الحدائق الناضرة - ج ١٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

وان كانت الزيادة باستئجار عليه فيقول : تقوم علي بكذا أو اشتريت بكذا واستأجرت بكذا ، وان طرء فيه عيب ذكره.

ولا بد من ذكر الجنس والصرف والوزن ان تعددت النقود ، واختلف صرفها ووزنها ، كما لو كان صرف بعض الدنانير عشرة دراهم ، وبعضها أكثر أو أقل ، وكذا الوزن ، وأما لو اتحد النقد لم يفتقر الى ذلك.

وبالجملة فلا بد من الاخبار بالثمن ، وكلما تجدد مما يوجب زيادة أو نقيصة واضافة ما ينفقان من الربح اليه (١).

وأما التولية فهو أن يعطيه المتاع برأس ماله ، من غير زيادة فيقول : وليتك أو بعتك أو ما يشاكل ذلك من الألفاظ الدالة على النقل ، لكن ان وقع العقد بلفظ بعتك ونحوه من الألفاظ الدالة على مطلق البيع ، فيكون المفعول الثمن ، أو ما قام علي ونحو ذلك مما لا يتضمن الزيادة على ما أنفقه ، وان وقع بلفظ وليتك فليكن مفعوله

__________________

(١) أقول ومن ذلك أيضا ما لو اشترى بثمن ورجع بأرش العيب ، فإنه يجب أن يسقط ذلك من الثمن ، ويخبر بالباقي ، لأن الأرش جزء من الثمن ، فقد قبض بعضه ، ولا بد من بيانه ، وان كان قوله اشتريته بكذا حقا الا أنه قد طرء عليه النقصان ، ولو جنى العبد ففداه السيد ، لم يجز أن يضم الفدية إلى ثمنه ، لان ذلك أمر خارج عن البيع ، ولو جنى عليه فأخذه أرش الجناية لم يضعها من الثمن ، والفرق بينه وبين أرش العيب أن أرش العيب ثابت بأصل العقد فكأنه مستثنى من الثمن ، بخلاف الجناية الطارية فإنها حق آخر كنتاج الدابة نعم لو نقص بالجناية وجب الاخبار بالنقص هذا مقتضى ما أورده في هذا المقام. منه رحمه‌الله.

٢٠١

العقد ، ويقتصر على ذلك ، وإذا قبل لزمه مثله جنسا وقدرا وصفة ، ولو قال : وليتك السلعة بكذا وكذا احتمل الاجزاء كما ذكره في الدروس.

وأما المواضعة فهي كالمرابحة في الاخبار بالثمن ، ونحوه مما زاد أو نقص حسبما تقدم ، الا أنها بنقيصة معلومة ، فيقول : بعتك بما اشتريته أو تقوم علي ووضيعة كذا.

وأما التشريك فهو أن يقول : شركتك بالتضعيف بنصفه بنسبة ما اشتريت مع علمهما بقدره ، ولو قال : أشركتك بالنصف فكذلك ، ولزمه مثل نصف الثمن ، أما لو قال : أشركتك في النصف فإنما له الربع ، الا أن يقول : بنصف الثمن ، فيتعين النصف ، ولو لم يبين الحصة وانما قال : في شي‌ء منه ، أو أطلق بطل للجهل بالمبيع ، واحتمل بعضهم حمل الثاني على التنصيف ، والتشريك ـ في الحقيقة ـ عبارة عن بيع الجزء المشاع برأس ماله ، الا أنه يختص عن مطلق البيع بصحته بلفظ التشريك.

الثاني ـ في الأحكام : وفيه مسائل.

الاولى ـ لو اشترى جملة لم يجز له بيع بعضها مرابحة وان قوم كلا منها بقيمة الا أن يخبر بالحال ، ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن أبي حمزة الثمالي (١) عن أبى جعفر (عليه‌السلام) «قال سألته عن الرجل يشترى المتاع جميعا بالثمن ، ثم يقوم كل ثوب بما يسوى حتى يقع على رأس ماله جميعا أيبيعه مرابحة؟ قال : لا حتى يبين له أنه انما قومه».

وروى في الكافي والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما (عليهما‌السلام)

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٩٧ التهذيب ج ٧ ص ٥٥ عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام).

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٩٧ عن محمد بن أسلم عن أبي حمزة بتفاوت يسير الفقيه ج ٣ ص ١٢٦.

٢٠٢

«في الرجل يشترى المتاع جميعا بثمن ثم يقوم كل ثوب بما يسوى ، حتى يقع على رأس ماله جميعا يبيعه مرابحة ثوبا ثوبا؟ قال : لا حتى يبين له انما قومه».

وعلل أيضا بأن المبيع المقابل بالثمن هو المجموع ، لا الافراد ، وان تقوم بها وقسط الثمن عليها في بعض الموارد كما لو تلف بعضها ، أو ظهر مستحقا.

والمشهور أنه لا فرق في ذلك بين تماثل اجزاء تلك الجملة أو اختلافها ، خلافا لابن الجنيد على ما نقل عنه من الجواز في المتماثلة ، كقفيز من حنطة ، وضعفه ظاهر ، وربما أشعر ظاهر الخبرين المذكورين بصحة البيع كذلك مرابحة ، وهو ظاهر إطلاق جملة من العبارات ، كما عبرنا به في صدر المسألة جريا على كلامهم.

الا أن الظاهر كما صرح به جملة من محققي المتأخرين أنه وان كان البيع كذلك صحيحا الا أنه ليس من قبيل المرابحة ، وان جاز إطلاقها عليه مجازا لكونه بصورة المرابحة.

