الحدائق الناضرة - ج ١٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

المسألة قد استوفيناها فيما ذكرنا وما يأتي في المقام إنشاء الله تعالى.

أقول : ويدل عليه ـ بأصرح دلالة لا تقبل التأويل ـ ما رواه الثقة الجليل عبد الله ابن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله وأحمد ابني محمد بن عيسى عن الحسن ابن محبوب عن على بن رئاب (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اشترى جارية لمن الخيار؟ للمشتري أو للبائع أو لهما كلاهما؟ فقال : الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام نظرة ، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء».

والحديث ـ مع صحة سنده ـ صريح الدلالة على القول المذكور.

واستدل للمرتضى ـ بصحيحة محمد بن مسلم (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان وما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا».

ويدل عليه ـ أيضا ـ صحيحة زرارة (٣) عن أبى جعفر (عليه‌السلام) قال : «سمعته يقول : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) البيعان بالخيار حتى يفترقا ، وصاحب الحيوان ثلاثة أيام».

ونحوه عن محمد بن مسلم ـ في الصحيح (٤) ـ عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) والتقريب في الخبرين الأخيرين أن المتبادر من صاحب الحيوان هو البائع ، ويخدشه أن موثقة الحسن بن على بن فضال قد فسرت صاحب الحيوان هنا بأنه المشترى ، وهو الأقرب ، لأن ظاهر هذه العبارة تدل على انحصار الخيار فيه ، ولا قائل بانحصار الخيار في البائع ، وبالحمل على المشترى يصح الانحصار ، بناء على القول المشهور والمؤيد المنصور.

قال في المسالك بعد قول المصنف «والشرط فيه كله ثلاثة أيام للمشتري خاصة دون البائع على الأظهر» : ما صورته : «نبه بالأظهر على خلاف المرتضى (رضوان الله عليه) ـ حيث ذهب الى أن الخيار لهما ، وصحيحة محمد بن مسلم

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الخيار الرقم ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الخيار الرقم ٣ التهذيب ج ٧ ص ٢٣.

(٣ و ٤) الكافي ج ٥ ص ١٧٠ التهذيب ج ٧ ص ٢٤.

٢١

عن الصادق عليه‌السلام قال : «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان». صريحة الدلالة على ما يدعيه.

وما تقدم في صحيحة الحلبي من إثبات خياره للمشتري غير مناف لثبوته للبائع الأمن حيث المفهوم المخالف وهو ضعيف ، فالقول به في غاية القوة ان لم يثبت إجماع على خلافه : وحملت الرواية على ما لو باع حيوانا بحيوان ـ وهو تخصيص بغير مخصص ـ وعلى أن الخيار للمشتري وعلى البائع ، فهو بالنسبة إليهما مدة ثلاثة أيام.

ويضعف بان مقتضى الخبر كونه لهما كما في قوله «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» وعلى ان الخيار للمجموع من حيث هو مجموع فلا يدل على ثبوته للافراد وفيه ما مر.

وفي الدروس الشهرة بل الإجماع على خلافه ، وهو يؤذن بدعوى الإجماع ، فإن ثبت فهو الحجة ، والا فلا. انتهى.

أقول : لا يخفى أن ما ذكروه ان سلم في روايات المسألة ـ المشهورة في كلامهم الا انه لا يجري في صحيحة ابن رئاب (١) التي قدمنا نقلها عن قرب الاسناد ، فإنها صريحة في القول المذكور ، وبها يتأيد ذلك المفهوم الذي دلت عليه تلك الأخبار العديدة.

على أن لقائل أن يقول : انه وان كان المفهوم ـ كما ذكره ـ ليس بحجة الا ان سوق الكلام في جملة من الاخبار المذكورة تدل على إرادته واعتباره هنا ، مثل قولهما (عليهم‌السلام) في صحيحتي زرارة ومحمد بن مسلم «البيعان بالخيار ما لم يفترقا وصاحب الحيوان ثلاثة أيام». ونحوهما صحيحة الفضيل المتقدمة في خيار المجلس.

والتقريب في الجميع أنه لو كان الخيار لهما في الحيوان ـ كما هو المدعى ـ لما كان لتخصيص أحدهما به وجه ـ بعد أن ذكر الخيار لهما في غيره ـ ويفصل في المقام ، بل ينبغي أن يقول هما بالخيار في كل من الموضعين.

ويؤيد القول المشهور ان الظاهر ان وجه الحكمة في هذا الخيار أن الحيوان

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الخيار الرقم ـ ٩.

٢٢

مظنة للعيوب ، وهي قد تخفى كثيرا ولا تظهر غالبا ، وايضا قد يتعلق به أغراض لا يمكن الاطلاع عليها الا بالاختبار ومرور الأيام ، فضرب الشارع للمشتري هذه المدة لإمكان ظهور عيب خفي فيها ، وهذه الحكمة لا يظهر وجهها بالنسبة إلى البائع المطلع على عيوب حيوانه ، فلا يكون الخيار مشروعا في حقه لانتفاء وجه الحكمة.

ويؤيده أيضا ـ ما قدمنا ذكره ـ من أن مقتضى العقد كتابا وسنة اللزوم من الجانبين حتى يقوم دليل على خلافه.

وبالجملة فإن العمدة في رد القول المزبور ـ انما هي صحيحة ابن رئاب المروية في قرب الاسناد الغير القابل للتأويل بوجه من الوجوه ، وان كانت جميع هذه الوجوه مؤيدة لذلك. ومن ذلك يعلم أنه يجب جعل التأويل في جانب صحيحة محمد بن مسلم المذكورة بالحمل على أحد المحامل المتقدمة التي أقربها الحمل على ما لو باع حيوانا بحيوان.

