الحدائق الناضرة - ج ١٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

بعدم ملك العبد كما هو المشهور بينهم ، واما على القول بملكه فيشكل ذلك ، لما عرفت من الاخبار المتقدمة في سابق هذه المسألة ، وسيأتي إنشاء الله تعالى بيان وجه التأويل فيه ، بما يرجع به الى الاخبار المتقدمة.

ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) في الصحيح عن زرارة (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الرجل يشترى المملوك وله مال لمن ماله؟ فقال : ان كان علم البائع ان له مالا فهو للمشتري ، وان لم يكن علم فهو للبائع». ورواه في الفقيه عن جميل عن زرارة أيضا ، وهذا الخبر ظاهر فيما قدمنا نقله عن ابن البراج ، الا أنه يشكل على كل من القولين بملكية العبد وعدمها ، بأن الملك لا ينتقل إلى المشتري بمجرد العلم من دون صيغة ناقلة تدل على الملك.

وجملة الأصحاب حملوا الرواية على اشتراط البائع للمشتري ذلك وهو جيد بناء على القول بعدم تملك العبد ، أما على القول به فيبقى الاشكال من هذه الجهة في الحكم بكونه للبائع أو المشترى ، فان ملك المالك لا ينتقل عنه الا برضا منه ، والحال أن العبد لا مدخل له في هذا النقل.

والعجب أنه قد ذكر هذه المسألة من قال بتملك العبد ومن أحاله ، ولا مخرج من هذا الإشكال ـ في هذا الخبر وسابقه ـ الا بأن يقال : ان هذين الخبرين محمولان على كون المال للمولى ، وأن الإضافة للعبد لأدنى ملابسة ، كما قالوا في كوكب الخرقاء ، وذلك مثل ثيابه وفراشه ونحوها ، فإن الإضافة تصدق بذلك ، والخبر الثاني كما عرفت محمول على اشتراط البائع للمشتري ذلك ، فهذان الخبران ونحوهما لا تدلان على تملك العبد ولا على عدمه.

واما ما ربما يدل على عدم تملك العبد من الاخبار فهو محمول على الحجر

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢١٣ التهذيب ج ٧ ص ٧١ الفقيه ج ٣ ص ١٣٨.

٤٠١

عليه في التصرف بدون اذن المولى ، فكأنه من حيث المنع من التصرف ليس بمالك وبهذا الطريق يجمع بين أخبار المسألة ، ويزول عنها الاختلاف ، وهو يقتضي رجحان القول بتملك العبد كما قدمنا ذكره.

وأما الجمع بينها ـ بما ذكره شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك ـ من حمل الأخبار الدالة على تملك العبد ـ على محض اباحة التصرف بكونه مأذونا لا ملك الرقبة (١) فهو وان تم فيما أورده من الاخبار المشتملة على اضافة المال اليه ، الا أنه لا يتم فيما قدمناه من الاخبار في سابق هذه المسألة الصريحة في ملك الرقبة وأنه يتصدق ويعتق من ماله.

ومنها ما رواه الصدوق في الفقيه عن يحيى بن أبى العلاء (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) عن أبيه (عليه‌السلام) قال : «من باع عبدا وكان للعبد مال فالمال للبائع الا أن يشترط المبتاع ، أمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بذلك».

والكلام في هذه الرواية كما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم ، قال في الفقيه مشيرا الى هذا الحديث وحديث جميل بن دراج عن زرارة (٣) المتقدم هذا ان الحديثان متفقان وليسا بمختلفين ، وذلك أن من باع مملوكا واشترط المشترى ماله ، فان لم يعلم البائع به فالمال للمشتري ، ومتى لم يشترط المشترى ماله ولم يعلم البائع أن له مالا فالمال للبائع ، ومتى علم البائع ان له مالا ولم يستثن به عند البيع فالمال للمشتري انتهى.

__________________

(١) قال (قدس‌سره) : ولا يندفع الإشكال إلا إذا قلت : المراد بملكية العبد تسلطه على الانتفاع بما قيل بملكه له ، لا بملك الرقبة ، كما نقله في الدروس عن بعض القائلين بالملك ، فيكون الملك على هذا الوجه غير مناف لملك البائع للرقبة على وجه يتوجه به نقله إلى المشتري أو بقاؤه على ملكه «انتهى منه رحمه‌الله».

(٢ و ٣) الفقيه ج ٣ ص ١٣٨.

٤٠٢

أقول مفهوم صدر عبارته أنه متى اشترط المشترى مع علم البائع بالمال فالمال للبائع ، وليس كذلك فان ظاهر صحيحة محمد بن مسلم وخبر يحيى المذكور أنه مع الشرط يكون للمشتري علم البائع بالمال أو لم يعلم.

وغاية ما يدل عليه خبر جميل عن زرارة هو أنه مع علم البائع يكون للمشتري ، ومع عدم علمه يكون له ، لا للمشتري أعم من أن يشترطه المشتري أو لم يشترط ، وإذا قيد إطلاقه بالخبرين المذكورين جمعا بين الاخبار لزمه أنه مع الشرط يكون للمشتري ، علم البائع أو لم يعلم ، واما مع عدم الشرط فهو كما ذكره من التفصيل ، والعجب أن جملة من المحدثين نقلوا كلامه كصاحب الوافي وصاحب الوسائل ولم يتنبهوا لما فيه.

ومنها ما رواه الشيخ (عطر الله مرقده) في الأمالي بسنده فيه عن الزهري عن سالم عن أبيه (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : من باع عبدا وله مال فالمال للبائع الا أن يشترط المشترى». وهذا الخبر دال على ما دل عليه خبر يحيى وصحيح محمد بن مسلم ، وهذه الاخبار الثلاثة مستند الشيخين فيما تقدم نقله عنهما ، وقد عرفت تحقيق القول فيها.

