الحدائق الناضرة - ج ١٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

وفي رواية كليب الأسدي (١) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) «إذا ملكت الأبوين فقد عتقا ، وقد يملك اخوته فيكونون مملوكين ولا يعتقون».

واما ما ورد في رواية العبيد بن زرارة (٢) قال : «لا يملك الرجل أخاه من النسب ويملك ابن أخيه» الحديث. فقد حمله الشيخ على الاستحباب.

وكذا ما رواه الصدوق عن سماعة (٣) في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل يملك ذا رحمه هل يصلح له أن يبيعه أو يستعبده؟ قال : لا يصلح له بيعه ولا يتخذه عبدا وهو مولاه وأخوه في الدين ، وأيهما مات ورثه صاحبه الا ان يكون له وارث أقرب إليه منه».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن سماعة (٤) في الموثق ايضا قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يملك ذا رحم هل يحل له ان يبيعه أو يستعبده؟ قال : لا يصلح له أن يبيعه وهو مولاه واخوه ، فان مات ورثه دون ولده ، وليس له أن يبيعه ولا يستعبده».

والظاهر حمل الخبرين المذكورين على من لا ينعتق عليه من المحارم ، كالأخ والعم ونحوهما ، والمراد حينئذ كراهية بيعه واستخدامه ، لا أنه ينعتق عليه بقرينة قوله في الخبر الثاني «فان مات ورثه دون ولده» إذ لا يمكن هذا الا مع بقاء المالكية.

ويمكن حمل النهي في الخبر الأول على الأعم من الحرمة والكراهة ، فيكون شاملا للعمودين ونحوهما من النساء المحارم ، الا أن ظاهر قوله هو (مولاه) الى آخر الخبر مما يعضد المعنى الأول ، فإن حاصله أنه مولاه ، اى وارثه ، والميراث في موت العبد ظاهر ، وفي موت الحر إذا لم يكن له وارث حر ، فإنه حينئذ يشترى ويورث ، الا أن يكون له وارث أقرب ، فإنه حينئذ يشترى الأقرب.

وكيف كان فان الحكم المذكور لاتفاق الأصحاب عليه ، وتكاثر الاخبار

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٨ ص ٢٤١.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٨٠.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ٢٤٢.

٣٨١

به كما عرفت مما لا اشكال فيه ، ولا شبهة تعتريه ، فيجب ارتكاب التأويل في هذه الاخبار الأخيرة بما قلناه.

وقد صرح بعض الأصحاب بأن قرابة الشبهة بحكم الصحيح ، بخلاف قرابة الزنا على الأقوى ، قال : لان الحكم الشرعي يتبع الشرع ، لا اللغة وهو جيد.

ويفهم من إطلاق كلام الأصحاب الرجل والمرأة في هذا المقام أن الصبي والصبية لا يعتق عليهم لو ملكوه ، الى أن يبلغوا والاخبار مطلقة في الرجل والمرأة كذلك ، ويعضده أصالة البراءة كذا صرح به شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في الروضة.

المسألة الثالثة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يملك اللقيط من دار الحرب إذا لم يكن فيها مسلم يمكن انتسابه اليه ولو كان أسيرا ، والا حكم بحريته ، لإطلاق الحكم بحرية اللقيط في النصوص ، خرج منه ما علم انتفاؤه عن المسلم ، فيبقى الباقي.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه في الكافي (١) عن عبد الله (عليه‌السلام) قال : اللقيط لا يشترى ولا يباع».

وما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم (٢) في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن اللقيط؟ قال : لا يباع ولا يشترى». وما رواه في الكافي. في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم (٣) قال : سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن اللقيط؟ فقال : حر لا يباع ولا يوهب».

وما رواه في الكافي عن حاتم بن إسماعيل المدائني (٤) عن ابى عبد الله

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٢٤.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٢٢٧.

(٣ و ٤) الكافي ج ٥ ص ٢٢٤ التهذيب ج ٧ ص ٧٨.

٣٨٢

(عليه‌السلام) قال : «المنبوذ حرفان أحب أن يوالي غير الذي رباه والاه ، فان طلب منه الذي رباه النفقة وكان موسرا رد عليه ، وان كان معسرا كان ما أنفق عليه صدقة».

ونحوه عن عبد الرحمن العزرمي (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) عن أبيه (عليه‌السلام) قال : «المنبوذ حر فإذا كبر فان شاء تولى الذي التقطه ، والا فليرد عليه النفقة ، وليذهب فليوال من شاء».

أقول : واللقيط والمنبوذ هو المولود الذي ينبذ ، وظاهر هذه الاخبار الحكم بالحرية مطلقا ، وكان مستند استثناء الأصحاب لقيط دار الحرب على الوجه المتقدم هو الإجماع.

ويؤيده ما تقدم ذكره في غير موضع من أن إطلاق الاخبار انما تحمل على الافراد المتكثرة الشائعة ، ووجود اللقيط في دار الحرب بالشرط المتقدم نادر ، بل انما وقع مجرد فرض المسألة ، فلا يدخل حينئذ في إطلاق الاخبار المذكورة.

