الحدائق الناضرة - ج ١٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

وفي صحيحة أحرى لعبد الرحمن (١) المذكور عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «ان أبى كان يقول : لا بأس أن تبيع كل متاع كنت تجده في الوقت الذي بعته فيه». ومعنى تجده يعنى تقدر عليه في ذلك الوقت.

أقول : وهما مع صحة السند صريحتا الدلالة في صحة ما ذكره الشيخ ، وبطلان ما ذكره ابن إدريس الموافق لمذهب العامة ، كما يشير إليه الرواية ، وقد تضمنت الإنكار على المانعين من هذه الصورة ، والتعجب من تسويغ السلم ومنع هذه الصورة ، باعتبار أن البيع الخالي من الأجل أجود ، وانما كان أجود لوجود المبيع يومئذ ، والقدرة على تسليمه بخلاف السلم ، فإنه قد يتعسر تسليمه بعد الأجل ، وفي ذلك إشارة إلى كون هذا أولى بالصحة من السلم الذي وافقوا على جوازه.

ويعضده أن الأجل في السلم انما جعل إرفاقا بالبائع ، لا أنه شرط في صحة المعاوضة ، فيكون المعاوضة هنا سائغة ، لما عرفت من ان القدرة على التسليم هنا أتم والحكمة في معاوضة البيع انما يتم بالقدرة على التسليم ، وإذا كانت أتم وأجود في صورة النزاع وجب أن يكون الحكم فيه ثابتا ، وما ذكره من افراد البيع ، لا دليل على الحصر فيها ، لتكاثر الاخبار بهذا الفرد الذي هو محل البحث.

ومن الاخبار المذكورة أيضا ما رواه في الفقيه عن الكناني (٢) قال : «سألته عن رجل اشترى من رجل مائة من صفر بكذا وكذا وليس عنده ما اشترى منه فقال : لا بأس إذا أوفاه الوزن الذي اشترط عليه».

وما رواه في التهذيب عن الشحام (٣) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) «في

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٠٠ والوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام العقود الرقم ـ ٣.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ١٧٩ الوسائل الباب ٧ ـ من أبواب أحكام العقود الرقم ٤.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٤.

١٤١

رجل اشترى من رجل مائة من صفر وليس عند الرجل شي‌ء منه ، قال : لا بأس به إذا أو فاه دون الذي اشترط له». كذا في نسخ التهذيب ، والظاهر أن قوله «دون» وقع تحريف الوزن كما في الخبر المتقدم ، كم ومثل ذلك للشيخ (قدس‌سره.)

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الرجل يأتيني يريد منى طعاما وبيعا وليس عندي أيصلح لي أن أبيعه إياه واقطع سعره ثم أشتريه من مكان آخر وادفع اليه قال : لا بأس إذا قطع سعره».

وكان ابن إدريس ظن انه لا مستند لهذا القول إلا صحيحة عبد الله بن سنان التي أشار إليها ، الا ان قوله مبنى على أصله الغير الأصيل من رد الأخبار التي عليها بناء الشريعة بين العلماء جيلا بعد جيل ، وهو مما لا يلتفت اليه ولا يعول عليه في حقير ولا جليل.

وأما ما رواه في التهذيب عن سليمان بن صالح (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع ، وعن بيع ما ليس عندك ، وعن ربح ما لم يضمن».

وما رواه في آخر الفقيه (٣) في مناهي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : «ونهى عن بيع ما ليس عندك ونهى عن بيع وسلف» الخبر.

ففيه أولا ـ أنه يضعف عن معارضة ما ذكرنا من الاخبار المؤيدة بعمل

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٤ الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام العقود الرقم ٢.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٣٠ الرقم ٢٥.

(٣) الفقيه ج ٤ ص ٤ الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام العقود الرقم ـ ٥.

١٤٢

الأصحاب ، وثانيا ـ أنه يمكن حمله على بيع عين في ملك غيره ، لجواز أن لا يبيعها صاحبها ، لا ما إذا كان البيع في الذمة كما هو محل البحث جمعا بين الاخبار.

المطلب الثاني فيما يدخل في المبيع

قالوا : والضابط الاقتصار على ما يتناوله اللفظ لغة وعرفا ، قيل : والمراد بالعرف ما يعم الخاص والعام ، وظاهرهم أن المراد بالعرف ما هو المتعارف بين الناس في إطلاق ذلك اللفظ ، وما يراد منه ويستعمل فيه أعم من ان يكون عاما في جميع الأصقاع والبلدان أو خاصا ، باعتبار اصطلاح كل بلد وكل قطر على استعمال ذلك اللفظ في ذلك المعنى.

والأظهر أن يقال : ان الواجب هو حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية ان وجدت ، والا فعلى عرفهم عليهم‌السلام ، لانه مقدم على عرف الناس ان ثبت ، والا فعلى ما هو المتعارف في السن المتخاطبين ، والمتبادر في محاوراتهم وان اختلفت في ذلك الأصقاع والبلدان ، ثم مع تعذر ذلك فاللغة ، وربما قدم بعضهم اللغة على العرف.

ومما يشير الى ما ذكره الأصحاب في هذا الباب ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار (١) انه كتب الى أبى محمد (عليه‌السلام) «في رجل

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب أحكام العقود الرقم ١ والتهذيب ج ٧ ص ١٥٠ الرقم ١٣ و ١٤.

