الحدائق الناضرة - ج ١٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

على خلاف الأصل فيقتصر فيه على القدر المتحقق.

الثالثة ـ إطلاق النص والفتوى يقتضي أنه لا يجب التماثل في الخرص بين ثمرتها بعد الجفاف وثمنها ، بمعنى أنه لا يجب مطابقة ثمرتها جافة للتمر بل المعتبر في الجواز بيعها بظن الخارص وتخمينه لها تمرا ، يعنى أن ما فيها من البسر والرطب إذا جف يبلغ هذا القدر تمرا فتباع ثمرتها بهذا المقدار تمرا من غيرها أو منها مع الاحتمال المتقدم ، ولا يجب مطابقة هذا التقدير الثمرة بعد الجفاف ، بحيث أنه لو زادت أو نقصت عن ذلك بطل البيع ، بل البيع صحيح ، وان لم تحصل المطابقة وقيل : يعتبر المطابقة فلو اختلفا تبين بطلان البيع ، والظاهر ضعفه لإطلاق النص بما ذكرناه ، ويأتي على هذا القول أنه لا يجوز التصرف في ثمرة التخلة بالأكل ونحوه ، حتى يستعلم المطابقة وعدمها بالجفاف ، وإطلاق النص بدفعه ، هذا هو المشهور في معنى عدم وجوب المماثلة بين ثمرتها وثمنها.

وقال العلامة في التذكرة : ان المعتبر المماثلة بين ما عليها رطبا ، وبين الثمن تمرا ، فيكون بيع رطب بتمر متساويا ، وجعل هذا مستثنى من بيع الرطب بالتمر متساويين.

الرابعة الظاهر أنه لا خلاف في عدم العرية في غير النخل ، بل نقل في المسالك الاتفاق على ذلك ، قال : وانما يظهر الفائدة لو منعنا من بيع ثمر باقي الشجر بجنسه جافا كما هو المختار ، وأما على ما ذهب اليه المصنف من الجواز ، فمتى نفى العرية أنه لا خصوصية لها حتى يتقيد بقيودها ، بل يجوز بيع الثمرة اتحد الشجر أم تعدد ، في الدار وغيرها بجنس ثمرها متماثلا انتهى. وملخصه أن العرية كما عرفت مستثناه من المزابنة ، والاستثناء انما يتجه على القول بالعموم في المزابنة للنخل وغيره ، كما اختاره (قدس‌سره) وقبله الشهيد حسبما قدمنا ذكره والله العالم.

المسألة السادسة ـ لو كان بين اثنين أو أكثر نخل أو شجر فيتقبل بعضهم

٣٦١

بحصة الباقين بشي‌ء معلوم كان جائزا ، وليس هذا من قبيل البيع ، وانما هي معاوضة مخصوصة تسمى بالقبالة وهي مستثناة من المزابنة والمحاقلة.

والأصل فيها جملة من الاخبار ، منها ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) بطرق عديدة فيها الصحيح وغيره ، عن يعقوب بن شعيب (١) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل ، فيقول أحدهما لصاحبه اما ان تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى أو تعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص ، واما ان آخذه انا بذلك؟ وأرده عليك قال : لا بأس بذلك» وفي بعض روايات الخبر بحذف «وأرد عليك».

وما رواه في الكافي. في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (٢) «قال أخبرني أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان أباه (عليه‌السلام) حدثه ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اعطى خيبرا بالنصف أرضها ونخلها فلما أدركت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة ، فقوم عليهم قيمة ، فقال لهم : اما ان تأخذوه وتعطوني نصف الثمن ، واما ان أعطيكم نصف الثمن وآخذه ، فقالوا بهذا قامت السموات والأرض». وفي التهذيب عوض «الثمن» في الموضعين «الثمرة» والظاهر ان ما في التهذيب هو الأقرب قال في الوافي بعد ذكر ذلك : والثمن أوفق للقيمة ، والثمرة انسب بالخرص ، كما يأتي.

وعن ابى الصباح الكناني (٣) في الصحيح قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما افتتح خبير تركها في أيديهم على النصف فلما بلغت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة إليهم فخرص عليهم فجاؤوا إلى النبي

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٩٣ مع اختلاف يسير التهذيب ج ٧ ص ٩١ الفقيه ج ٣ ص ١٤٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٦٦ التهذيب ج ٧ ص ١٩٣.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٢٦٧.

٣٦٢

(صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقالوا له : قد زاد علينا فأرسل الى عبد الله بن رواحة فقال : ما يقول هؤلاء فقال : قد خرصت عليهم بشي‌ء فإن شاؤوا يأخذون بما خرصنا وان شاؤوا أخذنا ، فقال رجل من اليهود : بهذا قامت السموات والأرض».

والظاهر أن ما اشتملت عليه هذه الروايات بالدخول تحت الصلح أنسب ، وبذلك صرح في الدروس : قال في المسالك : وظاهر الأصحاب ان الصيغة تكون بلفظ القبالة ، وان لها حكما خاصا زائدا على البيع والصلح ، بكون الثمن والمثمن واحدا وعدم ثبوت الربا زاد أو نقص ، ووقوعه بلفظ التقبيل ، وهو خارج عن صيغتي العقدين وفي الدروس أنه نوع من الصلح ، ولا دليل عليه ، كما لا دليل على ابقاعه بلفظ التقبيل أو اختصاصه به ، وانما المعلوم من الرواية أنه معاملة على الثمرة ، وانه لازم بحيث يملك المتقبل الزائد ، ويلزمه لو نقص. انتهى.