ومنها ما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قلت له : الرجل يشترى المملوك وماله؟ فقال : لا بأس ، قلت : فيكون مال المملوك أكثر مما اشتراه به فقال لا بأس به».

ورواه الشيخ في التهذيب بسند فيه علي بن حديد وهو ضعيف وهذا الخبر فيه اشكال من وجهين ، أحدهما ـ أنه انما يتجه على القول بعدم صحة تملك العبد ، وقد عرفت الجواب عن ذلك بما تقدم في نظائره ، والثاني ـ ما ذكره الأصحاب مما

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب بيع الحيوان الرقم ـ ٥.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ١٣٩ التهذيب ج ٧ ص ٧١.

٤٠٣

قدمنا نقله عنهم من عدم الصحة في هذه الصورة على إطلاقها ، للزوم الربا في بعض الموارد (١) الا أن يقيد الخبر بكون المالين غير ربويين ، أو اختلاف الجنس ، وبه أجاب الأصحاب عن الخبر المذكور ، وزاد العلامة الطعن في الخبر بالضعف ، وهو متجه بناء على رواية الشيخ ، واما على رواية الصدوق له فهو صحيح لا يتطرق اليه الطعن من هذه الجهة.

وبالجملة فالظاهر حمله على ما ذكرناه ليندفع عنه تطرق الوقوع في الربا ، بل اشتراط قبض مقابل الربوي في المجلس إذا اختلف الجنسان وكانا ربويين ، والظاهر حمل كلام الشيخين ـ فيما قدمنا نقله عنهما من إطلاق الصحة سواء كان مال العبد أكثر من الثمن أو أقل ـ على ما ذكرناه.

والعجب هنا من المحقق (قدس‌سره) في الشرائع فإنه اختار في المسألة الأولى القول بملك العبد مطلقا الا أنه محجور عليه في التصرف بدون اذن السيد ، واختار في هذه المسألة ما قدمنا نقله عنه من أن المال للبائع ، الا أن يشترطه المشترى ، وأنت خبير بأن حكمه بالملك ظاهر في أن المراد لملك الرقبة ، ولا يمكن تأويله بما تقدم ومتى كان كذلك فكيف يصح انتقاله عن مالكه بمجرد بيعه ـ سواء كان ـ الى البائع ، أو المشترى وهو ظاهر. والله العالم.

تذنيب

قال الشيخ في النهاية : إذا قال مملوك انسان لغيره : اشترني فإنك إذا اشتريتني كان لك علي شي‌ء معلوم فاشتراه ، فان كان للمملوك في حال ما قال ذلك له مال لزمه

__________________

(١) وهو ما لو كان المال ربويا وبيع بجنسه ، فإنه لا بد في الخروج عن لزوم الربا من زيادة في الثمن عن ماله تقابل المملوك ، ثم انه ينبغي أن يعلم أن لزوم الربا في الصورة المذكورة انما يتجه على القول بعدم ملك العبد بالكلية ، أو ملكه بمعنى جواز التصرف بأن يكون أصل رقبة المال للمولى ، والا فلو قلنا بملك العبد ، وأن له كما اخترناه فإنه لا يشترط في الثمن الزيادة كما قدمنا ذكره ، لان ماله ليس جزا من المبيع ليقابل بالثمن ، بل هو تابع له وهو ظاهر. منه رحمه‌الله.

٤٠٤

ان يعطيه ما شرطه له ، وان لم يكن له مال في تلك الحال لم يكن عليه شي‌ء ، وتبعه ابن البراج ، وبه صرح جملة من المتأخرين.

وقال ابن إدريس هذه رواية أوردها الشيخ إيرادا لا اعتقادا ، لان العبد عندنا لا يملك شيئا ، فأما على قول بعض أصحابنا أنه يملك فاضل الضريبة وأرش الجناية يصح ذلك ، والصحيح من المذهب انه لا يملك انتهى.

أقول الرواية التي أشار إليها هي صحيحة الفضيل بن يسار المتقدمة في سابق هذه المسألة ، وموردها انما هو الشرط للبائع وهو المولى ، والشيخ ومن تبعه من الأصحاب فرضوا المسألة في اشتراط العبد للمشتري ، والفرق بين الأمرين ظاهر ، لانه مع كون الشرط للمشتري كما فرضوه ، فان قلنا بعدم ملك العبد بطل الشرط ، سواء كان معه مال أم لا ، وان قلنا بملكه ـ فهو محجور عليه كما قدمنا ذكره ـ يتوقف صحة جعالته للمشتري على اذن مولاه ، وعلى كل من التقديرين فالرواية المذكورة ظاهرة في خلافه ، لأنها صريحة في صحة الشرط المذكور ، ولزومه مع وجود المال ، وأما مع كون الشرط للمولى ، فان قلنا أنه لا يملك فماله لمولاه ، وتحمل نسبة المال اليه على الإضافة لأدنى ملابسته ، وان قلنا انه يملك فالحجر عليه زائل برضا المولى بذلك ، والعمل بالرواية متجه على هذا التقدير.

والتحقيق أن الرواية المذكورة دالة على ملك العبد كما قدمنا ذكره سيما مع اعتضادها بما قدمنا من الاخبار ، وحينئذ فشرطه لمولاه صحيح ، والحجر قد ارتفع برضا المولى بذلك.

وأما على ما ذكروه من عدم تملك العبد ولا سيما مع فرض المسألة على ما قدمنا نقله عنهم ، فلا يخفى ما فيه من الاشكال ، وأشكل منه رد الرواية الصحيحة من غير معارض في المقام والله العالم.