١٤٣

اشترى من رجل بيتا في داره بجميع حقوقه ، وفوقه بيت آخر ، هل يدخل البيت الأعلى في حقوق البيت الأسفل أم لا؟ فوقع (عليه‌السلام) : ليس له الا ما اشتراه باسمه وموضعه إنشاء الله تعالى».

وكتب إليه (١) «في رجل اشترى حجرة أو مسكنا في دار بجميع حقوقها ، وفوقها بيوت ومسكن آخر ، يدخل البيوت الأعلى والمسكن الأعلى في حقوق هذه الحجرة والمسكن الأسفل الذي اشتراه أم لا؟ فوقع (عليه‌السلام) : ليس له من ذلك الا الحق الذي اشتراه إنشاء الله.

وظاهر الخبرين أن المرجع الى ما صدق عليه ذلك اللفظ عرفا ، وظاهرهما عدم دخول البيت الأعلى في حقوق البيت الأسفل فلا يدخل في البيع.

ومما يشير الى الرجوع الى اللغة في أمثال ذلك ما رواه الثقة الجليل على ابن إبراهيم القمي في تفسيره (٢) في تفسير قوله عزوجل (٣) «لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) عن الصادق (عليه‌السلام) أن هذه الآية قرئت عنده فقال لقارئها : ألستم عربا ، فكيف تكون المعقبات من بين يديه ، وانما العقب من خلفه ، فقال الرجل : جعلت فداك كيف هذا فقال : إنما أنزلت «له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله» ومن الذي يقدر بحفظ الشي‌ء من أمر الله وهم الملائكة الموكلون بالناس.».

ورواه العياشي في تفسيره أيضا ، (٤) وفي الخبر المذكور دلالة على وقوع

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب أحكام القعود الرقم ١ والتهذيب ج ٧ ص ١٥٠ الرقم ١٣ و ١٤.

(٢) تفسير البرهان ج ٢ ص ٢٨٣.

(٣) سورة الرعد الآية ـ ١١.

(٤) تفسير البرهان ج ٢ ص ٢٨٣.

١٤٤

التغيير في القرآن كما هو أصح القولين وأشهرهما ، وقد بسطنا الكلام في ذلك في موضع أليق.

قال في المسالك : وقد حقق العلامة قطب الدين الرازي أن المراد تناول اللفظ بالدلالة المطابقية والتضمنية ، لا الالتزامية ، فلا يدخل الحائط لو باع السقف وهو حسن. انتهى.

وقال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد : والمراد بالمعاني ما يفهم منها بحسب التخاطب ارادة اللافظ ذلك ، مطابقا كان أو تضمنا أو التزاما.

أقول : وهو الأظهر بالنظر الى ما قدمنا عنهم من الحوالة إلى العرف.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) ، ذكروا هنا ألفاظا وذكروا مدلولاتها بحسب العرف.

فمن ذلك لفظ الأرض والساحة والبقعة ، والعرصة ، فلا يندرج تحتها الشجر الذي فيها ولا الزرع ، ولا البذر الكامن فيها.

ونقل عن الشيخ انه لو قال : بحقوقها دخل (١) قال في المسالك : بل يفهم منه انها تدخل وان لم يقل بحقوقها محتجا بأنها من حقوقها ، ثم قال : والمنع متوجه إلى الأمرين ، والأقوى عدم الدخول مطلقا الا مع دلالة اللفظ أو القرائن عليه ، كقوله : وما اشتملت عليه أو وما أغلق عليه بابها. انتهى. وهو جيد.

__________________

(١) قال في المبسوط : إذا باع أرضا فيها بناء وشجر ، وقال في العقد بحقوقها ، دخل البناء والشجر ، وان لم يقل بحقوقها لم يدخلا ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، وهو ظاهر كلام ابن إدريس ـ منه رحمه‌الله.

١٤٥

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار (١) «في رجل اشترى من رجل أرضا بحدودها الأربعة ، وفيها زرع ونخل وغيرهما من الشجر ، ولم يذكر النخل ولا الزرع ولا الشجر في كتابه ، وذكر فيه أنه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها والخارجة منها ، أيدخل الزرع والنخل والأشجار في حقوق الأرض أم لا؟ فوقع (عليه‌السلام) : إذا ابتاع الأرض بحدودها وما أغلق عليه بابها ، فله جميع ما فيها إنشاء الله تعالى» (٢). وهو ظاهر في الرد على ما نقل عن الشيخ ، وصريح فيما ذكره في المسالك.

ثم انه لو كان المشترى جاهلا بوجود تلك الأشياء في الأرض كما لو اشتراها بالوصف أو الرؤية قبل الزرع والغرس ، فله الخيار بين فسخ البيع وأخذ ثمنه ، وبين أخذها بذلك الثمن والرضا به وإبقائه مجانا ، كذا ذكره جملة من الأصحاب ، ولم أقف هنا على نص.

قال بعض المحققين : ولعل دليله أن وجود هذه الأشياء فيها سبب لتعطيلها غالبا ـ والعقد يقتضي الانتفاع بالفعل ـ من غير مضى زمان كثير عادة ـ ففيه ضرر على المشترى. انتهى.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٣٨ الرقم ٨٤.