الثانية ـ إذا اشترى نسيئة ثم باعه ولم يخبر بالأصل قال الشيخ في النهاية : كان للمبتاع من الأجل مثل ماله ، وبه قال : ابن البراج وابن حمزة ، وهو الظاهر من كلام ابن الجنيد ، فإنه قال : ومن باع مرابحة كان للمشتري من النظرة وغيرها في الثمن ما كان للبائع عند الشراء ، وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط : إذا اشترى سلعة بمائة إلى سنة ، ثم باعها في الحال مرابحة وأخبر أن ثمنها ماءه فالبيع صحيح بلا خلاف ، فإذا علم المشترى بذلك كان بالخيار بين أن يقبضه بالثمن حالا ، أو يرده بالعيب ، لانه تدليس ، وهو اختيار ابن إدريس ، وهذا هو المشهور في كلام المتأخرين عن العلامة ومن تأخر عنه ، نظرا الى ان مقتضى القواعد في مثله ذلك.

ويدل على الأول ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن هشام بن الحكم (١)

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٠٨.

٢٠٣

في الصحيح عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «في الرجل يشترى المتاع إلى أجل فقال : ليس له أن يبيعه مرابحة الا إلى الأجل الذي اشتراه إليه ، فإن باعه مرابحة ولم يخبره كان للذي اشتراه من الأجل مثل ذلك».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبى محمد الوابشي (١) وهو مجهول قال : «سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اشترى من رجل متاعا بتأخير إلى سنة ، ثم باعه من رجل آخر مرابحة ، إله أن يأخذ منه ثمنه حالا والربح؟ قال : ليس عليه الا مثل الذي اشترى ، ان كان نقد شيئا فله مثل ما نقد ، وان كان لم يكن نقد شيئا فالمال عليه إلى الأجل الذي اشتراه».

وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم عن ميسر بياع الزطي (٢) قال : «قلت : لأبي عبد الله (عليه‌السلام) انا نشتري المتاع بنظرة فيجي‌ء الرجل فيقول : بكم تقوم عليك؟ فأقول : بكذا وكذا فأبيعه بربح ، فقال : إذا بعته مرابحة كان له من النظرة مثل مالك ، قال : فاسترجعت وقلت : هلكنا» ، الحديث. وأجاب العلامة في المختلف عن هذه الاخبار قال : والجواب أنها محمول على ما إذا باعه بمثل ما اشتراه وأخفى عنه النسيئة ولم يشترط النقد ، فإنه والحال هذه يكون له من الأجل مثل ما كان للبائع على اشكال. انتهى.

ومرجعه إلى أنه مع عدم ذكره النسيئة وقت البيع ، فاما أن يذكر الحلول ، أو يشترط النقد ، وان كان إطلاق العقد كما تقدم انما ينصرف الى ذلك أولا ، وعلى الأول فالحكم ما ذكره المتأخرون من التخيير في المقام ، وعلى الثاني يحمل الاخبار.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٥٩.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٩٨ التهذيب ج ٧ ص ٥٧ الفقيه ج ٣ ص ١٣٤ وفي النسخ اختلاف فليراجع المصادر.

٢٠٤

وظاهر المحقق الأردبيلي الميل الى ذلك أيضا ، وحينئذ يكون هذا قولا ثالثا في المسألة ، وأنت خبير بما في هذا التفصيل من البعد ، أما أولا فلأنه متى كان إطلاق العقد انما ينصرف الى الحلول والنقد فذكره في اللفظ لا يزيد الا على مجرد التأكيد ، فكيف يترتب عليه حكم بخصوصه.

وأما ثانيا ـ فلان إطلاق الاخبار شامل للصورتين ، وتخصيصها يحتاج الى دليل ، ومجرد ما ادعوه من قاعدة العيب – وأنها تقتضي التخيير وهذا من قبيله ـ يمكن تخصيصها بهذه الاخبار ، واستثناء هذا الجزئي من القاعدة ، على أنك قد عرفت فيما تقدم أنه لا دليل على ما ادعوه من الخيار في العيب ، زيادة على الإجماع كما تقدم تحقيقه وبالجملة فالظاهر عندي هو العمل بالأخبار المذكورة.

بقي الكلام في تتمة الرواية الثالثة التي طوينا نقلها آنفا وهي قول الراوي «قلت : فاسترجعت وقلت : هلكنا ، فقال : لم ، قال : قلت : لان ما في الأرض ثوب أبيعه مرابحة فيشترى متى ولو وضعت من رأس المال حتى أقول تقوم بكذا وكذا قال : فلما رأى ما شق على قال : أفلا أفتح لك بابا يكون لك فيه فرج؟ قلت : بلى قال : قل : قام علي بكذا وكذا وأبيعك بزيادة كذا وكذا ولا تقل بربح». هكذا في رواية صاحب الفقيه ، وفي غيره قال : قلت : لان ما في الأرض من ثوب «إلا» أبيعه مرابحة يشترى ولو وضعت من رأس المال حتى أقول تقوم بكذا وكذا» وأبيعك بكذا وكذا الى آخر ما تقدم ، ولا يخفى ما في هذه العبارة من الاختلال ، وعدم ظهور معنى مستقيم ، وما ذكر في إصلاحها لا يخلو من تكلف بعيد عن الظاهر.

وأنت خبير بأن ظاهره تخصيص بيع المرابحة بأن يقول : بربح كذا ، وأما لو قال بزيادة كذا بعد الاخبار برأس المال فليس مرابحة ، بل مساومة ، والظاهر أنه لا قائل به ، إذ لا فرق بين اللفظين في كون البيع مرابحة ، كما يدل عليه الاخبار وكلام الأصحاب ، ويشكل العدول به عن ظواهر غيره من الاخبار ، والله العالم.