المسألة الرابعة ـ إذا حدث في الحيوان عيب فهيهنا صور ، أحدها أن يكون ذلك العيب سابقا على البيع مع جهل المشترى به ، والظاهر انه لا خلاف في تخير المشترى بين الرد والإمساك بالأرش ، ولا فرق في ذلك بين الحيوان وغيره.

٤٠٥

الثانية ما لو تجدد بعد العقد وقبل القبض ، ولا خلاف في تخيره بين الرد والإمساك وانما الخلاف في انه مع اختيار الإمساك هل له الأرش أم لا؟ المشهور الأول ، ولو هلك قبل القبض فمن البائع ، ولو أهلكه أجنبي فللمشتري الفسخ أو مطالبة الأجنبي ، ولو أهلكه البائع فالأقرب تخير المشترى بين الفسخ ، فيطالب بالثمن ، وعدمه فيطالب بالقيمة ، وما تقدم من الخيار بين الرد والإمساك بالأرش كما هو المشهور مخصوص بما إذا كان العيب من قبل الله سبحانه أو من قبل البائع.

أما لو كان من قبل أجنبي فعليه الأرش للمشتري ان التزم بالمبيع ، وللبائع ان فسخ ، ولو أتلفه المشتري فهو قبض ، ولو جنى عليه فالأقرب انه قبض ايضا ، ولو قبض بعض المبيع وهلك الباقي فهو في ضمان البائع ، وللمشتري الفسخ لتبعيض الصفقة.

الثالثة ـ ما لو قبضه ثم تلف أو حدث فيه عيب في الثلاثة ، فإنه مضمون على البائع ما لم يكن الحدث من المشترى ، اما في صورة التلف فالظاهر ان مستنده الإجماع ، إذ لا يظهر فيه خلاف عندهم حيث انه لا خلاف في ان التلف في زمن الخيار ممن ليس له خيار ، ويدل عليه أيضا وعلى صورة العيب إطلاق قول الصادق (عليه‌السلام) في مرسلة ابن رباط (١) المتقدمة سابقا «ان حدث بالحيوان حدث قبل الثلاثة فهو من مال البائع».

ثم انه في صورة العيب يتخير بين الرد بخيار الثلاثة والإمساك ، والخلاف في الأرش هنا مع الإمساك كما تقدم في سابق هذه الصورة وفي صورة التلف له الرجوع على البائع بالثمن ، ـ والعيب الحادث في الثلاثة الموجب للأرش عند من أوجبه لا يمنع الرد بخيار الثلاثة ولا بخيار العيب السابق.

نعم لا يرد بهذا العيب الحادث ، بل له الأرش خاصة ، لأنه انما حصل بعد القبض وان كان في زمن الخيار الموجب لكونه مضمونا على البائع ، وذلك هو الموجب للأرش فقط ، هذا كله فيما لو كان الخيار مختصا بالمشتري ، وكذا لو

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٦٧.

٤٠٦

كان مشتركا بينه وبين البائع أو غيره ، لان الجملة فيه مضمونة على البائع أيضا ، أم لو كان الخيار مختصا بالبائع أو مشتركا بينه وبين أجنبي فلا خيار للمشتري ، هذا إذا كان العيب من قبل الله تعالى أو من البائع.

وأما لو كان من أجنبي فللمشتري على ذلك الأجنبي الأرش خاصة ، ولو كان بتفريط المشترى فلا شي‌ء وهكذا الحكم في غير الحيوان ، ويجري أيضا في تلف المبيع أجمع ، الا ان الرجوع هنا بمجموع القيمة كما تقدم ، فان كان التلف من قبل الله سبحانه والخيار للمشتري ولو بمشاركة غيره فالتلف من البائع ، والا فمن المشترى ، وان كان التلف من البائع أو من أجنبي والخيار للمشتري ، فإن اختار الفسخ والرجوع بالثمن فذاك ، وإلا رجع على المتلف بالمثل أو القيمة ، ولو كان الخيار للبائع والمتلف أجنبي أو المشتري تخير ورجع على المتلف.

الرابعة ما لو حدث العيب بعد القبض وبعد مضى الثلاثة ، فإنه يمنع الرد بالعيب السابق على العقد الموجب للخيار مع الجهل ، فلا خيار له هنا ، لعدم موجبه ، ولانه قد تسلم المبيع صحيحا فليس له ان يرده معيبا. نعم له الأرش من حيث العيب السابق هذا ملخص كلامهم في المقام ، وقد تقدم ما فيه المناقضات في بعض المواضع في أبواب الخيار والعيوب والله العالم.

المسألة الخامسة ـ قيل : لو استثنى البائع الرأس والجلد كان شريكا بقدر ثنياه ، وكذا لو اشترك اثنان أو جماعة وشرط أحدهم ذلك ولو قال : اشتر حيوانا بشركتي صح وثبت البيع لهما ، وعلى كل واحد نصف الثمن ، ولو اذن أحدهما لصاحبه ان ينقد عنه صح ، ولو تلف كان بينهما ، وله الرجوع على الأخر بما نقد عنه ، ولو قال له : الربح لنا ولا خسران عليك ، فيه تردد والمروي الجواز.

أقول : تفصيل هذه الجملة ـ المنقولة في هذا المقام وبيان ما اشتملت عليه من الأحكام يقع في مواضع الأول ـ ما لو استثنى البائع الرأس والجلد مثلا ، وفيه

٤٠٧

أقوال ، أحدها ـ ما ذكر هنا ، وهو صحة البيع وأنه يكون شريكا بقدر قيمة ثنياه وبه قال الشيخ في النهاية (١) والمبسوط والخلاف ، وابن البراج والعلامة في الإرشاد ، ونسبه المحقق في كتابيه إلى رواية السكوني مؤذنا بنوع توقف فيه.

