الحدائق الناضرة - ج ١٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

ورواية عبد الله بن جذاعة (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن السيف المحلى بالفضة يباع بنسيئة؟ قال : ليس به بأس ، لأن فيه الحديد والسير».

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن العلوي عن جده على بن جعفر (٢) عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن الفضة في الخوان والقصعة والسيف والمنطقة والسرج واللجام تباع بدراهم أقل من الفضة أو أكثر قال : تباع الفضة بدنانير ، وما سوى ذلك بدراهم». ورواه على بن جعفر في كتابه.

أقول : ينبغي أن يعلم أولا أن من القواعد المقررة في كلام الأصحاب ـ وهو المستفاد من الاخبار كما تقدم ذكره في باب الربا ـ ان المجتمع من جنسين يجوز بيعه بغير جنسيهما مطلقا ، وبهما معا سواء علم قدر كل واحد من المجتمع أم لا إذا عرف قدر الجملة ، وسواء أمكن تخليصهما أم لا ، ويجوز أيضا بكل واحد منهما إذا علم زيادته عن جنسه بحيث يصلح ثمنا للآخر وان قل ولم يكن قيمته واقعا (٣) ، وحينئذ فما دلت عليه رواية إبراهيم بن هلال «من النهى عن شراء اللجام إذا كان يقدر على تخليصه» لعله محمول على الكراهة ، والا فلو شراه بأحدهما مع زيادته على ما فيه من ذلك الجنس الأخر فلا إشكال في صحته ، بناء على ما عرفت.

وما دلت عليه صحيحة عبد الله سنان الاولى ـ من أنه لا يصلح شراء الفضة المغشوشة بالرصاص بالورق ـ قد تقدم بيان لوجه فيه في المسألة الثانية.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ١٠.

(٣) اشتراط العلم كما ذكرنا مذهب الأكثر ، وبه صرح في الدروس ومثله الشهيد الثاني في الروضة ، وبالاكتفاء بالظن الغالب صرح الشهيد في اللمعة والظاهر الأول. منه رحمه‌الله.

٣٠١

وما في رواية أبي بصير ـ من نفي البأس عن بيع السيف المحلى بالنقد ـ فيحمل على المخالفة في جنسي النقد والحلية ، أو زيادة الثمن ان كان من جنسها ، وما نفى عنه البأس من بيعه نسيئة إذا نقد مثل ما في الفضة ظاهر في كون ذلك من باب الصرف كما تقدمت الإشارة إليه ، فيشترط فيه التقابض في المجلس بالنسبة إلى الحلية ، وما قابلها من الثمن ، فإذا نقد مثل الفضة ، فلا بأس بالنسبة في الباقي ، والا فليجعل جنسا آخر كالطعام ، ومثل هذه في ذلك صحيحة عبد الله سنان.

وأما موثقة محمد بن مسلم ـ فعلى تقدير نسخة الكافي ـ فيها دلالة على جواز البيع بالدراهم ، لكن لا بد من التقييد بزيادتها على ما فيه من الفضة لما عرفت ، وعلى تقدير نسخة التهذيب فيها دلالة على المنع من الدراهم ، ويحمل على عدم معلومية الحلية ، ليحصل المخرج من الوقوع في الربا بالزيادة في الثمن ، فلا يباع حينئذ إلا بجنس آخر ، كما دلت عليه صحيحة عبد الرحمن الحجاج ، وكراهة نسيئة في الرواية أعم من أن يكون بالدراهم أو الدنانير ، والمراد بالكراهة التحريم كما هو شائع في الاخبار ، لما عرفت من أنه يلحقه حكم الصرف هنا ، وقوله فيها إذا كان الثمن أكثر من الفضة فلا بأس فيه ، دلالة على جواز البيع بالدراهم مع زيادتها على ما فيه من الحلية ، ليكون الزيادة في مقابلة الجنس الأخر.

وأما صحيحة عبد الرحمن الحجاج ، فان قوله فيها أن الناس لم يختلفوا في النسي‌ء أنه الربا» مؤكد لما قلناه من حصول الربا بالنسيئة ، لما تقدم من أن له قسطا من الثمن ، وفيه دلالة ظاهر على اعتبار الزيادة الحكمية في الربا ، خلافا لابن إدريس من تخصيصه الزيادة الموجبة للربا بالعينية.

وقوله «فقلت : فنبيعه بدراهم بنقد» الى آخر الخبر ملخصه أنه ان علم مقدار الفضة التي في الحلية ، فالمخرج من الوقوع في الربا زيادة الدراهم على الفضة المذكورة ، وان لم يعلم فلا تباع الا بجنس آخر تحرزا من الوقوع في الربا ،

٣٠٢

بان يكون الفضة التي في الحلية أزيد من الدراهم المنقودة ، بقي الإشكال فيه من قوله «انما اختلفوا في اليد باليد» مع انا لا نعلم خلافا في اشتراط التقابض في النقدين ، ولم يذهب أحد إلى القول بعدم التقابض في النقدين وانما الخلاف في غيرهما كما تقدم ، والظاهر ان هذا الكلام إشارة الى ما ذكره محيي السنة من علماء العامة (١) ان ذلك كان قديما في عصره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم نسخ ، وبقي عليه أقوام لم يصل إليهم النسخ ، ومنهم ابن عباس.

وأما رواية منصور الاولى فالمعنى فيها ظاهر مما عرفت.

وأما رواية الثانية ففي ظاهرها نوع اشكال والظاهر أن المعنى فيها هو ما في روايته الاولى ، وأن المراد بقوله أكثر أو أقل لا بالنسبة الى ما قابله من الثمن إذا كان دراهم ، بل المراد كثيرا أو قليلا ، ولا بد من أقليته بالنسبة إلى الثمن لينطبق على الاخبار الباقية.

وأما رواية عبد الله بن جذاعة فحملها الشيخ في الاستبصار على التقييد بأن نقد مثل ما فيه من الفضة ، ليوافق ما تقدم مما دل على الحكم المذكور.