وقول شيخنا المتقدم ـ بأنه تخصيص بغير مخصص ـ مدفوع بأن ضرورة الجمع بين الاخبار أوجب التخصيص. على أنه قد اختار القول بذلك ، وجعله وجه جمع بين الاخبار ، كما سيأتي في كلامه إنشاء الله تعالى. وأما ما عداها مما ظاهره ذلك أيضا فقد عرفت الجواب عنه.

واحتمل في الوسائل حملها على التقية ، ولعله الأقرب ـ وان كان لا يحضرني الان مذهب العامة في هذه المسألة ـ لما عرفت في مقدمات كتاب الطهارة (١) ـ من ان الحمل على التقية لا يتوقف على وجود القائل بذلك منهم ، فإنه لما كان الأصحاب سلفا وخلفا ـ سوى المرتضى (رضى الله عنه) ـ على هذا القول المشهور ، وأخبارهم كما عرفت متظافرة به ، فإنه يعلم بذلك كونه مذهب الأئمة (عليهم‌السلام) وليس لما خالف ذلك ـ مما ورد عنهم ـ محمل غير التقية.

__________________

(١) ج ١ ص ٥.

٢٣

ومن روايات ـ المسألة ـ المؤيدة للقول المشهور ـ أيضا زيادة على ما قدمناه ـ ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن ابن سنان (١) والظاهر أنه عبد الله ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط الى يوم أو يومين فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث ، على من ضمان ذلك؟ فقال : على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري» (٢).

وزاد في التهذيب «شرط له البائع أو لم يشترط قال وان كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشترى قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع».

ورواه في الفقيه مرسلا (٣) كما في الكافي. الا انه قال : «لا ضمان على المبتاع حتى ينقضي الشرط ويصير المبيع له» (٤).

والعجب من المرتضى ـ (رضوان الله عليه) ـ المانع من العمل باخبار الآحاد والدائر في أقوله مدار الإجماع ـ كيف اعتمد على هذا الخبر في هذا المقام مع مخالفته الأخبار الكثيرة المعتضدة بالشهرة بل الإجماع المدعى في المقام ، والظاهر أن دليله شي‌ء آخر غير الخبر من الأمور العقلية كما هي قاعدته ، فان تعلقه بالاخبار نادر جدا.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٦٩ التهذيب ج ٧ ص ٢٤.

(٢) ظاهر الخبر المذكور عدم انتقال المبيع في مدة الخيار إلى المشتري كما هو قول الشيخ ، والمشهور يحملونه على استقرار الملك وسيأتي تحقيق المسألة في محله إنشاء الله تعالى.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ١٢٨.

(٤) ومما يدل على ما دل عليه هذا الخبر من أن التلف أو الحدث زمن الخيار مضمون على البائع. رواية ابن رباط عن زرارة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : ان حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البائع» والظاهر ان الحكم لا خلاف فيه. منه رحمه‌الله.

٢٤

وبالجملة فالمعتمد هو القول المشهور. والله العالم. وتحقيق البحث في المقام يتم برسم مسائل.

الأولى ـ لم نقف لأبي الصلاح فيما ذهب اليه من ثبوت الخيار في الإماء مدة الاستبراء على دليل ، وظاهر اخبار ـ المسألة ـ المتقدمة يرده ، مثل قوله (عليه‌السلام) في صحيحة الحلبي (١) المتقدمة «الخيار في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري». وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة (٢) ابن رئاب «الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري ، اشترط أو لم يشترط».

وأظهر من جميع ذلك صحيحة على بن رئاب (٣) المتقدم نقلها عن قرب الاسناد ، لأن موردها الجارية بخصوصها ، وقد حكم (عليه‌السلام) «بان الخيار فيها ثلاثة أيام للمشتري وأنه إذا مضت الثلاثة فقد وجب الشراء ولزم». وصحيحة عبد الله بن سنان (٤) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : عهدة البيع في الرقيق ثلاثة أيام ان كان بها خبل أو برص أو نحو هذا». الحديث وبذلك يظهر ضعف القول المذكور.

الثانية ـ لو باع الدراهم أو المتاع بالحيوان كان يقول : بعتك هذه الدراهم أو هذا المتاع بهذا الحيوان ، فيقول المشترى اشتريتها به.

فالظاهر أن خيار الحيوان ـ هنا ـ ثابت لمن انتقل له الحيوان بهذا العقد ، وهو البائع للدراهم أو المتاع ، نظرا الى ما قدمنا ذكره من وجه الحكمة في هذا الخيار.

وثبوت الخيار هنا للبائع غير مناف لما تقدم ـ بناء على القول المشهور ـ وما دل عليه من الاخبار ، من أن خيار الحيوان للمشتري خاصة ، لأن مبنى تلك المسألة ـ في

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٦٩.

(٣) الوسائل الباب ٣ من أبواب الخيار الرقم ٩.

(٤) الكافي ج ـ ٥ ـ ص ١٧٢.

٢٥

النصوص وكلام الأصحاب ـ انما هو على كون المبيع هو الحيوان بغيره من الأثمان ، فجعل الخيار فيها لمشتريه ، وهيهنا الحيوان انما وقع ثمنا وقيمة لمبيع آخر فيكون الخيار انما هو لمن انتقل اليه وهو البائع ، نظرا الى ما أشرنا إليه من وجه الحكمة في هذا الخيار.