٢٠٥

الثالثة قال الشيخ في النهاية : لا يجوز أن يبيع الإنسان مرابحة بالنسبة إلى أصل المال ، بأن يقول أبيعك هذا المتاع بربح عشرة واحدا أو اثنين بل يقول بدلا من ذلك : هذا المتاع تقوم علي بكذا أو أبيعك إياه بكذا ، بما أراده ، وكذا قال الشيخ المفيد.

وقال سلار : لا يصح لو قال : بعتك هذا بربح العشرة واحدا أو أكثر بالنسبة.

وقال أبو الصلاح : لا يجوز بيع المرابحة بالنسبة إلى الثمن كقوله : أربح عليك في كل عشرة دراهم من ثمنه درهما ، وانما يصح بيع المرابحة بأن يخبر بجملة الثمن ، ويربح في عين المبيع.

وقال ابن البراج : لا يجوز في بيع المرابحة حمل الربح على المال ، مثل أبيعك هذا المتاع بكل عشرة منه واحدا أو اثنين ، بل يحمل الربح على المتاع.

وقال في المبسوط : يكره بيع المرابحة بالنسبة إلى أصل المال ، وليس بحرام ، وان باع كذلك كان البيع صحيحا ، وكذا قال في الخلاف ، وبه قال ابن إدريس ، والعلامة ومن تأخر عنه.

أقول : منشأ هذه الأقوال الاختلاف في الاخبار المتقدمة في صدر الفصل ، الدالة على النهي عن نسبة الربح الى المبيع أو الثمن ، والمراد بنسبته إليه إضافته اليه اما بواسطة حرف الجر ، مثل والربح فيه ، أو بغير واسطته مثل وربحه كذا ، وظاهر الاخبار المتقدمة باعتبار ضم بعضها الى بعض انما هو الكراهة ، قيل : لانه يشبه الربا.

والظاهر عندي منها انما هو كراهة البيع مرابحة ، وأن الأفضل بيع المساومة ، كما يفهم من صحيح الحلبي أو حسنة المتقدم ، لا من حيث ضم الربح الى المبيع أو رأس المال كما ذكروه ، فان عدوله (عليه‌السلام) الى البيع مساومة دون الفرد الأخر من المرابحة ، ـ مما يشير الى ما ذكرناه ، وكذلك صحيح محمد بن مسلم المتقدم ، فإن ضيقه (عليه‌السلام) انما هو من بيع المرابحة مطلقا ، لا من خصوص

٢٠٦

ذلك النوع ، ولهذا عدل إلى المساومة.

الرابعة لو باع مرابحة فظهر أن رأس ماله كان أنقص ، فالمشهور أن للمشتري الخيار بين رده وبين أخذه بالثمن ، وقيل : انه يأخذه بإسقاط الزيادة ، ورجح الأول بأنه الثمن الذي وقع عليه العقد ، فلا يثبت غيره ، وثبوت الكذب في الاخبار ينجبر بلحوق الخيار.

والمسألة غير منصوصة فيما أعلم ، الا أن الأقرب هو القول المشهور ، لما ذكر ، ولأصالة الصحة ، وظهور الكذب لا يوجب بطلان البيع ، ولا نقص الثمن بعد وقوع التراضي به والعقد عليه ، وغاية ما يوجبه الإثم للخيانة ، والجبر بالخيار.

وصرح بعضهم بثبوت الخيار وان انتقل المبيع من المشترى أو تلف في يده؟ قال : والأقوى أن بقاءه على ملك المشتري غير شرط في الخيار ، فله الفسخ مع تلفه ، أو خروجه عن ملكه مع رد مثله أو قيمته ، لأصالة بقاء الخيار.

وعلى القول بإسقاط الزيادة يسقط ربحها ايضا ، ولا خيار له ، لانه قد رضي بالأكثر ، فأولى أن يرضى بالأقل.

وربما احتمل ثبوت الخيار ايضا لغروره وكذبه وقد يكون له غرض في الشراء بذلك المبلغ ، لأبرار قسم ، أو انعقاد وصية ، أو نحو ذلك ، ولو قال : اشتريته بأكثر لم يقبل منه ، لان قوله الثاني مناف للأول ، لتكذيبه نفسه بالإقرار الأول ، ومثل ذلك غير مسموع شرعا والا لم يتم أكثر الإقرارات فيلغو حينئذ قيل : ولو اقام بينة على ادعاء الأكثر لم تقبل ، لانه كذبها بإقراره الأول (١).

__________________

(١) هذا القول للشيخ في المبسوط قال : لو قال رأس مالي مائة ثم قال : غلطت والثمن مائة وعشرة لم يقبل قوله ، ولو اقام بينة على انه أخطأ وان شراءه كان أكثر لم يقبل منه ، لانه كذبها بالقول الأول ، ولا يلزم المشترى اليمين بأنه لا يعلم بأنه اشتراه بأكثر من ذلك ، لانه لا دليل عليه ، فان قال : وكيلي كان اشتراه بمائة وعشرة واقام بذلك بينة قبلت بينته ، قال : وان قلت :

٢٠٧

وفيه على إطلاقه اشكال لجواز الغلط في الاخبار الأول ، أو الاستناد الى اخبار وكيله مثلا ، كان يقول أخبرني وكيلى انه شراه بكذا ، أو ورد على خط بذلك ثم يظهر خلافه ، فإنه يتجه قبول قوله ان أظهر لإنكاره تأويلا محتملا ، بمعنى سماع بينته عليه ، ولو ادعى على المشترى العلم بكون الثمن زائدا ، توجهت عليه اليمين بنفيه ، سواء ادعى الغلط أم لا ، وربما قيل بسماع دعواه مطلقا ، نظرا إلى إمكان الغلط ، ونفى عنه البأس في المسالك.

