الحدائق الناضرة - ج ١٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

ورواية ، والإجماع ، وغاية ما يستفاد سقوطها بالنسبة إلى الزوج ، فيجوز له العقد عليها لعدم وجوب الاستبراء من مائه ، وطلاقه لها بعد العقد المجرد عن الدخول لا يؤثر في سقوط تلك العدة ، وهكذا القول فيما نحن فيه ، فإنه لو باع رجل جارية قد وطأها من غير استبراء على رجل آخر أو امرأة ثم باعها الرجل أو المرأة على شخص آخر فان وجوب الاستبراء من ماء البائع الأول باق بأدلة المتقدمة ، الدالة على حكمة الاستبراء ، وخوف الحبل ، ولا دليل على سقوطها بهذا البيع الثاني من امرأة أو رجل ، فالواجب على هذا المشتري الثاني استبراؤها البتة.

ومما يؤيد ما ذكره المحقق المذكور ما وقفت عليه في كتاب الفقه الرضوي حيث قال : (عليه‌السلام) في عد وجوه النكاح الثالث نكاح ملك اليمين ، وأن يبتاع الرجل الأمة فحلال نكاحها إذا كانت مستبرئة ، والاستبراء حيضة ، وهو على البائع ، فإن كان البائع ثقة ، وذكر أنه استبرأها جاز نكاحها من وقتها ، وان لم يكن ثقة استبرأها المشتري بحيضة ، وان كانت بكرا أو لامرأة أو ممن لم تبلغ حد الإدراك استغنى عن ذلك انتهى.

وهو صريح في عدم وجوب الاستبراء في أمة الصغير ، والمجبوب والعنين في معناه كما لا يخفى ، بالتقريب الذي ذكره المحقق المذكور ، وفيه زيادة على ما تقدم كون الجارية بكرا وهو جيد ، كما لا يخفى.

المسألة الثامنة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) لاختلاف الاخبار في وطئ الحامل ، فذهب الشيخ في النهاية إلى انه لا يجوز الا بعد وضع الحمل ، أو مضى أربعة أشهر وعشرة أيام ، فإن أراد وطأها قبل ذلك وطأها فيما دون الفرج.

وقال الشيخ المفيد : انه لا يجوز له وطؤها حتى تمضى لها أربعة أشهر ، فإذا مضى عليها أربعة أشهر وطأها ان أحب دون الفرج ، فإن وطأها فيه فليعزل عنها ، واجتناب وطؤها أحوط حتى تضع ما في بطنها ، فإن وطأها قبل مضي الأربعة الأشهر

٤٤١

أو بعد ذلك ولم يعزل عنها لم يحل له بيع الولد ، لانه قد غذاه وانما بنطفته ، وينبغي ان يجعل له من ماله بعد وفاته قسطا ويعوله في حياته ، ولا ينسب إليه بالبنوة.

وقال أبو الصلاح : انه لا يحل حتى تمضي له أربعة أشهر دون الفرج ، وفيه يشترط عزل الماء ، واجتنابها حتى تضع أحوط ، وإذا وطأ لم يحل له بيع ولدها ، ولا الاعتراف به ولدا ولكن يجعل له قسطا من ماله ، لانه غذاه بنطفته ، واقتصر سلار على الأربعة أشهر أيضا.

وقال ابن إدريس : ومتى اشترى جارية حاملا كره له وطؤها في القبل ، دون ان يكون ذلك محضورا على الأظهر من أقوال أصحابنا ، وهو الذي يقتضيه أصول المذهب سواه مضى لها أربعة أشهر ، أو أقل منها ، وشيخنا رجع في مسائل خلافه عما ذكره في نهايته ، فقال : مسألة إذا اشترى امة حاملا كره له وطؤها قبل ان تمضى لها أربعة أشهر ، فإذا مضى لها ذلك لم يكره له وطؤها حتى تضع ، وقال الشافعي وغيره لا يجوز لها وطؤها في الفرج ، دليلنا إجماع الفرقة ، والأصل الإباحة ، وعدم المانع ، ثم قال ابن إدريس : دليلنا نحن على صحة ما اخترناه قوله تعالى (١) «أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» فأباحنا تعالى وطؤ ما ملكت ايماننا بمجرد الملكية ، والآية عامة ، فمن خصصها يحتاج الى دليل ، والأصل الإباحة ، ولا مانع من ذلك من كتاب ولا سنة مقطوع بها ، أو إجماع.

أقول وبما ذكره الشيخ في الخلاف من القول بالكراهة صرح في كتابي الاخبار ايضا وقال في المختلف : والمعتمد ان نقول ان كان الوطؤ عن زنا كره له وطؤها قبل مضى أربعة أشهر وعشرة أيام من غير تحريم» وان كان حلالا أو بشبهة حرام وطؤها حتى تضع ، وذهب المحقق في الشرائع إلى تحريم وطئها قبلا قبل ان يمضي لحملها أربعة أشهر وعشرة أيام ، والكراهة بعده ، ورجحه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والروضة ، وهو مذهب العلامة في الإرشاد.

__________________

(١) سورة النساء الآية ـ ٤.

٤٤٢

إذا عرفت ذلك فاعلم ان عد الحامل في جملة من يسقط استبراءه كما تقدم ، انما يتجه على تقدير القول بكراهة الوطء كما هو مذهب الشيخ في الخلاف وكتابي الاخبار ، وابن إدريس على تقدير كون الحمل من الزنا ، كما ذهب إليه في المختلف ، أو بعد مضى الأربعة أشهر والعشرة الأيام ، والواجب بسط ما وصل إلينا من أخبار المسألة المذكورة ، ثم الكلام فيها بما رزق الله سبحانه فهمه منها ، مستمدين منه جل شأنه التوفيق إلى هداية سواء الطريق.