وأما رواية على بن جعفر فما ذكر فيها ، أحد الوجوه الموجبة للخروج عن الربا ، وليس ذلك مخصوصا به لما عرفت مما تقدم.

بقي الكلام في مواضع مما تقدم نقله عنهم في صدر المسألة : منها قولهم أنه مع العلم بما فيها من الحلية تباع بالجنس بشرط الزيادة ، فإن فيه أنه يمكن ذلك في صورة الجهل بقدرها إذا علم زيادة الثمن على الحلية ، فإنه يمكن تصور العلم بالزيادة وان جهل القدر.

__________________

(١) قال محيي السنة المذكور : فقال كان ـ في الابتداء حين قدم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المدينة ـ بيع الدراهم بالدراهم والدنانير بالدنانير متفاضلا جائزا يدا بيد ، ثم صار منسوخا بإيجاب المماثلة ، وقد بقي على المذهب الأول بعض الصحابة ، وممن لم يبلغهم النسخ كان عبد الله ابن عباس ، وكان يقول : أخبرني أسامة أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : انما الربا في النسيئة. منه رحمه‌الله.

٣٠٣

ومنها قولهم وتوهب الزيادة من غير شرط ، والمراد منه أن المخرج من الربا هنا أن يهبه الزيادة ، لكن لا يقع ذلك شرطا في عقد البيع بأن يبيعه بشرط أن يهبه الزيادة ، لاستلزامه الزيادة الحكمية في أحد الجنسين ، لان الشرط زيادة حكمية كما سيأتي إنشاء الله ـ تعالى ـ بيانه في اشتراط صياغة الخاتم ، وهذه الزيادة انما يتحقق ويحتاج الى التخلص بهبتها فيما إذا وقع البيع بالثمن على الحلية خاصة إذا فرضت قدر الثمن أو زائدة عليه ، فإنه يبقى ما فيه الحلية زيادة في البين ، وهو ظاهر ، ولو وهبه الزيادة قبل البيع صح أيضا ، ويجب تجريد عقد الهبة عن شرط بيع الباقي بمثله ، كما وجب تجريد عقد البيع عن شرط الهبة كما عرفت ، لرجوع الأمرين الى ما تقدم من لزوم الزيادة الحكمية.

ومنها قولهم في صورة الجهل بقدر الحلية وان بيعت بجنس الحلية ، «قيل : يجعل معها شي‌ء من المتاع ، الى آخره فان فيه أنك قد عرفت انه مع الجهل بقدرها يجوز بيعها بجنسها مع العلم بزيادة الثمن عليها ، فإنه يمكن فرضه ويصح البيع ، سواء جعل معها شي‌ء آخر أم لا ، ويصح أيضا مع عدم العلم بزيادة الثمن عليها أن يضم الى الثمن متاع آخر ، لينصرف الثمن إلى ذي الحلية ، والمتاع إلى الحلية.

وأما على هذا القول الذي نقل ، فان ظاهره ضم المتاع إلى الحلية ، وهو غير ظاهر الاستقامة ، لأنه مع ضم المتاع الى المبيع من الحلية وذي الحلية يزيد الضرر والمحذور ، حيث يحتاج الى مقابلة الثمن بها مع الباقي ، والظاهر أنه لذلك نقلوه بلفظ قيل إيذانا بضعفه ، وهذا القول للشيخ في النهاية وذكر بعض الأفضل أن الشيخ تبع في ذلك رواية وردت بهذه الصيغة ونسبت الى وهم الراوي ، ولم نقف عليها فيما وصل إلينا من الاخبار.

ثم انه ينبغي تقييد هذه الاخبار الواردة في هذا المضمار بما إذا كانت الحلية متمولة ، والا فلو كانت من قبيل حلية الجدران والسقوف فلا يترتب عليها الأحكام المذكورة كما تقدمت الإشارة اليه. والله العالم.

٣٠٤

المسألة السادسة ـ قال الشيخ في النهاية (١) لا بأس أن يبيع درهما بدرهم ويشترط معه صياغة خاتم ، أو غير ذلك من الأشياء ، وقال ابن إدريس : وجه الفتوى ـ بذلك على ما قاله (رحمه‌الله) ـ أن الربا هو الزيادة في العين إذا كان الجنس واحدا ، وهنا لا زيادة في العين ، ويكون ذلك على جهة الصلح في العمل فهذا وجه الاعتذار له إذا سلم العمل به ، ويمكن أن يحتج على صحته بقوله ـ (تعالى) ـ (٢) «وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا» ، وهذا بيع ، والربا المنهي عنه غير موجود هيهنا ، لا حقيقة لغوية ، ولا حقيقة عرفية ولا شرعية.

أقول : الأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ عن أبى الصباح الكنائي (٣)

__________________

(١) أقول قال في النهاية السيوف المحلاة والمركب المحلاة إذا كانت محلاة بالفضة وعلم مقدار ما فيها جاز بيعها بالذهب والفضة ، فإن بيع بالفضة فيكون ثمن السيف أكثر مما فيه من الفضة ، وان لم يعلم مقدار ما فيها وكانت محلاة بالفضة فلا تباع الا بالذهب ، وان كانت محلاة بالفضة وأراد بيعها بالفضة وليس لهم طريق إلى معرفة مقدار ما فيها فليجعل معها شيئا آخر ، ويبيع حينئذ بالفضة إذا كان أكثر مما فيه تقريبا ، ولم يكن به بأس ، وقال ابن إدريس بعد نقل ذلك : ولى فيه نظر ، ولم يبين وجه النظر ، قال في المختلف بعد نقل ذلك : والحق أن الفضة ان علم مقدارها جاز بيعها بأكثر منها ، ليحصل من الثمن ما يساوى المقدار من الحلية في مقابلته ، والزيادة في مقابلة السيف ، وان لم يعلم بيعت بثمن غير الفضة أو بالفضة مع علم زيادة الثمن ، أو يضم الى الثمن شيئا فيكون الفضة في مقابلة السيف ، والمضموم في مقابلة الحلية لانتفاء الربا انتهى. وهو جيد. منه رحمه‌الله.