(٢) قال ابن إدريس : قوله «وما أغلق عليه بابها» يريد بذلك جميع حقوقها والجواب مطابق للسؤال.

قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : ونحن نمنع هذا التفسير ونقول : بموجب الحديث ، فإنه إذا اشترى بما أغلق عليه بابه ، دخل الجميع بلا خلاف ، ولعل الامام (عليه‌السلام) أشار الى الجواب بطريق المفهوم وهو عدم الدخول ، فإنه علق الدخول بقوله «وما أغلق عليه بابها» ويفهم من ذلك عدم الدخول عند عدمه. انتهى وهو جيد. منه رحمه‌الله.

١٤٦

قالوا : ويدخل الأحجار المخلوقة في تلك الأرض دون المدفونة ، والظاهر أن وجه الفرق هو دخول الاولى في مفهوم اللفظ عرفا كالتراب ، فان الجميع من اجزاء الأرض بخلاف الثانية ، فإنها بمنزلة الأمتعة المدفونة ، وعلى البائع نقلها وتسوية الحفر ، ويتخير المشتري أيضا عندهم مع الجهل ، وحصول الغرر ببقائها وانه لا خيار للمشتري ان تركها البائع مع عدم الضرر.

ومن ذلك البستان ، ولا ريب في دخول الأرض والأشجار ، لأنه داخل في مفهومه لغة وشرعا ، أما البناء فان كان حائطا لذلك البستان فالظاهر دخوله لما ذكر ، وفي غيره ـ كالبناء لسكنى حافظ البستان وحارسه ، والموضع المعد لوضع الثمرة ولجلوس من يدخله ونحو ذلك ـ إشكال ، ينشأ من عدم دخوله في مسماه لغة ، ولهذا يسمى بستانا وان لم يكن شي‌ء من ذلك ـ ومن إطلاق البستان عليه ظاهرا إذا قيل : باع فلان بستانه وفيه بناء.

أقول : والوجه الأول من وجهي الإشكال أجود ، الا أنه يدخل فيه الحائط أيضا فإن الظاهر أنه يسمى بستانا وان لم يكن عليه حائط ، والأقوى في ذلك الرجوع الى العرف ، فان عد جزء منه أو تابعا له دخل ، والا فلا ، والظاهر أن ذلك يختلف باختلاف البقاع والأزمان وأوضاع البناء.

ومن ذلك الدار ، ولا ريب في دخول الأرض والبيوت التي اشتملت عليها تحتانية أو فوقانية مع الحيطان الدائرة عليها ، والسقوف ، الا أن يكون البيت الا على مستقلا بالسكنى ، بأن يكون له باب على حدة من غير هذه الدار المذكورة ، فيكون ممتازا كالدار على حدة ، وحينئذ لا يدخل البيت الأعلى وحيطانه وسقفه ، والظاهر دخول أرضه التي هي سقف البيوت التحتانية الداخلة في الأرض المفروضة ، وتدخل فيها الأبواب والأغلاق المنصوبة ، والسلاسل ، والحلق في الأبواب وان لم يسمها ، والأخشاب المستدخلة في البناء ، والأوتاد المثبتة فيه ، والسلم المثبت في الأبنية على حذوا الدرج ، والوجه في دخول جميع هذه اقتضاء العرف كونها من

١٤٧

اجزاء الدار وتوابعها ومرافقها ، ولو كان في الدار حمام معد لها أو بئر أو حوض فالظاهر دخولها ، وكذا خوابى المثبتة في الأرض أو الحائط بحيث تصير من اجزائها وتوابعها عرفا.

وفي دخول المفاتيح خلاف وإشكال ينشأ من خروجها عن اسم الدار ـ وكونها منقولة فيكون كالآلات المنتفع بها في الدار ـ ومن أنها من توابع الدار وكالجزء من الأغلاق المحكوم بدخولها ، وأظهر في الخروج مثل الدلو والبكرة والرشا والسرير ، والرف الغير المثبت كالموضوع على الخشب ، والسلم الغير المثبت ، والأقفال الحديد ومفاتيحها ، والكنوز ، والدفائن ونحو ذلك.

ولو كان في الدار نخل أو شجر ولم يذكره في البيع لم يدخل ، وقال الشيخ في المبسوط بالدخول ، والكلام هنا كما تقدم في الأرض.

ومن ذلك الشجر ، ويندرج فيه الأغصان والورق والعروق لقضاء العرف بشموله لذلك ، ويستحق الإبقاء معروسا ـ ولا يستحق الغرس ـ بل سقيه للإبقاء خاصة ، والظاهر تخصيص ذلك بالشجر الرطب ، فإنه هو الذي يتعلق الغرض بإبقائه ، دون اليابس الذي يقتضي العادة بأنه يقطع للحطب والوقود والبناء ونحو ذلك ، ولو استثنى شجرة من البستان الذي باعه أو اشتراها من مالكها خاصة ، لم تدخل الأرض في البيع ، لكن يستحق من منفعتها ما يتوقف عليه الانتفاع بالشجرة وثمرتها من الدخول إليها وسقيها وحرثها وجمع ثمرتها ، ويستحق أيضا مدى جرائدها في الهواء وعروقها في الأرض.