ويمكن الاستدلال عليه في هذه الصورة بالأخبار الدالة على أن لصاحب الحيوان الخيار ثلاثة أيام ، وهو من انتقل اليه ثمنا أو مثمنا ، لما تقدم من أنه لا يصح حمل صاحب الحيوان هنا على المالك ، وانما حملناه سابقا على المشترى بقرينة موثقة ابن فضال ، من حيث وقوع البيع على الحيوان ، وكونه مثمنا ، وأما لو جعل ثمنا ، فإنه يكون الخيار فيه لمن انتقل اليه ، وان سمي بحسب هذه الصورة بائعا.

أو الى ما اخترنا في هذا المقام يشير كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والروضة وبه صرح المحقق الأردبيلي (رحمه‌الله عليه) في شرح الإرشاد ، الا أن كلامه لا يخلو من خلل في تأدية المطلوب منه والمراد ، فإنه قال ـ بعد ذكر الفرع المذكور.

ـ وبالجملة انه ثابت لمن ينتقل اليه الحيوان بعقد البيع ، سواء يقال له البائع أو المشترى ، وأتى بالصيغة بلفظ البيع أو الشراء قدمها أو أخرها ، لأن الحكمة في الخيار فيه أن الحيوان مظنة العيب ويختفى فيه كثيرا ، ولا يظهر غالبا ، فشرع الخيار ليعلم ذلك وهو يدل على ثبوته لكل من ينتقل اليه.

والعمدة في ذلك ـ الأخبار المتقدمة ، مثل صحيحة زرارة أو حسنته (١) قال : قال : رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «البيعان بالخيار حتى يفترقا وصاحب الحيوان ثلاثة أيام». الظاهر أن المراد أن صاحبه الذي عنده ومالكه بالفعل ـ لا الذي كان ـ يخير ثلاثة أيام ، ثم ذكر صحيحة محمد بن مسلم الموافقة لصحيحة زرارة في هذا المتن.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٧٠.

٢٦

كما قدمناه ثم قال : الظاهر شمول هذه الاخبار لمن قلناه ، وان قلنا بشمولها لغيره ايضا. انتهى.

ومحل الإشكال في قوله : الظاهر ان المراد صاحبه الذي عنده الى آخره مع قوله قبله ان الخيار ثابت لمن ينتقل اليه الحيوان مؤيدا ذلك بوجه الحكمة المذكورة في كلامه ، فإنه لا يخلو من مدافعة ومناقضة.

الثالثة ـ هل مبدء الخيار هنا ـ وكذا في خيار الشرط الاتى إنشاء الله تعالى ـ من حين العقد أو التفرق؟ قولان : نقل ثانيهما عن الشيخ (رحمة الله عليه) ومن تبعه. وبالأول صرح جملة من محققي متأخري الأصحاب ، والظاهر أنه الأقرب.

ويؤيده أن المتبادر من الأجل المذكور بعد العقد هو اتصاله بزمان العقد ، وهكذا كل ما اشترط من الأجل في العقود ، فان المتبادر منه كون ابتدائه من حين العقد.

ويعضده ظاهر جملة من الاخبار المتقدمة ، مثل قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (١) «البيعان بالخيار حتى يفترقا» وصاحب الحيوان ثلاثة أيام.

وقوله في صحيحة محمد بن مسلم (٢) «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا». فان المفهوم منهما ان كلا الخيارين في البدء سواء وانما الاختلاف بينهما باعتبار الأخر ، فنهايته في خيار المجلس التفرق ، وفي خيار الحيوان إلى ثلاثة أيام وتمام الكلام في المقام يأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ في المقام الثاني في الأحكام.

الرابعة ـ يسقط هذا الخيار عند الأصحاب باشتراط سقوطه في العقد ، وبإسقاطه بعد العقد ، وبالالتزام بالعقد ، وبالتصرف ، والوجه في الأول ـ العمل بما دل على لزوم الوفاء بالشرط وفي الثاني أنه حق لصاحبه ، فمتى أسقطه سقط.

واما الثالث فقد تقدم الكلام فيه في خيار المجلس ، الا ان الظاهر هنا لزوم العقد

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٤ الكافي ج ٥ ص ١٧٠.

٢٧

بالالتزام به ، وسقوط الخيار بذلك ، لما في رواية عبد الله بن الحسن بن زيد بن على بن الحسن عن أبيه (١) «عن جعفر بن محمد (عليهم‌السلام) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في رجل اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيام فمات العبد في الشرط قال : يستحلف بالله ما رضيه ، ثم هو بري‌ء من الضمان». فإنه ظاهر في أنه متى التزم بالعقد ورضى به سقط الخيار.

وأما الرابع فيدل عليه ـ بعد الإجماع المدعى في التذكرة ـ جملة من الاخبار

منها صحيحة على بن رئاب (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «الشرط في لحيوان ثلاثة أيام» للمشتري اشترط أم لم يشترط ، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة (الأيام) فذلك رضى منه فلا شرط ، قيل له : وما الحدث؟ قال : أن لامس أو قبل أو نظر منها الى ما كان يحرم عليه قبل الشراء».

وصحيحة محمد بن الحسن الصفار (٣) قال : «كتبت الى ابى محمد (عليه‌السلام) في الرجل اشترى من رجل دابة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ ، إله أن يردها في الثلاثة أيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي ركبها فراسخ؟ فوقع عليه‌السلام : إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء ان شاء الله تعالى».