أقول : اما نفى البيع عن هذه المعاملة فظاهر لما ذكره ، واما نفى الصلح فغير ظاهر ، لانه لا ينحصر في لفظ الصلح وان اشتهر ذلك بينهم ، بل يصح ذلك بأي لفظ أفاد فائدته ، ومرجع هذه المعاملة إلى التراضي بين الشريكين بأن يأخذ كل منهما نصف ذلك المشترك مثلا ، بمعنى ان ما يستحقه أحد الشريكين في ذلك النصف الذي لشريكه ، عوض ما يستحقه الأخر في النصف الأخر ، وهذا هو الصلح بلا اشكال ، والربا مخصوص بالبيع كما تقدم ، فلا يضر في هذه المعاملة ونحوها.

ثم ان جملة من الأصحاب ـ منهم العلامة في الإرشاد والشهيد في الدروس قيدوا هذه المعاملة بشرط السلامة ، قال المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد في شرح قول المصنف «والتقييد بشرط السلامة» ما لفظه : ظاهر المتن أنه مشروط لزومه بالسلامة من الافة ، فلو نقص بها له أن لا يعطي إلا حصة الشريك مما حصل ، وان زاد فالزيادة له ، ويحتمل أن يكون المراد بالشرط عدم الافة ، بحيث تذهب بالكلية (١)

__________________

(١) قال : ويجوز تقبيل الشريك بحصة صاحبه من الثمرة بخرص معلوم وان كان منها ، وهو نوع من الصلح لا بيع ، وقراره مشروط

٣٦٣

وهو بعيد ، والظاهر أن المراد الأعم ، لكن لا يشمل النقص الذي حصل من التخمين والغلط فيه ، مع انه محتمل ، ويحتمل ان يكون السلامة كناية عن الموافقة من غير زيادة ونقصان ، فيكون النقص والزيادة مشتركا بينهما والظاهر من الرواية هو اللزوم مطلقا ، فكأنه راجع الى معاملة تكون بحسب الطالع النقص والزيادة سواء بسواء ، انتهى ، وما ذكره من الظاهر من الرواية هو الظاهر الذي يقتضيه إطلاق النصوص المتقدمة.

وأورد ابن إدريس على أصل الحكم بأن هذا التقبيل ان كان بيعا لم يصح ، لكونه مزابنة ، وان كان صلحا لم يصح ، لكون العوض مشروطا من نفس الثمرة للغرر وان كان في الذمة فهو لازم ، سواء بقيت الثمرة أو تلفت.

وأجيب بالتزام كونه صلحا والغرر محتمل للنص ، وحينئذ فإذا تلف منه شي‌ء يلزم تلف بعض العوض المشروط ، فإذا لم يتحقق ضمانه لم يجب العوض ، وأجيب أيضا بالتزام انه ليس بصلح ولا بيع ، بل هو معاملة خاصة ورد بها النص فلا يسمع ما يرد على طرفي الاحتمال لخروجها عنهما.

أقول : والجواب الثاني لا يخلو من قوة وان كان الأول أيضا بالتقريب الذي قدمناه ممكن ، والله العالم.

المسألة السابعة ـ المشهور انه يجوز بيع الزرع قائما على أصوله ، سواء بلغ الحصاد أم لا ، أو قصد قصلة أم لا ، لانه عين مملوكة قابلة للنقل ، ونقل عن الصدوق المنع الا ان يكون سنبلا أو قصد قطعه ، وكذا يجوز بيعه محصودا وان لم يعلم

٣٦٤

قدر ما فيه ، لأنه حينئذ غير موزون ومكيل ، فيكفي فيه المشاهدة ، وكذا يجوز بيعه قصيلا اى يباع بشرط القطع ، لعلف الدواب ونحوه ، وحينئذ فإذا باعه كذلك وجب على المشترى قصله حسب الشرط ، فلو يقصله تخير البائع بين قصله وتفريغ أرضه منه ، لانه ظالم «ولا عرق لظالم» (١) وبين تركه والمطالبة بأجرة الأرض عن المدة التي بقي فيها بعد إمكان قصله مع الإطلاق ، أو المدة التي تراضيا على اشتراطها للقصل مع التعيين.

ولو وقع الشراء لأجل الفصل قبل أو ان قصله ، وجب على البائع الصبر إلى أوانه مع الإطلاق ، أو الى المدة المعينة ان وقع التعيين ، ومقتضى إطلاق كلام الأكثر جواز تولى البائع القطع مع امتناع المشترى ، ووجوبه عليه وان قدر على الحاكم ، ورجح بعضهم توقفه على اذن الحاكم ، حيث يمتنع المشترى ان أمكن وجود الحاكم ، والا جاز له مباشرة القطع دفعا للضرر ، أو إبقاؤه والمطالبة بأجرة الأرض كما تقدم.

والذي وقفت عليه من الاخبار في هذا المقام ما رواه ثقة الإسلام والشيخ في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (٢) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : لا بأس بأن تشتري زرعا أخضر ثم تتركه حتى تحصده إن شئت أو تعلقه من قبل ان يسنبل وهو حشيش ، وقال : لا بأس ايضا ان تشترى زرعا قد سنبل وبلغ بحنطة».

وعن حريز عن بكير بن أعين (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أيحل شراء الزرع الأخضر؟ قال : نعم لا بأس به».