الخامسة ـ إذا دفع الى الدلال متاعا وقومه عليه بقيمة ولم يواجبه البيع لم يجز للدلال بيعه مرابحة إلا بعد الاخبار بصورة الحال ، سواء كان ما قومه عليه يربح فيه أم لا ، والوجه فيه ظاهر ، مما تقدم في المسألة الاولى ، والاخبار بصورة الحال لا يوجب كونه مرابحة كما تقدم تحقيقه ثمة ، وان كان بصورة المرابحة ، ولهذا لا يجب على التاجر الوفاء بالربح له ، لانه ليس بيع مرابحة.

والمشهور ان للدلال اجرة المثل سواء كان التاجر دعاه أو الدلال ابتدأه ، وانما كان له الأجرة في الصورتين ، لانتفاء البيع فيهما مع كونه مأمورا بعمل له أجرة بحسب العادة ، وإذا فات الشرط رجع الى أجرة المثل.

ونقل عن الشيخين (عطر الله مرقدهما) إنهما أثبتا للدلال ما زاد على ما عين له من القيمة في صورة ابتداء التاجر ، وان لم يزد لم يكن له شي‌ء ، واما في صورة ابتداء

__________________

لا يقبل لانه كذبها القول الأول كان قويا انتهى والأظهر ما عليه الأكثر في المسألتين ، فله إقامة البينة في الصورة التي ذكرنا في الأصل ، لأنه ادعى شيئا لو صدقه الغريم لثبت حقه ، فله إقامة البينة عليه ، واليمين على خلافه والتكذيب ممنوع ، لانه ادعى شيئا خفيا غير مناف لما شهدت به البينة وهو الغلط ونحوه ، وله المطالبة باليمين لو ادعى عليه العلم كما في غير هذا الموضع. منه رحمه‌الله.

٢٠٨

الدلال والتماسه ذلك فإنهما جعلا له أجرة المثل ، وتبعهما القاضي.

أقول : قال الشيخ في النهاية : وإذا قوم التاجر متاعا على الواسطة بشي‌ء معلوم ، وقال له : بعه فما زدت على رأس المال فهو لك ، والقيمة لي كان جائزا وان لم يواجبه البيع ، فان باع الواسطة المال بزيادة ، على ما قوم عليه كان له ، وان باعه برأس المال لم يكن على التاجر شي‌ء وان باعه بأقل من ذلك كان ضامنا لتمام القيمة ، ثم قال : ومتى أخذ الواسطة المتاع على ما ذكرناه فلا يجوز له أن يبيعه مرابحة ولا يذكر الفضل على القيمة في الشراء.

وقال ابن إدريس بعد نقل كلام الشيخ المذكور : وما أورده شيخنا غير واضح ، ولا مستقيم على أصول مذهبنا ، لان هذا جميعه لا بيع مرابحة ، ولا اجارة ، ولا جعالة محققة ، فإذا باع الواسطة بزيادة على ما قوم عليه لم يكن للواسطة في الزيادة شي‌ء ، لأنها من جملة ثمن المتاع ، والمتاع للتاجر ما انتقل عن ملكه بحال ، وللواسطة أجرة المثل ، لانه لم يسلم له العوض فيرجع الى المعوض ، وكذلك ان باع برأس ماله ، فان باعه بأقل مما أمره به كان البيع باطلا ، وقوله متى أخذ الواسطة المتاع على ما ذكرناه لا يجوز له أن يبيعه مرابحة ، ولا يذكر الفضل على القيمة في الشراء. (١)

قال محمد بن إدريس : وأى شراء بين التاجر والواسطة حتى يخبر بالثمن ، وليس هذا موضع بيع المرابحة في الشريعة بغير خلاف ، وانما أورد أخبار الآحاد في هذا الكتاب إيرادا لا اعتقادا على ما وردت به ألفاظها صحيحة كانت أو فاسدة ، على ما ذكره واعتذر به في خطبة مبسوطة انتهى.

__________________

(١) أقول الظاهر ان كلام الشيخ هنا انما خرج مخرج التنبيه على دفع توهم كون ذلك مما يدخل في بيع المرابحة ، كما أشار إليه (عليه‌السلام) في رواية سماعة المذكورة في الأصل ، فكلامه هنا جار نحو الرواية المذكورة ، ولا بأس به ، فاعتراضه عليه هنا مما لا وجه له ، منه رحمه‌الله.

٢٠٩

أقول : ومما يدل على ما ذكره الشيخان من الاخبار التي طعن فيها هنا بأنها من الآحاد ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) ، «انه قال في رجل قال لرجل : بع ثوبي هذا بعشرة دراهم فما فضل فهو لك فقال : ليس به بأس».

ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن مثله.

وعن زرارة (٢) في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) «ما تقول في رجل يعطى المتاع فيقول : ما ازددت على كذا وكذا فهو لك ، فقال : لا بأس».

وعن سماعة (٣) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «أنه سئل عن الرجل يحمل المتاع لأهل السوق ، وقد قوموا عليه قيمة ، ويقولون بع فما ازددت فلك؟ فقال : لا بأس بذلك ولكن لا يبيعهم مرابحة». ورواه الكليني والصدوق مثله.