فمن الاخبار المشار إليها ما رواه في الكافي. عن محمد بن قيس (١) عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : في الوليدة يشتريها الرجل وهي حبلى؟ قال : لا يقربها حتى تضع ولدها». وعن رفاعة بن موسى (٢) في الصحيح عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : سألته عن الأمة الحبلى يشتريها الرجل فقال : سئل عن ذلك أبى (عليه‌السلام) فقال : أحلتها آية ، وحرمتها آية أخرى ، فأنا ناه عنها نفسي وولدي ، فقال الرجل أنا أرجو أن انتهى إذا نهيت نفسك وولدك».

أقول : الظاهر أن الآية المحللة هي ما استدل بها ابن إدريس من قوله «أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» (٣) والآية المحرمة قوله سبحانه (٤) «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن أبى بصير (٥) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : الرجل يشتري الجارية وهي حامل ما يحل له منها؟ قال : ما دون الفرج» الحديث.

وما رواه في الكافي عن زرارة (٦) في الموثق قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام)

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٤٧٥.

(٣) سورة النساء الآية ٣.

(٤) سورة الطلاق الآية ـ ٤.

(٥ و ٦) الكافي ج ٥ ص ٤٧٥.

٤٤٣

عن الجارية الحلبي يشتريها الرجل فيصيب منها دون الفرج؟ فقال : لا بأس ، قلت فيصيب منها في ذلك؟ قال : تريد تغره».

قال بعض مشايخنا (عطر الله مراقدهم) في حاشية له على هذا الخبر في معنى قوله «تغره» : أى تصير المشترى مغرورا بجواز الوطء ويحصل الولد ، ولا يعلم أنه من أيهما ، أو يغذيه بنطفته فيكون عليه ما ورد في بعض الاخبار من أن يوصى له ، ويعتقه وغير ذلك انتهى ، والمعنى الثاني أقرب.

وما رواه في التهذيب عن إسحاق بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الجارية يشتريها الرجل وهي حبلى أيقع عليها؟ قال : لا». وعن مسعدة بن زياد (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) يحرم من الإماء عشرة : لا يجمع بين الام والبنت ولا بين الأختين ، ولا أمتك وهي حامل من غيرك حتى تضع» الحديث.

وعن مسمع كردين (٣) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : عشرة لا يحل نكاحهن ولا غشيانهن ، أمتك أمها أمتك ، الى ان قال : وأمتك وقد وطئت حتى تستبرئ بحيضة ، وأمتك وهي حبلى من غيرك» الحديث.

وما رواه في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه‌السلام) عن الحسن بن عبد الله ابن محمد الرازي (٤) عن أبيه «عن الرضا (عليه‌السلام) عن آبائه (عليهم‌السلام) قال : نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن وطء الحبالى حتى يضعن».

وما رواه في قرب الاسناد عن إبراهيم بن عبد الحميد (٥) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل يشتري الجارية وهي حبلى أيطأها قال : لا يقربها».

وعن إبراهيم بن عبد الحميد (٦) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام)

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٧٦.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٨ ص ١٩٨.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٨ و ٥ ـ من أبواب نكاح العبيد.

٤٤٤

عن الرجل يشتري الجارية وهي حبلى أيطأها؟ قال : لا ، قلت : فدون الفرج قال لا يقربها».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن رفاعة (١) في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) فقلت : أشترى الجارية فيمكث عندي الأشهر لا تطمث وليس ذلك من كبر فأريها النساء فيقلن : ليس بها حبل ، فلي أن أنكحها في فرجها؟ فقال : ان الطمث قد تحبسه الريح من غير حبل فلا بأس أن تمسها في الفرج ، قلت : وان كانت حبلى فما لي منها ان أردت؟ قال : لك ما دون الفرج». هكذا في رواية الكافي ، وزاد في التهذيب «الى أن تبلغ في حبلها أربعة أشهر وعشرة أيام ، وإذا جاز حملها أربعة أشهر وعشرة أيام فلا بأس بنكاحها في الفرج ، قلت : ان المغيرة وأصحابه يقولون : لا ينبغي للرجل ان ينكح امرأة وهي حامل قد استبان حملها حتى تضع فيغذو ولده ، فقال : هذا من أفعال اليهود». ورواه في الفقيه مرسلا الى قوله «فلا بأس ان يمسها في الفرج».

وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) عن إسحاق بن عمار (٢) في الموثق قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل اشترى جارية حاملا وقد استبان حملها فوطئها قال : بئس ما صنع قلت : فما تقول فيه؟ قال : اعزل عنها أم لا؟ فقلت : أجنبي في الوجهين ، قال : ان كان عزل عنها فليتق الله ولا يعود ، وان كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد ، ولا يورثه ولكن يعتقد ويجعل له شيئا من ماله يعيش به ، فإنه قد غذاه بنطفته».

وما رواه في التهذيب عن السكوني (٣) عن ابي عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٧٥ التهذيب ج ٧ ص ٤٦٩.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٨٧ الفقيه ج ٣ ص ٢٨٤ التهذيب ج ٨ ص ١٧٩.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٧٩.

٤٤٥

«ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دخل على رجل من الأنصار وإذا وليدة عظيمة البطن تختلف ، فسأل عنها؟ فقال : اشتريتها يا رسول الله وبها هذا الحبل ، قال : أقربتها؟ قال : نعم ، قال : أعتق ما في بطنها ، قال : يا رسول الله وبما استحق العتق؟ قال : لان نطفتك غذت سمعه وبصره ولحمه ودمه».