وبالإسناد عن حريز عن زرارة (٤) مثله ، «وقال : لا بأس ان اشترى الزرع

__________________

(١) المستدرك ج ٣ ص ١٤٩.

(٢ و ٣ و ٤) الكافي ج ٥ ص ٢٧٤ التهذيب ج ٧ ص ١٤٢.

٣٦٥

أو القصيل أخضر ثم تتركه إن شئت حتى يسنبل ثم تحصده ، وان شئت ان تعلف دابتك قصيلا فلا بأس به قبل ان يسنبل ، فاما إذا سنبل فلا تعلفه رأسا فإنه فساد». أقول : رأسا يعنى حيوانا.

وعن زرارة (١) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) «في زرع بيع وهو حشيش ثم سنبل؟ قال : لا بأس إذا قال : ابتاع منك ما يخرج من هذا الزرع ، فإذا اشتراه وهو حشيش فان شاء أعفاه ، وان شاء تربص به».

وما رواه في التهذيب عن سليمان بن خالد (٢) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا بأس بأن تشتري زرعا أخضر ، فان شئت تركته حتى تحصده ، وان شئت بعته حشيشا».

وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) عن سماعة (٣) في الموثق قال : «سألته عن شراء القصيل يشتريه الرجل فلا يقصله ويبدو له في تركه حتى يخرج سنبله شعيرا أو حنطة ، وقد اشتراه من أصله «على أن ما به من خراج فهو على العلج» فقال : ان كان اشترط حين اشتراه ان شاء قطعه وان شاء تركه ، كما هو حتى يكون سنبلا ، والا فلا ينبغي له أن يتركه حتى يكون سنبلا».

أقول : في قوله «على أن ما به من خراج فهو على العلج» اختلافات في الكتب الأربعة وما هنا في التهذيب وفي الاستبصار «على أربابه خراج أو هو على العلج» وفي الكافي «على أربابه فهو على العلج» وفي الفقيه. وما كان على أربابه من خراج فهو على العلج ، والمعاني متقاربة ومرجع الجميع إلى أنه اشتراه على أن يكون الخراج على البائع ، دون المشترى فان الزراع والأكرة كانوا يومئذ من كفار

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٧٥.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ١٤٤.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٢٧٥ ولكن فيه «على أن ما به من خراج على العلج» التهذيب ج ٧ ص ١٤٢ الفقيه ج ٣ ص ١٤٨.

٣٦٦

العجم ، وهم المعروفون بالعلوج.

وروى هذا الخبر أيضا في الكافي. والتهذيب بسند صحيح إلى سماعة (١) وزاد فيه «فان فعل فان عليه طسقه ونفقته ، وله ما خرج منه».

وما رواه المشايخ الثلاثة عن سماعة (٢) في الموثق قال : «سألته عن رجل زرع زرعا مسلما كان أو معاهدا وأنفقه فيه نفقه ، ثم بدا له في بيعه لنقلة ينتقل من مكانه أو لحاجة ، قال : يشتريه بالورق فإن أصله طعام».

وما رواه في التهذيب. عن معلى بن خنيس (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اشترى الزرع فقال : إذا كان قدر شبر».

وعن معاوية بن عمار (٤) في الموثق قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : لا تشترى الزرع ما لم يسنبل فإذا كنت تشتري أصله فلا بأس بذلك أو ابتعت نخلا فابتعت أصله ولم يكن فيه حمل لم يكن به بأس».

وما رواه في الفقيه. عن أبى بصير (٥) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الحنطة والشعير أشترى زرعه قبل أن يسنبل وهو حشيش؟ قال : لا ، الا ان تشتريه لقصيل تعلفه الدواب ثم تتركه ان شاء حتى يسنبل».

وما رواه في الكافي ، والتهذيب عن إسماعيل بن الفضل (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن بيع حصائد الحنطة والشعير وسائر الحصائد قال : حلال فليبعه ان شاء».

والكلام في هذه الاخبار يقع في مواضع الأول ظاهر أكثر هذه الاخبار الدلالة على صحة ما هو المشهور بين الأصحاب مما قدمنا نقله عنهم ، والظاهر

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٢٧٥ التهذيب ج ٧ ص ١٤٢.

(٣ و ٤) التهذيب ج ٧ ص ١٤٤.

(٥) الفقيه ج ٣ ص ١٤٩.

(٦) الكافي ج ٥ ص ٢٧٧ التهذيب ج ٧ ص ١٤١.

٣٦٧

أن مستند الصدوق فيما تقدم نقله عنه هو رواية أبي بصير المذكورة ، حيث انها دلت على النهى عن شراء الزرع قبل أن يسنبل الا أن تشتريه للقصل ، فإنه يجوز وان تركه بعد ذلك حتى يسنبل ، وأنت خبير بأنها معارضة بجملة مما تقدم من اخبار المسألة ، مثل صحيحة الحلبي أو حسنته ، ورواية بكير بن أعين ورواية زرارة الاولى والثانية ونحوها ، فإنها قد اشتركت في الدلالة على جواز الشراء قبل أن يسنبل ، وان لم يقصد قصله ، بل ظاهر صحيحة الحلبي أو حسنته تجويز شرائه بقصد بقائه حتى يحصد ، أو بقصد قطعه لعلف الدواب.