ثم انهم ذكروا أيضا أنه لو بلغ من حكم بحريته ظاهرا لكونه ملقوطا من دار الإسلام ، أو دار الفكر بالشرط المتقدم فأقر بالرق ، فهل يقبل إقراره أم لا؟ قولان.

اختار ثانيهما ابن إدريس ، ونقله عن محصلي الأصحاب فقال : لا يقبل إقراره عند محصلي أصحابنا ، وهو الصحيح لان الشارع حكم عليه بالحرية.

وقال : بعضهم : يقبل ، لأن «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» كما روى عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢). واختاره العلامة في المختلف ، فقال ـ بعد نقل قول ابن إدريس

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٢٥ التهذيب ج ٧ ص ٧٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الإقرار الرقم ـ ٢.

٣٨٣

والاحتجاج على ما ذهب اليه ـ ما لفظه : وحكم الشارع بالحرية ـ بناء على الأصل ـ ما لم يعترف بالعبودية ، ولا فرق بين اللقيط وغيره من المجهول ، ولو جاء رجل لا يعرف فأقر بالعبودية يقبل ، وقد كان على مذهبه لا يقبل ، لانه محكوم عليه بالحرية شرعا ، فلا يقبل إقراره بالعبودية ، وهذا كله غلط انتهى.

والى هذا القول ذهب المحقق في الشرائع والشهيد الثاني في المسالك وغيرهم في هذه الصورة وفي صورة مجهول الحال.

أما معروف النسب فيقبل قطعا ، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين ، وهو الأظهر للخبر المذكور ، ولصحيحة عبد الله بن سنان (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : كان على بن أبى طالب (عليه‌السلام) «يقول : الناس كلهم أحرار الا من أقر على نفسه بالعبودية وهو مدرك من عبد أو أمة ، ومن يشهد عليه بالرق صغيرا كان أو كبيرا» ، وهو ظاهر في عموم الحكم لمحل البحث.

وفيه إشارة الى أن الأصل في الناس الحرية كما هو ظاهر الاتفاق ، ويمكن أن يرجح عدم القبول في اللقيط بعدم علمه بحال نسبه ، الا أنه يمكن معارضته باستفادته ذلك بعد البلوغ من اخبار من يوجب له العلم بذلك ، أو نحو ذلك.

وبالجملة فالأظهر العمل بإطلاق الخبرين المذكورين ، ولا فرق في قبول إقراره بين كون المقر مسلما أو كافرا ، وسواء كان المقر له مسلما أو كافرا ، وان بيع عليه قهرا كما تقدم.

ثم انه مما يدل على الحكم المذكور زيادة على ما ذكرناه ما رواه في التهذيب عن الفضل (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل حر أقر أنه عبدا قال يؤخذ بما أقر به». وبهذا المضمون رواية محمد بن الفضل الهاشمي (٣) وصحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي (٤).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب العتق الرقم ـ ١.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب العتق الرقم ـ ٢.

٣٨٤

بقي الكلام في أنه هل يعتبر رشده وقت الإقرار أم لا؟ فمنهم من اشترطه وهو ظاهر اختيار شيخنا الشهيد الثاني في المسالك.

ومنهم من لم يشترطه من غير تعرض لعدمه ، والعلامة في التذكرة في هذا الباب اشترطه ، وفي باب اللقطة اكتفى بالبلوغ والعقل ، قيل ووجه اشتراطه واضح ، لان غير الرشيد لا يعتبر قوله في المال ، وهو نفسه مال ، ووجه العدم أن إقراره بالرقية ليس إقرارا بنفس المال وان ترتب عليه ، كما يسمع إقراره بما يوجب القصاص ، وان أمكن رجوعه الى المال بوجه ، ويشكل بما لو كان بيده مال ، فإن إقراره على نفسه بالرقية ، يقتضي كون المال للمقر له ، الا أن يقال : بثبوته تبعا لثبوت الرقية ، لا لأنه إقرار بالمال ، والأظهر الاستناد في العدم الى ظاهر الروايات المتقدمة ، فإن ظاهرها الاكتفاء بمجرد العقل ، كما يشير اليه قوله في صحيحة عبد الله بن سنان وهو مدرك أى بالغ عاقل ، وربما قسر بكونه رشيدا والظاهر بعد والله العالم.

المسألة الرابعة ـ الظاهر أنه لا خلاف في أنه لو ملك أحد الزوجين صاحبه فإنه ينفسخ الزوجية ، ويستقر المالك لمنافات الملك العقد ، لان المالك ان كان هو الزوجة ، فإنه يحرم وطؤ مملوكها لها ، وان كان الزوج استباحها بالملك ، ولان التفصيل يقطع الشركة (١) وعلل ـ مع ذلك ـ بأن بقاءه يستلزم اجتماع علتين على معلول واحد شخصي ـ ورد بأن علل الشرع معرفة ـ وبأن اختلاف الأسباب يقتضي اختلاف المسببات ، ورد بجواز ذلك في أسباب الشرع ، وبعدم تماميتها

__________________

(١) بمعنى أن التفصيل في حال الوطي بكونه اما بالعقد أو بالملك أو بالتحليل أو نحو ذلك يقطع الشركة في الأسباب لأن كلا منها سبب مستقل برأسه فمتى حصل الملك يعنى ملك الزوج للزوجة كان النكاح بالملك وارتفعت الزوجية لما عرفت ـ منه رحمه‌الله.