وعن زرارة في الموثق (٤) عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : ««سألته عن الرجل يعطى المتاع فيقال له : ما ازددت على كذا وكذا فهو لك؟ فقال : لا بأس».

وجملة من تأخر من الأصحاب تأولوا هذه الاخبار بالحمل على الجعالة ، فيلزم ما عينه لذلك ، قالوا ولا يقدح فيها الجهالة كما اعترض به ابن إدريس على كلام الشيخ ، لأن الجهالة في مال الجعالة إذا لم يؤد الى النزاع غير قادح كما سيأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ في بابه.

أقول : ومن المحتمل قريبا خروج هذه الاخبار مخرج وجوب الوفاء بالوعد ، كما دلت عليه الآية والرواية ، فيجب الوفاء به وفيه تأكيد لما ذكره الأصحاب ، وبه يضعف ما ذكره ابن إدريس من كون الزيادة للتاجر ، وانما للدلال أجرة المثل.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٥٤ الكافي ج ٥ ص ١٩٥.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٥٤.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٥٤ الكافي ج ص ١٩٥ الفقيه ج ٣ ص ١٣٥.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٥٤ عن أبى عبد الله عليه‌السلام.

٢١٠

ثم ان الشيخ في النهاية قال على أثر العبارة المتقدمة : فإذا قال الواسطة للتاجر : خبرني بثمن هذا المتاع واربح علي فيه كذا وكذا ففعل التاجر ذلك غير انه لم يواجبه البيع ، ولا ضمن هو الثمن ثم باع الواسطة بزيادة على رأس المال والثمن ، كان ذلك للتاجر ، وله أجرة المثل لا أكثر من ذلك ، وان كان قد ضمن الثمن كان له ما زاد من الربح ، ولم يكن للتاجر أكثر من رأس المال الذي قرره معه انتهى.

والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد حملوا ذلك على أن التاجر لم يعين له شيئا ـ كما في الصورة الاولى ـ ولم يعقب كلام الدلال بما يدل على الرضا بما ذكره الدلال ، بل سكت عن ذلك ، والا فلو عقب كلام الدلال بما يدل على الرضا بما قاله وعينه ، كان كما لو ابتدأه ، كما لو قال لمن ذهب عبده : أرد عليك عبدك على أن لي نصفه أو ثيابه ابتداء منه ، فقال المولى : نعم لك ذلك ، فإنه يستحقق ما عينه له.

وبالجملة فإنه في هذه الصورة لا بيع ولا جعالة ، فلهذا وجب على التاجر أجرة المثل للدلال وعلى هذا يتم ويجتمع كلام الشيخ مع كلام الأصحاب والروايات الواردة في الباب من غير منافاة في المقام.

السادسة : إذا قال : بعتك بمائة مواضعة العشرة درهما ، قال في المبسوط : يكون الثمن تسعين ، وقال في الخلاف اختلف الناس فيها ، فقال أبو حنيفة والشافعي : تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزء من درهم ، وقال أبو ثور : تسعون ، ثم قال : دليلنا ـ ما ذكره حذاق العلماء وهو أن البيع مرابحة ومواضعة ، فان باعه مرابحة ، ربح درهم على كل عشرة كان مبلغ الثمن مائة وعشرة وكان قدر الربح جزء من أحد عشر جزء من الثمن ، وجب أن يكون المواضعة حط جزء من أحد عشر جز عن الثمن ، وإذا كان مائة حطت منه جزا من أحد عشر جزء ، ينحط تسعه ، من تسعه وتسعين ، ويبقى درهم ينحط منه جزء من أحد عشر.

٢١١

وقيل : فيه أيضا : وقوله : وضيعة درهم من كل عشرة ، معناه يوضع من كل عشرة ، يبقى لي درهم من أصل رأس المال ، وتقديره وضيعة درهم بعد كل عشرة ، فيكون الثمن أحد وتسعون الا جزا من أحد عشر جزء من درهم.

قالوا : إذا أرادت مبلغ الثمن في ذلك فعقد الباب فيه أن تضيف الوضيعة الى رأس المال ، ثم تنظر كم قدرها ، فما اجتمع فأسقط ذلك القدر من رأس المال ، وهو الثمن.

وبابه إذا قال : رأس المال عشرون بعتكها برأس مالي مواضعة العشرة درهمان ونصف ، فتضيف الى العشرين قدر الوضيعة ، وهو خمسه دراهم فيصير خمسة وعشرين ، فينظر كم خمسة ، من خمسة وعشرين ، فإذا هو خمسها ، فيسقط من رأس المال وهو عشرون الخمس أربعة تبقى ست عشرة.

ثم قال : وقول أبى ثور أقوى عندي ، لأنه إذا قال : مواضعة عشرة واحد ، أضاف المواضعة الى رأس المال ، فرأس المال مائة فيجب فيه عشرة فيبقى تسعون ، ولم يضفه الى ما يبقى في يده ، ولو قال ذلك لكان الأمر على ما قاله ، وأما حمل الوضيعة على الربح واضافة ذلك الى أصله فهو قياس ، ونحن لا نقول به ، انتهى وفيه عدول ـ عما قاله في صدر كلامه ـ الى ما اختاره في المبسوط.

والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد اختلفوا أيضا في ذلك كما اختلف العامة (١) وتفصيل الكلام في ذلك بوجه أوضح أنه ذلك قال : بعتك بمأة ووضيعة درهم من كل عشرة ، فقيل : بأن الثمن تسعون ، لان الوضع من نفس العشرة يقتضي ذلك ، حملا «لمن» على الظاهر من التبعيض ، وقيل : بأن الثمن أحد وتسعون

__________________

(١) قال في القواعد : ولو قال : وضيعة درهم من كل عشرة فمتى كان الثمن مائة لزمه تسعون ، ولو قال : من كل أحد عشر ، كان يحط تسعة دراهم وجزء من أحد عشر جزء من درهم ، وكذا لو قال : بوضيعة درهم لكل عشرة انتهى. منه رحمه‌الله.