والرواية المشار إليها هي ما رواه الشيخ عن السكوني (٢) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «اختصم الى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) رجلان اشترى أحدهما بعيرا واستثنى البائع الرأس والجلد ، ثم بدا للمشتري أن يبيعه ، فقال للمشتري : هو شريكك في البعير على قدر الرأس والجلد». ورواه الكليني مثله أقول المراد بلفظ «المشتري الثاني» هو المشترى الثاني.

ونحو هذه الرواية أيضا ما رواه الصدوق عطر الله مرقده في كتاب عيون أخبار الرضا بأسانيد ثلاثة (٣) عنه عن آبائه عن الحسين بن على (عليه‌السلام) «انه قال : اختصم الى على (صلوات الله عليه) رجلان أحدهما باع الأخر بعيرا واستثنى الرأس والجلد ، ثم بدا له أن ينحره ، قال : هو شريكه في البعير على قدر الرأس والجلد».

وعلل أيضا بأن البائع قد قبض ما يساوى المبيع ، وبقي من القيمة ما يساوى المستثنى ، فيكون البائع شريكا بما يساوى المستثنى ، لان اجزاء الثمن مقسطة

__________________

(١) قال الشيخ في النهاية : إذا باع الإنسان بعيرا أو بقرا أو غنما واستثنى الرأس والجلد كان شريكا للمبتاع بقدر الرأس والجلد ، ونحوه كلامه في الكتابين الآخرين ، وقال الشيخ المفيد : لا بأس أن يشترط البائع على المبتاع شيئا يستثنيه مما باعه ، مثل أن يبيعه شاة ويستثني عليه جلدها ورأسها بعد الذبح ، ونحوه عبائر من وافق الشيخ المفيد في ذلك ، منه رحمه‌الله.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٨١ الكافي ج ٥ ص ٣٠٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب بيع الحيوان الرقم ٣.

٤٠٨

على اجزاء المبيع ، ويلغو التعيين ، فلو فرضنا أن الحيوان كملا قيمته عشرة دراهم وقيمة ما استثنى درهمان كان شريكا بالخمس وثانيها صحة البيع والاستثناء وانه يكون له ما استثنى ، وهو قول الشيخ المفيد والسيد المرتضى وابى الصلاح ، وابن الجنيد وابن إدريس ، وعلل بأنه استثنى شيئا معلوما من معلوم ، وعقد البيع غير مانع من اشتراط ما هو معلوم ، لقوله (عليه‌السلام) «الشرط جائز بين المسلمين».

وثالثها ـ بطلان البيع بهذا الاستثناء لأدائه إلى الضرر والتنازع ، لأن المشتري قد يختار التبقية وفيها منع البائع من الانتفاع بما في تملكه ، وجاز أن يؤل حاله الي نقص أو عدم الانتفاع به ، بجواز موته ، وان اختار البائع الذبح لأجل أخذ ما شرطه كان فيه منع لتسلط المشترى على ماله ، كالانتفاع به في نفسه كالانتفاع بظهره ولبنه ونتاجه ، وهذا القول نقله ابن فهد في المهذب ولم أقف على قائله.

ورابعها ما اختاره العلامة في المختلف وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك من البطلان ، الا ان يكون مذبوحة أو اشتراها للذبح ، فإنه يجوز الاستثناء ، قال شيخنا المشار إليه في المسالك بعد ذكر عبارة المحقق المشار إليها آنفا : لم يفرق بين المذبوح وما يراد ذبحه وغيره ، وهو أحد الأقوال في المسألة ، لإطلاق الرواية ، الا أن المستند ضعيف ، والجهالة متحققة ، والشركة المشاعة غير مقصودة والقول بالبطلان متجه ، الا ان يكون مذبوحا أو يراد ذبحه ، فيقوى صحة ، الشرط. انتهى.

أقول : لا يخفى أن إلا وفق بالقواعد الشرعية هو القول الرابع لما ذكره في المسالك ، ويمكن أن يحمل عليه القول الثاني ، فإن ظاهر عبارة الشيخ المفيد هو كون الشرط المذكور انما هو فيما يراد ذبحه ، حيث قال : لا بأس أن يشترط البائع على المبتاع شيئا يستثنيه مما باعه ، مثل ان يبيعه شاة ويستثني عليه جلدها أو رأسها بعد الذبح.

ويمكن حمل إطلاق كلام غيره على ذلك أيضا ، الا ان ظاهر كلام ابن إدريس العموم ، ويؤيده انه يبعد استثناء الرأس والجلد فيما لا يراد ذبحه ، إذ لا ثمرة

٤٠٩

يترتب عليه ، ويؤيده أيضا انهم قد صرحوا كما تقدم بأنه لا يجوز بيع جزء معين من الحيوان كيده ورجله ونحوهما ، وانما يجوز مشاعا كنصفه وربعه مثلا ، والاستثناء في معنى البيع ، وبهذا رد العلامة في المخلتف على هذا القول ، فقال بعد تعليل عدم صحة الاستثناء مع التبقية وعدم الذبح بما فيه من الجهالة وتضرر الشريك لو أراد أخذ حقه ، وضرره لو أجبر على بقائه ـ ما صورته : ولانه لا يجوز افراده بالبيع ، فلا يجوز استثناؤه ، والبيع انما يكون حلالا لو وقع على وجهه ، وهو ممنوع هنا انتهى.