(٢) سورة البقرة الآية ـ ٢٧٥.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ١١٠.

٣٠٥

قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يقول للصائغ : صغ لي هذا الخاتم وأبدل لك درهما طازجا بدرهم غلة؟ قال : لا بأس». والطازج الخالص معرب تازه ، والغلة المغشوش.

وجملة من الأصحاب قد عبروا هنا بأنه يجوز ابتياع درهم بدرهم مع اشتراط صياغة خاتم ، تبعا للشيخ ، وظاهر كلام الشيخ تعدية الحكم الى غير الصياغة ، بأن يبيعه درهما بدرهم ويشترط خياطة ثوب أو نحو ذلك.

قيل. وفي تعدية الحكم في الثمن والمثمن بأن يبيع دينارا بدينار ويشترط عملا ، ويبيع عشرة دراهم بعشرة ، ويشترط عملا اشكال ، والأقرب الجواز تفريعا على الجواز هنا أيضا لأن الزيادة المذكورة ان أوجبت الربا لزم التحريم في الجميع ، والا فلا.

وجملة من الأصحاب كالمحقق وغيره عبروا هنا بلفظ وروى ـ جواز ابتياع درهم بدرهم مع اشتراط صياغة خاتم ـ إيذانا بالتوقف في الحكم المذكور ومنع جملة منهم من تعدى موضع النص.

والتحقيق أن الرواية المذكورة لا صراحة فيها فيما ذكروه من البيع وانما تضمنت اشتراط ابدال درهم بدرهم في صياغة الخاتم لا البيع بشرط الصياغة.

نعم ربما يقال : ان الإبدال من قبيل الصرف ، والزيادة فيه تصير من قبيل الربا ، والجواب عنه أن يقال. ان اشتراط الصياغة انما هو في جانب الغلة ، وعلى ذلك لا يتحقق الزيادة ، لما عرفت من أن الدرهم الطازج هو الصحيح ، والغلة المراد بها المغشوش ، فالزيادة الحكمية التي هي الصياغة إذا جعلت مع المغشوش ، قابلت الزيادة التي في الخالص من الفضة على المغشوش ، وحينئذ لا مانع في البيع ولا غيره ولا في شرط صياغة خاتم ولا غيره من الأعمال متى كان المفروض مثل ما وقع في الرواية من النقصان في أحد العوضين ليجبر بالعمل المشترط.

٣٠٦

وبذلك يظهر لك ما في الفروض المذكورة في كلام ذلك القائل في تعدية الحكم الى بيع دينار بدينار ، وعشرة دراهم بعشرة أخرى ونحو ذلك ، فإنه على إطلاقه ممنوع ، لحصول الربا بالزيادة الحكمية ، بل ينبغي تقييده بما دلت عليه الرواية من نقص أحد العوضين ليصح الاشتراط ، ويندفع الربا.

وأما ما ذكره ابن إدريس من تخصيص الربا بالزيادة العينية في أحد الجنسين فيرده ما تقدم في صحيحة عبد الرحمن الحجاج من قوله (عليه‌السلام) (١) «أن الناس لم يختلفوا في النسي‌ء أنه الربا». ونحوها غيرها من الاخبار المانعة من البيع نسيئة لذلك.

وأما ما ذكره المحقق الأردبيلي (عطر الله مرقده) من أن ظاهر قوانينهم أنه ليس الحيادة زيادة تجبر بشي‌ء ، ولهذا لا يتحقق الربا بين الجيد في غاية الجيادة والردي في غاية الرداءة مع التساوي في المقدار ، ويتحقق مع التفاوت ، وان كان في جانب الردى بشي‌ء يسير لا يقابل الجيادة التي في الجيد ، وهو صريح كلامهم انتهى.

ففيه انه ينبغي أن يعلم أن هنا شيئين ، أحدهما أن تكون الفضة خالصة ، وإذا عملت دراهم جعل فيها غيرها من نحاس أو رصاص أو غيرهما ويسمى حينئذ مغشوشة وثانيهما أن تكون الفضة من أصلها ومعدنها ردية غير جيدة ، والمراد من الدراهم الجياد والدراهم الردية انما هو ما كان باعتبار أصل الجوهر ، لا من حيث ضم شي‌ء اليه وعدمه ، وما نحن فيه انما هو من قبيل الأول ، لأن الغلة كما ذكرنا هي الدرهم المغشوش بغيره ، وما اعترض به انما هو من الثاني ، وهو مما لا خلاف فيه ، لانه ليس فيه شي‌ء غير الفضة من الأشياء الخارجية عنها ، الا أن فضته ليست جيدة ، ويدلك على ذلك ما تقدم في المسألة الثالثة في الفضة المغشوشة من أنها لاتباع الا بغير الجنس ، أو به مع الزيادة في الثمن ليقابل ما فيها من الغش. وبالجملة فإن كلامه

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١١٣.

٣٠٧

هنا غفلة عن الفرق بين الأمرين. والله العالم.

المسألة السابعة ـ الأواني المصبوغة من الذهب والفضة وان كان كل واحد منهما معلوما جاز بيعه بجنسه من غير زيادة ، وبغير الجنس وان زاد ، وان لم يعلم وأمكن تخليصهما لم يبع بالذهب ولا بالفضة وبيعت بهما أو بغيرهما ، وان لم يمكن وكان أحدهما أغلب بيعت بالأقل ، وان تساويا تغليبا بيعت بهما ، هكذا صرح به بعضهم.

وقيل : ان أصل هذا الكلام للشيخ وتبعه عليه الجماعة ، وهو على إطلاقه مدخول ، ويحتاج الى تنقيح.