٢١٢

إلا جزأ من أحد عشر جزء من درهم ، حملا «لمن» على ابتداء الغاية ، ويكون التقدير من كل عشرة تسلم لي ، ومثله ما لو قال : لكل عشرة درهم ، ووجهه أن الوضيعة للعشرة غير العشرة ، كما أن الربح في العشرة زائدا على العشرة ، فهو بمنزلة ما لو قال : من كل أحد عشر واحد.

وربما قيل هنا أيضا ببطلان العقد ، لتكافى الاحتمالين الموجب لجهالة الثمن وتردده بين القدرين المذكورين ، وربما رجح الأول بما قدمنا ذكره ، من أن وضيعة العشرة لا يكون من نفس العشرة دون ما عداها ، لان الموضوع من جنس الموضوع منه ، فيكون الإضافة بمعنى من التبعيضية ، وربما رجح الثاني بما تقدم في صدر كلام الشيخ من أن المواضعة على حد المرابحة ، للتقابل بينهما ، فكما اقتضت المرابحة المعنى الثاني فكذا المواضعة ، ويضعف المرجح الأول ـ بأن اللفظ لا بد فيه من تقدير ، وكلا التقديرين محتمل ـ والثاني بمنع الملازمة ، وقيام الاحتمال ان لم تدل قرينة على أحدهما ، واعترض شيخنا الشهيد الثاني على الأصحاب ـ في هذا المقام وما وقع لهم من الاختلاف والنقض والإبرام ـ بأن المراد من الجنس الذي يكون الإضافة المعنوية فيه بمعنى من ، أن يكون المضاف جزئيا من جزئيات المضاف اليه ، بحيث يصح إطلاقه على المضاف وعلى غيره أيضا ، والاخبار به عنه ، كخاتم فضة ، وباب ساج لا جزا من كل ، حيث لا يصح إطلاقه كبعض القوم ، ويد زيد ، فإنك ترديد بالقوم الكل ، والكل لا يطلق على البعض ، وكذا القول في يد زيد ، والحاصل أن (من) التي تتضمنهما الإضافة هي التبيينية ، لا التبعيضية ، كما في خاتم فضة وأربعة دراهم ، وشرط (من) التبيينية أن يصح إطلاق المجرور بها على المبين ، كما في قوله تعالى (١) «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ» وقد صرح بهذا التحقيق الشيخ رضى ، وابن هشام ، وناهيك بهما ، وحينئذ فينبغي القول بحمل الإضافة في المسألتين على معنى (من) رأسا ، لأن الموضوع المضاف بعض العشرة ، ولا يصح الاخبار به عنه ، فيتعين كونها بمعنى اللام.

__________________

(١) سورة الحج الآية ـ ٢٢.

٢١٣

نعم يمكن مع ذلك كون الوضيعة من نفس العشرة ، كما يستفاد ذلك من إضافته إلى الثمن. انتهى كلامه (قدس‌سره).

وناقشه في ذلك المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد بما يطول ذكره ، مما ليس في التعرض له كثير فائدة ، والغرض من نقل كلامهم في المقام ليس إلا بيان أنه لا يجوز الرجوع الى التعليلات العقلية في الأحكام ، لعدم انضباطها ووقوفها على حد ، لاختلاف الافهام ، والمسألة عارية من النص ولا يبعد القول فيها بالبطلان لما عرفت من الاحتمالات المؤدية إلى الجهالة. والله العالم.

الفصل السادس في الربا

وهو لغة الزيادة قال الله تعالى (١) «فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ» وشرعا على ما ذكروه بيع أحد المتماثلين المقدرين بالكيل أو الوزن بالاخر مع الزيادة في أحدهما حقيقة (٢) أو حكما ، أو اقتراض أحدهما مع الزيادة وان لم يكونا مقدرين بهما ، إذا لم يكن الباذل للزيادة حربيا ولم يكن المتعاقدان والدا مع ولده ، ولا زوجا مع زوجته ، وعلى تقدير القول بثبوته في كل معاوضة يبدل البيع بالمعاوضة على أحد المتماثلين الى آخر ما تقدم ، وتحريمه ثابت بالكتاب ، والسنة ، والإجماع قال الله تعالى عزوجل (٣) «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا» وقال (٤) «يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا

__________________

(١) سورة الروم الآية ـ ٣٩.

(٢) كالدرهم بدرهمين ، والزيادة الحكمية مثل زيادة الأجل بأن يبيع قفيزا نقدا بقفيز نسيئة ، فإن فيه زيادة حكمية من حيث أن للأجل قسط من الثمن وكذا لو كانت الزيادة منفعة مثل أجره دابة أو دار أو نحو ذلك منه رحمه‌الله.

(٣ و ٤) سورة البقرة الآية ـ ٢٧٥.

٢١٤

وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ» وقال (١) «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ» وروى الصدوق في الفقيه في الصحيح عن هشام بن سالم (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «قال درهم ربا أشد عند الله من سبعين زنية كلها بذات محرم» ورواه الشيخ في الصحيح عن هشام مثله الا انه ترك (عند الله).

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن قيس (٣) عن أبى جعفر (عليه‌السلام) «قال قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده فيه سواء».