إلا أنك قد عرفت دلالة الروايتين المتقدمتين ـ بإطلاقهما على الصحة مطلقا ، وأنه يكون شريكا مع المشترى في كل الحيوان بقدر قيمة الرأس والجلد ، فتنسب القيمة إلى ثمن المشترى ، ويكون له بتلك النسبة من جميع اجزاء الحيوان ، ويكون الباقي للمشتري ، ويؤيد الخبرين المذكورين خبر الغنوي الاتى فيمكن القول بالخبرين المذكورين ، وحمل بعض الأصحاب خبر السكوني على انه كان المقصود الذبح ثم حصل العدول عن ذلك ، فيكون البيع صحيحا ويكون شريكا للمشتري بمقدار قيمة ما استثنى ، الا أن هذا الحمل لا يجري في خبر العيون ، حيث صرح فيه بعدم ارادة نحره ، ومع ذلك حكم بالتشريك في الجميع بنسبة قيمة ما استثناه والمسألة لا يخلو من الاشكال ، وان كان القول الأول هو الأقرب.

الثاني ـ ما لو اشترك اثنان أو جماعة وشرط أحدهم ذلك ، وظاهر جملة من الأصحاب ـ منهم العلامة في المختلف وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ ما هو اجراء حكم المسألة الاولى في هذه المسألة ، فحكموا بصحة الشرط مع الذبح أو إرادته ، والبطلان مع عدم ذلك ، قال في المسالك في تتمة العبارة المنقولة عنه آنفا : وكذا القول فيما لو اشترك فيه جماعة وشرط أحدهم ذلك. انتهى.

أقول : قد روى الشيخ عن هارون بن حمزة الغنوي (١) عن ابى عبد الله

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٧٩.

٤١٠

(عليه‌السلام) «في رجل شهد بعيرا مريضا يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم فأشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس والجلد ، فقضى أن البعير بري‌ء فبلغ ثمانية دنانير قال : فقال : لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ ، فان قال : أريد الرأس والجلد ، فليس ، له ذلك ، هذا الضرار ، وقد أعطى حقه إذا أعطى الخمس».

وأنت خبير بأن ظاهر الخبر ان شراء البعير حال المرض واشتراك الرجل الأخر بالرأس والجلد انما وقع من حيث ارادة الذبح ، ولكن لما اتفق أنه بري‌ء ولم يذبح وبلغ قيمة زائدة حكم (عليه‌السلام) لدفع الضرر من الطرفين وصلحا بينهما بالتشريك في البعير ، بنسبة ما دفع من قيمة الرأس والجلد ، ولو طلبهما اتى الضرار المنهي عنه متى أعطي بنسبة ما دفعه من جميع البعير ، وعلى هذا يمكن حمل حديث السكوني المتقدم ، وبه يندفع ما تعلق به القائل بالإبطال من لزوم الضرر متى أراد المشتري التبقية ، وأراد صاحب الرأس والجلد الذبح لأجل أخذ ماله ، فان في ترجيح إرادة أحدهما ضرر على الأخر الا انه يبقى الإشكال في خبر العيون حيث تضمن نحر البعير ولعل لفظ (لا) سقط من البين فإنه مع عدم سقوطها لا يناسب سياق الخبر ايضا من قوله ثم بدا له ، إذ الظاهر ان أصل الشراء واشتراط الجلد والرأس انما وقع من حيث ارادة النحر ، وعلى هذا لا معنى لقوله «ثم بدا له ان ينحره» وانما المناسب ثم بدا له ان لا ينحره وبما ذكرنا يظهر قوة مذهب الشيخ في المسألة المتقدمة.

واما ما ذكره بعض محققي متأخري المتأخرين من احتمال طرح الروايتين اعنى روايتي السكوني والغنوي لضعفهما ومخالفتهما القواعد ، ففيه ما عرفت في غير موضع مما تقدم ان الطعن بالضعف غير معتمد عندنا ، ولا وارد على المتقدمين الذين لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم ، وان الأظهر هو الوقوف على ما دلت عليه الاخبار في كل حكم سيما مع عدم المخالف من الاخبار ، وتخصيص تلك القواعد ان ثبت بالنص ، والا فإنه لا يلتفت إليها في مقابلة الاخبار وان ضعفت باصطلاحهم.

٤١١

تذنيب

قال : سلار : كل شرط يشترط البائع على المبتاع من رأس ذبيحة يبيعها وجلدها أو بعضها بالوزن جائز.

أقول : وظاهره يعطى جواز استثناء البعض كاللحم بالوزن ، وقال ابن الجنيد : لا يجوز ، لان مواضع اللحم تتفاضل ، وأقله ما يختلط به من العظم وغيره وكثرته ، فان حدد المكان بما لا يختلط بغيره جاز. انتهى واستحسنه العلامة في المختلف ، وأنت خبير بان ظاهر عبارة سلار هنا كما قدمنا ذكره من عبارة الشيخ المفيد من ان الشرط المذكور انما هو مع الذبح أو إرادته كما يخفى والله العالم.

الثالث ـ ما لو قال اشتر حيوانا بشركتي الى آخره الوجه في لزوم نصف الثمن مع الأمر بشراء الحيوان بالمشاركة ان الأمر توكيل بالشراء بالشركة بينه وبين المأمور ، والشراء لا يكون الا بالثمن ، والظاهر من الشركة هو التساوي باعتبار إرادة الشركة في كل جزء جزء منه فيحمل عليه الكلام الا ان ينصب قرينة على خلاف ذلك ، وحينئذ فلو اذن له في أداء الثمن عنه وأدى عنه رجع به عليه والاذن أعم من الصريح والفحوى مثل ان يأمره بشراء حيوان من مكان بعيد والمجي‌ء به مع العلم بأنه لا يكون ذلك الا بعد أداء الثمن ، اما لو ادى عنه بغير اذنه فلا يلزمه العوض لانه متبرع في أداء دين غيره ، وقد تقرر ان تبرع بأداء دين غيره لا يرجع بذلك على المديون.