وروى في قرب الاسناد عن على بن رئاب في الصحيح (٤) : قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اشترى جارية لمن الخيار؟ فقال : الخيار لمن اشترى «الى ان قال :» قلت له : أرأيت ان قبلها المشتري أو لامس ، قال : فقال : إذا قبل أو

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٨٠ الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الخيار.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٦٩ التهذيب ج ٧ ص ٢٤ وفيه (أيام) الوسائل الباب ٤ من أبواب الخيار.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٧٥ الوسائل الباب ٤ من أبواب الخيار.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الخيار الرقم ـ ٣.

٢٨

لامس أو نظر منها الى ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط ولزمته».

قال في المسالك ـ بعد نقل مضمون صحيحة على بن رئاب الاولى : ـ وإطلاق التصرف والحدث يشمل الناقل وغيره ، بل مطلق الانتفاع كركوب الدابة وتحميلها وحلب ما يحلب ونحو ذلك ، ولو قصد به الاستخبار ففي المنع من الرد قول لا بأس به ، فان استثنياه اعتبر منه ما يعلم به الحال ، بان يركب الدابة قدرا يظهر به فراهتها وعدمه ، ويحلب الشاة بحيث يعلم حالها ونحو ذلك فلو زاد عنه منع ، ولو ساق الدابة إلى منزله فإن كان قريبا بحيث لا يعد تصرفا عرفا فلا اثر له ، وان كان بعيدا كثيرا احتمل قويا منعه ، وبالجملة فكل ما يعد تصرفا وحدثا يمنع والا فلا. انتهى وهو جيد.

ونقل المحقق الأردبيلي (رحمه‌الله) في شرح الإرشاد عن بعض المحققين قال : قال بعض المحققين : المراد بالتصرف المسقط للخيار هو ما يكون المقصود منه التملك لا الاختبار ، (١) ولا حفظ المبيع كالركوب لسقي الدابة ، ثم قال : وفيه تأمل ، لأن ظاهر الروايات أعم من ذلك.

أقول : ان ما ذكروه من التصرف لأجل الاختبار لا وجه له في المقام ، فان مقتضى العادة أن المشترى للحيوان لا يشتريه ولا يعقد صيغة البيع حتى يختبره بركوبه معرفة حسن مشيه وعدمه ، والجارية لا يشتريها حتى ينظر منها الى ما يتعلق به غرضه بنظره باذن المالك ، ومن هذه الجهة أطلقت الأخبار كون التصرف بعد البيع مسقطا للخيار ، فان جميع ما يتوقف عليه غرضه من ذلك الحيوان قد علم قبل البيع ، وانما جعل له هذا الخيار هذه المدة بالنسبة إلى شي‌ء لم يحصل له الاطلاع عليه من العيوب الخفية.

__________________

(١) أقول ظاهر المحقق الشيخ على في شرح القواعد الميل الى هذا القول حيث قال : ولو قصد به الاختبار فقد استثناه بعضهم من التصرف المسقط وليس ببعيد ـ منه رحمه‌الله.

٢٩

واما ما ذكره ذلك المحقق من السقي ، فإنه لا يتوقف على الركوب ليكون ذلك مستثنى من التصرف المانع من الرد ، والظاهر انه أراد بالتملك ، معنى الالتزام بالبيع والا فالتملك حاصل بأصل العقد.

نعم يبقى الكلام في التصرف الذي يتوقف عليه حفظ الدابة في ضمن تلك الثلاثة أيام ، من علفها وسقيها وربطها ، ونقلها من مكان الى مكان لأجل حفظها من الحر أو البرد ونحو ذلك ، والأقرب أنه لا يعد من التصرف المانع من الرد لخوف تطرق الضرر بدونه.

وأما مناقشة المحقق الأردبيلي «رحمه‌الله» في هذا المقام في عموم التصرف وشموله لجميع التصرفات ـ حيث طعن في دلالة صحيحة على بن رئاب الأولى بالحصر في الجارية ، فلم يعلم غيرها من الحيوانات واختصاصه بالإفراد المذكورة فيها ، وأنه يمكن ما كان مثلها أو أعلى وأما الأدنى فلا.

وفي صحيحة الصفار بأنها وان دلت بظاهرها على أن كل حدث مسقط للخيار ـ الا ان الحدث مجمل ، ويمكن أن يكون كل ما هو عيب يكون مسقطا ـ فالظاهر أنها من المناقشات البعيدة الاحتمال ، فان الظاهر أن ما ذكر في الخبرين المذكورين من الجارية والدابة والتصرف فيهما بما ذكره في الخبرين انما خرج مخرج التمثيل ، لا الاختصاص وذكر في كل منهما من التصرف ما هو المناسب له من قبيل التمثيل أيضا لا الحصر.

فالمراد من الخبرين انما هو ما فهمه الأصحاب (رضوان الله عليهم) ، من عموم الحكم في الحيوان مطلقا ، والتصرف بجميع وجوهه في كل منها بما يناسبه ، والله العالم (١).

__________________

(١) أقول بذلك يظهر أيضا ما في كلام الفاضل الخراساني حيث قال واعلم أنى لا أعلم دليلا على كون شي‌ء من التصرفات موجبا للزوم ، سوى ما ورد في صحيحة على بن رئاب ، وصحيحة محمد بن الحسن الصفار ، وما في قوته أو أقوى منه ، وان ثبت إجماع في غيرها كان متبعا ، والا كان للتأمل فيه مجال. انتهى.