وعن ابن بكير في الموثق (٤) قال : «بلغ أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أنه كان يأكل الربا ويسميه اللبأ فقال : لأن أمكنني الله عزوجل منه لا ضربن عنقه».

وعن سعد بن طريف (٥) عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : «أخبث المكاسب كسب الربا».

وروى في الفقيه عن أبى بصير (٦) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «درهم ربا أشد من ثلاثين زنية كلها بذات محرم مثل خالة وعمة».

وروى في الفقيه والتهذيب مسندا في الثاني ومرسلا في الأول (٧) عن علي (عليه‌السلام) قال : «لعن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الربا وآكله ومؤكله

__________________

(١) سورة البقرة الآية ـ ٢٧٥.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ١٧٤ التهذيب ج ٧ ص ١٤ الكافي ج ٥ ص ٢٤٤.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٤٤.

(٤) الكافي ج ٥ ص ١٤٧.

(٥) الكافي ج ج ص ١٤٧.

(٦) الفقيه ج ٣ ص ١٧٤ التهذيب ج ٧ ص ١٤.

(٧) الفقيه ج ٣ ص ١٧٤ التهذيب ج ٧ ص ١٥ وليس فيه كلمة (وموكله).

٢١٥

وبايعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه». الى غير ذلك من الاخبار.

أقول : لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في التحريم مع العلم ، وعليه حملت الأخبار المذكورة ، وكذلك لا خلاف في العذر مع الجهل ، كما رواه في الكافي في الصحيح عن هشام بن سالم (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الرجل يأكل الربا وهو يرى أنه له حلال ، قال : لا يضره حتى يصيبه متعمدا ، فإذا أصابه متعمدا فهو بالمنزلة التي قال الله عزوجل». ونحوها صحيحة الحلبي (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة». وعلى ذلك أيضا يدل الآية الشريفة أعني قوله سبحانه (٣) «فَلَهُ ما سَلَفَ» انما الخلاف في وجوب رد ما أخذه حال الجهالة بالتحريم إذا علم بعد ذلك ، فذهب الشيخ في النهاية والصدوق في المقنع ـ على ما نقله في المختلف ـ الى العدم.

قال في المختلف : ورواه الصدوق في الفقيه ، ثم نقل عن ابن الجنيد أنه قال : ومن اشتبه عليه الربا لم يكن له ان يقدم عليه الا بعد اليقين بأن ما يدخل فيه حلال ، فان قلد غيره أو استدل فأخطأ ثم تبين له ان ذلك ربما لا يحل ، فان كان معروفا رده على صاحبه ، وتاب الى الله تعالى وان اختلط بماله حتى لا يعرفه ، أو ورث مالا يعلم أن صاحبه كان يربى ، ولا يعلم الربا بعينه ، فيعزله جاز له أكله ، والتصرف إذا لم يعلم فيه الربا (٤).

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٤٤ التهذيب ج ٧ ص ١٥ رواه عن الحلبي.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٤٥.

(٣) سورة البقرة الآية ـ ٢٧٥.

(٤) أقول : لا يخفى أن فرض المسألة أنه أكل الربا حال الجهل ، وبعد العلم بالتحريم تاب عن ذلك ، فحمل ما سلف على الذنب ـ كما ذكروه مع أنه لا ذنب في حال الجهل ، وهو بعد العلم بالتحريم قد تركه ـ لا يخلو من تعسف. منه رحمه‌الله.

٢١٦

وقال ابن إدريس في السرائر : قال شيخنا في نهايته : فمن ارتكب الربا بجهالة ولم يعلم أن ذلك محظورا فليستغفر الله تعالى في المستقبل ، وليس عليه فيما مضى شي‌ء ، ومتى علم أن ذلك حرام ثم استعمله فكل ما يحصل له من ذلك محرم عليه ، ويجب رده على صاحبه.

قال محمد بن إدريس : قول شيخنا رحمه‌الله ـ فمن ارتكب الربا بجهالة ولم يعلم ان ذلك محظورا فليستغفر الله في المستقبل ، وليس عليه فيما مضى شي‌ء المراد بذلك ليس عليه شي‌ء من العقاب بعد استغفاره ، لا أن المراد بذلك أنه ليس عليه شي‌ء من رد المال الحرام ، بل يجب عليه رده على صاحبه ، لقوله تعالى (١) «وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ» فأما قوله (٢) «فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ» المراد به ـ والله أعلم ـ فله ما سلف من العذر وغفران الذنب ، وحق القديم سبحانه بعد انتهائه وتوبته ، لأن إسقاط الذنب عند التوبة تفضل عندنا ، بخلاف ما يذهب إليه المعتزلة.

وقيل في التفسير ـ ذكره شيخنا في التبيان وغيره من المفسرين ـ أن المراد بذلك ما كان في الجاهلية من الربا بينهم ، فقال «فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ» فأما ما يجرى من المسلم فيجب رده على صاحبه ، سواء كان جاهلا لحاله غير عالم انه محرم أو كان عالما بذلك ، فإنه يجب رد الربا على من أربى عليه من المسلمين جميعا ، فلا يظن ظان ولا يتوهم متوهم على شيخنا فيما قال غير ما حررناه. انتهى.

والى هذا القول ذهب العلامة في المختلف أيضا ، قال : لأنها معاوضة باطلة ، فلا ينتقل بها الملك كغيرها من المعاوضات ، واحتج للشيخ بالآية اعنى قوله سبحانه «فَلَهُ ما سَلَفَ».

__________________

(١ و ٢) سورة البقرة الآية ـ ٢٧٩.