وبالجملة فإن الظاهر هو القول المشهور ، والرواية المذكورة لا تبلغ قوة في معارضة ما ذكرنا من الاخبار ، ولم أقف على من تعرض للجواب عنها ، بل قل من نقل خلاف الصدوق في هذا المقام ، ولا يحضرني الان وجه للجواب عن الرواية المذكورة ، إلا الحمل على الكراهة ، بناء على قواعد الأصحاب في هذا الباب.

الثاني ـ ما دل عليه موثقة سماعة الأول ـ من أنه متى اشتراه قصيلا ثم يبدو له في تركه حتى يخرج سنبله ، فإنه لا يجوز ذلك الا أن يكون اشترط الإبقاء ، أو الاختيار بين قطعه وإبقائه ، والا فلا يجوز له أن يتركه ـ هو مستند الأصحاب فيما قدمنا نقله عنهم من أنه متى بيع لأجل القصل فإنه يجب إزالته على الوجه المتقدم ، مضافا الى الاخبار العامة في منع التعدي والتصرف في ملك الغير بغير الوجه المشروع.

وأما الرضا بذلك وأخذ الأجرة على بقائه تلك المدة فيستفاد من أدلة آخر في أمثاله ، ولفظ لا ينبغي في الخبر المذكور مراد به التحريم ، كما هو شائع الاستعمال في الاخبار.

الثالث ـ ما دل عليه موثق معاوية بن عمار من النهى عن شراء الزرع ما لم

٣٦٨

يسنبل ربما أوهم مذهب الصدوق المتقدم ذكره ، وليس كذلك ، بل المراد بالزرع فيه انما هو الحاصل ، وقد تقدم أنه لا يجوز بيعه قبل بدو صلاحه ، وأما إذا اشترى أصله يعني ما ظهر منه فلا بأس ، لكن لا بد من اشتراط إبقائه على البائع ، وصحة البيع في هذه الصورة مما لا اشكال فيها ، لان المبيع موجود مشاهد ، وما يحصل منه تابع.

وقيل ان المراد بأصل في قوله «فإذا كنت تشتري أصله» انما هو البذر المزروع وفي ذكر مثال النخل إشارة الى ذلك ، بمعنى ان شراء البذر المزروع مثل شراء النخل في تبعية الحاصل للأصل. أقول : وكيف كان فلا بد من اشتراط البقاء ليترتب عليه أخذ الحاصل.

الرابع ـ ما دل عليه خبر إسماعيل بن الفضل من صحة بيع حصائد الحنطة والشعير ، يمكن أن يكون مستندا لما تقدم نقله عنهم من أنه يجوز بيع الزرع محصودا وان لم يعلم قدر ما فيه ، لانه على تلك الحال ليس بمكيل ولا موزون ، وما دل عليه من جواز بيعه بحنطة أو شعير منه ـ وهي المزابنة المنهي عنها ، الا أن يخصص بما دل على المنع ، وقد عرفت مما تقدم في المسألة واختلاف الاخبار فيها ما في ذلك من الاشكال.

الخامس ـ ما دلت عليه موثقة سماعة الثانية من الأمر بشراء الزرع بالورق ، معللا بأن أصله الطعام ـ إشارة إلى حصول الربا المعنوي ـ ينبغي حمله على ما إذا سنبل وبدا صلاحه ، لانه قبل ذلك حشيش لا مانع من بيعه بأي شي‌ء كان ، كما تقدم ذكره في الموضع الخامس من المسألة الرابعة ، وحينئذ فلا بد من حمله على المحاقلة ، وهو بيع السنبل بحنطة منه أو من غيره ، وأنه لا يباع الا بالورق ونحوه ، لئلا يكون محاقلة.

إلا أنك قد عرفت ورود جواز ذلك في النصوص ، ومنها هنا قوله في آخر صحيح الحلبي أو حسنته «ولا بأس بأن يشترى زرعا قد سنبل بحنطة» وقوله في رواية

٣٦٩

إسماعيل بن الفضل «في حصائد الحنطة أو الشعير فليبعه بما شاء» الا أن يخصص المحاقلة المحرمة بما إذا كان الحنطة من ذلك الزرع المبيع ، وتحمل هذه الاخبار على ما إذا كان من غيره ، أو يحمل هذا الخبر ونحوه على الكراهة جمعا ، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك.

السادس ـ ينبغي أن يعلم أن ما ذكر في شراء الزرع قصيلا يجري أيضا فيما لو اشترى نخلا بشرط القطع ثم لم يقطعه حتى أثمر ، فإن الأحكام المتقدمة جارية فيه.

والى ذلك يشير قوله في موثق معاوية بن عمار «أو ابتعت نخلا فابتعته أصله ولم يكن فيه حمل».

ومن الاخبار الواردة في خصوص النخل ما رواه الشيخ في الصحيح عن هارون ابن حمزة (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) الرجل يشترى النخل ليقطعه للجذوع فيغيب الرجل ويدع النخل كهيئة لم يقطع ، فيقدم الرجل وقد حمل النخل ، فقال : له الحمل يصنع به ما شاء الا أن يكون صاحب النخل كان يسقيه ويقوم عليه». ورواه الكليني مثله ، وعن هارون بن حمزة في الموثق (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الرجل يشترى النخل ليقطعه للجذوع فيدعه فيحمل النخل ، قال : هو له الا ان يكون صاحب الأرض سقاه وقام عليه». وروى في الفقيه (٣) مرسلا قال : «سأله سماعة أن اشترى رجل نخلا ليقطعه» الحديث.