وكأنه تبع في هذا المقام المحقق المشار إليه في الأصل وقد عرفت ـ

٣٠

الخامسة ـ قد عرفت فيما تقدم أن من جملة الأقوال في المسألة ثبوت الخيار لهما فيما إذا كان الثمن أيضا حيوانا واختاره في المسالك ، نظرا الى تحقق الحكم من الجانبين ، قال : فان اختصاص الخيار بالحيوان لاشتماله على أمور باطنة لا يطلع عليها غالبا إلا بالتروي والاختبار مدة ، وفيه جمع بين الاخبار المختلفة ظاهرا. وهو جيد ، سيما على مذهبه في ترجيح قول السيد المرتضى ثم انه في المسالك قال : ولو كان الثمن خاصة حيوانا ثبت الخيار للبائع خاصة على الأقوى. انتهى.

وبنحوه في الموضعين صرح في الروضة أيضا (١)

وبالجملة ، فإن مرجع الكلام في هذه المسألة الى ما قدمناه في الفائدة الثانية ، قد عرفت انه أحد الوجوه في حمل الخبر الذي استدل به المرتضى (رضى الله عنه) كما أشار إليه شيخنا المذكور هنا بقوله : وفيه جمع بين الاخبار المختلفة ظاهرا ، وان كان قد رده في كلامه المتقدم نقله عنه في صدر البحث بقوله وهو تخصيص بغير مخصص وقد عرفت ما فيه آنفا.

الثالث ـ خيار الشرط

والأصل فيه ـ بعد الإجماع في التذكرة ـ الأدلة العاملة من الاخبار الدالة على وجوب الوفاء بالشرط الا ما حرم حلالا وحلل حراما ، والخاصة لهذا المقام وها نحن نتلوا عليك جملة الأخبار المتعلقة بذلك عامها وخاصها ، كما هي قاعدتنا

__________________

ما فيه من أن ما ذكر في الخبرين انما خرج مخرج التمثيل لا الحصر كما لا يخفى ، واليه يشير قوله «فأحدث حدثا من أخذ الحافر الى آخره» فان المراد بالحدث هو ما فهمه الأصحاب من التصرف مطلقا ، وان مثل له في الخبر ببعض الافراد كما لا يخفى على المتأمل. منه رحمه‌الله.

(١) حيث قال : ولو كان حيوانا بحيوان قوى ثبوته لهما كما يقوى ثبوته للبائع وحده لو كان الثمن خاصة وهو ما قرن بالباء حيوانا ، انتهى منه رحمه‌الله.

٣١

في الكتاب في كل حكم وباب.

فمنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سمعته يقول : من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط عليه ، والمسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب الله عزوجل.

وما رواه في الفقيه والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٢) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «المسلمون عند شروطهم ، الا كل شرط خالف كتاب الله عزوجل فلا يجوز».

وما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار (٣) عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) «أن على بن أبى طالب (عليه‌السلام) كان يقول : من شرط لامرأته شرطا فليف لها به ، فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما».

ومنها ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (٤) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الشرط في الإماء ألا تباع ولا تورث ولا توهب؟ فقال : يجوز ذلك غير الميراث ، فإنها تورث ، وكل شرط خالف كتاب الله فهو» (مردود)».

ونحو هذه الرواية بهذا المضمون مرسلة جميل بن دراج ، (٥) ومرسلة ثانية له ، والمشهور في كلام الأكثر أنه لو شرط ما ينافي مقتضى العقد كما لو شرط أن لا يبيعه

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٦٩ التهذيب ج ٧ ـ ص ٢٢.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ١٢٧ التهذيب ج ٧ ص ٢٢.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٧.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٢١٢ ـ في الكافي فهو (رد).

(٥) التهذيب ج ٧ ص ٢٥.

٣٢

أو لا يعتقه أو لا يطأ أو لا يهب ، فهذه الشروط باطلة ، والمشهور بطلان العقد بها أيضا.

ويظهر من بعض الأصحاب القول بلزوم أمثال هذه الشروط المشروعة ، والاخبار المذكورة تدل عليه ، وعلى المشهور يمكن حملها على الاستحباب ، بناء على قواعدهم في أمثال هذه الأبواب.

ثم ان الفرق بين الميراث وغيره مما ذكر في الاخبار المذكورة لا يخلو من خفاء وربما قيل بأن الفرق هو ان اشتراط عدم البيع والهبة اشتراط ما يتعلق بنفسه ، واشتراط عدم التوريث يتعلق بغيره ، ولا أثر فيه لرضاه ، ولا يخلو من تكلف ، ومقتضى العقد كتابا وسنة هو التصرف فيه بما شاء من أنواع التصرفات ، فاشتراط منعه من ذلك كما دلت عليه هذه الاخبار مشكل.

ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن إسحاق بن عمار (١) قال : «أخبرني من سمع أبا عبد الله (عليه‌السلام) «قال سأله رجل وأنا عنده فقال له : رجل مسلم احتاج الى بيع داره فمشى إلى أخيه فقال له : أبيعك داري هذه وتكون لك أحب الي من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي ان أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن ترد علي؟ فقال : لا بأس بهذا ان جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه قلت : فإنها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة لمن تكون؟ فقال : الغلة للمشتري ، ألا ترى أنه لو احترقت لكانت من ماله».

ورواه الصدوق بطريقه إلى إسحاق بن عمار (٢) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : سأله رجل الحديث

وما رواه في التهذيب عن معاوية بن ميسرة (٣) قال : «سمعت أبا الجارود يسأل

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٧١ التهذيب ج ٧ ص ٢٣.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ١٢٨.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ١٧٦.