وعن غياث بن إبراهيم (١) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) انه قال : من جامع امة حبلى من غيره فعليه ان يعتق ولدها ولا يسترق ، لانه شارك في إتمام الولد».

وما رواه في الفقيه عن الصيقل (٢) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سمعته يقول : وسئل عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل ان يستبرئ رحمها قال : بئسما صنع ، يستغفر الله ولا يعود ، قلت : فإنه باعها من آخر ولم يستبرئ رحمها ، ثم باعها الثاني من رجل آخر فوقع عليها ولم يستبرئ رحمها ، فاستبان حملها عند الثالث ، فقال : أبو عبد الله (عليه‌السلام) : الولد للفراش وللعاهر الحجر».

هذا ما حضرني الان من أخبار المسألة المذكورة وأنت خبير بأن جملة منها قد دلت على النهى عن وطئها مطلقا ، وجملة حتى تضع ولدها ، والأول منها مقيد بالثاني فيرجعان إلى أمر واحد ، وأكثر أخبار المسألة من هذا القبيل.

وبعض إذا جاز حملها أربعة أشهر وعشرة أيام وهو صحيحة رفاعة خاصة برواية الشيخ في التهذيب كما تقدم ذكره ، فظاهر الشيخ في النهاية القول بالتحريم كما هو ظاهر الاخبار كلا ، والتخيير في الغاية بين وضع الحمل ، أو مضى أربعة أشهر وعشرة أيام ، جمعا بين ما دل على الغايتين بالتخير ، واليه يرجع قول الشيخ المفيد ومن وافقه.

وظاهر العلامة في المختلف القول بالتحريم الى وضع الحمل إذا كان الوطؤ حلالا أو شبهة ، واما لو كان زنى فإنه لا يحرم ، بل يجوز على كراهة ، وظاهره

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٧٩.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٨٥ التهذيب ج ٨ ص ١٦٨.

٤٤٦

حمل رواية الأشهر على الزنا ، وان النهى فيها على جهة الكراهة ، وسيأتي إنشاء الله تعالى ـ ما فيه.

والمحقق ومن تبعه أخذوا بظاهر الروايات المذكورة ، وحكموا بالتحريم قبل مضى الأربعة الأشهر ، لاتفاق الاخبار على ذلك ، وانما اختلفت فيما بعد المدة المذكورة ، من كون الغاية هي المدة المذكورة أو وضع الحمل ، فجمعوا بينها بحمل النهي فيما زاد على المدة المذكورة على الكراهة.

قال في المسالك : والمصنف رحمة الله عليه أطلق الحكم بالتحريم قبل الأربعة والعشرة ، والكراهة بعدها وهو أوضح وجوه الجمع اما الإطلاق بحيث يشمل الجميع ، فلإطلاق النص الشامل لها ، واما الحكم بالتحريم قبل المدة المذكورة فلاتفاق الاخبار اجمع عليه ، والأصل في النهي التحريم ، واما بعدها فقد تعارضت الاخبار ، فيجب الجمع بينها وحمل النهي حينئذ على الكراهة ـ لتصريح بعضها بنفي البأس ـ طريق واضح في ذلك. انتهى.

واما ما ذكره ابن إدريس ونقله عن الشيخ في الخلاف من القول بالكراهة فلا اعرف له وجها بعد ما عرفت من هذه الاخبار التي ذكرناها ، وما ذكره من الاستدلال بالآية ، وان تخصيصها يحتاج الى دليل ، فالدليل كما عرفت واضح ، ومنارة لائح ، واى دليل يراد بعد هذه الاخبار المستفيضة الصريحة في التحريم المتفقة عليه ، وانما اختلفت بالنسبة إلى غايته من انها الوضع ، أو مضى الأشهر المذكورة كما سمعت ، ولكنه لعدم مراجعته الاخبار حق المراجعة معذور فيما ذكره ، وان كان غير معذور شرعا.

والذي يقرب عندي من صحيحة رفاعة بن موسى الاولى وعدم جواب أبيه (عليه‌السلام) صريحا ـ بعد سؤال السائل عن الأمة الحبلى ، وعدوله في الجواب الى ما ذكره ، ـ ان هذه التعمية إنما خرجت مخرج التقية ، والظاهران المخالفين

٤٤٧

قائلون بجواز الوطي فلم يصرح بالمنع والتحريم ، كما استفاضت به أخبار المسألة ، وعدل الى هذا الجواب المعمى ، وجعل التحريم والمنع على جهة الاحتياط لتعارض الآيتين المتقدمتين ، وأنت خبير بأنه بالنظر الى ما سردناه من الاخبار يجب تخصيص آية «الملك» بآية «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ» لاستفاضة الاخبار واتفاقها كما عرفت على التحريم ، وانما اختلفت في الغاية.

وبالجملة فالقول بالتحريم مما لا يعتريه شبهة الإشكال في هذا المجال ، وانما الكلام في الغاية ، من أنها الوضع ، أو مضى الأشهر المذكورة ، والأول أظهر دليلا لتأيد أخباره بالآية المشار إليها في صحيح رفاعة ، وهي آية «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ» فإن ظاهر الخبر عمومها للحرة والأمة ، واحتمال آية غيرها في الخبر بعيد ، والتي صرح به جملة من الأصحاب في معنى الخبر المذكور انما هو هذه الآية ، وتأيده كذا أيضا بالأخبار المطلقة ، وهي جل الأخبار المسألة ، والجمع بين الاخبار بالكراهة وان اشتهر بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) إلا انك قد عرفت ما فيه في غير موضع مما تقدم.