وبمضمون هذه الاخبار قال الشيخ في النهاية. فقال : إذا اشترى نخلا على أن يقطعه أجذاعا فتركه حتى أثمر ، فثمرته له دون صاحب الأرض ، وان كان صاحب الأرض ممن قام بسقيه ومراعاته كان له أجرة المثل ، وتبعه ابن البراج وهو قول

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٩٧ التهذيب ج ٧ ص ٢٠٦.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٩٠.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ١٥٠ مع تفاوت يسير.

٣٧٠

ابن الجنيد أيضا ، وأبى جعفر بن بابويه في المقنع ، وقال : ابن إدريس لا يستحق صاحب الأرض أجرة على السقي والمراعاة ، لأنه متبرع بذلك ، الا أن يأمره صاحب النخل ، فيكون له أجرة المثل وتبعه على ذلك من تأخر عنه ، لأنه الا وفق بالقواعد الشرعية ، ولهذا انه اعتذر في المختلف. للشيخ ـ بعد استدل له بالرواية الأولى ـ بأنه ليس في كلام الشيخ ولا الرواية ذكر التبرع ، فيحمل على ما إذا كان العمل بإذنه ، أو تحمل الأجرة على أجرة الأرض لا العمل. انتهى.

قال : بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين (١) ولعل عدم ذكر الأجرة هنا لانه كان للمالك أن يقطع النخل ، فلما يقطعه فكأنه رضي ببقائه مجانا ، والمشهور بين الأصحاب استحقاق الأجرة ، انتهى.

وفيه أن رضاه ببقائه لعله انما هو لقصد أخذ الأجرة ، وتحصيل النفع بذلك ، ومن ثم كان المشهور الحكم باستحقاق الأجرة كما تقله.

وينبغي أن يعلم أن الجاري في كلام الأصحاب ذكر مسألة جواز أكل المار بالثمار منها وعدمه في هذا الموضع ، ونحن قدمناها في مسائل المقدمة الرابعة ، وهي المسألة الخامسة منها ، فليرجع إليها من أحب الوقوف عليها والله العالم.

الفصل التاسع في بيع الحيوان

وتحقيق البحث فيه يتعلق بمن يصح تملكه ومن لا يصح ، والأحكام المترتبة على الابتياع ، وما يلحق بذلك ويترتب عليه ، فالكلام يقع هنا في مقصدين. الأول فيمن يصح تملكه ومن لا يصح ، وفيه مسائل الأولى ـ كل حيوان مملوك أناسي أو غيره يصح بيعه أجمع ، وبيع جزء منه معلوم مشاع ، كنصف

__________________

(١) وهو الأردبيلي ، منه رحمه‌الله.

٣٧١

أو ثلث ونحوهما ، لا معين كيده ورجله ونحوهما ، ودليل الأول ـ بعد الإجماع ـ العمومات والأصل وورود ذلك في خصوص بعض الافراد وعدم المانع شرعا ـ ، ودليل الثاني ـ بعد الإجماع على العدم ـ عدم إمكان الانتفاع بذلك الجزء المعين ، إلا ما سيأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ في استثناء الرأس والجلدة من الحيوان الغير الأناسي ، وهو ظاهر ـ الا مع وجود مانع كالاستيلاد والوقف والإباق من غير ضميمة ، وعدم القدرة على التسليم ، والأناسي من الحيوان أن يملك بالسبي مع الكفر الأصلي وخرق الذمة ان كان ذميا ، واحترز بالكفر الأصلي عن كفر المرتد فإنه وان كان بحكم الكافر في جملة من الأحكام الا أنه لا يجوز سبيه ، وفي جواز بيع المرتد الملي قول قواه في الدروس. أما الفطري فلا قولا واحدا فيما أعلم. والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه

في الكافي في الصحيح عن رفاعة النخاس (١) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) : ان الروم يغيرون على الصقالبة فيسرقون أولادهم من الجواري والغلمان فيعمدون الى الغلمان فيخصونهم ثم يبعثون بهم الى بغداد الى التجار فما ترى في شرائهم؟ ونحن نعلم أنهم قد سرقوا وانما أغاروا عليهم من غير حرب كانت بينهم؟ فقال : لا بأس بشرائهم ، إنما أخرجوهم من الشرك الى دار الإسلام». ورواه الشيخ مثله (٢)

وعن إبراهيم بن عبد الحميد (٣) «عن أبى الحسن (عليه‌السلام) في شراء الروميات؟ فقال : اشترهن وبعهن».

وعن زكريا بن آدم (٤) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن قوم من العدو الى أن قال ـ قال : وسألته عن سبى الديلم يسرق بعضهم من بعض ، ويغير المسلمون

__________________

(١ و ٢ و ٤) الكافي ج ٥ ص ٢١٠.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٢١٠.

٣٧٢

عليهم بلا امام ، أيحل شراؤهم؟ قال : إذا أقروا بالعبودية فلا بأس بشرائهم».

وفي هذه الاخبار دلالة على جواز شراء ما يسبيه الظالم من أهل الحرب ويسرقه».

وما رواه في الكافي عن زكريا بن آدم (١) عن الرضا (عليه‌السلام) في حديث قال : «وسألته عن قوم من أهل الذمة أصابهم جوع فأتاه رجل بولده فقال : هذا لك فأطعمه وهو لك عبد ، فقال : لا تبتع حرا فإنه لا يصلح لك ولا من أهل الذمة». ورواه الشيخ مثله (٢) وهو ظاهر في تحريم استرقاق أهل الذمة متى كانوا قائمين شرائط الذمة.