٣٨٥

في جانب الزوجة.

أقول والأظهر الاعراض عن هذه التعليلات الواهية ، والرجوع في ذلك الى الاخبار ، فإنها في الدلالة على المراد مكشوفة القناع ، وهي أولى بالمراعاة والاتباع سيما مع تأيدها بالاتفاق كما أشرنا اليه.

ومن الاخبار المشار إليها ما رواه في الكافي في الحسن أو الصحيح وفي الفقيه في الصحيح عن محمد بن قيس (١) عن أبى جعفر (عليه‌السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في سرية رجل ولدت لسيدها ثم اعتزل عنها ، فأنكحها عبده ثم توفى سيدها وأعتقها فورث ولدها زوجها من أبيه ثم توفى ولدها فورثت زوجها من ولدها فجاءا يختلفان يقول الرجل : امرأتي ولا أطلقها وتقول المرأة عبدي ولا يجامعني ، فقالت المرأة يا أمير المؤمنين ان سيدي تسراني فأولدني ولدا ثم اعتزلني فأنكحني من عبده هذا ، فلما حضرت سيدي الوفاة أعتقني عند موته وأنا زوجة هذا وانه صار مملوكا لولدي الذي ولدته من سيدي ، وان ولدي مات فورثته ، فهل يصلح له ان يطأني؟ فقال لها : هل جامعك منذ صار عبدك وأنت طائعة؟ قالت : لا يا أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال : لو كنت فعلت لرجمتك ، اذهبي فإنه عبدك ليس له عليك سبيل ، ان شئت ان تبيعي ، وان شئت ان ترقى ، وان شئت ان تعتقي».

وما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان (٢) في الصحيح قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في رجل زوج أم ولد له مملوكه ثم مات الرجل فورثه ابنه فصار له نصيب في زوج أمه ، ثم مات الولد أترثه امه؟ قال : نعم قلت : فإذا

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٨٤ الفقيه ج ٣ ص ٣٥٢ وفيه (لأوجعتك) بدل (لرجمتك).

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٨٤ و ٤٨٥.

٣٨٦

ورثته كيف تصنع وهو زوجها؟ قال : تفارقه وليس له عليها سبيل وهو عبدها».

وعن إسحاق بن عمار (١) في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «في امرأة لها زوج مملوك فمات مولاه فورثته ، قال : ليس بينهما نكاح».

وعن سعيد بن يسار (٢) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن امرأة حرة تكون تحت المملوك فتشتريه هل يبطل نكاحه؟ قال : نعم ، لانه عبد مملوك لا يقدر على شي‌ء».

قالوا وملك البعض كملك الكل ، للمنافاة واستحالة تبعض البضع وقطع الشركة بالتفصيل أقول : الأجود الاستدلال عليه بصحيحة عبد الله بن سنان المذكورة ، فإن موردها التبعيض.

بقي الكلام في قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن قيس المذكورة «لو كنت فعلت لرجمتك» مع أنها ليست ذات بعل بعد انفساخ العقد ، لتستحق الرجم ، وحملها بعض مشايخنا (عطر الله مراقدهم) على التهديد على وجه المصلحة تورية أو الرجم بمعنى الشتم والإيذاء كما يطلق عليه لغة ، يقال : رجمته بالقول : اى رميته بالفحش ، وكيف كان فلا بد من الحمل على خلاف الظاهر من الخبر لما عرفت. والله العالم.

المسألة الخامسة ـ قد تقدم في المسألة الثالثة إن الأظهر الأشهر ان من أقر على نفسه بالعبودية متى كان مكلفا فإنه يقبل منه ويحكم بكونه رقا ، وحينئذ فلا يقبل منه رجوعه عن ذلك لاشتماله على تكذيب نفسه ، وإبطال ما أقر به أولا ورفع ما ثبت عليه حتى لو أقام بينة لم تسمع ، لأنه بإقراره أولا قد كذبها ، كذا قطع به العلامة في التذكرة.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٨٥.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٨٥.

٣٨٧

وأورد عليه بأنه يشكل ذلك فيما لو أظهر لإنكاره تأويلا محتملا ، كان قال : انى تولدت بعد انعتاق أحد أبوي وما كنت اعلم بذلك حين أقررت ، فإنه ينبغي القبول ، وسيأتي له نظائر.

وأولى بالقبول ما لو أقر بالرقية لشخص معين فأنكر المقر له ، وسيأتي مثله في الإقرار ، كما إذا أقر لأحد بمال فأنكر المقر له ، فادعاه المقر حين إنكاره ، وعلى هذا فينبغي سماع بينته بطريق اولى ، وهو جيد وكذا لو اشترى عبدا ثابت العبودية فادعى الحرية ، فإنه لا يقبل دعواه ، الا ان هذا يقبل دعواه بالبينة ، بخلاف الأول.