وكيف كان فالاحتياط يقتضي الوقوف على جعل الغاية وضع الحمل ، كما ذكره العلامة في المختلف وان خصه بالحمل من غير الزنا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن من الأصحاب من جمع بين الاخبار بحمل النهى المغيا بالوضع على الحامل من حل أو شبهة أو مجهولا ، والمغيا بالأربعة الأشهر والعشرة على الحامل من الزنا ، ومنهم من ألحق المجهول بالزنا في هذه ، ومنهم من أسقط اعتبار الزنا ، وجعل التحريم بالغايتين لغيره.

أقول : والأول من هذه الوجوه هو ظاهر العلامة في المختلف ، الا انه حمل النهي في هذه الصورة على الكراهة ، لما اشتهر في كلامهم من ان ماء الزنا لا حرمة له شرعا (١) قال في المسالك : نعم ينبغي في الحمل من الزنا ـ لان المعهود من الشارع

__________________

(١) قال في الدروس : واستبراء الحامل بوضع الحمل الا أن يكون عن

٤٤٨

إلغاء اعتباره من العدة والاستبراء في غير محل النزاع ، فلو قيل بالجواز فيه مطلقا كان حسنا ، انتهى.

وفيه أولا أنه لا إيناس في صحيحة رفاعة المشتملة على التحديد بالأشهر بكون ذلك زنا ، فضلا عن الدلالة ، ولا في غيرها من روايات المسألة ، وثانيا أن ما ادعوه من عدم وجوب العدة والاستبراء على الزانية ـ وهو السبب في حملهم الرواية المذكورة على ذلك ـ ممنوع بما دل على ذلك من الاخبار الدالة على خلاف ما ذكروه

ومنها ما رواه في الكافي عن إسحاق بن جرير (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قلت له الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في تزويجها هل يحل له ذلك؟ قال : نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله ان يتزوجها ، وانما يجوز له تزويجها بعد أن يقف على توبتها».

وما رواه الحسن بن على بن شعبة (٢) في كتاب تحف العقول عن أبى جعفر الجواد (عليه‌السلام) أنه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا أيحل له أن يتزوجها؟ فقال : يدعها حتى يستبرأها من نطفته ونطفة غيره ، إذ لا يؤمن منها أن يكون قد أحدثت مع غيره حدثا كما أحدثت معه؟ ثم يتزوج بها إذا أراد ، فإنما مثلها مثل نخلة ، أكل

__________________

زنا ، فلا حرمة له ، والمشهور أن يستبرأها الشهر وعشرة أيام وجوبا عن القبل لا غير وأن الوطأ بعده مكروه الى أن يضع ، فيعزل وان انزل كره بيع الولد ، انتهى ، وفيه دلالة على اختياره بما نقلناه عن العلامة في المختلف من ان الغاية وضع الحمل الا من الزنا ، وجعل الغاية المذكورة نسبته الى المشهور بعد فتواه بالأول ، وفيه تصريح باختصاص التحريم بالقبل كما اخترناه. منه رحمه‌الله.

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٥٦.

(٢) تحف العقول ل ٣٣٨ المطبوع في النجف الأشرف سنة ١٣٩٤. ه.

٤٤٩

رجل منها حراما ثم اشتراها فأكل منها حلالا» ،. ويؤيده قولهم (عليهم‌السلام) في عدة من الاخبار إذا أدخلها فقد وجبت العدة والغسل والمهر والرجم ، وقولهم (عليهم‌السلام) ان العدة من الماء.

وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا المتقدم ذكره ، من أن المعهود من الشارع إلغاء اعتباره من العدة ، فإنه مبنى على ما تكاثر من الاخبار من إطلاق جواز التزويج بالزانية ، الا أنه بعد ورود هذه الروايات يجب تقييد الإطلاق المذكور بها.

ثم ان موثقة إسحاق بن عمار وروايتي السكوني وغياث قد اشتركت في الدلالة على الأمر بعتق الولد متى أنزل عليها وهي حامل بعد شرائها ، وظاهرها الوجوب ، ويشير اليه قوله في رواية غياث ، «فعليه» ويؤكده النهي عن بيعه في موثقة إسحاق الذي هو حقيقة في التحريم.

والموجود في كلام الأصحاب الحكم بالاستحباب ، ولا أعرف له وجها بعد اتفاق الاخبار عليه مع عدم المعارض في المقام ، سوى إطلاق ما دل على تملكه مع أمه بالشراء ، والواجب تخصيصه بهذه الاخبار ، والظاهر انهم انما صاروا الى الاستحباب لضعف الاخبار ، كما يشير اليه كلام المحقق الأردبيلي حيث اعترف بدلالة روايتي السكوني على وجوب العتق ، قال : فتحمل على الاستحباب لعدم الصحة للجمع ، وفيه ما عرفت في غير موضع مما تقدم.

وبالجملة فإن من لا يرى العمل بهذا الاصطلاح المحدث ، فإنه لا يرتاب في وجوب العتق لما ذكرنا ، وكذلك ما دلت عليه موثقة إسحاق من انه يجعل له شيئا من ماله يعيش به ، فالظاهر حمله على الوجوب ، وان كان الموجود في كلامهم هو الاستحباب.

وظاهر الأصحاب هو كون هذا الحكم وجوبا أو استحبابا مترتبا على الجماع بعد تحقق الحمل ، أعم من ان يكون قبل الأشهر المذكورة أو بعدها ما لم تضع ،

٤٥٠

وظاهر موثقة إسحاق بن عمار كون الجماع وقع بعد الشراء ، وان الحكم بما ذكرنا انما يترتب على ذلك ، الا أن روايتي السكوني وغياث مطلقتان في ذلك ، فيحتمل تقييدهما بالموثقة المذكورة ، وتخصيص الحكم بما قبل الأشهر المذكورة ، ولكن ظاهر التعليل بالتغذية يعطى الوقوف على ما ذكره الأصحاب ، (رضوان الله عليهم) والله العالم.