وعن عبد الله اللحام (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يشترى من رجل من أهل الشرك ابنته فيتخذها؟ قال : لا بأس».

وبهذا الاسناد (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يشتري امرأة رجل من أهل الشرك يتخذها أم ولد فقال : لا بأس».

وخص الشيخ وغيره هذين الخبرين بأهل الحرب ، كثير من أصحابنا إنما عبروا في هذا المقام بأهل الحرب.

وينبغي أن يعلم انه ليس المراد بأهل الحرب يعنى من نصب القتال للمسلمين كما هو ظاهر اللفظ ، بل المراد انما هو من خرج عن طاعة الله ورسوله بثبوته على الكفر وان لم يقع منه الحرب ، بمعنى القتال.

قيل : والى هذا المعنى أشار قوله تعالى (٥) «إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ» الاية وحينئذ فلا فرق في ذلك بين الذمي الغير القائم بشرائط الذمة ، ولا غيره من الكفار والمشركين ، وحيث يملكون بالسبي بما قد قدمنا ذكره ، فإنه يسري الرق في أعقابهم وان أسلموا بعد الأسر ، ما لم يعرض لهم سبب موجب للحرية

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢١٠.

(٢ و ٣ و ٤) التهذيب ج ٧ ص ٧٧.

(٥) سورة المائدة الآية ـ ٣٣.

٣٧٣

من عتق أو كتابة أو تنكيل أو نحو ذلك ، ولا خلاف في ذلك نصا وفتوى!.

والمسبي في حال الغيبة وان كان للإمام خاصة ، لأنه مغنوم بغير اذنه وكلما كان كذلك فهو من الأنفال ، الا أنهم أذنوا للشيعة خاصة في تملكه ، وكذا في غيره من أموال الأنفال وغيرها.

وأما غير الشيعة فالذي يفهم من كلام الأصحاب أنه يحكم لهم بظاهر الملك للشبهة كتملك الخراج والمقاسمة ، فلا يؤخذ منه بغير رضاه مطلقا ، وهذا الحكم منهم (رضوان الله عليهم) جار على الحكم بإسلامهم ، وإجراء أحكام الإسلام عليهم والمفهوم من الاخبار خلافه ، الا مع عروض الخوف والتقية (والله العالم).

المسألة الثانية ـ الظاهر أنه لا خلاف في أنه لا يستقر للرجل ملك أصوله ولا فروعه ولا المحارم من الإناث ، بمعنى أنه وان ملكهم الا أنهم ينعتقون عليه بالشراء وربما عبروا بأنه لا يملكهم ، والمراد ملكا مستقرا والا فإن الانعتاق فرع الملك فكأنه يدخل في الملك آنا ما بعد الشراء ، ثم ينعتق ، قيل : ولو لا مراعاة القاعدة المشهورة من أنه لا عتق إلا في ملك لأمكن الحكم بالعتق بنفس الشراء ، كما هو ظاهر الاخبار ، كذا ذكره بعض المحققين ، وأنت خبير بأنه وان كان ظاهر بعض الاخبار ما ذكره من أنه ينعتق بنفس الشراء ، الا أن ظاهر بعض آخرها أيضا ترتب العتق على الملك ، بمعنى أنه بالشراء ، يملكه ، وبالملك يحصل العتق ، كما أشرنا إليه مثل قوله (عليه‌السلام) (١) «في بعضها إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته عتقوا» الخبر. وقوله (٢) «إذا ملكهن عتقن». ونحوهما غيرهما مما رتب فيه العتق على الملك لا على مجرد الشراء وحينئذ فيحمل ما أطلق من الاخبار على المقيد ، وبه يتم ما أشرنا اليه أو لا.

والمراد بأصول الرجل الأبوان وآبائهما وان علوا ، وفروعه الأولاد ذكورا

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٨ ص ٢٤٣.

٣٧٤

وإناثا وان نزلوا ، وبالمحارم مثل العمة والخالة (١) والأخت وبنات الأخت ، وبنات الأخ.

وهل ينسحب الحكم الى الرضاع؟ قولان : فذهب الشيخ في النهاية الى ان كل من ينعتق عليه من جهة النسب لا يصح تملكه من جهة الرضاع ، وبه قال ابن البراج ، وابن حمزة ، والصدوق في كتاب المقنع في باب العتق منه.

وقال في الخلاف : إذا ملك أمه أو أباه أو أخته أو بنته أو عمته أو خالته من الرضاع عتقن كلهن ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك ، وذهب اليه بعض أصحابنا.

وقال المفيد في المقنعة في باب السراري ولا بأس ان يملك الإنسان امه من الرضاعة ، وأخته منه وابنته وخالته ، وعمته منه ، لكن يحرم عليه وطئهن ، وبنحو ذلك صرح أيضا في ابتياع الحيوان من الكتاب المذكور ، وتبعه في ذلك سلار وابن إدريس.