وذلك فإنك قد عرفت فيما تقدم في المسألة الخامسة أن من القواعد المتفق عليها نصا وفتوى أن المجتمع من جنسين يجوز بيعه بغير جنسيهما مطلقا ، وبهما معا سواء علم قدر كل واحد من المجتمع أم لا إذا عرف قدر الجملة ، وسواء أمكن تخليصهما أم لا ، ويجوز أيضا بكل واحد منهما إذا علم زيادته عن جنسه ، بحيث تصلح ثمنا للآخر وان قل ، سواء أمكن التخليص أيضا أم لا ، وسواء علم قدر كل واحد أم لا ، وما ذكر هنا من هذه المسألة أحد جزئيات القاعدة المذكورة ، ووجه الدخل في هذا الكلام في مواضع.

الأول قوله : ان كان أحدهما معلوما جاز بيعه بجنسه من غير زيادة وبغير الجنس وان زاد ، فان فيه أنه ان أراد ببيعه بيع ذلك الجنس خاصة دون المجموع فهذا لا وجه له ، لان فرض المسألة هو بيع المركب من الذهب والفضة لا أحدهما ، وحينئذ فما ذكر خارج عن محل المسألة ، وان كان المراد بيع المجموع ، اشترط في بيعه بجنس أحدهما زيادة الثمن على جنسه ليكون تلك الزيادة في مقابلة الأخر ، وان أراد بيع المجموع بجنسه أى الجنسين معا ، فلا معنى لاشتراط عدم الزيادة ، لأن كل واحد من الجنسين ينصرف الى مخالفه ، فلا تضر الزيادة هنا ولا النقصان ، ولا فرق في هذين القسمين بين أن يعلم قدر كل واحد منهما أو يجهل ، كما تقدم

٣٠٨

الإشارة إليه في القاعدة ، فلا وجه للتقييد بالعلم بهما.

الثاني ـ قوله وان لم يعلم وأمكن تخليصهما لم يبع بالذهب ولا بالفضة ، وبيعت بهما أو بغيرهما ، فإنه فيه أنه لا مانع من بيعه بوزنه ذهبا أو فضة مطلقا ، لحصول المماثلة في الجنسين والمخالفة بالنسبة إلى الجنس الأخر ، فلا مدخل للربا في ذلك ، وكذا مع الزيادة على قدر المركب ، وكذا مع نقصانه إذا علم زيادة الثمن على مجانسة بما يتمول ، فما ذكر من المنع من بيعه بأحدهما على تقدير إمكان التخليص لا يظهر له وجه ، بل يجوز حينئذ بيعه بهما وبأحدهما وبغيرهما وبالأقل سواء أمكن التخليص أم لا.

الثالث ـ قوله وان لم يمكن وكان أحدهما أغلب بيعت بالأقل ، فإن فيه أنه بمقتضى القاعدة المتقدمة يجوز بيعه بهما وبغيرهما ، وبالأقل والأكثر إذا علم زيادة الثمن على جنسه كما تقدم ، فالتقييد بالأقل عار عن النكتة.

واعتذر الشهيد ـ (رحمه‌الله) ـ لهم عن ذلك بأن ذكر الأقل محافظة على طلب الزيادة ، ورد بأن الزيادة المعتبرة في الثمن عن جنسه يمكن تحققها مع الأقل والأكثر ومع ذلك فالارشاد إلى الزيادة غير كاف في التخصيص الموجب لتوهم المنع من غيره.

الرابع قوله : «وان تساويا تغليبا بيعت بأحدهما» فإن فيه أنه مع تساويهما لا ينحصر الجواز في البيع بأحدهما ، بل يجوز بيعه بهما أو بأحدهما مع الزيادة وبغيرهما فلا وجه للتخصيص بأحدهما ، ولا فرق في ذلك أيضا بين إمكان التخليص وعدمه ، ولا بين العلم بقدر كل منهما وعدمه. نعم يعتبر العلم بالجملة والله العالم.

المسألة الثامنة ـ قال الشيخ في المبسوط : إذا اشترى ثوبا بمائة درهم الا دينارا أو بمائة دينار الا درهما لم يصح ، لان الثمن مجهول ، لانه لا يدرى كم حصة الدرهم من الدينار ولا كم حصة الدينار من الدرهم الا بالتقويم ، والرجوع الى أهل الخبرة ، وكذا قال ابن البراج ، وقال في النهاية : ولا يجوز أن يشترى بدينار الا درهما ، وعلل بالجهالة.

٣٠٩

وقال ابن إدريس : لا يصح أن يشترى الإنسان سلعة بدينار غير درهم ، ولا بدراهم ، غير دينار ، لان ذلك مجهول قال محمد بن إدريس : قولنا لا يصح ، نريد به العقد لا يصح ، وقولنا لانه مجهول المراد به الثمن مجهول ، وإذا كان الثمن مجهولا فالعقد والبيع لا يصح ، ووجه كون الثمن في هذه الصورة مجهولا لأنه لا يدرى كم حصة الدراهم من الدينار ، ولا كم حصة الدينار من الدراهم الا بالتقويم ، والرجوع الى أهل الخبرة ، وذلك غير معلوم وقت العقد ، فهو مجهول ، فان استثنى من جنسه فباع بمائة دينار الا دينارا أو بمائة درهم الا درهما صح البيع ، لان الثمن معلوم ، وهو ما بقي بعد الاستثناء. انتهى.

وقال ابن الجنيد لو باع ثوبا بمائة درهم غير دينار نقدا جاز ، فان باعه نسيئة لم يصح البيع ، لانه لا يعلم قدر الدينار من الدرهم وقت الوجوب ، وكذا كل ما اختلف جنساه ، وجملة من الأصحاب عبروا بما يرجع الى كلام الشيخ في المبسوط.

أقول : والأصل في هذه المسألة الاخبار. ومنها ما رواه في الكافي عن حماد (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «يكره أن يشترى السلعة بدينار غير درهم ، لانه لا يدرى كم الدرهم من الدينار».