ويدل على ذلك في الجملة ما رواه في الكافي والتهذيب عن السكوني (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قضى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في رجل باع نخلا واستثنى عليه نخلة ، فقضى له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالمدخل إليها

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٩٥ التهذيب ج ٧ ص ١٤٤ الرقم ٢٥.

١٤٨

والمخرج منها ومدى جرائدها».

وروى في الفقيه عن السكوني (١) عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) قال قضى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الحديث :.

وروى في الكافي والتهذيب عن عقبة بن خالد (٢) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قضى في هرائر النخل أن تكون النخلة والنخلتان للرجل في حائط الأخر ، فيختلفون في حقوق ذلك ، فقضى فيها أن لكل نخلة من أولئك من الأرض مبلغ جريدة من جرائدها حين بعدها».

أقول : قوله «حين بعدها» أى منتهى طول الجريدة إذا طالت ، وأما قوله «هرائر» فقد اختلفت فيه نسخ الحديث اختلافا فاحشا ففي بعضها كما ذكرنا ، وفي بعض «بالواو» عوض الراء الاولى ، وفي بعض بالزاي عوضها ، وفي بعض نسخ التهذيب «هذا النخل» ، والظاهر كما استظهره في الوافي حريم النخل ، فوقع التحريف.

وروى في التهذيب عن محمد بن الحسن الصفار (٣) في الصحيح قال : «كتبت اليه (عليه‌السلام) في رجل باع بستانا فيه شجر وكرم فاستثنى شجرة منها ، هل له ممر الى البستان الى موضع شجرته التي استثناها ، وكم لهذه الشجرة التي استثناها من الأرض التي حولها؟ بقدر أغصانها أو بقدر موضعها التي هي ثابتة فيه؟ فوقع (عليه‌السلام) : له من ذلك على حسب ما باع وأمسك فلا يتعد الحق في ذلك إنشاء الله تعالى».

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٥٧.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٩٥ وفيه «هوائر» من الهور بمعنى السقوط أي في مسقط الثمار للشجرة التهذيب ج ٧ ص ١٤٤ الرقم ٢٦.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٩٠ الرقم ٢٤.

١٤٩

أقول : لا يخفى ما في الجواب من الإجمال المانع من الاعتماد عليه في الاستدلال ومع ذلك فان الظاهر أن يقال : له من ذلك على حسب ما استثنى ، وربما أشعر بأنه مع استثناء الشجرة فلا ينصرف ذلك الا الى ما دخل تحت مفهوم هذا اللفظ عرفا ، وهو مشكل بناء على ما عرفت من كلام الأصحاب ومن الاخبار المتقدمة.

ومن ذلك النخل بالنسبة إلى ثمرته قبل التأبين وبعده ، والمشهور في كلامهم أنه لو باع نخلا قد أبر ثمرها فهو للبائع ، لأن اسم النخلة لا يتناوله الا أن يشترطه المشترى ، وان لم يكن مؤبرا فهو للمشتري.

أقول : ويدل على الحكم الأول ما رواه في الكافي والتهذيب عن يحيى بن أبى العلاء (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من باع نخلا قد لقح ، فالثمرة للبائع الا أن يشترط المبتاع ، قضى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بذلك».

وعن غياث بن إبراهيم (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : من باع نخلا قد أبره فثمرته (للذي باع) ، الا أن يشترط المبتاع ثم قال : قضى به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

وروى في الكافي عن عقبة بن خالد (٣) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «قال قضى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان ثمر النخل للذي أبرها الا ان يشترط المبتاع».

وأما الحكم الثاني فلم أقف فيه على دليل الا مفهوم الروايات المتقدمة ، ومن ثم ناقش في الحكم بعض الأصحاب ، وتوقف آخرون كما يؤذن به كلام المحقق في الشرائع حيث نسب الحكم المذكور الى فتوى الأصحاب.

قال في المسالك : انما نسب القول الى فتوى الأصحاب ، لقصور المستند

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٧٧ التهذيب ج ٧ ص ٨٧ الرقم ١٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٧٧ التهذيب ج ٧ ص ٨٧ وفي الكافي (للبائع).

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٧٨.

١٥٠

النقلي عن افادة الحكم المذكور ، فإنه إنما دل على أن النخل المؤبر ثمرته للبائع ، لا على أن ما لا يؤبر ثمرته للمشتري الا من حيث المفهوم الضعيف ، والأصل يقتضي الملك لبائعه ، وعدم انتقاله إلى المشترى ، إذ العقد انما وقع على الأصول وهي مغايرة للثمرة انتهى وهو جيد.

واعترف في المختلف أيضا بضعف الدليل الا أنه قال : لكن الإجماع يعضده ، مع أنه نقل عن ابن حمزة أن الاعتبار في دخول الثمرة وعدمه ببدو الصلاح وعدمه ، فمتى باعها بعده فالثمرة للبائع ، وقبله للمشتري الا مع الشرط ، وكأنه لم يعتبر خلافه.

والظاهر أنه لا خلاف في كون الثمرة للبائع مطلقا فيما لو انتقل النخل بغير البيع ، كالميراث ونحوه ، وكذا في غير النخل من أفراد الشجر ، لان كون الثمرة للمشتري على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع النص والوفاق ، وهو بيع النخل فلا يتعدى الى غير البيع ، ولا الى غير النخل من أفراد الشجر.