٣٣

أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل باع دار إله من رجل ، وكان بينه وبين الرجل الذي اشترى منه الدار حاصر ، فشرط أنك ان أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك فأتاه بماله قال : له شرطه ، قال له أبو الجارود : فان ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين قال : هو ماله ، وقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : أرأيت لو أن الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار دار المشترى».

وما رواه في الكافي عن سعيد بن يسار (١) في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : انا نخالط أناسا من أهل السواد وغيرهم ، فنبيعهم ونربح عليهم العشرة اثنا عشر والعشرة ثلاثة عشر ونؤخر ذلك فيما بيننا وبينهم السنة ونحوها ، ويكتب لنا الرجل على داره أو أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منا شراء (وقد باع) وقبض الثمن منه ، فنعده ان هو جاء بالمال الى وقت بيننا وبينه ان نرد عليه الشراء ، فان جاء الوقت ولم يأتنا بالدراهم فهو لنا. فما ترى في ذلك الشراء؟ قال : ارى أنه لك ان لم يفعل ، وان جاء بالمال للوقت فرد عليه».

وما رواه الشيخ عن أبى الجارود (٢) عن أبى جعفر (عليه‌السلام) قال : «ان بعت رجلا على شرط فإن أتاك بمالك والا فالبيع لك». والبيع في الخبر بمعنى الشراء ، فإنه من الأضداد كما ذكره أهل اللغة.

وتحقيق البحث في المقام بما يحصل به الإحاطة بأطراف الكلام وبيان ما يدخل فيه من الأحكام يقع في مواضع.

الأول ـ الأشهر الأظهر هو انه متى كان الشرط سائغا في العقد ، وجب على المشروط عليه الوفاء به فان امتنع كان للمشروط له إجباره عليه ، فان لم يمكنه رفع امره الى الحاكم الشرعي فإن تعذر كان له خيار الفسخ ، وقيل متى امتنع كان للمشروط له اختيار الفسخ ، وسيأتي إنشاء الله تعالى مزيد تحقيق للمسألة في محله (٣)

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٧٢ الفقيه ج ٣ ص ١٢٨ وفيه (بأنه قد باعه).

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٣.

(٣) وهو في المسألة الاولى من المقام الثاني في أحكام الخيار.

٣٤

الثاني ـ يجوز اشتراط مدة يرد فيها البائع الثمن إذا شاء ويرتجع المبيع وفي هذا المقام أحكام.

الأول ـ قد دلت موثقة إسحاق بن عمار وما بعدها من الاخبار على أنه يجوز اشتراط مدة مضبوطة يرد فيها البائع الثمن إذا شاء ويرتجع المبيع ، وظاهر الاخبار المذكورة أنه يكفى مجرد إعطاء الثمن ، والمفهوم من كلام الأصحاب من غير خلاف بعرف أنه لا بد من الفسخ وأنه لا يكفى مجرد رد الثمن.

الثاني ـ لو شرط في العقد رد المثل أو القيمة في تلك المدة لزم أيضا ، قال في الدروس : فليس للبائع الفسخ بدون رد الثمن أو مثله ولا يحمل الإطلاق على العين ، ولو شرط رد العين احتمل الجواز انتهى.

الثالث ـ المشهور أنه لا يتوقف الفسخ أو الإمضاء على حضور الأخر أو الحاكم. نعم ثبوته يتوقف على الاشهاد مع النزاع ، ونقل في الدروس عن ابن الجنيد انه يشترط في الخيار المختص للفسخ أو الإمضاء الحضور أو حكم الحاكم أو الإشهاد قال : وفي المشترط لا ينفذا لفسخ والإمضاء إلا بحضورهما ونقل عن ابن حمزة انه لا بد في المشترك من اجتماعهما على الفسخ أو لا إمضاء.

وفي المبسوط لا خلاف في جواز الإمضاء بغير حضور الأخر ، والظاهر ان ما ذهب اليه ابن الجنيد هنا هو مذهب العامة ، فإنه قد نقل المحقق الشيخ على (رحمه‌الله) في شرح القواعد توقف الفسخ على أحد الأمرين المذكورين عن أبي حنيفة.

وأنت خبير بان الروايات المذكورة خالية من التعرض لذكر الفسخ ، كما قدمنا الإشارة اليه ، وليس فيها أزيد من رد الثمن في المدة المضروبة وظاهره هو الرد على المشترى ودفعه اليه ، ولو جعل رد الثمن فيها كناية عن الفسخ مثلا ، فظاهرها اشتراط حضور المشترى ليفسخ البائع بعد دفع الثمن أو مثله اليه ، فما ذكروه من جواز الفسخ مع عدم حضور المشترى وجعل الثمن أمانة الى أن يجي‌ء

٣٥

المشترى ، وان كان ظاهرهم الاتفاق عليه عدا من تقدم ذكره ، الا انه بعيد عن سياق الأخبار المذكورة كما لا يخفى على المتأمل فيها.

الرابع ـ الظاهر انه لا فرق (١) في هذا الشرط بين وقوعه من البائع بأن يقول : بعتك هذه الدار بشرط ان تردها علي إذا أتيتك بالثمن في ضمن شهر ، أو من المشترى بأن يشترط له انك ان أتيتني بالثمن في ضمن المدة المعلومة ، رجعت عليك المبيع والذي تضمنته الأخبار المتقدمة الثاني.

قال في الدروس : يجوز اشتراط ارتجاع المبيع عند رد الثمن مع تعيين المدة فليس للبائع الفسخ بدون رد الثمن أو مثله ، ثم قال : ولو شرط المشترى ارتجاع الثمن إذا رد المبيع جاز ، ويكون الفسخ مشروطا برد المبيع ، فلو فسخ قبله لغى انتهى.