ثم ان من جملة الأصحاب من أطلق المنع من الوطي هنا فيما يشمل القبل والدبر ، وبعضها خصه بالقبل كما تقدم نقله عن المحقق في الشرائع ، وبه جزم في الدروس ، قال في المسالك : وتخصيص المصنف الوطي بالقبل هو الظاهر من النصوص ، فإن النهي فيها معلق على الفرج ، والظاهر منه ارادة القبل وفي رواية أبي بصير «له منها ما دون الفرج» وربما قيل بإلحاق الدبر به ، بدعوى صدق اسم الفرج عليها ، وبأن في بعض الاخبار «فلا يقربها حتى تضع» الشامل للدبر ، وغيرهما خارج بدليل آخر ، وهو أولى. انتهى.

أقول لا يخفى ان الروايات المتقدمة قد تضمنت كلا الأمرين المذكورين ، ولكن إطلاق الاخبار انما يحمل على الافراد الشائعة المتكثرة ، دون الفروض النادرة كما تقرر في كلامهم ، والشائع المتبادر من الإطلاق انما هو القبل ، ويؤكده الروايات الدالة على انه مع إتيانها حال الحمل فإنه يعتق الولد ، لأنه غذاه بنطفته ، وشارك فيه ، وهذا لا يمكن فرضه في الجماع في الدبر ، كما هو ظاهر ، والاحتياط يقتضي المنع من الجميع بل الملاعبة ونحوها كما تقدم في الاخبار. والله العالم (١).

__________________

(١) قال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد : والظاهر ان الدبر كالقبل كما في صحيحة محمد بن قيس لا يقربها ، وكذا رواية إبراهيم ، وفي رواية إسحاق لا يقع عليها ، ولا يبعد شمول السؤال حينئذ لها وهو في الروايات ، ويؤيده التحريم مطلقا في غير الاستبراء ، وقد مر فتأمل ـ انتهى وفيه ما عرفت في الأصل. منه (رحمه‌الله).

٤٥١

المسألة التاسعة ـ لو اشترى جارية وأولدها ثم ظهر أنها مستحقة لغير البائع ، فإنه يجب عليه ردها الى مالكها ، وقد صرح جملة من الأصحاب بأنه يغرم عشر قيمتها ـ ان كانت بكرا وأزال بكارتها ـ أرش البكارة ، ونصف العشر ان كانت ثيبا للدخول بها ، وهو المشهور ، وقيل مهر أمثالها والولد حر ، وعلى أبيه أن يغرم قيمته لسيد الجارية يوم سقوطه حيا ، إذ لا قيمة له قبل ذلك وبعده ، فإنه حر ليس لسيد الجارية عليه سبيل ، الا انه لما كان نماء ملكه وقد فوته المشترى ، فعليه ان يغرم له قيمته ، ثم ان المشترى بعد ذلك يرجع بالقيمة على البائع الذي غره ، ويرجع أيضا بقيمة الولد ، وهل ترجع بما حصل له في مقابلته نفع مثل ما دفع الى السيد من العشر أو نصفه ، إذ المهر على القول به في مقابلة الانتفاع بالبضع ، وكأجرة الخدمة ، قولان ، فقيل : نعم ، لأن البائع أباحه بغير عوض ، وغره بالانتفاع بمجرد دفع الثمن ، ولو علم ان له عوضا لم ينتفع به ، فلو لم يرجع يلزم الظلم والغرم عليه ، مع كونه جاهلا من جهة البائع الغاصب الذي خدعه ، وقيل : لا يرجع ، نظرا الى ما حصل له من الانتفاع في مقابلة ذلك ، فيلزم من رجوعه الجمع بين العوض والمعوض ، فيحصل الظلم على البائع ، هذا كله إذا كان جاهلا كما هو المفروض أولا ، فلو كان عالما بأنها مستحقة للغير فالولد رق للمالك ، والواطئ زان يلزمه العقر ، ولا يرجع به ولا بغيره مما اغترمه (١) والظاهر كما هو أحد القولين هو انه لا فرق في ثبوت العقر بالوطء

__________________

(١) أقول ظاهر شيخنا الشهيد في اللمعة وشيخنا الشهيد الثاني في شرحها أنه يرجع المالك على المشترى عالما أو جاهلا بالعين ، وفيها المستوفاة منها لو فاتت تحت يده ، ثم ان المشترى يرجع بذلك على البائع ، لما تقرر من رجوع المشترى الجاهل بفساد البيع على البائع بجميع ما يغرمه ، ولم ينقل خلافا في ذلك ، مع أن المسألة محل خلاف في كلامهم كما أشرنا إليه في الأصل. منه رحمه‌الله.

٤٥٢

للمالك ، بين علم الأمة بعدم صحة البيع وجهلها ، لان ذلك حق لمولاها.

وقال في الدروس : أنه لا يرجع عليه بالمهر الا مع الإكراه ، استنادا إلى أنه لا مهر لبغي ، وفيه ما عرفت من أن المهر انما هو حق للمالك ، والخبر المذكور انما أريد به الحرة ، واضافة المهر إليها بلام الاستحقاق ظاهر في ذلك ، ولذا يطلق عليها المهيرة.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه في الكافي. والتهذيب عن جميل بن دراج (١) في الصحيح عن بعض أصحابنا عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل اشترى جارية فأولدها فوجدها مسروقة؟ قال : يأخذ الجارية صاحبها ، ويأخذ الرجل ولده بقيمته».