ولو باع المؤبر من النخل وغير المؤبر كان لكل حكمه المتقدم عندهم ، وظاهر إطلاقهم أنه لا فرق في ذلك بين كون ذلك في نخلة واحدة ـ قد أبر بعض طلعها دون بعض ـ أو في نخلات متعددة أبر بعضها ، ولم يؤبر الباقي ، وبه أفتى في الدروس.

وفرق العلامة في التذكرة بين النخلة الواحدة ، والنخلات المتعددة ، فحكم في الأول بكون الجميع للبائع ، محتجا عليه بأنه يصدق عليه أن قد باع نخلا قد أبر ، فيدخل تحت نص أنه للبائع ، وبما في افتراقهما في الحكم من العسر وعدم الضبط ، وفي الثاني بتفريق الحكم.

وربما احتمل بعضهم هنا وجها ثالثا ، وهو دخول الجمع في البيع لصدق عموم التأبير في الجميع. والظاهر الأوفق بظاهر النص هو الأول ، فإن تعليق

١٥١

الحكم يشعر بالعلية ، فيكون التأبير هو العلة ، فأينما وجد ترتب عليه حكمه ، وينتفي حيثما انتفى.

المطلب الثالث في التسليم

إطلاق العقد يقتضي تسليم المبيع والثمن ، فيجب على المتبايعين دفع العوضين من غير أولوية.

قال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد بعد قول المصنف في الكتاب المذكور «يجب على المتبايعين دفع العوضين من غير أولوية تقديم» ما لفظه : اعلم ان الأكثر هكذا قالوا ، وحاصله أنه انما يجب عليها معا الدفع بعد أخذ العوض ، ويجوز لكل المنع حتى يقبض وكأنهم نظروا الى ان البيع معاوضة محضة ، ولا يجب على كل منهما الدفع الا لعوض مال الأخر ، فما لم يأخذ ذا العوض ، لا يجب إعطاء العوض ، والمسألة مشكلة كسائرها ، لعدم النص ، وثبوت الانتقال بالعقد يقتضي وجوب الدفع على كل واحد منهما عند طلب الأخر ، وعدم جواز الحبس حتى يقبض حقه ، وجواز الأخذ لكل حقه من غير إذن الأخر ان أمكن له على اى وجه كان ، لان ذلك هو مقتضى الملك ، ومنع أحدهما الأخر وظلمه لا يستلزم جواز الظلم للآخر ومنعه حقه ، فيجبرهما الحاكم معا على ذلك ان امتنعا ، فيعطى من بد ويأخذ من آخر ، أو يقبض لأحدهما ويأمره بالإعطاء انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) جيد ، الا أن في فهم ذلك من العبارة المذكورة ـ ونحوها من عبائرهم في هذا المقام اشكال ، وذلك فإن غاية ما يفهم من هذه العبارة ـ التي ذكرها في الإرشاد ـ هو أنه لما كان إطلاق العقد يقتضي وجوب تسليم المبيع والثمن ، فالواجب حينئذ على كل من البائع والمشترى دفع ما وجب عليه تسليمه

١٥٢

من غير أولوية تقديم أحدهما على الأخر ، خلافا للشيخ حيث ذهب الى أنه يجب على البائع أولا تسليم المبيع ، محتجا بأن الثمن تابع للمبيع ، والغرض من هذه العبارة انما هو بيان تساويهما في وجوب التسليم ، بدون تقديم أحدهما على الأخر كما زعمه الشيخ (رحمة الله عليه) فالكلام انما خرج في معرض الرد عليه ، وأين هذا من المعنى الذي ذكره ، وهو أنه لا يجب على أحدهما التسليم الا بعد دفع الأخر ، وأنه يجوز لكل منهما الامتناع حتى يقبض ، اللهم الا ان يكون قد اطلع على تصريح بذالك من غير هذا الموضع ، والا فهذه العبارة ونحوها لا اشعار فيها ، فضلا عن الدلالة بشي‌ء من ذلك.

وتحقيق الكلام ـ في هذا المقام ـ يتوقف على بسطه في مواضع الأول ـ لا يخفى أن القبض من الأمور المعتبرة شرعا لما يترتب عليه من الأحكام العديدة بالنسبة إلى الوصية والهبة والرهن ، فان للقبض فيها مدخلا باعتبار شرطيته للصحة أو اللزوم ، فان وكذا بالنسبة إلى البيع ، فمن أحكامه فيه انتقال ضمان المبيع إلى المشتري بعده ان لم يكن له خيار ، وكونه على البائع قبله ، وجواز بيع ما اشتراه بعد القبض مطلقا ، وتحريمه أو كراهته قبله على بعض الوجوه ، وجواز فسخ البائع مع تأخير الثمن ، وعدم قبض المبيع بعد ثلاثة أيام ، وغير ذلك ، ومع هذا لم يرد له تحديد شرعي يرجع فيه اليه.

