه عليه في التذكرة انتهى ، وبالجملة فالخبران اللذان أوردهما أولا انما هما من قبيل باقي الأخبار التي سردناها ، وقد عرفت المراد منها ، وليسا من أخبار المسألة المتقدمة كما ظنه ، ومحمل التأويل فيهما ، والخبران الأخيران قد تقدم محلهما ، وليس هما من أخبار المسألة السابقة أيضا كما توهمه.

وثانيهما ما ذكره وقبله المحقق الشيخ على في شرح القواعد من حمل الصرف في كلام المتقدمين ـ كالعبارة التي قدمنا نقلها عنهم في صدر المسألة من قولهم يجوز إخراج الدراهم المغشوشة مع جهالة الغش إذا كانت معلومة الصرف ، وان كانت مجهولة الصرف لم يجز إنفاقها ـ على الصرف بمعنى معلومية قيمة ما فيها من الصافي أو قيمته ، وكذا مجهولية الصرف بمعنى عدم العلم بقدر ما فيه من الصافي.

والمفهوم من الاخبار التي قدمناها أن المراد بالصرف في عباراتهم انما هو الرواج في المعاملة ومضيها بين الناس من غير توقف في أحدها لمكان الغش مع العلم بذلك ، فمتى كان رائجا في المعاملة جاز إنفاقه ، وان لم يكن رائجا في تلك البلد ولا متعاملا به وجب الاعلام بغشه ، سواء علم قدر ما فيه من الخالص أو لم يعلم.

وبما ذكرناه صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ فقال بعد ذكر عبارة المصنف كما قدمنا ذكره في صدر المسألة ـ : المراد بكونها معلومة الصرف كونها متداولة بين الناس مع علمهم بحالها ، فإنه يجوز حينئذ إخراجها ، وان لم يعلم بقدر

٢٩٨

ما فيها من الغش ، فلو كانت مجهولة الصرف بحيث لو علموا بحالها ما قبلوها وجب على مخرجها ابانه حالها ، بأن يقول : إنها مغشوشة وان لم يبين قدر غشها الى آخره.

المسألة الخامسة ـ المراكب المحلاة إذا علم ما فيها من الحلية يجوز بيعها بجنسها بشرط أن يزيد الثمن عما فيها ، أو توهب الزيادة من غير شرط ويجوز بيعها ايضا بغير جنسها مطلقا ، وان جهل ما فيها ـ وان أمكن نزعه من غير ضرر ـ بيعت بغير جنس الحلية ، وان بيعت بجنس الحلية قيل : يجعل معها شي‌ء من المتاع ، وتباع بزيادة عما فيها تقريبا ، دفعا لضرر النزع ، هكذا قالوا.

والذي وقفت عليه من الاخبار منها ـ رواية إبراهيم بن هلال (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : جام فيه ذهب وفضة ، أشتريه بذهب أو فضة؟ فقال : ان كان تقدر على تخليصه فلا ، وان لم تقدر على تخليصه فلا بأس».

وصحيحة عبد الله بن سنان (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن شراء الذهب فيه الفضة والزيبق والتراب بالدنانير والورق فقال : لا تصارفه الا بالورق قال : وسألته عن شراء الفضة فيها الرصاص والورق إذا خلصت نقصت من كل عشرة درهمين أو ثلاثة قال لا يصلح الا بالذهب».

ورواية أبي بصير (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن بيع السيف المحلى بالنقد؟ فقال : لا بأس به ، قال : وسألته عن بيعه بالنسيئة ، فقال : إذا نقد مثل ما في فضته فلا بأس به أو ليعطي الطعام».

وموثقة محمد بن مسلم (٤) قال : سئل عن السيف المحلى ، والسيف الحديد

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١١٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٤٩ التهذيب ج ٧ ص ١٠٩.

(٣ و ٤) الكافي ج ٥ ص ٢٥٠ التهذيب ج ٧ ص ١١٢ وص ١١٤.

٢٩٩

المموه (بالفضة) يبيعه بالدراهم؟ قال : نعم وبالذهب ، وقال : انه يكره أن يبيعه بنسيئة ، وقال : إذا كان الثمن أكثر من الفضة فلا بأس». كذا في الكافي ، وفي التهذيب (بع بالذهب) مكان : نعم وبالذهب.

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «سألته عن السيوف المحلاة فيها الفضة تباع بالذهب إلى أجل مسمى؟ فقال : ان الناس لم يختلفوا في النساء أنه الربا ، وانما اختلفوا في اليد باليد ، فقلت له : فتبيعه بدراهم بنقد؟ فقال : كان أبى (عليه‌السلام) يقول : يكون معه عرض أحب الي ، فقلت : إذا كان الدراهم التي تعطى أكثر من الفضة التي فيها؟ فقال : وكيف لهم بالاحتياط بذلك؟ قلت له : فإنهم يزعمون أنهم يعرفون ذلك فقال : ان كانوا يعرفون ذلك فلا بأس ، والا فإنهم يجعلون معه العرض أحب الي».

وصحيحة عبد الله بن سنان (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا بأس ببيع السيف المحلى بالفضة بنساء إذا نقد ثمن الفضة والا فاجعل ثمن فضة طعاما ولينسه ان شاء».

ورواية منصور الصيقل (٣) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «قال سألته عن السيف المفضض تباع بالدراهم؟ قال : ان كانت فضته أقل من النقد فلا بأس ، وان كانت فضته أكثر فلا يصلح».

وعن أبى بصير (٤) قال : «سألته عن المفضض» الحديث مثله.

ورواية منصور الصيقل (٥) ايضا عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : قلت له : السيف أشتريه وفيه الفضة تكون الفضة أكثر أو أقل؟ قال : لا بأس به».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٥١ التهذيب ج ٧ ص ١١٣.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ١١٢.

(٣ و ٤ و ٥) التهذيب ج ٧ ص ١١٣.

٣٠٠