وما رواه في الكافي عن حريز (٢) عن زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام): الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ، ثم يجي‌ء رجل فيقيم البينة على أنها جاريته لم يبع لو لم يهب ، قال : فقال : يرد اليه جاريته ويعوضه مما انتفع ، قال : كأنه معناه قيمة الولد». قال بعض مشايخنا رضوان الله عليهم : قوله «قال» الظاهر أنه من كلام حريز ، وان زرارة فسر العوض بقيمة الولد ، ولكنه لم يجزم ، لانه يمكن ان يكون بإزاء الوطي من العشر أو نصف العشر. انتهى.

وما رواه الشيخ في التهذيب عن جميل بن دراج (٣) في الموثق عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم تجي‌ء مستحق الجارية فقال : يأخذ الجارية المستحق ، ويدفع المبتاع قيمة الولد ، ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد الذي أخذت منه».

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٢١٥ التهذيب ج ٧ ص ٦٤.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٨٢.

٤٥٣

وعن زرارة (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها الى أرضه ، فولدت منه أولادا ثم أتاها من زعم انها له ، وأقام على ذلك البينة ، قال : يقبض ولده ويدفع إليه الجارية ويعوضه في قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها». قال في الاستبصار : يقبض ولده يعني بالقيمة ، قال في الوافي في بعض النسخ : «ثم ان أباها يزعم انها له» وليس بواضح انتهى. وهو جيد ، والظاهر انه تحريف من قلم الشيخ (رضى الله عنه) وكم له من أمثاله كما تقدمت الإشارة إليه في مواضع عديدة من كتب العبادات.

وأنت خبير بان هذه الاخبار على تعددها لا دلالة فيها على ان المشترى يغرم العشر ، أو نصف العشر ، أو مهر المثل للمالك ، والأصحاب انما استند وافى العشر أو نصفه في هذا المقام إلى صحيحة الوليد بن صبيح (٢) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة ، قد دلست نفسها له ، فقال : ان كان الذي زوجه إياها من غير مواليها فالنكاح فاسد ، قلت : فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ فقال : ان وجد مما أعطاها شيئا فليأخذه ، وان لم يجد شيئا فلا شي‌ء له عليها ، وان كان زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ، ولمواليها عليه عشر ثمنها ان كانت بكرا ، وان كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها ، قال : وتعتد منه عدة الأمة ، قلت : فان جاءت منه بولد قال : أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن الموالي».

ومورد هذه الرواية انما هو تدليس المرأة نفسها بدعوى الحرية مع كونها أمة ، وتدليس الزوج لها ، وبعض الأصحاب وان عبر في هذا المقام بعبارة تدخل تحت مضمون هذه الرواية ، مثل قول المحقق في الشرائع «من أولد الجارية ثم

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٨٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٠٤ التهذيب ج ٧ ص ٤٢٢.

٤٥٤

ظهر أنها مستحقة انتزعها المالك» الى آخره الا أن ذكره المسألة في بحث بيع الحيوان قرينة على ما عنونا به المسألة ، كما صرح به في الدروس حيث قال : ولو ظهر استحقاق الأمة المبتاعة.

وبالجملة فإن ظاهرهم عدم الفرق بين مورد الرواية وما نحن فيه ، ولعله من حيث الاشتراك في الدخول بالبكر أو الثيب مع جهل الواطئ بالحال ، فإنه حاصل في كل من المسألتين ، وان كان العلة في أحدهما بيع الغاصب وفي الأخرى التدليس على أن متن الرواية المذكورة أيضا لا يخلو من الاشكال (١).

وبالجملة فالمسألة كما ذكرنا غير خالية من شوب التوقف والتردد ، ثم ان قوله في الرواية المذكورة فإن أولادها منه أحرار على إطلاقه لا يخلو من الاشكال ولذا قيده الشيخ (رحمة الله عليه) تارة بما إذا دفع الأب قيمة الولد يوم سقوطه حيا لمولى الجارية ، وأخرى بما إذا كان تزويجه لها بعد قيام البينة بما ادعته من الحرية ، وحينئذ يأخذ ابنه من غير قيمة ، واستند في الحمل الأول إلى موثقة سماعة (٢) وفيها «وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه «فقيمته». ـ كذا في النسخ والظاهر بقيمته بالباء بدل الفاء ـ «يوم يصير اليه» الحديث» ، وفي الثاني إلى موثقة أخرى لسماعة (٣) أيضا ، وفيها قال : «ولدها مملوكون الا أن يقيم البينة أنه شهد له شاهدان أنها حرة فلا يملك ولده ، ويكونون أحرارا». ومثلها رواية زرارة ثم ان غاية ما دلت عليه أخبار المسألة المتقدمة ـ بعد حمل مطلقها على مقيدها ـ هو أن المشترى يأخذ ولده بعد دفع القيمة إلى مولى الجارية ، وأن المشترى يرجع على البائع بقيمة الجارية وقيمة ولدها ،

__________________

(١) ووجه الاشكال أن قوله وان زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها ، فإنها لا يعقل اللامة ولى غير المولى ، ومتى أريد به الولي فكيف يتم قوله «ولمواليها عليه عشر قيمتها» الى آخره ، إذ لا معنى لرجوع الزوج على المولى بالمهر ، ورجوع المولى على الزوج بالعشر أو نصفه ، منه رحمه‌الله.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٠ وفيه «بقيمته».