وما رواه الشيخ عن السكوني (٢) «عن جعفر عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) في الرجل يشتري السلعة بدينار غير درهم الى أجل؟ قال : فاسد ، فلعل الدينار يصير بدرهم».

وعن أبى جعفر عن أبيه عن وهب (٣) «وعن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) أنه كره أن يشترى الرجل بدينار الا درهما والا درهمين نسيئة ، ولكن يجعل ذلك بدينار إلا ثلثا والا ربعا وإلا سدسا أو شيئا يكون جزءا من الدينار».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٩٧.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٧ ص ١١٦ الرقم ١٠٨.

٣١٠

وعن ميسر (١) «عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) انه كره ان يشترى الثوب بدينار غير درهم ، لانه لا يدرى كم الدينار من الدرهم».

أقول : وملخص الكلام في هذا المقام ـ وهو الذي يجتمع عليه الاخبار ، وما نقلناه من كلام علمائنا إلا علام ـ هو ان يقال ان البيع ان وقع نقدا فإنه لا بد في صحته من علم المتعاقدين بنسبة المستثنى من المستثنى منه ، فان لم يعلما أو أحدهما لم يصح البيع لمكان الجهالة في الثمن ، وان وقع نسيئة فإن شرطا في الدرهم أو الدينار المستثنى ما كان متعاملا به وقت العقد أو أطلقا فيرجع الى التفصيل المتقدم من علم النسبة صح البيع ، والا بطل لمكان الجهل ، وان شرطا الدرهم أو الدينار المتعامل به وقت حلول الأجل فأولى بالبطلان لانه لا يدرى ما يصير إليه الأمر في ذلك الوقت ، واليه يشير قوله (عليه‌السلام) في رواية السكوني ، «فلعل الدينار يصير بدرهم» وعلى هذا فلا اختلاف بين كلام ابن الجنيد ، وكلام الشيخ في هذه المسألة ، وأنت خبير بأن الأنسب بهذه المسألة هو ذكرها في المقام الثالث من الفصل الأول ، لأنها متعلقة بجهل الثمن ، ولكن الأصحاب لما ذكروها في باب الصرف جرينا على منوالهم في ذلك.

المسألة التاسعة ـ تراب الصياغة ان علم ـ بالقرائن المفيدة لذلك ـ إعراض أصحابه عنه جاز للصائغ تملكه كغبره مما يعلم أعراض ملاكه عنه ، وفي الاكتفاء بالظن اشكال ، والا فإن علم ملاكه وجب رده عليهم ، وان علم بعضهم وجب التخلص منه ولو بالصلح ، والا فالواجب الصدقة به أو بثمنه عن ملاكه ، كما هو الحكم في نظائره ، لكن متى أراد بيعه فلا يبيعه الا بجنس آخر من العروض أو بالذهب والفضة معا ، حذرا من الربا لو بيع بأحدهما ، لجواز زيادة ما فيه من جنس الثمن من ذلك الثمن أو مساواته ، فيلزم الربا.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١١٦ الرقم ـ ١١٠.

٣١١

أما لو علم زيادة الثمن من ذلك الجنس على جنسه بحيث تصلح الزيادة لمقابلة الجنس الأخر فلا بأس.

والذي وقفت عليه من الاخبار في هذه المسألة ما رواه في الكافي والتهذيب عن على بن ميمون الصائغ (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عما يكنس من التراب فأبيعه فما أصنع به؟ قال : تصدق به فاما لك واما لأهله ، قال : قلت فان فيه ذهبا وفضة وحديدا فبأي شي‌ء أبيعه؟ قال : بعه بطعام ، قلت : فان كان لي قرابة محتاج أعطيه منه؟ قال : نعم».

وما رواه الشيخ عن على الصائغ (٢) قال : «سألته عن تراب الصواغين وانا نبيعه قال : اما تستطيع ان تستحله صاحبه؟ قال : قلت : لا إذا أخبرته اتهمني ، قال بعه ، قلت : بأي شي‌ء أبيعه ، قال : بطعام ، قلت : فأي شي‌ء اصنع به؟ قال : تصدق به اما لك واما لأهله ، قلت : ان كان ذا قرابة محتاجا فأصله؟ قال : نعم». قال في الوافي لعل وجه الترديد في «لك ولأهله» احتمال أعراض المالك عنه وعدمه.

أقول : الظاهر بعده ، لأن الصدقة به انما هي حكم مجهول المالك ، ومع معلومية الاعراضي عنه وقصد تملكه لا يكلف بالصدقة ، بل هو ماله يتصرف فيه كيف يشاء ، ولا يتعين عليه التصدق ، بل الظاهر أن المراد انما هو التصدق به عن صاحبه مع الضمان لمالكه متى ظهر ولم يرض بالصدقة ، كما في نظائره ، فإن ظهر له صاحب ورضى بالصدقة أو لم يظهر بالكلية ، فالصدقة لصاحب المال ، وان ظهر ولم يرض بالصدقة كانت الصدقة لك وعليك ضمانه ، هذا هو الظاهر كما لا يخفى على الخبير الماهر. (٣)

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٥٠ التهذيب ج ٧ ص ١١١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصرف الرقم ـ ٢.

(٣) أقول : ما استظهرنا من الوجه المذكور ظاهر من الخبر الأول وأما الثاني فإن ظاهره وجود المالك ومعرفته ، وكان خوف التهمة الحقه

٣١٢

وظاهر الرواية الثانية جواز بيعه والصدقة بثمنه وان علم المالك إذا خاف التهمة.

والمفهوم من كلام الأصحاب أنه مع معلومية المالك لا يجوز الصدقة ، بل يجب التخلص منه بأي وجه اتفق ، قال في المسالك : ولو كان بعضهم معلوما فلا بد من محالته ولو بالصلح ، لأن الصدقة بمال الغير مشروطة باليأس من معرفته ، وعلى هذا فيجب التخلص من كل غريم يعلمه. انتهى.