وتفصيل الكلام في المقام انه متى وجد عبدا أو أمة تباع في الأسواق ، فإن ظاهر اليد والتصرف يقتضي الملك ، ويدل عليه ما رواه المشايخ الثلاثة «نور الله تعالى مراقدهم) عن حمزة بن حمران (١) «قال : قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ادخل السوق فأريد ان اشترى جارية فتقول لي انى حرة فقال اشترها الا ان تكون لها بينة». ووصف هذه الرواية العلامة في التذكرة والشهيد الثاني في المسالك بالصحة ، وهو سهو محض فإن حمزة بن حمران لم يذكره أحد بالتوثيق ، بل ولا بالمدح ، حتى انه في الخلاصة لم يذكره بالكلية ، والنجاشي ذكره ولم يصفه بمدح ولا ذم ،.

وما رواه في التهذيب والفقيه في الصحيح عن العيص بن القاسم (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن مملوك ادعى انه حر ولم يأت ببينة على ذلك أشتريه؟ قال : نعم».

اما لو وجد في يده وادعى رقيته ولم يعلم شراؤه ولا بيعه ، فان كان كبيرا

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢١١ التهذيب ج ٧ ص ٧٤.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٧٤.

٣٨٨

وصدقه على ذلك فكذلك ، لما تقدم من الاخبار الدالة على إلزامه بما أقر به ، وان كذبه لم يقبل دعواه إلا بالبينة ، عملا بأصالة الحرية ، كما تقدم في صحيحة عبد الله بن سنان (١) من قول أمير المؤمنين (عليه‌السلام) «الناس كلهم أحرار الا من أقر على نفسه بالعبودية ، أو من شهد عليه بالرق». ومثلها غيرها.

وان سكت أو كان صغيرا فإشكال ، قال العلامة في التذكرة : العبد الذي يوجد في الأسواق يباع ويشترى يجوز شراؤه ، وان ادعى الحرية لم يقبل منه ذلك إلا بالبينة وكذا الجارية الى أن قال : أما لو وجد في يده وادعى رقيته ولم يشاهد شراءه له ولا بيعه إياه فان صدقه حكم عليه بمقتضى إقراره ، وان كذبه لم يقبل دعواه الرقية إلا بالبينة ، عملا بأصالة الحرية وان سكت من غير تصديق ولا تكذيب فالوجه أن حكمه حكم التكذيب ، إذ قد يكون السكوت لا من غير الرضا ، وان كان صغيرا فإشكال ، أقربه الحرية فيه. انتهى.

ويمكن المناقشة في حكمه في صورة السكوت بأن حكمه حكم التكذيب ، بأن يقال : انه متصرف وصاحب يد ، ويدعى أمرا ممكنا وللأخبار الكثيرة الدالة على من ادعى دعوى لا معارض لها ولأراد لها كمن ادعى مالا ولا معارض له في دعواه أنه يحكم له بذلك ، أو ادعى زوجية امرأة ولم تكذبه ، فإنه يحكم له بها ، والظاهر أنه لهذا ذهب في التحرير الى الحكم باليد ، كما نقل عنه ، وحينئذ فيقبل مجرد دعواه

وأما قبولها مع البينة فالظاهر لا اشكال فيه ، وأما ما استقربه من الحرية في الصغير فهو جيد ، عملا بالأخبار الدالة على أصالة الحرية حتى يثبت الملك. الا أنه يشكل حينئذ شراء العبيد الأطفال من يد البياع ، مع دلالة الاخبار والاتفاق على جواز الشراء ، والحكم المذكور لا يخلو من شوب الاشكال ، كما أشرنا إليه آنفا.

وقد وقع في عبائر بعض الأصحاب انه لا يقبل ادعاء الحرية من المشهور

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب العتق الرقم ـ ١.

٣٨٩

بالرقية ، وفيه إشكال ، لأن مجرد الشهرة لا تعارض أصالة الحرية المتفق عليها نصا وفتوى ، الا أن تحمل الشهرة على ما قدمنا ذكره من رؤيته يباع في الأسواق ونحوه ، ولا يخلو من بعد ، ويمكن أن يستدل للقول المذكور بظاهر صحيحة العيص المذكورة ، بأن يحمل المملوك على من يكون كذلك بحسب الظاهر من الشهرة ، الا أنه يحتمل كون ذلك بثبوته بالإقرار أولا أو البينة أو الرؤية يباع في الأسواق ونحو ذلك مما يفيد التملك. والله العالم.