٤٥٥

ورواية زرارة الثانية دلت على ان المشترى يعوض المولى عما أصاب من لبنها ـ يعني الذي أرضعت به ابنه ـ وما أصاب من خدمتها لان ذلك مستحق للمولى ، وبه صرح بعض الأصحاب أيضا.

واما ما اختلفوا فيه من رجوع المشترى على البائع ، بما حصل له في مقابلته نفع ، كالعشر ونصفه الذي دفعه لمولى الجارية ، وأجرة الخدمة فليس في هذه الروايات تعرض له ، ولا في صحيحة الوليد بن صبيح التي تضمنت ذلك اشارة اليه فضلا عن التصريح به ، والاعتماد على ما ذكروه من هذه التعطيلات العليلة غير صالح لتأسيس الأحكام الشرعية ، كما تقدم من التنبيه عليه في غير مقام والأصل العدم حتى يقوم عليه دليل شرعي واضح ، وقد تقدم في مسألة البيع الفضولي ما ينبه على ما ذكرناه ، وكذلك القول بالمهر عوض العشر أو نصف العشر (١) ، فانا لم نقف فيه على دليل ، وانما الموجود العشر أو نصف العشر على ما عرفت من الاشكال فيه.

ومن اخبار المسألة التي نحن فيها خبر مشكل لم يتعرض له الأصحاب في هذا الباب ، وهو ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح على بعض الطرق عن محمد بن قيس (٢) عن أبى جعفر (عليه‌السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب ، فاستولدها الذي اشتراها فولدت منه غلاما ثم جاء سيدها الاولى فخاصم سيدها الأخر فقال : وليدتي باعها ابني بغير اذنى ، فقال : الحكم ان يأخذ وليدته وابنها؟ فناشده الذي اشتراها فقال له :

__________________

(١) والظاهر على ما ذكره بعض الأصحاب ان هذا القول مبنى على اطراح النص الوارد في المسألة لأن القاعدة الكلية في عوض البضع بمنزلة قيمة المثل في غيره ، ولعل اطراح هذا القائل النص المذكور لما عرفت مما قدمنا ذكره. منه رحمه‌الله.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٧٤ الفقيه ص ١٤٠.

٤٥٦

خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك البيع ، فلما أخذه قال له أبوه : أرسل ابني فقال : لا والله لا أرسل إليك ابنك حتى ترسل إلى ابني ، فلما راى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه».

وأنت خبير بما فيه من الخروج عن مضامين الأخبار المتقدمة ، مع أن مورده مثلها ، ويمكن على بعد أن يقال : أن حكمه (عليه‌السلام) بأخذ الولد مع الجارية لأجل أن يزاد إليه الأب قيمة الولد كما عرفت من الاخبار المتقدمة ، وحكمه بأخذ المشترى لولد البائع الذي باعه الجارية لأجل أن يرد إليه قيمة الجارية وقيمة الولد التي غرمها لأبيه ، الا أنه بعيد عن سياق الخبر المذكور ، فان ظاهره أن أخذ كل منهما لولد الأخر ليس باعتبار ما ذكرناه ، كما يشير اليه قوله خذ ابنه الذي باعك حتى ينفذ لك البيع ، فإنه ظاهر في ان حبس الابن عنده انما هو لأجل إنفاذ البيع وأجازته ، لا لأجل الثمن أو القيمة (١).

وبالجملة فإنه مرجوع الى قائله (عليه‌السلام) ولعله لمصلحة لا نعلمها ، وفيه دلالة على صحة بيع الفضولي وتوقفه على الإجازة كما هو المشهور ، مع ما عرفت من الاخبار الدالة على البطلان كما تقدم في المسألة المذكورة ، ولكن

__________________

(١) قال في الدروس : وروى محمد بن قيس في وليدة باعها ابن سيدها فاستولدها المشترى ينتزعها الأب وولدها ، وللمشتري أخذ البائع ليجيز أبوه البيع ، وهي قضية علي (عليه‌السلام) في واقعة ، ولعل ذلك لاستصلاح منه (عليه‌السلام) وفيها دلالة على أن العقد الفضولي موقوف وعلى أن الإجازة كاشفة انتهى ، ومؤيد لما ذكرناه في الأصل من عدم إمكان التأويل المذكور ، فيحمل على الظاهر على انها قضية وواقعة مخصوصة فلا يتعدى الى غير موضعها ، لا في صحة العقد الفضولي ولا غيره» لما عرفت من الاخبار الدالة على بطلانه. منه رحمه‌الله.

٤٥٧

هون الأمر فيه ما هو عليه من المخالفة لمقتضى الأصول الشرعية والضوابط المرعية. والله العالم.

المسألة العاشرة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في من اشترى جارية سرقت من أرض الصلح حيث أن مال أهلها محترم ، فقال الشيخ في النهاية : من اشترى جارية كانت سرقت من أرض الصلح ، كان له ردها على من اشتراها منه ، واسترجاع ثمنها وان كان قد مات ، فان لم يخلف وارثا استسعيت الجارية في ثمنها وبذلك قال ابن البراج.

وقال ابن إدريس : كيف تستسعى هذه الجارية بغير اذن صاحبها ، وكيف تعتق ، وليس على ذلك دليل ، وقد ثبت أنها ملك الغير ، والاولى ان تكون بمنزلة اللقطة ، بل يرفع خبرها الى حاكم المسلمين ، ويجتهد على ردها على من سرقت منه ، فهو الناظر في أمثال ذلك انتهى. وظاهر المحقق في الشرائع ـ ومثله العلامة في المختلف ونحوه في الإرشاد ـ أنه مع تعذر ردها على المالك أو وكيله أو وارثه تدفع الى الحاكم الشرعي ليحفظها على مالكها.