وفيه أن ما ذكره وان كان هو مقتضى القواعد الشرعية والنصوص المرعية ، الا أنه مع دلالة النص على ما ذكرناه يجب تقييد ذلك بالخبر المذكور كما هو مقتضى القاعدة المشهورة ، وما دل عليه الخبران من البيع بالطعام الظاهر أنه خرج مخرج التمثيل ـ بالأسهل ، والا فإنه يصح البيع بالنقدين أو غيرهما من العروض ، قيل : ويلحق به باقي أرباب الحرف كالحداد والخياط والطحان والخباز ، وفيه اشكال قال في المسالك : ولو ظهر بعض المستحقين ولم يرض بالصدقة ضمن حصته مع احتمال العدم. (١)

أقول : لا وجه لهذا الاحتمال لان هذه المسألة من جزئيات القاعدة في مال مجهول المالك ، وحكمه الضمان بعد ظهور المالك وعدم الرضا بالصدقة ، واليه

__________________

بمجهول المالك ، فأمر (عليه‌السلام) فيه بالصدقة اما له ان اتفق علم المالك وعدم الرضاء بها أو بالنظر الى يوم القيمة ، واما للمالك ان رضي بعد العلم على أحد الوجهين المتقدمين. منه رحمه‌الله.

(١) ظاهر كلام المسالك اختيار الضمان مع احتمال العدم ، وقال الفاضل الخراساني في الكفاية ولو ظهر بعض الأرباب بعد الصدقة ولم يرض بها فهل يضمن؟ فيه احتمالان ، وظاهره تساوى احتمالين ، وفيه ما عرفت في الأصل والله العالم. منه رحمه‌الله.

٣١٣

يشير هنا ما ذكره (عليه‌السلام) في الخبرين من قوله «إما لك أو لأهله» كما قدمنا بيانه وقال في المسالك أيضا : ومصرفه مصرف الصدقة الواجبة ، وقيل : المندوبة.

أقول : احتمال المندوبة بمعنى غير الفقير المستحق بعيد جدا ، فإن إطلاق الصدقة في الكفارات والنذور ونحوها انما يتبادر الى المستحق من الفقراء والمساكين دون الأغنياء ، كما صرحوا به ، ولو كان الصائغ من ذوي الاستحقاق فهل يجوز له آخذه لنفسه اشكال ، من أمره (عليه‌السلام) له بالصدقة ، والمتبادر منه غيره من أفراد المستحقين ، ولا بأس بالصدقة على عياله أو قرابته كما صرح به في النص. والله العالم.

المسألة العاشرة ـ لا خلاف في ان الدراهم والدنانير يتعين بالتعيين ، فلو اشترى بدراهم معينة تعين الوفاء بها بجميع مشخصاتها ، لعموم الوفاء بالعقود كما لو باع عرضا معينا ، فإنه يجب الوفاء به ، والمقتضى لوجوب الوفاء ثابت في الجميع فلا يجزى دفع غيرها ، ولا يجوز إبدالها ، ولو تلفت قبل القبض انفسخ البيع ، ولم يكن له دفع العوض وان حصلت المساواة في الأوصاف ، ولا للبائع المطالبة بذلك ، وان وجد البائع بها عيبا لم يستبدلها ، وانما له الخيار بين فسخ العقد والرضا بها.

إذا عرفت ذلك فنقول : هيهنا صورا ، الأولى إذا اشترى دراهم بمثلها معينة ـ كما لو قال : بعتك هذه الفضة بهذه مثلا فوجد ما صار اليه من البيع من غير جنس الدراهم كما لو ظهرت نحاسا أو رصاصا ـ كان البيع باطلا ، لان ما وقع عليه العقد ـ وهو ذلك الفرد المشار اليه ـ غير مقصود بالشراء ، وما هو مقصود بالشراء لم يقع عليه العقد ، فيقع البيع باطلا ، لتخلف القصد عما وقع عليه العقد ، ولا فرق في ذلك بين الصرف وغيره ، فلو باعه ثوبا كتانا فظهر صوفا ، وكذا لو باعه بغلة فظهرت فرسا بطل البيع ، ويجب رد الثمن وليس له الأبدال ، لوقوع العقد على عين مشخصة ، فلا يتناول غيرها ولا الأرش ، لعدم وقوع الصحيح والمعيب على هذه العين ، وربما يخيل تغليب الإشارة هنا وهو باطل ، وقد تقدم الكلام في ذلك.

٣١٤

الثانية ـ لو كان البعض من الجنس والبعض الأخر من غيره ، فالظاهر أنه لا خلاف بينهم في صحة العقد فيما كان من الجنس ، والبطلان في غيره ، لوجود شروط الصحة في الأول ، وانتفائها في الثاني ، وعدم توقف صحة البعض على البعض الأخر وقد تقدم نظير ذلك فيما لو باع ما يملك وما لا يملك ، فإنه لا خلاف بينهم في الصحة فيما يملك ، والبطلان أو الحكم بكون البيع فضوليا فيما لا يملك ، الا ان للمشتري الخيار ـ لتبعيض الصفقة ـ بين الفسخ ، وأخذ ما كان من الجنس بقسط من الثمن وحيث يختار المشتري الثاني وهو أخذ الجيد بحصته من الثمن ، يتخير البائع أيضا مع جهله بالعيب لتبعيض الصفقة أيضا ، وأكثر عباراتهم وان كانت انما اشتملت على تخيير المشتري خاصة ، الا انها محمولة على ما هو الغالب من أن الجهل بالعيب انما يكون من المشترى دون البائع لثبوت العيب في ملكه ، واطلاعه عليه غالبا فلو فرض خلاف ذلك ثبت له الخيار أيضا ، كما أن المشترى لو اطلع عليه ورضى به لا خيار له.