٣٩٠

المقصد الثاني في الأحكام المترتبة

على الابتياع وما يلحق ذلك

وفيه أيضا مسائل ، الأولى ـ اختلف الأصحاب ـ (رضوان الله عليهم) ـ في بيع الحامل جارية كانت أو دابة ، فالمشهور ان الحمل للبائع ، سواء علم به أولا ، وسواء شرط البائع لنفسه أولا ، الا ان يشترطه المشترى ، وهو قول الشيخ في النهاية ، والشيخ المفيد وسلار وابى الصلاح وابن البراء في الكامل وابن إدريس ، وعليه المتأخرون منهم العلامة في المختلف ، واحتج عليه بأن البيع تعلق بالأم فلا يتناول الحمل ، لعدم دلالة اللفظ عليه مطابقة وتضمنا والتزاما ، ولأن الأصل بقاء ملك البائع عليه ، فلا ينتقل عنه الا بسبب ، ولم يطرأ ما يزيله من أصله انتهى.

وقال الشيخ في المبسوط : إذا باع بهيمة أو جارية حاملا واستثنى حملها لنفسه لم يجز ، وتابعه ابن البراج في المهذب وجواهر الفقه على ذلك.

وقال ابن الجنيد ويجوز ان يستثني الجنين في بطن امه من آدمي أو حيوان وقال ابن حمزة : والإناث من الأدمي والنعم إذا كانت حوامل وبيعت مطلقا كان الولد للمبتاع ، إلا إذا شرط البائع.

وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي : يكون للمبتاع إلا إذا شرط البائع وهذا ما وقفت عليه من أقوالهم في المسألة ، ونقل عن الشيخ أنه احتج على ما ذهب إليه في المبسوط بأن الحمل جزء من الحامل ، يجرى مجرى عضو من أعضائها فيدخل

٣٩١

ولا يصح استثناؤه ، حتى حكم بفساد البيع لو استثناه البائع ، كما لو استثنى جزءا معينا.

أقول : وقد نقل بعض المحققين هذا القول عن الشافعي ، محتجا بهذه الحجة. وأجاب العلامة في المختلف ـ عن حجة الشيخ المذكورة ـ بالمنع من المساواة بين الحمل وعضو من أعضائها ، فإنه تصح الوصية للحمل ، ويرث ويلحقه أحكام كثير لا تتعلق بالأعضاء ، قال : وهذا الذي ذكره الشيخ كأنه الذي لمحه ابن حمزة ، والحق خلافه انتهى.

أقول : لا يخفى قوة القول المشهور بناء على ما هو مذكور ، الا أنه قد روى الشيخ بإسناده عن احمد بن محمد بن يحيى عن أبي إسحاق ـ يعني إبراهيم بن هاشم ـ عن النوفلي عن السكوني (١) «عن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) في رجل أعتق أمة وهي حبلى فاستثنى ما في بطنها ، قال : الأمة حرة ، وما في بطنها حر لان ما في بطنها منها». ورواه الصدوق أيضا بإسناده عن السكوني ، وهو ظاهر في تبعية الحمل للام ، وأنه لا يصلح استثناؤه من حيث أنه منها وجزء من اجزائها كما ادعاه الشيخ ومن تبعه ، ولهذا ذهب الشيخ وجماعة في باب العتق الى سريان عتق الحامل الى الحمل للرواية المذكورة ، وان كان المشهور خلافه ورد هذه الروايات المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) بضعف السند إلا أنك قد عرفت في غير موضع مما تقدم أنه غير معتمد.

وقد روى الشيخ في الحسن عن الحسن بن على الوشاء (٢) عن أبى الحسن الرضا (عليه‌السلام) «قال سألته عن رجل دبر جاريته وهي حبلى فقال ان كان علم يحبل لجارية فما في بطنها بمنزلتها وان كان لم يعلم فما في بطنها رق».

وهو ظاهر في سريان التدبير الى الولد مع العلم بالحمل وأما مع عدم العلم به فإنه يحتمل تأخره من التدبير ، والحكم فيه التبعية كما استفاضت به الاخبار

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٨ ص ٢٣٦ ـ الفقيه ج ٣ ص ٨٥.

٣٩٢

ولهذا نقل عن الشيخ وجماعة القول بتبعية الولد للأم في الصورة المذكورة ، ومقتضى كلام الأصحاب في مسألة البيع المذكورة العدم.

الا أن هذه الرواية أيضا معارضة بما رواه الشيخ في الموثق عن عثمان بن عيسى الكلالى (١) عن ابى الحسن الأول (عليه‌السلام) قال : «سألته عن امرأة دبرت جارية لها فولدت الجارية جارية نفيسة ، فلم تدر المرأة المولودة مدبرة أو غير مدبرة ، فقال : لي متى كان الحمل بالمدبرة أقبل أن دبرت أم بعد ما دبرت؟ فقلت : لست أدرى ، ولكن أجنبي فيهما جميعا فقال : ان كانت المرأة دبرت وبها حبل ، ولم تذكر ما في بطنها فالجارية مدبرة والولد رق ، وان كان انما حدث الحمل بعد التدبير فالولد مدبر في تدبير أمه». ورواه الصدوق مرسلا ، وزاد «لان الحمل انما حدث بعد التدبير» وهي ظاهرة في أنه في صورة العلم بالحمل وعدم إدخاله في التدبير لا يسرى التدبير اليه ، بل يبقى على الرقية كما هو أحد القولين في المسألة.