وقال ابن ابى عقيل : لا بأس بملك الام والأخت من الرضاعة وبيعهن ، انما يحرم منهن ما يحرم في النسب في وجه النكاح فقط ، وهو كما ترى يرجع الى مذهب الشيخ المفيد ، وظاهر ابن الجنيد انه لا يملك من يحرم عليه من الرضاع تملك العبيد ، فان ملكهم لم يبعهم الا عند ضرورة إلى أثمانهم ، وجعله آخر ما يباع في الدين عليه ، والى القول الأول ذهب العلامة في المختلف وغيره والمحقق ، والظاهر انه المشهور بين المتأخرين ، وهو الأظهر كما سيظهر لك إنشاء الله.

وتملك المرأة كل قريب عدا الإباء وان علوا ، والأولاد وان سفلوا ، اتفاقا في النسب ، وفي من كان كذلك رضاعا قولان : كما تقدم ، والخلاف الخلاف

__________________

(١) والمراد بالعمة والخالة ما هو أعم من ان يكون عمته أو عمة أبيه أو عمة جده ، أو عمة امه أو عمة أبيها اوجدتها وهكذا في الخالة ومرجع الجميع الى تحريم أولاد الجد والجدة ، منه رحمه‌الله.

٣٧٥

والفتوى كما سبق ، وأما ما عدا من ذكر في الرجل والمرأة ، فإنه يصح تملكه. والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذا المسألة منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابى بصير وابى العباس وعبيد كلهم (١) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : إذا ملك الرجل والدية أو أخته أو عمته أو خالته أو بنت أخيه أو بنت أخته ، وذكر أهل هذه الآية (٢) «مِنَ النِّساءِ» عتقوا جميعا ويملك عمه وابن أخيه والخال ، ولا يملك امه من الرضاعة ، ولا أخته ولا عمته ولا خالته فإنهن إذا ملكن عتقن ، وقال : ما يحرم من النسب ، فإنه يحرم من الرضاعة ، وقال : يملك الذكور ما خلا والدا وولدا ولا يملك من النساء ذوات رحم محرم ، قلت : يجري في الرضاع مثل ذلك؟ قال : نعم يجري في الرضاع مثل ذلك» ،. ورواه الصدوق بأسانيده عن ابى بصير وابى العباس وعبيد بن زرارة مثله.

ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي وابن سنان (٣) عن أبا عبد الله (عليه‌السلام) «عن امرأة أرضعت ابن جاريتها قال : تعتقه». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن مثله (٤).

وما رواه في الكافي عن عبيد بن زرارة في الصحيح (٥) «قال سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عما يملك الرجل من ذوي قرابته فقال : لا يملك والديه ولا أخته ، ولا ابنة أخيه ولا ابنة أخته ، ولا عمته ولا حالته ، ويملك ما سوى ذلك من الرجال من ذوي قرابته ، ولا يملك أمه من الرضاعة». والظاهر ان ذكر الام خرج مخرج التمثيل ، لا الاختصاص ، كما سيظهر لك إنشاء الله تعالى.

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢٤٣.

(٢) سورة النساء الآية ٢٣.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٨ من أبواب العتق الرقم ١.

(٥) الوسائل الباب ٧ من أبواب العتق الرقم ـ ٤.

٣٧٦

وما رواه عن محمد بن مسلم (١) في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته أو خالته عتقوا عليه ، ويملك أخاه وعمه وخاله من الرضاعة».

وعن محمد بن مسلم (٢) في الصحيح عن أبى جعفر (عليه‌السلام) قال : «لا يملك الرجل والدية ولا ولده ولا عمته ولا خالته ، ويملك أخاه وغيره من ذوي قرابته من الرجال».

وعن عبد الله سنان (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن امرأة ترضع غلاما لها من مملوكة حتى تفطمه ، يحل لها بيعه؟ قال : لا ، حرم عليه ثمنه ، قال : ثم قال : أليس قد قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، أليس قد صار ابنها ، فذهبت أكتبه فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ليس مثل هذا يكتب».

والظاهر أن المنع من كتابته لكونه ظاهرا لا يحتاج إلى الكتابة ، ووصف هذه الرواية في المسالك بالصحة ، وليس كذلك ، لان الشيخ رواه عن الحسن بن محمد ابن سماعة ، وطريقه اليه غير معلوم.

وعن أبي حمزة الثمالي (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة ما تملك من قرابتها؟ قال : كل أحد الا خمسة ، أبوها وأمها وابنها وابنتها وزوجها». والظاهر ان جعل الزوج هنا من قبيل هؤلاء باعتبار بقاء الزوجية والا فإنها تملكه وتبطل الزوجية إجماعا.

وروى في الكافي عن ابن سنان (٥) في الصحيح عن أبى عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب العتق الرقم ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب العتق الرقم ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب العتق الرقم ـ ١.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٤٤٦.

٣٧٧

قال : «سئل وأنا حاضر عن امرأة أرضعت غلاما

مملوكا لها من لبنها حتى قطعته هل لها ان تبيعه؟ فقال : لا هو ابنها من الرضاعة ، حرم عليها بيعه وأكل ثمنه ، ثم قال : أليس رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب». ورواه الشيخ مثله (١).

وروى الصدوق في المقنع (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : في امرأة أرضعت ابن جاريتها : انها تعتقه». قال وروى «في مملوكة أرضعتها مولاتها بلبنها ، انه لا يحل بيعها».

وما رواه على بن جعفر (٣) في كتابه عن أخيه موسى (عليه‌السلام) قال : «سألته عن امرأة أرضعت مملوكها ما حاله؟ قال : إذا أرضعته عتق».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله (٤) في حديث قال : «وسألته عن المرأة ترضع عبدها أتتخذه عبدا؟ قال : تعتقه وهي كارهة». ورواه الشيخ (٥) بسند آخر مثله ، الا ان فيه «يعتقونه وهم لها كارهون».