الثالثة ـ لو كان الجنس واحدا وبه عيب كخشونة الجوهر واضطراب السكة بأن يكون سكتة مخالفة للسكة الجارية في المعاملة ، فلا يخلو اما أن يكون العيب المذكور شاملا للجميع أو مختصا بالبعض ، فان كان الأول تخير المشترى بين رد الجميع وإمساكه كما في سائر المعيبات ، وليس له رد البعض ، للزوم تبعيض الصفقة على البائع ، ولا طلب البدل ، لان العقد انما وقع على ذلك العين ، وان كان الثاني تخير أيضا بين رد الجميع وإمساكه ، والظاهر أنه لا خلاف فيه ، وانما الخلاف في أنه هل له رد المعيب وحده أم لا؟ فقيل : بالأول ، وهو الذي رجحه العلامة في التذكرة ، وعلل بانتقال الصحيح بالبيع ، وثبوت الخيار في الباقي لعارض العيب لا يوجب فسخ البيع فيه ، وقيل : بالثاني لأن رد المعيب وحده يفضى الى تبعيض الصفقة على الأخر ، فيمنع منها كما لو كان كله معيبا ، فان كل جزء منه موجب للخيار ، وبه قطع المحقق وجماعة.

٣١٥

وأنت خبير بما فيه من المخالفة لما تقدم في الصورة الثانية مما ظاهرهم الاتفاق عليه من الصحة في البعض ، والبطلان في البعض.

ثم انه ينبغي أن يعلم أنه لا أرش في جميع هذه الصور المذكورة في هذه الصورة الثالثة ، لأنها مفروضة في بيع الفضة بالفضة ، أو الذهب بالذهب ، والعوضان متجانسان متساويان في القدر ، فلو أخذ أرش العيب لزم زيادة قدر المعيب عن الصحيح ، ولا يجبر عيبه الجنسي ، لما تقرر من أن جيد الجوهر ورديه جنس واحد.

نعم لو كان مختلفين كالدراهم بالدنانير أو بالعكس جاز له اختيار الإمساك بالأرش ما داما في المجلس ، فلو تفرقا لم يجز لاشتراط التقابض في الصرف قبل التفرق ، الا أن تفرض المسألة في غير الأثمان مما لا يجرى فيه حكم الصرف فلا بأس. والله العالم.

المسألة الحادية عشر ـ إذا اشترى دراهم بدراهم في الذمة ثم وجد ما انتقل اليه غير ما هو المقصود بالشراء ، اما بأن يكون غير الجنس أو يكون به عيب لا يخرج به عن الجنسية ، وعلى الأول فاما أن يكون الجميع أو البعض.

فهيهنا صور ثلاث. الاولى ـ أن يكون غير الجنس ويكون الجميع ، والحكم فيه ـ كما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ أن له المطالبة بالبدل هنا ، بخلاف ما تقدم في سابق هذه المسألة ، لأن العوض هنا في الذمة ، وهو أمر كلي ، والمدفوع لما لم يكن من جنس ذلك الكلى امتنع كونه عوضا ، وإذا امتنع كونه عوضا كان له المطالبة لحقه ما لم يحصل التفرق.

الثانية ـ الصورة المذكورة مع كونه البعض ، وحكمها أنه يبطل في البعض الذي هو غير الجنس ، ويصح في الأخر ان كان ظهور ذلك بعد التفرق ، وان كان قبل التفرق فله المطالبة بالبدل ، لما تقدم ذكره في سابق هذه الصورة.

الثالثة ـ ان يكون عيبا لا يخرج به عن الجنسية ، كخشونة الجوهر واضطراب السكة ، والحكم فيه التخيير بين الرد والإمساك بالثمن من غير أرش ، أما التخيير فمن

٣١٦

حيث العيب كما في غيره من المبيعات المعيبة ، وأما عدم الأرش فلما تقدم في سابق هذه المسألة من استلزامه الربا ، ولو اختار الإمساك فله المطالبة بالبدل قبل التفرق بلا اشكال وخلاف ، لان ما في الذمة أمر كلي محمول على الصحيح السالم من العيب ، فمتى كان المدفوع معيبا وجب إبداله قبل التفرق ، لان المقبوض في حكم العدم ، انما الخلاف والاشكال في وجوب الأبدال وعدمه بعد التفرق ، وذلك أنه بالنظر الى أن الإبدال يقتضي عدم الرضا بالمقبوض قبل التفرق ، وان المبيع حقيقة انما هو البدل ، وقد حصل التفرق قبل قبضه ، فيكون الصرف باطلا ، فلا يجوز له أخذ البدل ، (١).

__________________

(١) أقول : وفي المسألة أقوال آخر ، منها ما نقله في الدروس عن الشيخ وابن حمزة من أنه يتخير بين الفسخ والأبدال ، والرضا مجانا ولم يعتدا باتحاد الجنس قال : وفي المختلف له الأبدال دون الفسخ ، ثم استشكله بأنهما تفرقا قبل قبض البدل ونقل عن ابن الجنيد بأنه يجوز الأبدال ما لم يتجاوز يومين ، فيدخل في بيع النسيئة ، قال : ولم يعتد بالتعيين وعدمه ، ثم قال : وفي رواية إسحاق عن الكاظم (عليه‌السلام) اشارة اليه) أقول : الظاهر انه أشار بذلك الى ما رواه إسحاق بن عمار في الصحيح (الكافي ج ٥ ص ٢٤٦ التهذيب ج ٧ ص ١٠٣ لكن فيه «فان وجدت في ورقه» وليس فيه «أخذت»)

٣١٧

والى هذا يميل كلام الشهيد في الدروس حيث قال : وان لم يتعين فله الأبدال ما داما في المجلس وان تفرقا لم يجز الأبدال على الأقرب ، وله الرد. انتهى وبالنظر الى تحقق التقابض في العوضين قبل التفرق ، ـ لان المقبوض وان كان معيبا الا ان عيبه لا يخرجه عن حقيقة الجنسية وصحة العوضية. لأجل ذلك انه قد ملكه المشترى ، بدليل أن نماءه من حين العقد الى وقت الرد له ، والفسخ بالرد طار على الملك بسبب ظهور العيب ، فيكون البيع صحيحا وله طلب البدل بعد التفرق.