وبالجملة فالمسألة كما عرفت محل اشكال وعلى القول المشهور فحيث يشترط المشترى الحمل يدخل في المبيع وان كان مجهولا ، لانضمامه الى المعلوم ، وتبعيته له ، وعلى هذا فلا فرق بين ان يقول البائع : بعتك الجارية وحملها ، أو شرطت لك حملها ، أو بعتك هذه الأمة بكذا وحملها ، لان الظاهر ان حملها عطف على الأمة كما في المثال الأول.

ونقل عن العلامة في التذكرة البطلان في الصورة الأولى ، لأنه مجهول ، وفيه ما تقدم تحقيقه سابقا في مسألة الضمائم ، من أنه لا يضر جهله مع تبعيته للمعلوم ، كما دلت عليه نصوص المسألة حسبما تقدم ، ولو كان الحمل غير معلوم وأراد إدخاله في البيع فالعبارة الثانية لا غير ، كذا صرح به شيخنا الشهيد الثاني.

قال المحقق الأردبيلي بعد نقل ذلك عنه : وكأنه نظر الى أن بيع ما لم يعلم

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢٦٠ الفقيه ج ٣ ص ٧١ مع اختلاف يسير.

٣٩٣

وجوده غير معقول ، بخلاف الشرط ، وفي الشرط أيضا تأمل ، والظاهر أنه يجوز ويؤل الى تقدير الوجود والسلامة ، ولعل مثله إذا كان منضما وتابعا لا يضر ، لعموم الأدلة والتراضي. انتهى.

قالوا. ولو لم يشترطه المشترى واحتمل وجوده عند العقد وعدمه ـ بأن ولدته في وقت يحتمل كونه عند البيع موجودا وعدمه ـ فهو للمشتري ، لأصالة عدم وجوده سابقا ، فلو اختلفا في وقت البيع كذلك قدم قول البائع بيمينه مع عدم البينة ، وهو بناء على القول المذكور.

وكذا لو شرطه فسقط قبل القبض أو بعده في زمن خيار الحيوان ، فإنه يكون من مال البائع ، فيرجع المشترى على البائع بنسبته من الثمن ، بأن تقوم حاملا ومجهضا أى مسقطا لا حابلا ، كما وقع في بعض العبارات كعبارة الشرائع وغيره ، ولانه المطابق للواقع ، وللاختلاف بين الحالين ، فان الإجهاض في الأمة عيب ربما نقصت به القيمة ، إذ هي في حال الإجهاض مريضة ، فيرجع بنسبة التفاوت بين القيمتين كما تقدم تحقيقه.

والظاهر أنه لا خلاف في أن البيض تابع للبايض ، لا كالحمل ، بل هو للمشتري مطلقا ، لانه تابع كسائر أجزائه ، ولا يصح اشتراط البائع له على قول الشيخ في المبسوط ومن تبعه ، وبذلك صرح في الكتاب المذكور ، فقال : لو باع البائض دخل البيض على طريق البيع وان شرط لنفسه لم يجز ، ورده المتأخرون بأنه شرط سائغ ، ويؤيده أن ما ادعاه الشيخ من الجزئية وأنه كعضو من أعضائه قد عرفت ما فيه ، فلا مانع من صحة الشرط المذكور.

٣٩٤

تذنيب

قال : الشيخ في المبسوط لو باع جارية حبلى بولد لم يجز ، لان الحمل مستثنى ، وهذا يمنع صحة البيع ، وتبعه ابن البراج في المهذب ، ورد ذلك بما تقدم ، لان كلامه هنا كما تقدم مبنى على كون الحمل كعضو من أعضاء الحامل وجزء من أجزائها ، وفيه ما عرفت آنفا. والله العالم.

المسألة الثانية ـ اختلف الأصحاب في أن العبد هل يملك شيئا أم لا ، فقيل : يملك مطلقا ، ونسبه في التذكرة إلى أنه المشهور ، وقيل : يملك مطلقا ، ونسبه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك إلى الأكثر ، وهو اختيار المحقق في الشرائع ، وقيل : يملك فاضل الضريبة ، وقيل : أرش الجناية.

والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بهذه المسألة صحيحة عمر بن يزيد (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أراد أن يعتق مملوكا له ، وقد كان مولاه يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كل سنة ورضى بذلك المولى ، فأصاب المملوك في تجارته سوى ما كان يعطى مولاه من الضريبة ، فقال : إذا أدى الى سيده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك ، ثم قال ـ أبو عبد الله (عليه‌السلام): أليس قد فرض الله تعالى على العباد فرائض فإذا أدوها اليه لم يسألهم عما سواها ، قلت : فللمملوك ان يتصدق مما اكتسب ويعتق بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده؟ قال : نعم وأجر ذلك له ، قلت : فإن أعتق مملوكا مما اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء المعتق؟ قال : فقال : يذهب فيتوالى الى من أحب ، فإذا ضمن جريرته وعقله كان مولاه وورثه ، قلت له : أليس قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله):

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢٢٤.