والظاهر من كلام الأكثر وبه صرح العلامة في التذكرة وغيرها أنه لا يكفي الإذن بالشراء في الاذن بأداء الثمن لأنه أعم منه بل لا بد من الاذن بالأداء صريحا أو فحوى.

٤١٢

ويظهر من كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الاكتفاء بذلك قال : والحق انه يرجع عليه بمجرد الاذن فيه ، وان كان ذلك أعم منه لدلالة القرائن عليه ، وعدم حصول ما يقتضي التبرع انتهى وأيده بعضهم بأنه رضى بالشراء وهو انما يكون بالثمن ، والغالب انه لا يسلم المبيع الا بعد تسليم الثمن ، فالظاهر ان ذلك اذن في التسلم ايضا ولا يمكن ذلك الا به ، فكان الأمر والاذن بالشراء مستلزما لتسليم الثمن وتسليم المبيع ، فلا يضمن لو أخذ من غير اذن جديد ويرجع بالثمن مطلقا الا مع ما يدل على عدم الاذن ، ولا يفهم الاذن قال : وليس كلام التذكرة وغيرها بعيدا عن هذا المعنى بكثير. انتهى.

وهو لا يخلو من اشكال الا ان يكون هناك قرائن قاطعة تدل على ذلك ، والا فمجرد الأمر بالشراء لا يدل على ما ادعوه ، ولو تلف الحيوان المشترك بعد قبضه من غير تفريط من المأمور فالتلف بينهما جميعا ، ولا يرجع الأخر عليه ، وان يد الشريك ـ المشترى ـ عليه يد امانة ، لا يد ضمان.

الرابع ـ ما لو قال له : الربح لنا ولا خسران عليك الى آخره أقول : الظاهر ان وجه التردد المذكور من الرواية المشار إليها حيث دلت على صحة ذلك المؤيد بعموم (١) «المؤمنون عند شروطهم». ومن المخالفة للقواعد المقررة في الشركة بل مقتضى المذهب كما ادعاه بعضهم من ان الربح والخسران تابعان لرأس المال والى ذلك جنح في المسالك قال : وهو الأقوى ثم قال : والرواية مع كونها وأرده في بيع خاص يمكن تأويلها بما يوافق الأصل انتهى.

أقول : قال الشيخ في النهاية : ومن قال لغيره اشتر حيوانا بشركتي والربح بيني وبينك فاشتراه ثم هلك الحيوان كان الثمن بينهما ، كما لو زاد في ثمنه كان ايضا بينهما على ما اشترطا عليه ، فان اشترط عليه ان يكون له الربح لو ربح وليس عليه شي‌ء من الخسران كان على ما اشترطا عليه ، وبه قال ابن البراج.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٢.

٤١٣

وقال ابن إدريس : معنى انه إذا قال لغيره اشتر حيوانا بشركتي المراد به انقد عنى نصف الثمن أو ما يختاره ويجعله قرضا عليه ، والا فما يصح الشركة إلا هكذا قال : فأما قول شيخنا (رحمه‌الله) ـ فان اشتراط عليه ان يكون له الربح ان ربح وليس عليه من الخسران شي‌ء كان على ما اشترطا عليه ـ فليس بواضح ولا يستقيم ، لانه مخالف لأصول المذهب ، لان الخسران على رؤس الأموال بغير خلاف ، وإذا شرط انه على واحد من الشريكين كان هذا الشرط مخالفا للكتاب والسنة ، لأن السنة جعلت الخسران على رؤوس الأموال انتهى.

وقال في المختلف بعد نقل ذلك عنه ، وما ذكره ابن إدريس في تفسير قول الإنسان لغيره اشتر حيوانا فاشركنى ليس بصحيح ، لأن الأمر بالشراء عنه ليس امرا بنقد الثمن عنه ، والشركة يتحقق بالعقد إذا أوقعه المشتري عنه وعن الأمر بالنيابة ، لا بالأمر بنقد الثمن ، وأما نسبة قول الشيخ الى عدم الوضوح وعدم الاستقامة ـ وانه مخالف لأصول المذهب وان هذا الشرط يخالف الكتاب والسنة فليس بجيد لان الشيخ (رحمه‌الله) عول في ذلك على الكتاب والسنة والعقل ، أما الكتاب فقوله تعالى (١) «إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» والتراض انما وقع على ما اتفقا عليه فلا يجوز لهما المخالفة وقوله تعالى (٢) «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» والعقد انما وقع على هذا فيجب الوفاء به ، واما السنة فقوله عليه‌السلام (٣) «المؤمنون عند شروطهم». وما رواه رفاعة (٤) في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل شارك في جارية له قال : ان ربحنا فيها فلك نصف

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٨٢.

(٢) سورة المائدة الآية ١.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٢.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٧١ و ٨١.

٤١٤

الربح وان كان وضيعة فليس عليك شي‌ء فقال : لا أرى بهذا بأسا إذا طابت نفس صاحب الجارية». وأما العقل فلان الأصل الجواز ، وقوله ان الخسران على قدر رأس المال ، قلنا متى ، مع الشرط لغيره أو بدونه ، وبالجملة فقول الشيخ هو المعتمد. انتهى.

وهو جيد ومما يدل على ذلك ـ زيادة على الصحيحة المذكورة ـ ما رواه الشيخ عن ابى الربيع (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل شارك رجلا في جارية فقال له : ان ربحت فلك وان وضعت فليس عليك شي‌ء؟ فقال : لا بأس بذلك إذا كانت الجارية للقائل».