وتوضيحه ـ زيادة على ما ذكره المحقق الشيخ على (قدس‌سره) في شرح القواعد ـ أن ما في الذمة وان كان أمرا كليا ، الا أنه إذا عين في شي‌ء وقبضه المستحق تعين وثبت ملكه له ، فإذا ظهر فيه عيب كان له فسخ ملكيته ، تداركا لفائت حقه ، فإذا فسخ رجع الحق إلى الذمة ، فتعين حينئذ عوضا صحيحا.

وبهذا يظهر أن الأول كان عوضا في المعاوضة وقد قبضه قبل التفرق ، فيتحقق شرط الصحة ، فلا يلزم بطلانها بالفسخ الطاري على العوض المقتضى لعوده إلى الذمة ، وكون البدل عوضا في الجملة لا يقتضي نفى عوضية غيره ، فلا يقتضي التفرق

٣١٨

قبل قبضه التفرق قبل قبض العوض في المعاوضة. وهو واضح. وكان الأصح ثبوت المطالبة بالبدل. انتهى.

وهو ظاهر في اختياره صحة البيع ، ومثله أيضا شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والعلامة في الإرشاد ، وتردد المحقق في الشرائع في ذلك ، ونحوه العلامة في القواعد ، والمسألة لخلوها من النص الواضح مع تدافع هذه التعليلات محل الاشكال ، سيما ـ مع ما عرفت في غير موضع ـ من عدم صحة تأسيس الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات العقلية ، الغير المبنية على شي‌ء من القواعد المستفادة من الاخبار المعصومية ، على أن ما ادعاه (قدس‌سره) من قوله ، «وبهذا يظهر ان الأول كان عوضا» الى آخره ، مدخول بأنه بعد الرد وعدم الرضا بذلك العيب انكشف عدم صحة المعاوضة ، وعدم كونه متعينا لما وقع عليه العقد ، والا لم يكن له الرد وطلب البدل ، فكيف يتحقق بقبضه أولا شرط صحة الصرف ، وهو قبض العوض قبل التفرق.

وبالجملة فالتعليلات العقلية لا تقف على حد ، ولا ينتهي إلى عد ، ولهذا استشكل بناء الأحكام الشرعية عليها ، هذا كله فيما ظهر الجميع معيبا من الجنس.

أما لو ظهر بعضه خاصة اختص بالحكم حسبما تقدم لكن ليس له افراده بالرد هنا ، للزوم تبعيض الصفقة على البائع إلا مع رضاه والله العالم.

المسألة الثانية عشر ـ إذا اشترى دينارا بدينار فاتفق الزيادة في الدينار الذي هو ثمن غلطا أو عمدا ، فإن الزيادة تكون في يد البائع أمانة للمشتري ، وهي مشاعة في الدينار ، هذا إذا كان البيع والشراء في الذمة ، وتبين بعد الدفع زيادة الدينار الذي هو ثمن.

أما لو كانا معينين فإنه يبطل الصرف ، لاشتمال أحد العوضين على زيادة عينية ، وكذا لو كان الزائد معينا ، والمطلق مخصوصا بقدر ينقص عنه بحسب نوعه ، والحكم بكون الزائد أمانة في يد المشترى كما تقدم أحد القولين في المسألة قالوا لأصالة البراءة من الضمان ، ولانه لم يقبضها بسبب مضمون مرسوم ولا غصب

٣١٩

ولا بيع فاسد ، وانما قبضها باذن مالكها ، فيكون كالودعي.

وقيل : انها تكون مضمونة عليه ، لانه قبضها على أنها أحد العوضين الذين جرى عليها عقد المعاوضة ، فتكون مضمونة ، نظرا : الى مقتضى العقد ولأنه أقرب الى الضمان من المقبوض بالسوم ، ولعموم (١) «على اليد ما أخذت حتى تؤدى».

وأورد عليه بأن قبضه على جهة العوض غير قادح مع ظهور عدمه ، ومقتضى العقد لم يدل على ضمان غير العوضين ، وكونها أقرب من المضمون بالسوم انما يجرى لو سلم كون المقبوص بالسوم مضمونا ، وهو محل النزاع ، وعموم الخبر بحيث يشمل محل النزاع في حيز المنع ، فان الثابت على الأخذ بمقتضى الخبر غير معين ، فجاز كون الواجب على اليد الحفظ ونحوه الى أن يؤدى ، ويرشد إليه الأمانات المقبوضة باليد ، مع عدم الحكم بضمانها وانما القدر المتفق عليه وجوب حفظها.

أقول : والمسألة حيث كانت عارية عن الدليل اتسع فيها دائرة القال والقيل ، وهكذا كل مسألة من هذا القبيل ، ثم انه مع الحكم بكون الزيادة أمانة فحكمها مختلف بالنسبة إلى العمد والخطاء ، فإنها على تقدير العمد أمانة مالكية لا يجب ردها الا مع طلب المالك وان وجب حفظها ، كما في سائر الأمانات التي يؤمنها مالكها ، وعلى تقدير الغلط ، فيحتمل كونهما أمانة شرعية وان كانت مدفوعة من المالك ، الا أنه لعدم علمه بها وكون ذلك غلطا ، يكون حكمها كما لو باعه صندوقا فوجد فيه متاعا ، فإنه يكون أمانة شرعية مع استناد الدفع الى المالك نظرا الى جهله بها ، ويحتمل كونهما مالكية نظرا الى استناد دفعها اليه ، وصدق تعريفها المشهور على ما نحن فيه ، لأنهم جعلوا مناطها الاستناد الى دفع المالك أو من في حكمه.

وتظهر الفائدة في وجوب اعلام المالك بها وردها عليه على تقدير كونها شرعية ،

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٥٠٤.

٣٢٠