٣٩٥

الولاء لمن أعتق؟ قال : فقال : هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد مثله ، قلت : فان ضمن العبد الذي أعتقه جريرته وحدثه أيلزمه ذلك ويكون مولاه ويرثه؟ قال : فقال : لا يجوز ذلك ولا يرث عبد حرا».

وصحيحة إسحاق بن عمار (١) قال : «قلت : لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ما تقول : في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر ، فيقول : حللني من ضربي إياك ، ومن كل ما كان مني إليك ، مما أخفتك وأرهبتك فيحلله فيجعله في حل رغبة فيما أعطاه ، ثم ان المولى بعد أصاب الدراهم التي أعطاه في موضع قد وضعها فيه العبد وأخذها المولى إحلال هي له؟ فقال : لا تحل له ، لأنه افتدى بها نفسه من العبد مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة ، قال : فقلت له : فعلى العبد أن يزكيها إذا حال عليها الحول؟ قال : لا الا أن يعمل له بها ، ولا يعطى العبد من الزكاة شيئا.

ورواية إسحاق بن عمار (٢) المذكورة عن جعفر عن أبيه أن عليا (عليه‌السلام) أعتق عبدا له فقال : له ان ملكك لي ولكن قد تركته لك».

ورواية أبي جرير (٣) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل قال : لمملوكه أنت حر ولي مالك ، قال : لا يبدأ بالحرية قبل المال يقول لي مالك وأنت حر برضا المملوك (فان ذلك أحب الى) (٤).

والتقريب فيه أنه إذا بدء بالعتق صار حرا ولم يجز له أخذ ماله ، وإذا بدء بالمال فان فيه تصريحا بأن العتق بإزاء المال ، فإذا رضي المملوك بذلك انعتق وصار المال للمولى ، وهو ظاهر في الملك.

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢٢٥.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٢٣٧.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ٢٢٤.

(٤) ما بين القوسين زيادة من الكافي.

٣٩٦

وصحيحة الفضل بن يسار (١) قال : «قال غلام سندي لأبي عبد الله (عليه‌السلام) انى قلت لمولاي : بعني بسبعمأة درهم ، وأنا أعطيك ثلاثمأة درهم ، فقال له أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان كان يوم شرطت لك مال؟ فعليك أن تعطيه ، وان لم يكن لك يومئذ فليس عليك شي‌ء». وهي ظاهرة في الملك.

وأما ما ذكره بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين من أن هذه الرواية أوفق بالقول بعدم مالكية العبد ، لانه لو كان له مال فهو من مال البائع ، فلذا يلزمه أداؤه لا بالشرط ، وإذا لم يكن مال وحصله عند المشترى فهو من مال المشترى. انتهى.

ففيه من العبد عن سياق الخبر المذكور ، ما لا يخفى ، فان ظاهره ينادى بخلافه ، لأن قوله ان كان يوم شرطت لك مال ظاهر في الملك كما هو مدلول اللام ، أو الاختصاص الراجع الى الملك ، وظاهره أن الإعطاء انما هو من حيث الشرط ، لا من حيث إنه مال البائع.

وبالجملة فالظاهر ان ما ذكره (قدس‌سره) لا يخلو من تعسف ، وكأنه أراد بذلك الانتصار للقول المشهور كما سيأتي ذكره إنشاء الله تعالى.

احتج العلامة في التذكرة على ما ذهب اليه من القول الأول بقوله عزوجل (٢) «ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ» وقوله تعالى (٣) «ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ».

وأنت خبير بما فيه فان غاية ما يفهم منها انما هو الحجر عليه في نفسه وماله ، وانه

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢٤٦ وبسند آخر مثله منه رحمه‌الله.

(٢) سورة النحل الآية ٧٥.

(٣) سورة الروم الآية ـ ٢٨.

٣٩٧

ليس له التصرف فيهما إلا بإذن سيده ، فهو من حيث هو لا يقدر على شي‌ء إلا ما أقدره عليه مولاه وملكه ، أو أذن له بالكسب ونحوه حسبما دلت عليه الاخبار المتقدمة.

ويؤيده الأخبار الواردة في معنى الآية الاولى من أنه ليس له نكاح ولا طلاق إذا أنكحه مولاه أمته إلا بإذن المولى ، ففي بعضها (١) قال : «سألته عن العبد هل يجوز طلاقه؟ قال : ان كان أمتك فلا ، ان الله عزوجل يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ».

ونحوه أخبار عديدة ومرجع الجميع الى المنع من التصرف إلا بإذن سيده.

والآية الثانية ظاهرها انه ليس له حق ولا شركة في مال المولى ، ولا دلالة لها على عدم الملك إذا ملكه أو اذن له في تملك مال الغير بالكسب والتجارة ونحو ذلك ، بل الظاهر انه يحصل له ذلك كالعبيد بالنسبة الى الله عزوجل.