ومن ثم ان الأصحاب انما رجعوا فيه الى العرف بناء على قواعدهم في كل ما لم يرد له تحديد شرعي ، مع ان الغالب في العرف الاختلاف باعتبار تعدد الأقطار والبلدان ، وأن لكل قطر اصطلاحا وعادة غير ما سواه ، والمسألة من أجل ذلك في غاية من الاشكال والداء العضال ، لعموم البلوى به في جملة من الأحكام كما عرفت.

والذي وقفت عليه مما يتعلق بهذا المقام روايتان الأولى ـ صحيحة معاوية ،

١٥٣

بن وهب (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه؟ فقال : ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه الا ان توليه». قال في المسالك بعد نقل هذه الرواية : فجعل قبض المكيل والموزون كيله أو وزنه بالنسبة إلى جواز بيعه. (٢)

واعترضه المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد فقال : وهذه لا أفهم دلالتها لان ظاهرها أن البيع قبل القبض لا يجوز حتى يكيل أو يزن ، وذلك لا يدل على كون القبض ذلك وهو ظاهر ، ولا يدل على ذلك بضم السؤال إذ يصح جواب السائل هل يجوز قبل القبض؟ بأنه لا يجوز بدون الكيل ، يعني لا بد من الكيل الذي القبض حاصل في ضمنه أى لا بد من القبض وشي‌ء آخر ، الى آخر كلامه زيد في مقامه ، وبه يظهر سقوط الرواية عن درجة الاستدلال في هذا المجال.

والثانية : رواية عقبة بن خالد (٣) عنه (عليه‌السلام) «في رجل اشترى متاعا من آخر وأوجبه ، غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال : من مال صاحب المتاع الذي هو هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله اليه».

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٥ الرقم ٣٤ وفيه (الا أن يوليه الذي قام عليه).

(٢) أقول : يمكن أن يؤيد ما ذكره في المسالك وهو المشهور بين الأصحاب من جعل الكيل والوزن قبضا ، بان يقال : ان الرواية قد دلت على انه مع التولية لا يحتاج الى الكيل والوزن ، وهذا لا يتم الا على تقدير كون الكيل والوزن قبضا ، فإن التولية تصح بدون القبض ، واما على تقدير كونها شرطا في صحة البيع ، والقبض انما هو عبارة عن النقل والتحويل فكيف يصح البيع تولية مع اختلال أحد شرائط البيع وهو الوزن والكيل هنا. فتأمل. منه رحمه‌الله.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٧١ التهذيب ج ٧ ص ٢١.

١٥٤

وغاية ما يدل عليه هذا الخير هو أنه يعتبر في انتقال الضمان من البائع إلى المشتري نقل المتاع وإخراجه من بيت البائع ، وليس فيه تفسير للقبض بأنه عبارة عما ذا ، مع أن ظاهر الخبر أنه يعتبر في انتقال الضمان الإخراج من بيت البائع ، ولا قائل به كما ستعرف.

بقي الكلام في الدلالة العرفية التي اعتمدوها في المقام. قال في المسالك : والعرف يدل على أن إقباض غير المنقول يتحقق بالتخلية مع رفع يد البائع عنه ، وعدم مانع للمشتري من قبضه ، وأما في المنقول فلا يتحقق الا باستقلال يد المشترى به ، سواء نقله أم لا ، وكذا في طرف البائع بالنسبة إلى الثمن ، وهذا مطرد في المكيل والموزون وغيرهما ، إلا أنهما خرجا عنه بالنص الصحيح فيبقى الباقي وهو الأقوى. انتهى. (١) وهو جيد إلا في استثنائه المكيل والموزون «بالنص الصحيح» ، ولقد عرفت آنفا من أن غاية ما يدل عليه النص هو اعتبار الكيل والوزن في المكيل والموزون ، لا ان القبض فيهما هو الكيل والوزن ، ثم قال : والمراد بالتخلية حيث تعتبر ، رفع المانع للمشتري من قبض المبيع ان كان ، والاذن له فيه ، ولا يختص ذلك بلفظ ، بل كل ما دل عليه كاف فيه.

وفيه أولا ان ظاهر كلامه المتقدم كون التخلية أمرا آخر غير رفع المانع حيث أنه أضافه الى التخلية ، وهنا فسرها به ، وثانيا أنه لا وجه لاعتبار

__________________

(١) ثم قال في إتمام عبارة المذكورة : لا يقال : قد نقل في التذكرة لإتمام الاستدلال بهذه أن الإجماع عندنا حاصل على منع جواز بيع الطعام قبل القبض ، فلو لم يكن الكيل هو القبض المطلوب ويتحقق القبض بدونه ، لم يكن لقوله «حتى يكيل» معنى لأنا نقول على تقدير تحقق الإجماع معناه الجواز بعد القبض مع باقي الشرائط والكيل من جملته ، الا أن كيله هو القبض. انتهى. منه رحمه‌الله.

١٥٥

الاذن هنا بعد انتقال المبيع إلى المشتري بالعقد ، وكون البائع هنا في حكم الأجنبي فلا وجه لتوقف قبضه على اذنه.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قال في كتاب المصباح المنير : قبضت الشي‌ء قبضا : أخذته. وقال في نهاية الأثيرية : والقبض الأخذ بجميع الكف. أقول :

وهذا هو الذي يتبادر في العرف الان ، الا أنه في المنقول ظاهر وان تفاوتت أفراده في ذلك باعتبار المقبوض ، ففي مثل الدراهم والمتاع هو القبض باليد ، وفي مثل الحيوان هو نقله ، وفي مثل المكيل والموزون هو تحويله بالوزن والكيل أو بدونهما فإنه يصدق القبض بمجرد ذلك.