أقول ظاهر الاخبار المتقدمة انه بعد وقوع العقد مشتملا على هذا الشرط من البائع أو المشتري فإنه بمجرد رد البائع الثمن في المدة المضروبة يجب على المشترى رفع اليد عن المبيع وتسليط البائع عليه لقوله (عليه‌السلام) في موثقة إسحاق (٢) «ان جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه». وفي رواية معاوية فأتاه بماله قال : له شرطه ،. وقوله في صحيحة سعيد بن يسار (٣) «ان جاء بالمال في الوقت فرد عليه».

وظاهر هذه العبارات ان الفسخ يحصل بمجرد رد الثمن في المدة المضروبة وانه يجب على المشترى رد المبيع ورفع يده عنه.

وبه يظهر ما في عبارة الدروس المذكورة وغيرها من اعتبار الفسخ وتفريع

__________________

(١) لقوله في خبر إسحاق ان حبئت بثمنها إلى سنة ، وفي رواية معاوية الى ما بين ثلاث سنين وقوله في رواية سعيد بن يسار ولم يأتنا بالدراهم وفي رواية أبي الجارود فإن أتاك بمالك والجميع كما ترى ظاهر في انه لا بد من رده على المشترى منه رحمه‌الله.

(٢) الوسائل الباب ٨ ـ أبواب الخيار الرقم ـ ١ التهذيب ج ٢٣٧ الرقم ١٣.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٣ الرقم ١٢.

٣٦

ما ذكروه من الأحكام عليه فان دخوله تحت الأخبار المذكورة لا يخلو من غموض وخفاء.

الخامس ـ قال في الدروس لو شرط ارتجاع بعضه ببعض الثمن أو الخيار في بعضه ففي الجواز نظر.

أقول : الظاهر ان وجه النظر المذكور ينشأ من مخالفة النصوص الواردة في المسألة وكون هذا الفرد خارجا عنها ، ومن عموم «المؤمنون عند شروطهم».

وفي المسالك استوجه الثاني ولا يخلو من قرب ، فان النصوص المذكورة لا دلالة فيها على حصر الصحة في الصورة المذكورة فيها ، وان ما عداها غير جائز مع ان هذا الشرط سائغ في حد ذاته ولا مانع منه.

الثالث من المواضع المتقدمة هل يملك المبيع بالعقد أو بمضي مدة الخيار قولان ، وسيأتي تحقيق المسألة إنشاء الله تعالى في المقام الثاني في الأحكام.

الرابع ـ قد دلت الأخبار المتقدمة على ان منافع المبيع ضمن مدة الخيار للمشتري ، وتلفه من المشترى فيكون ملكا له ، وهو موافق للمشهور من أن التلف بعد القبض في زمن الخيار من مال من لا خيار له.

وهذا في صورة ما لو كان الخيار للبائع ، واما لو كان الخيار للمشتري كما تقدم في خيار الحيوان فان تلفه من البائع ، كما تضمنته صحيحة عبد الله بن سنان (١) المتقدمة في خيار الحيوان وقوله فيها «فان كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشترى قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع». وهذا ايضا جار على مقتضى القاعدة المتقدمة ، وهي ان تلف المبيع بعد القبض فهو من مال من لا خيار له.

وتمام الكلام في ذلك يأتي إنشاء الله تعالى في المقام الثاني.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٤ الرقم ٢٠ الوسائل الباب ٨ من أبواب الخيار الرقم ٢.

٣٧

الخامس ـ قد تقدم أنه لا بد من كون الشرط في متن العقد بين الإيجاب والقبول قال في التذكرة : ولا اعتداد بالشرط قبله أو بعده.

السادس ـ خيار الشرط ثابت لمن اشترطه سواء كاناهما معا ، أو أحدهما أو أجنبيا ، أو أحدهما مع أجنبي ، من غير خلاف يعرف ومستنده عموم أدلة وجوب الوفاء بالشروط المتقدم ذكرها.

السابع ـ يجب أن يكون المدة مضبوطة ، والوجه فيه رفع الجهالة المبطلة للعقد ، وأن الأجل ـ كما صرحوا به ـ له قسط من الثمن ، فيئول إلى جهالة أحد العوضين ، وان تكون متصلة بالعقد أو منفصلة عنه مع ضبطها ، فلو شرطاها متأخرة صار العقد لازما بعد المجلس وجائزا فيها ، اما اتصالها بالعقد فوجهه ظاهر مما تقدم في خيار الحيوان ، واما جواز اشتراط تأخيرها فوجهه كون الشرط المذكور سائغا ، فيصح اشتراطه ، وفي جواز جعل المدة متفرقة قولان ، ولو لم تكن المدة مضبوطة كقدوم الحاج مثلا أو إدراك الغلة بطل الشرط قولا واحدا.

وهل يبطل العقد قولان : المشهور البطلان ، وهذا جار في كل عقد اشتمل على شرط فاسد ، وقيل بصحة العقد وان بطل الشرط.

وقد تقدم تحقيق هذه المسألة والكلام فيها في المقدمة الحادية عشر (١) من مقدمات كتاب الطهارة ، ولو أطلقا ولم يعينا مدة فالمشهور انه لا يصح ونقل عن الشيخ الصحة وانه ثلاثة أيام مدعيا فيه النص والإجماع ، ورد بعدم وجود خيار الثلاثة في الاخبار الا في خيار الحيوان واما الإجماع فأوضح ، حيث لم يقل ذلك سواه.