أقول : وهذه الروايات كما ترى ظاهرة الاتفاق فيما قدمنا ذكره من العلاقة النسبية ، وان العلاقة الرضاعية ملحقة بها ، وجارية في ذلك مجراها كما هو مقتضى مذهب الشيخ ومن تبعه ، معللا في جملة منها بالخبر النبوي.

وبذلك يظهر ما في كلام ابن ابى عقيل المتقدم ذكره من تخصيصه الحديث النبوي بالنكاح ، فإنه ناش عن الغفلة عن ملاحظة هذه الاخبار هذا.

واما ما يدل على القول الثاني من الاخبار وهو مذهب الشيخ المفيد ومن تبعه فمنها ما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان (٦) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا اشترى الرجل أباه أو أخاه فملكه فهو حر الا ما كان من قبل الرضاع».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب العتق ـ الحديث ـ ٢.

(٦) التهذيب ج ٨ ص ٢٤٥.

٣٧٨

وعن الحلبي (١) في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام «في بيع الام من الرضاعة؟ قال : لا بأس بذلك إذا احتاج».

وعن أبي عتيبة (٢) عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قلت له : غلام بيني وبينه رضاع يحل لي بيعه؟ قال : انما هو مملوك إن شئت بعته وان شئت أمسكته ، ولكن إذا ملك الرجل أبويه فهما حران».

وأجاب الشيخ عن الخبرين الأولين بعد ذكرهما قال : فهذان الخبران لا يعارضان الأخبار التي قدمناها ، لأنها أكثر وأشد موافقة بعضها لبعض ، فلا يجوز ترك تلك والعمل بهذه ، مع ان الأمر على ما وصفناه ، على أنه يمكن ان يكون الوجه فيه انه إذا كان الرضاع لم يبلغ الحد الذي يحرم ، فإنه والحال على ذلك يجوز بيعها على جميع الأحوال ، على ان الخبر الثاني يحتمل ان لا يكون المراد «بإلا» الاستثناء ، بل يكون «الا» قد استعملت بمعنى الواو ، وذلك معروف في اللغة ، فكأنه قال : إذا ملك الرجل أباه فهو حر وما كان من جهة الرضاع.

واما الخبر الأول فيحتمل ان يكون إنما أجاز بيع الام من الرضاع لأبي الغلام حسبما قدمناه في خبر إسحاق بن عمار عن العبد الصالح ولا يكون المراد بذلك انه يجوز ذلك للمرتضع ، وليس في الخبر تصريح بذلك ، بل هو محتمل لما قلناه ، وإذا كان كذلك لم يعارض ما قدمناه انتهى.

قال المحقق الأردبيلي بعد نقله : وهذه التأويلات وان كانت بعيدة ـ الا انه لما قوى الحكم الأول والطرح غير مستحسن عنده وان كانت الأخبار ضعيفة ونادرة ـ فليس ببعيد ارتكابها ، ولكن لا بد من حمل عدم تملك الأخ في الخبر الثاني أيضا. انتهى.

أقول : والأقرب عندي هو حمل هذه الاخبار على التقية لما تقدم في كلام

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٨ ص ٢٤٥.

٣٧٩

الشيخ في الخلاف. من ان ذلك مذهب جميع الفقهاء ، وحينئذ فلا يحتاج الى هذه التكلفات السخيفة التي تمجها الافهام ويبعد نسبتها لهم (عليهم‌السلام).

واما الخبر الثالث من الاخبار المذكورة فالظاهر منه انما هو الأخ الرضاعي وهو ليس من محل الاشكال ، ويؤيده استثناء الأبوين من الرضاعة في الخبر.

وأما ما يدل على تملك من عدا العمودين للرجل من الرجال الأقارب من الاخبار وان كان على كراهية ، بمعنى ان الأفضل عتقهم ، فمن ذلك ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم (١) من قوله عليه‌السلام «ويملك ابن أخيه وعمه وخاله ، ويملك أخاه وعمه وخاله من الرضاعة».

وقوله في صحيحة أبي بصير وابى العباس وعبيد المتقدمة (٢) «ويملك عمه وابن أخيه وابن أخته والخال الى أن قال : ـ ويملك الذكور ما عدا الولد». الى آخره.

وقوله عليه‌السلام ، في صحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة أيضا بعد ذكره العمودين والإناث المحارم «ويملك ما سوى ذلك من الرجال من ذوي قرابته».

وفي خبر محمد بن مسلم (٣) عن ابى جعفر (عليه‌السلام) قال فيه : و «يملك أخاه وغيره من ذوي قرابته من الرجال».

وعن عبد الرحمن بن ابى عبد الله (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يتخذ أباه وامه أو أخاه أو أخته عبيدا فقال : اما الأخت فقد عتقت حين يملكها ، واما الأخ فيسترقه ، واما الأبوان فقد عتقا حين يملكهما». (٥).

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٨ ص ٢٤١.

(٣ و ٤) التهذيب ج ٨ ص ٢٤٠.

(٥) أقول وهذا الخبر ايضا ظاهر فيما قدمنا ذكره من ان العتق بعد الدخول في الملك ، لا بنفس الشراء منه رحمه‌الله.

٣٨٠