وأما ما رواه الشيخ والصدوق عن إسحاق بن عمار (٢) في الموثق قال : «قلت لأبي إبراهيم (عليه‌السلام) : الرجل يدل الرجل على السلعة ، فيقول : اشترها ولى نصفها ، فيشتريها الرجل وينقد من ماله ، قال : له نصف الربح ، قلت : فان وضع يلحقه من الوضيعة شي‌ء؟ فقال : نعم عليه الوضيعة : كما أخذ من الربح». فهو ظاهر في عدم الشرط ، فلا ينافي ما تقدم. ويمكن الجمع بين كلامي الشيخ وابن إدريس بأن مبنى كلام ابن إدريس على الاشتراك في الثمن كما تأول به عبارة الشيخ ، وان كان تأويله بعيدا وحينئذ فيكون الربح والوضيعة تابعة لرأس المال ، ومبنى كلام الشيخ انما هو على الاشتراك في الشراء دون المشاركة في المال.

وحينئذ فلا يرد على ابن إدريس الاستدلال بصحيحة رفاعة ، فإنها ظاهرة في كون الشركة انما هو في عقد الشراء لا في المال الذي اشترى به ، الا أنه يمكن أن يقال أنه وان كان الأمر كذلك من أن الشركة في رأس المال تقتضي كون الربح والخسران تابعين لرأس المال ، لكن مع الشرط يكون الأمر على ما وقع عليه الشرط ، وان خالف القاعدة المذكورة ، فإن الشروط في جميع العقود كلها من هذا القبيل بمنزلة

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٧١ و ٨١.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ١٨٧ الفقيه ج ٣ ص ١٣٩.

٤١٥

الاستثناء مما يقتضيه أصل العقد.

وبالجملة فالظاهر هو ما ذهب اليه الشيخ (رحمه‌الله) ومنه يظهر ضعف ما ذهب اليه ابن إدريس (رحمه‌الله) وان تبعه فيه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك كما عرفت والله العالم.

المسألة السادسة ـ قد ذكروا في شراء المماليك جملة من الأحكام استجابا وكراهة منها أنه يجوز له النظر الى وجه المملوكة ـ إذا أراد شرائها ـ ومحاسنها والمراد بها مواضع الحسن منها والزينة كالكفين والرجلين والشعر ، قالوا ولا يشترط في ذلك اذن المولى ، ولا يجوز الزيادة على ذلك إلا بإذنه فيكون تحليلا يتبع ما دل عليه اللفظ حتى العورة ، وكذا يجوز له مس ما يجوز النظر اليه مع الاذن ، ونقل عن العلامة في التذكرة جواز النظر الى ما دون العورة مع عدم الاذن ، ورده جملة ممن تأخر عنه بالبعد.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بذلك ما رواه الشيخ والصدوق عن أبى بصير (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها؟ قال : لا بأس بأن ينظر الى محاسنها ويمسها ما لم ينظر الا ما لا ينبغي له النظر اليه».

وما رواه في التهذيب عن حبيب بن معلى الخثعمي (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) انى اعترضت جواري بالمدينة فأمذيت؟ فقال : أما لمن يريد الشراء فليس به بأس ، وأما من لا يريد أن يشترى فإني أكرهه».

وعن عمران بن الحارث الجعفري (٣) «عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : لا أحب للرجل أن يقلب جارية إلا جارية يريد شراءها» :.

وما رواه الثقة الجليل عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان (٤) عن جعفر عن أبيه عن على (عليهم‌السلام)

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٧٥ الفقيه ج ٤ ص ١٢.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٣٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب بيع الحيوان الرقم ـ ٤.

٤١٦

«أنه كان إذا أراد ان يشترى الجارية يكشف عن ساقيها فينظر إليها». وفي هذه الرواية دلالة على جواز النظر الى الساق زيادة على ما ذكره الأصحاب ويمكن أن يستفاد من رواية الجعفري صحة ما نقل عن العلامة من جواز النظر الى ما عدا العورة إذا دعت الحاجة الى ذلك ويمكن أن يحمل على ذلك قوله في رواية أبي بصير «ما لم ينظر الى ما لا ينبغي النظر اليه» بالحمل على العورة ، ويكون ذكر المحاسن فيها انما خرج مخرج التمثيل ، ويخرج رواية قرب الاسناد شاهدة على ذلك وبالجملة فإن ما نقل عن التذكرة غير بعيد ، وان ردوه بالبعد.

ومنها انه يستحب لمن يشترى مملوكا ان يغير اسمه ، وأن يطعمه شيئا من الحلو وان يتصدق عنه بشي‌ء ، وانه يكره ان يرى المملوك ثمنه في الميزان كل ذلك للاخبار.

ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة (١) «قال كنت جالسا عند ابى عبد الله (عليه‌السلام) فدخل عليه رجل ومعه ابن له ، فقال له أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ما تجارة ابنك؟ فقال التنخس فقال له أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا تشترين شينا ولا عيبا ، وإذا اشتريت رأسا فلا ترين ثمنه في كفة الميزان ، فما من رأس رأى ثمنه في كفة الميزان فأفلح ، وإذا اشتريت رأسا فغير اسمه وأطعمه شيئا حلوا إذا ملكته وتصدق عنه بأربعة دراهم».

وعن محمد بن ميسر (٢) عن أبيه عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «من نظر الى ثمنه وهو يوزن لم يفلح». وظاهر الخبرين المذكورين أن الكراهة مترتبة على رؤية الثمن في الميزان ، وحينئذ فلا يكره في غيره ، وربما قيل أنه انما جرى على المتعارف من وضع الثمن فيه ، فلو رآه في غيره كره أيضا فيكون المراد انما هو الكناية عن عدم رؤيته مطلقا ، ويؤيده أن وزن الدراهم في الميزان قليل وبه

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٢١٢.