والظاهر ان الوجه في وجوب ضبط المدة كما اشترطوه هو رفع الجهالة المبطلة للعقد وأن الأجل له قسط من الثمن فيؤل الى جهل أحد العوضين.

الثامن ـ قد تقدم النقل عن الشيخ بأن مبدأ هذا الخيار بعد التفرق من المجلس ولم نقف له على دليل ، وثبوت خيار المجلس بأصل الشرع لا يدل على كون مدة الخيار المشروط غير ذلك ، حتى يكون ابتداؤه بعد انقضاء ذلك ، إذ لا مانع من

__________________

(١) ج ١ ص ١٣٣.

٣٨

التداخل في بعض المدة كما مر في خيار الحيوان (١).

التاسع ـ قال بعض المحققين (٢) والظاهر عدم سقوط هذا الخيار بالتصرف ـ لما مر وسيجي‌ء ـ ولا بالشرط ، وهو ظاهر. نعم يمكن بالإسقاط والالتزام بعده كما في غيره.

والعمدة في ذلك قول الأصحاب (رضى الله عنهم) في الكل ـ والتسلط للإنسان على ماله ، والترغيب على العمل بالقول ـ وعدم مخالف له ، ولانه لا شك في لزوم الفسخ باختياره ، وكذا اللزوم.

ويدل عليه أيضا رواية السكوني (٣) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) «أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قضى في رجل اشترى ثوبا بشرط الى نصف النهار فعرض له ربح فأراد بيعه ، قال : ليشهد أنه قد رضيه واستوجبه ثم ليبعه ان شاء ، فان أقامه في السوق ولم يبع فقد وجب عليه». انتهى. وهو جيد.

وحمل بعض الأصحاب الأمر بالإشهاد هنا على الإرشاد لرفع النزاع أو الاستحباب ، والخبر صريح في أنه مع الالتزام بالعقد يسقط الخيار ، وظاهره أيضا أنه يسقط بالتصرف ، وان إقامته في السوق وجعله في معرض البيع ـ وان لم يبعه ـ تصرف مسقط للخيار.

العاشر قد صرح الأصحاب بأنه يجوز اشتراط المؤامرة يعنى اشتراطهما أو أحدهما استيمار من سمياه والرجوع الى أمره مدة مضبوطة ، فيلزم العقد من جهتهما ويتوقف على أمره ، فإن أمر بالفسخ جاز للمشروط له استئماره والفسخ ، والظاهر انه لا يتعين عليه ، لان الشرط انما هو مجرد استئماره لا الالتزام بقوله ، وان أمر بالالتزام

__________________

(١) ص ٢٥.

(٢) هو المحقق الأردبيلي قدس‌سره في شرح الإرشاد منه رحمه‌الله.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٧٣ التهذيب ج ٧ ص ٢٣.

٣٩

لم يكن له الفسخ قطعا ، وان كان الفسخ أصلح عملا بالشرط

قال في التذكرة : وليس للشارط ان يفسخ حتى يستأمر ويأمره بالرد ، لانه جعل الخيار اليه دونه. قيل : ويمكن أن يكون له الفسخ قبلها ، والمخالفة لعدم لزومه. الا ان يشترط ذلك. قال في التذكرة : هذا القول الثاني للشافعي. كما أن الأول قوله الأول ، وهو المعتمد. مع انه في التحرير قال بهذا القول الثاني فقال : وله الفسخ قبل الاستيمار.

أقول لا ريب ان جواز اشتراط الاستيمار كما هو أصل المسألة لا اشكال فيه ، لانه من الشروط السائغة ، فلا مانع من اشتراطها ، فإن أمره بالفسخ تسلط على الفسخ ، وله الخيار بين ان يفسخ وبين ان لا يفسخ ، كما في سائر مواضع الخيار ، وان أمره بالالتزام الذي هو مقتضى العقد فليس له المخالفة ، وان كان الفسخ أصلح ، لأنه لا يتسلط على الفسخ الا بالشرط ، له وهو لم يشترط لنفسه والفرق بين المؤامرة وجعل الخيار لأجنبي ان الغرض من المؤامرة الانتهاء إلى أمره ، فليس لذلك المستأمر بفتح الميم الفسخ أو الالتزام ، وانما إليه الأمر والرأي خاصة بخلاف من جعل له الخيار.

الرابع ـ خيار الغبن

بسكون الباء وأصله الخديعة ، والمراد هنا البيع والشراء بغير القيمة مع الجهالة إذا كان الغبن بما لا يتسامح به غالبا بان شراه بزيادة على القيمة أو باع بنقصان عنها فالمرجع فيه الى العادة لعدم تقديره شرعا ، وهذا النوع من الخيار لم يذكره كثير من المتقدمين ، والقول به انما ثبت عن الشيخ واتباعه ، ونقل في الدروس وكذا في المسالك عن المحقق في الدروس القول بعدمه.

ويظهر من التذكرة عدم الخلاف فيه بين علمائنا (١) ، والمشهور بين

__________________

(١) قال في التذكرة : وهو اى خيار الغبن ثابت عند علمائنا وبه قال مالك واحمد لقوله لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ، ولقوله الا أن تكون تجارة عن تراض منكم ، ومعلوم بان المغبون لو عرف الحال لم يرض ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اثبت الخيار في التلقي وانما أثبته للغبن ، وقال انما يثبت للمغبون خاصة إجماعا ـ منه رحمه‌الله.

٤٠