٢١٧

وما رواه ابن بابويه (١) عن الباقر (عليه‌السلام) قال : «قال : رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قد وضع ما مضى من الربا وحرم ما بقي ، فمن جهله وسعه جهله حتى يعرفه».

وعن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم ـ إذا عرف منهم ـ التوبة». ثم أجاب عن الجميع بالعود الى الذنب بمعنى سقوطه عنهم بالتوبة ، أو ما كان في زمن الجاهلية.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار ما رواه المشايخ الثلاثة ، (عطر الله مراقدهم ،) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (٣) الا أنه في الفقيه مرسلا قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام)» كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة ، وقال : «لو أن رجلا ورث من أبيه ما لا وقد عرف أنه في ذلك المال ربا ولكن قد اختلط في التجارة بغيره حلال كان حلالا طيبا فليأكله ، وان عرف منه شيئا معزولا انه ربا فليأخذ رأس ماله وليرد الربا». وزاد في الكافي والفقيه «وأيما رجل أفاد مالا كثيرا فيه من الربا فجهل ذلك. ثم عرفه بعد ، فأراد أن ينزعه فيما مضى فله ، ويدعه فيما يستأنف».

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (٤) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «أتى رجل أبى فقال : انى ورثت مالا وقد علمت أن صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربو وقد عرفت أن فيه ربا واستيقن ذلك ، وليس

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٦ في ذيل حديث الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الربا.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٤٥ التهذيب ج ٧ ص ١٦ مع اختلاف يسير الفقيه ج ٣ ص ١٧٥.

(٣ و ٤) الكافي ج ٥ ص ١٤٥ التهذيب ج ٧ ص ١٦ الفقيه ج ٣ ص ١٧٥ وفيه والكافي (وقد أعرف) بدل (عرفت).

٢١٨

يطيب لي حلاله ، لحال علمي فيه ، وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز فقالوا : لا يحل أكله من أجل ما فيه ، فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) : ان كنت تعلم أن فيه مالا معروفا ربا وتعرف أهله ، فخذ رأس مالك ، ورد ما سوى ذلك ، وان كان مختلطا فكله هنيئا فإن المال مالك ، واجتنب ما كان يصنع صاحبه ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قد وضع ما مضى من الربا وحرم عليهم ما بقي ، فمن جهله وسع له جهله حتى يعرفه ، فإذا عرف تحريمه حرم عليه ، ووجب عليه فيه العقوبة إذا ارتكبه كما يجب على من يأكل الربا».

وما رواه في الكافي عن أبى الربيع الشامي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أربا بجهالة ، ثم أراد أن يتركه ، فقال : أماما مضى فله ، وليتركه فيما يستقبل ، ثم قال : ان رجلا أتى أبا جعفر (عليه‌السلام) فقال : انى قد ورثت مالا وقد علمت أن صاحبه كان يربو ، وقد سألت فقهاء أهل العراق وفقهاء أهل الحجاز ، فذكروا أنه لا يحل أكله فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) : ان كنت تعرف منه شيئا معزولا وتعرف أهله وتعرف أنه ربا فخذ رأس مالك ، ودع ما سواه ، وان كان المال قد اختلط فكله هنيئا مريئا ، فان المال مالك ، واجتنب ما كان يصنع صاحبك فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قد وضع ما مضى من الربا فمن جهله وسعه أكله فإذا عرفه حرم عليه أكله ، فإن أكله بعد المعرفة وجب عليه ما وجب على آكل الربا».

ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر (٢) من كتاب المشيخة للحسن ابن محبوب نحوه.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٤٦ الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الربا الرقم ـ ٤.

(٢) السرائر ص ٤٧٥.

٢١٩

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) قال : «دخل رجل على أبى جعفر (عليه‌السلام) من أهل خراسان قد عمل بالربا حتى كثر ماله ثم انه سأل الفقهاء فقالوا : ليس يقبل منك شي‌ء الا أن ترده إلى أصحابه ، فجاء الى أبى جعفر (عليه‌السلام) فقص عليه قصته فقال له أبو جعفر (عليه‌السلام) : مخرجك من كتاب الله عزوجل (٢) «فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ» والموعظة التوبة».

وما رواه أحمد ابن محمد بن عيسى في نوادره (٣) عن أبيه على ما نقله في الوسائل قال : «ان رجلا أربا دهرا من الدهر فخرج قاصدا الى أبى جعفر (عليه‌السلام) يعنى الجواد (عليه‌السلام) فقال له : مخرجك من كتاب الله يقول الله «فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ» والموعظة هي التوبة فجهله بتحريمه ثم معرفته به فما مضى فحلال ، وما بقي فليستحفظ».

وما ذكره الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي على ما نقله في كتاب بحار الأنوار (٤) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ما خلق الله حلالا ولا حراما الا وله حد كحدود الدار ، فما كان من حدود الدار فهو من الدار حتى أرش الخدش فما سواه ، والجلدة ونصف الجلدة ، وان رجلا أربا دهرا من الدهر فخرج قاصدا الى أبى جعفر (عليه‌السلام) فسأله عن ذلك ، فقال له مخرجك من كتاب الله يقول الله». الحديث المتقدم الى آخره هذا ما وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة.

والظاهر منها بعد رد بعضها الى بعض هو ما ذهب اليه الشيخ والصدوق في هذه المسألة ، فإن ظاهر صحيحة هشام بن سالم المتقدمة هو حل ما أكله حال الجهل ،

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٥ الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الربا الرقم ٧.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٧٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الربا الرقم ١٠.

(٤) بحار الأنوار ج ٢ ص ١٧٠ الرقم ٨ ط الحديث.

٢٢٠