٤١٧

يظهر ضعف تنظره في المسالك في هذا القول.

ومنها كراهة وطئ من ولدت من الزنا بالملك والعقد ، قال المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) بعد ذكر المصنف الحكم المذكور : قد نهي عنه في الاخبار المعتبرة المحمولة على الكراهة. لعموم أدلة جواز النكاح والوطي ، وكأنه لعدم القائل بالتحريم.

أقول : قد نقل القول بالتحريم هنا في المسالك عن ابن إدريس بناء على أن ولد الزنا كافر ، وأن وطأ الكافر محرم ، ثم رده بان مقدمتين ممنوعتان وأنت خبير بما قدمناه في كتاب الطهارة من التحقيق في أحوال ابن الزنا أن له حالة ثالثة غير حال المسلمين والكفار في النكاح وغيره والاخبار قد صرحت هنا بالجواز على كراهية.

ومنها حسنة الحلبي عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سئل عن الرجل يكون له الخادم ولد الزنا هل عليه جناح أن يطأها؟ قال : لا وان تنزه عن ذلك فهو أحب الي». ونحوها غيرها.

ومنها التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم قبل استغنائهم عنهن فقيل بالكراهة وقيل بالتحريم ، والقولان للشيخ في النهاية ، فقال : في باب ابتياع الحيوان لا يجوز ، وقال في باب العتق أنه مكروه ، والى القول بالتحريم ذهب الشيخ المفيد وابن البراج وسلار وابن الجنيد ، ونقل عن العلامة في التذكرة مدعيا أنه المشهور وهو اختيار شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والروضة ، والى القول بالكراهة ذهب المحقق في كتابيه والعلامة في المختلف والإرشاد وابن إدريس والشهيد في اللمعة وغيرهم.

احتج القائلون بالكراهة بما ورد من (١) «ان الناس مسلطون على أموالهم». والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بالمقام زيادة على الخبر المذكور ما رواه

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ الطبع الحديث.

٤١٨

المشايخ الثلاثة عطر الله مراقدهم عن معاوية بن عمار (١) في الصحيح قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : أتي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بسبي من اليمن ، فلما بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم فباعوا جارية من السبي كانت أمها معهم ، فلما قدموا على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سمع بكاءها ، فقال : ما هذه البكاء؟ فقالوا يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) احتجنا إلى نفقة فبعنا ابنتها فبعث بثمنها فأتي بها ، وقال : بيعوهما جميعا أو أمسكوهما جميعا».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن سماعة (٢) في الموثق قال : «سألته أخوين مملوكين هل يفرق بينهما؟ وعن المرأة وولدها ، قال : لا هو حرام الا أن يريدوا ذلك». ورواه في الفقيه قال : «سأل سماعة أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن أخوين مملوكين» الحديث.

وما رواه في الكافي والتهذيب عن هشام بن الحكم (٣) في الصحيح أو الحسن عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «قال انه اشتريت له جارية من الكوفة قال : فذهبت تقوم في بعض الحاجة ، فقالت : يا أماه فقال لها أبو عبد الله (عليه‌السلام): ألك أم؟ قالت : نعم فأمر بها فردت ، وقال : ما آمنت لو حبستها أن أرى في ولدي ما أكره».

وما رواه في الكافي عن عمر بن أبى نصر (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الجارية الصغيرة يشتريها الرجل؟ فقال : ان كانت قد استغنت عن أبويها فلا بأس».

وما رواه المشايخ الثلاثة عن ابى سنان (٥) في الصحيح ـ فان الظاهر أن ابن

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٢١٨ التهذيب ج ٧ ص ٧٣ الفقيه ج ٣ ص ١٣٧.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٢١٩ التهذيب ج ٧ ص ٧٣.

(٤ و ٥) الكافي ج ٥ ص ٢١٩.

٤١٩

سنان هو عبد الله ـ عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «أنه قال في الرجل يشترى الغلام والجارية وله أخ أو أخت أو أب أو أم بمصر من الأمصار؟ قال : لا يخرجه الى مصر آخر ان كان صغيرا ولا يشتره فان كانت له أم فطابت نفسها ونفسه فاشتره إن شئت».

وما رواه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك (١) عن أبي أيوب عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : «من فرق بين والدة وولدها ، فرق بينه وبين أحبته». أقول : وهذه الرواية لم أقف عليها في كتب أخبارنا ولا يبعد انها من طريق العامة الا ان صحيحة هشام المذكورة ظاهرة فيما دلت عليه.

وفي كتاب الفقه الرضوي (٢) «وروى في الجارية الصغيرة تشترى ويفرق بينها وبين أمها؟ فقال : ان كانت قد استغنت عنها فلا بأس».

هذه جملة ما حضرني من أخبار المسألة ، ودلالتها على التحريم ظاهرة ، سيما صحيحة معاوية حيث أمر (صلى‌الله‌عليه‌وآله) برد الجارية المباعة ، والأمر للوجوب كما تقرر في محله ، وظاهرها بطلان البيع ، حيث استرجع المبيع برد الثمن من غير رضا المشترى كما هو ظاهر الخبر ، وقوله في موثقة سماعة «هو حرام الا ان يريدوا ذلك».

وبالجملة فإن ظاهر الاخبار هو التحريم والبطلان وبذلك اعترف في الدروس أيضا (٣).

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٤٨٦ عن عوالي اللئالي.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ٤٧٦.

(٣) قال في الدروس : اختلفوا في التفريق بين الأطفال وأمهاتهم إلى سبع سنين ، وقيل : إلى مدة الرضاع ، ففي رواية سماعة يحرم الا برضاهم وأطلق المفيد والشيخ في الخلاف والمبسوط التحريم وفساد البيع

٤٢٠