وأما في غير المنقول فالظاهر هو الوقوف فيه على ما رسمه الأصحاب. قال في الدروس : والقبض في غير المنقول التخلية بعد رفع اليد ، وفي الحيوان نقله ، وفي المنقول كيله أو وزنه ، أو عده أو نقله ، وفي الثوب وضعه في اليد. انتهى وهو ظاهر فيما قلناه الا أن اضافة العد الى الكيل والوزن خارج عن مورد الرواية التي استندوا إليها في الحكم المذكور على ما عرفت فيها ، وهو ايضا خلاف ما هو المشهور من الاقتصار على مورد الخبر المذكور.

وقال الشيخ في المبسوط : القبض فيما لا ينقل ويحول هو التخلية ، وان كان مما ينقل ويحول ، فان كان مثل الدراهم والجواهر وما يتناول باليد ، فالقبض هو التناول ، وان كان مثل الحيوان كالعبد والبهيمة ، فإن القبض في البهيمة أن يمشى بها الى مكان آخر ، وفي العبد أن يقيمه الى مكان آخر ، وان كان اشتراه جزافا كان القبض فيه أن ينقله من مكانه ، وان اشتراه مكايلة فالقبض فيه أن يكيله ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة.

وقال في المختلف : والأقرب أن المبيع ان كان منقولا فالقبض فيه هو النقل أو الأخذ باليد وان كان مكيلا أو موزونا فقبضه هو ذلك ، أى الكيل والوزن ، وان لم يكن منقولا فالقبض فيه التخلية. انتهى. وكلام الشيخ راجع

١٥٦

في التحقيق اليه ، الا في المكيل والموزون ، حيث اقتصر في قبضه على الكيل والوزن.

وبذلك يظهر ما في عبارة المسالك هنا من الإجمال في تفسير ، القبض في المنقول ، فإنه ربما أوهم رجوعه إلى التخلية في غير المنقول. واكتفى بعضهم بالتخلية مطلقا في منقول أو غير منقول ، وهو مذهب المحقق في الشرائع (١).

قال في الدروس : ولا بأس به في نقل الضمان لا في زوال التحريم أو الكراهة عن البيع قبل القبض.

أقول : لا يخفى ما في هذا التفصيل ، فان الجميع مترتب على القبض فان صدق القبض بالتخلية ، وجب ترتب أحكام القبض على ذلك مما ذكر هنا وما لم يذكر ، والا فلا مطلقا.

الثاني قال : في المسالك : لو كان المبيع بيد المشترى قبل الابتياع ، فان كان بغير اذن البائع فلا بد من تجديد الاذن في تحقق القبض بالنسبة إلى رفع التحريم أو الكراهة ، واما بالنسبة إلى مثل الضمان فيحتمل قويا تحققه بدونه ، كما لو قبضه بغير اذن البائع ، ويحتمل توقف الأمرين على تجديده ، لفساد الأول شرعا ، فلا يترتب عليه أثر ، ولو كان بإذنه كالوديعة والعارية لم يفتقر الى تجديد اذن ولا تخلية. انتهى.

__________________

(١) أقول : لا يبعد أن يكون مراد الأصحاب بكون الكيل والوزن قبضا انما هو بمعنى وزنه وكيله ، لأجل القبض والنقل ، لا من حيث كونه كيلا ووزنا ، فإنه هو الغالب المتعارف ، ولذلك أنه لو قبضه المشترى بالوزن أو الكيل ، ثم باعه ممن حضر وزنه وكيله ، فإنه لا يحتاج إلى إعادة الوزن أو الكيل ، وانما يحتاج الى النقل ليتحقق به القبض ، وبالجملة فإن القبض انما يتحقق بالنقل والتحويل سواء كان في معنى الوزن والكيل أو بدونهما كما في الصورة المفروضة. منه رحمه‌الله.

١٥٧

وفيه أنه لا دليل على ما ذكره «قدس‌سره» لا من النص ولا من الاعتبار ، وعقد البيع قد اقتضى النقل إلى المشترى ، والقبض والتسليم الى المشتري حاصل والفرق بين كون القبض قبل البيع شرعيا أو غير شرعي مع كونه لا دليل عليه ـ لا ثمرة له بعد ما عرفت. ومع كونه غير شرعي قبل البيع لا يمنع من كونه شرعيا بعد البيع والانتقال اليه بالعقد الصحيح.

وبالجملة فشروط صحة البيع كلها حاصلة ، فلا وجه لما ذكره ، والى ما ذكرناه هنا يميل كلام المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) حيث قال : لو كان المبيع بيد المشترى ، فالظاهر أنه لا يحتاج الى تجديد القبض والاذن مطلقا ، ولا مضى زمان ، لوجود القبض الذي هو شرط ، والموجب لجواز البيع وغيره ، كما قيل ذلك في الهبة المقبوضة ، والتفصيل بما إذا كان القبض مشروعا وعدمه ـ فإنه لا بد حينئذ لرفع التحريم والكراهة ، ويحتمل لرفع الضمان ايضا ـ ليس بواضح.