وبالجملة فإنه لا دلالة فيهما على نفى تملكه لما ملكه سيده ، أو أذن له فيه كما هو المدعى ، وظاهر الأصحاب على تقدير القول بتملكه الاتفاق على انه محجور عليه ، ولكن ظاهر الاخبار المتقدمة العدم ، فإنها كالصريحة في استقلاله ، سيما صحيحة عمر بن يزيد وقوله فيها «انه يتصدق ويعتق وأجر ذلك له» الا انه ربما نافر ذلك نفى الزكاة عنه ، في صحيحة إسحاق بن عمار ، إذ لو كان مالكا للتصرف كملكه للمال ، لما كان لنفى وجوب الزكاة وجه ، وفي معنى هذه الرواية أخبار أخر ، تقدمت في كتاب الزكاة ، والظاهر انه لا وجه لذلك مع الحكم بملكه الا كونه محجورا عليه ، ويدل عليه ما رواه في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن على بن جعفر (٢) عن أخيه موسى (عليه‌السلام) قال : «ليس على المملوك

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

٣٩٨

زكاة إلا بإذن مواليه». وحينئذ فيجب حمل إطلاق ما ظاهره الاستقلال على هذه الرواية ، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في كتاب الزكاة والله العالم.

المسألة الثالثة ـ اختلف الأصحاب فيما إذا اشترى عبدا أو أمة وله مال فقال الشيخ في النهاية والشيخ المفيد : ان المال للبائع الا ان يشترطه المبتاع ، سواء كان ماله أكثر من ثمنه أو أقل.

وقال سلار : وابتياع العبيد الذين لهم مال بأقل مما معهم جائزة وقال ابن الجنيد إذا شرطه المشترى وكان الثمن زائدا على قدر المال من جنسه جاز البيع ، وان كان المال عروضا يساوى قدر الثمن أو دونه وأو أكثر منه جاز ايضا وان كان الثمن من جنس مال العبد ومال العبد أكثر من الثمن لم يجز.

وقال الشيخ في الخلاف : إذا كان مع العبد مائة درهم فباعه بمائة درهم لم يصح البيع ، فان باعه بمائة ودرهم صح. وقال في المبسوط : إذا باعه سيده وفي يده مال وشرط ان يكون للمبتاع صح البيع إذا كان المال معلوما وانتفى عنه الربا ، فان كان معه مائة درهم فباعه بمائة درهم لم يصح ، فان باعه بمائة ودرهم صح ، ثم قال : وإذا باع عبدا قد ملكه ألفا بخمسمأة صح البيع على قول من يقول : انه يملك ، ولو باع ألفا بخمسمأة لم يصح ، لانه ربا ، والفرق بينهما انه إذا باع العبد ، فإنما يبيع رقبته مع بقاء ما ملكه عليه فصح ذلك ، ولم يصح بيع الالف بخمسمأة.

وقال ابن البراج وأبو الصلاح إذا ابتاع عبدا أو أمة وله مال فهو للبائع الا ان يشترطه في عقد البيع فيكون له.

وقال ابن حمزة : لو باعه مع المال صح ان كان الثمن أكثر مما معه ان كان من جنسه ، وان كان من غير جنس ما معه صح على كل حال ، وان لم يعرف

٣٩٩

مقدار ما معه وباع بجنسه لم يصح ، (١) وان باع بغير جنسه صح ، وان باع المملوك دون المال صح ، فان شاء سوغه المال ، وان شاء استرده. وابن إدريس فصل كذلك.

وقال العلامة في المختلف بعد نقل هذه الأقوال : والتحقيق ان نقول : ان كان الثمن وما مع العبد ربويين واتفقا جنسا اشترط زيادة الثمن على ما في يد العبد ، والا فلا ، لنا انه على التقدير الأول لولاه لثبت الربا المحرم ، وعلى التقدير الثاني ان المقتضى للصحة موجود ، وهو البيع الصادر عن أهله في محله ، والمانع وهو مفسدة الربا منتف هنا.

ونقل في المختلف والمسالك عن ابن البراج القول بالتفصيل بين علم البائع بالمال وعدمه ، فان لم يعلم به فهو له ، وان علم فهو للمشتري.

والأصل في هذه الاختلافات الأخبار الواردة في المسألة ، ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن رجل باع مملوكا فوجد له مالا فقال : المال للبائع ، إنما باع نفسه ، الا أن يكون شرط عليه أن ما كان له من مال أو متاع فهو له».

وهذه الرواية دالة على ما ذهب اليه الشيخان مما قدمناه نقله عنهما والظاهر أنه هو المشهور ، وبه صرح المحقق والعلامة وغيرهما ، وهو جيد بناء على القول

__________________

(١) قال في المختلف وقول ابن حمزة ان لم يعرف مقدار ما معه وباعه بغير جنسه صح ، وان باعه بجنسه لم يصح ، لان الجهل يستلزم جواز تطرق الربا ، لكن يبقى فيه اشكال من حيث انه باع مجهولا ، الا ان يقال ان المال تابع وجهالة التابع لا تمنع صحة البيع : انتهى وهو جيد منه رحمه‌الله.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢١٣ التهذيب ج ٧ ص ٧١.

٤٠٠