واما الثمن فيرجع به على البائع مع بقاء عينه مطلقا ، واما مع تلفه فكذلك ان كان جاهلا ، فان تعذر سقط (١) ولا تستسعى الجارية مطلقا وان تلف الثمن ، والى هذا القول مال في كتاب المسالك ايضا وهذان القولان يشتركان في عدم الاستسعاء ويفترقان في كونها كاللقطة في وجوب حفظها على مذهب ابن إدريس ، أو تدفع الى الحاكم على مذهب المحقق.

والذي وقفت عليه من الاخبار في المقام ما رواه الشيخ في الصحيح ـ الى مسكين

__________________

(١) ووجه تعذره اما بإعسار البائع أو موته وموت وارثه ، أو الامتناع من رده ، ولم يمكن إجباره على ذلك. منه رحمه‌الله.

٤٥٨

السمان ، وهو مجهول ـ (١) عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : «سألته عن رجل اشترى جارية سرقت من ارض الصلح قال : فليردها على الذي اشتراها منه ، ولا يقربها ان قدر عليه أو كان مؤسرا ، قلت ، جعلت فداك انه مات عقبه ، قال فليستسعها». والى هذه الرواية استند الشيخ في النهاية.

وأنت خبير بما فيها من الإشكال بمخالفة القواعد الشرعية والضوابط المرعية أما أولا فمن حيث ردها على البائع ، وهو ليس مالكا لها ومقتضى الأصول وجوب ردها الى المالك ، كما صرح به أصحاب القولين الأخيرين ، والا فالحاكم الشرعي مع تعذره ، واما ثانيا فمن حيث استسعائها في ثمنها ، مع أن كسبها لمولاها ، والثمن لم يصل اليه ، فكيف يؤخذ الثمن من غير آخذه.

وأما ما ذكره الشهيد (رحمه‌الله تعالى) في الدروس؟ حيث مال الى العمل بالرواية من قوله : والأقرب المروي تنزيلا على أن البائع مكلف بردها إلى أهلها ، اما لانه السارق ، أو لأنه ترتبت يده عليها ، واستسعاؤها جمعا بين حق المشترى وحق صاحبها ، والأصل فيه أن مال الحربي في الحقيقة في‌ء وبالصلح صار محترما احتراما عرضيا ، فلا يعارض ذهاب مال محترم في الحقيقة ، وزاد في شرح الإرشاد في الجواب عن الإشكال الأول بأن يده أقدم ، ومخاطبته بالرد ألزم ، خصوصا مع بعد دار الكفر ، انتهى.

ففيه ما ذكره في المسالك حيث قال ونعم ما قال : وهذا التنزيل تقريب للنص ، وتوجيه له حيث يكون النص هو الحجة ، والا فلا يخفى أن مجرد ما ذكر لا يصلح للدلالة ، لأن تكليف البائع بالرد لا يقتضي جواز الدفع اليه ، كما في كل غاصب ، وقدم يده لا اثر له في هذا الحاكم أيضا ، والا لكان الغاصب من الغاصب يجب عليه الرد على الغاصب ، وهذا باطل إجماعا ولأن البائع ان كان سارقا لم يكن أهلا للأمانة بخيانته ، وان لم يكن سارقا فليس وكيلا للمالك ولا وليا له فلا يجوز الدفع اليه كما في كل

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٨٣.

٤٥٩

مبيع يظهر استحقاقه ، واما الفرق بين احترام المال بالعرض والأصل فلا مدخل له شرعا في الحكم ، بل لا تفاوت في نظر الشارع بينهما ، بل كل منهما مضمون على المتلف ، مع أن المتلف للمال المحترم حقيقة ليس هو مولى الجارية ، بل هو البائع الذي غره ان كان عالما أو من غره ، فلا يرجع على غيره ، «وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى» ولو تم ذلك لزم منه جواز أخذ ما ذهب من الأموال المحترمة بالأصل من مال المحترم بالعرض ، كأهل الذمة وهو واضح البطلان. انتهى كلامه زيد مقامه ، وهو جيد وجيه ، كما لا يخفى على الفطن النبيه.

وبالجملة فالمسألة لما عرفت محل إشكال ، لأن العمل بهذه الرواية مع ما هي عليه مما شرحناه مشكل وردها من غير معارض أشكل. نعم من يرى العمل بهذا الاصطلاح المحدث يقوى ردها عنده ، كما جزم بذلك المحقق الأردبيلي حيث قال : والظاهر تركها بالكلية ، والعمل بالأدلة ، لكن يلزم أن يذهب ثمن المشترى ان لم يقدر على السارق البائع ، ولا محذور في ذلك ، وهو ظاهر. انتهى الا ان الشهيد رحمه‌الله قد عمل بها مع كونه من أرباب هذا الاصطلاح ، لكنه لا تصلب له فيه ، كما عليه متأخرو المتأخرين ، سيما مثل المحقق المذكور وتلميذيه صاحبي المدارك والمعالم ، ولهذا انه قليلا ما يطرح الأخبار الضعيفة ، ويتشبث في العمل بها بأدنى مستمسك ، كما لا يخفى على من راجع كتبه ، وهو مبنى على ما صرح به في صدر كتابه الذكرى من ثبوت أخبارنا المروية في هذه الأصول ، عن الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الظاهر من كلام الأصحاب القولين الأخيرين حيث لم يعملوا بالخبر المذكور ان دفعها الى الامام ـ مع تعذر الوصول الى المالك ـ انما هو ليحفظها على مالكها الى ان يمكن إيصالها إليه ، كما تقدم في عبارة ابن

٤٦٠