الثالث ـ الظاهر أن القبض المعتبر من نقل أو تخلية يكفي لإسقاط الضمان ، وان كان المبيع مشغولا بأمتعة البائع كالصندوق الذي فيه المتاع والبيت الذي فيه الأمتعة ، ويكون مكلفا بأن يفرغه ، وهو خيرته في المسالك ، ونقله بالنسبة الى الثاني عن التذكرة ، واحتمل في المسالك توقف القبض على اذن المالك في نقل الأمتعة والظاهر ضعفه ، لحصول البيع الشرعي بشروطه وعدم ظهور مانعية ما ذكره مع وجوب تفريغه.

الرابع ـ قال في المسالك ـ لو كان المبيع مكيلا أو موزونا فلا يخلو اما أن يكون قد كيل قبل البيع ووزن أولا ، بأن أخبر البائع بكيله أو وزنه ، أو باعه قدرا منه معينا من صبرة مشتملة عليه ، فان كان الأخير فلا بد في تحقق قبضه من كيله أو وزنه للنص المتقدم ، وان كان الأول ففي الافتقار الى اعتباره ثانيا ـ لأجل القبض ـ أو الاكتفاء بالاعتبار السابق وجهان ، من إطلاق توقف الحكم على الكيل والوزن وقد

١٥٨

حصلا – وقوله (عليه‌السلام) (١) «لا تبعه حتى تكيله أو تزنه». لا يدل على أزيد من حصولهما الشامل لما كان قبل البيع ـ ومن كون الظاهر أن ذلك لأجل القبض لا لأجل صحة البيع ، فلا بد له من اعتبار جديد بعد العقد ، وبه صرح العلامة والشهيد (رحمه‌الله) وجماعة ، وهو الأقوى.

ويدل عليه قوله (عليه‌السلام) ، في الخبر السابق «الا أن توليه» فإن الكيل السابق شرط لصحة البيع ، أو ما قام مقامه ، فلا بد منه في التولية وغيرها ، ومقتضى قوله «الا أن توليه» أنه معها لا يتوقف على كيل أو وزن ، ودل ذلك على أنهما لأجل القبض ، لا لأجل صحة البيع.

وأما الثاني فإن اكتفينا بالاعتبار الأول في الأول ، كفى الاخبار فيه ـ واختارهما في التذكرة ـ وان لم نكتف بالسابق في الأول لم يكتف بالاخبار في الثاني بطريق أولى.

وقد روى محمد بن أبي حمزة (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اشترينا طعاما فزعم صاحبه انه كاله ، فصدقناه وأخذناه بكيله ، فقال : لا بأس ، فقلت : أيجوز أن أبيعه كما اشتريته منه بغير كيل؟ قال : لا ، أما أنت فلا تبعه حتى تكيله». انتهى.

أقول : مرجع البحث هنا ان الكيل والوزن هل وجوبهما في المكيل والموزون من حيث كونهما شرطا في صحة البيع ، أو من حيث كونهما قبضا للبيع ، يترتب عليهما ما يترتب على القبض الذي هو النقل والأخذ باليد ، ونحو ذلك مما تقدم في غير المكيل والموزون.

والظاهر من الاخبار المانعة من بيع ما لم يقبض إذا كان مكيلا أو موزونا هو الثاني ، بالتقريب الذي ذكره من جواز البيع تولية بدون كيل أو وزن ، ولو كان ذلك شرطا في صحة البيع لما جاز ذلك ، إذ لا فرق بين التولية وغيرها في اعتبار هذا الشرط.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٥.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٧ وفيه محمد بن حمران.

١٥٩

ويعضده انه قد وقع التعبير عن الكيل والوزن في هذا المقام بالقبض في جملة من الاخبار.

ففي صحيحة منصور بن حازم (١) «إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه ، الا أن توليه».

وفي صحيحة على بن جعفر (٢) عن أخيه موسى (عليه‌السلام) «انه سأله عن الرجل يشترى الطعام أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ قال إذا ربح لم يصلح حتى يقبض وان كان يوليه فلا بأس ، وسأله عن الرجل يشترى الطعام أيحل له أن يولى منه قبل أن يقبضه؟ قال : إذا لم يربح عليه شي‌ء فلا بأس ، فإن ربح فلا يصلح حتى يقبضه». ونحوهما غيرهما.

وكذا في صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة (٣) قد عبر بالكيل والوزن عن لفظ القبض في هذه الروايات.

ومثلها رواية أبي بصير (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل أن يكيله؟ قال : لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه ، الا ان يوليه ، كما اشتراه» الحديث.

وبالجملة فإن استثناء التولية في هذه الاخبار مما ذكرنا وما لم نذكره انما يتجه على تقدير كون الكيل والوزن قبضا ، والبيع تولية صحيح مع عدم القبض ولو كان اعتبارهما انما هو من حيث كونها شرطا في صحة البيع لم يتجه صحة التولية هنا كما عرفت.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٥ الفقيه ج ٣ ص ١٢٩.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٦.

(٣) ص ١٥٤ التهذيب ج ٧ ص ٣٥.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٧.

١٦٠