الحدائق الناضرة - ج ١٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

(عليه‌السلام) يقول : أيما رجل اشترى جارية فوقع عليها فوجد بها عيبا لم يردها ورد البائع عليه قيمة العيب».

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) عن أحدهما (عليهما‌السلام) «أنه سئل عن الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها ، ثم يجد بها عيبا بعد ذلك قال : لا يردها على صاحبها ، ولكن يقوم ما بين العيب والصحة فيرد على المبتاع ، معاذ الله أن يجعل لها أجرا».

وما رواه في الفقيه عن ميسرة ، (٢) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «كان على (عليه‌السلام) لا يرد الجارية بعيب إذا وطئت ، ولكن يرجع بقيمة العيب ، وكان علي (عليه‌السلام) يقول : معاذ الله أن أجعل لها اجرا».

وما رواه في التهذيب عن حماد بن عيسى في الصحيح (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : قال على بن الحسين : كان القضاء الأول في الرجل إذا اشترى الأمة فوطأها ثم ظهر على عيب أن البيع لازم وله أرش العيب.».

وهذه الاخبار كما ترى جارية على مقتضى القاعدة المذكورة ، وإطلاقها شامل لما إذا كان العيب حملا أو غيره ، الا انه قد وردت الاخبار باستثناء الحمل من حكم العيب المذكور هنا مع الإجماع عليه.

ومن الاخبار الدالة عليه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن ابن سنان (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اشترى جارية حبلى ولم يعلم بحبلها فوطأها ، قال : يردها على الذي ابتاعها منه ، ويرد عليه نصف عشر قيمتها لنكاحه إياها ،

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢١٥ التهذيب ج ٧ ص ٦١ الوسائل الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ١٣٩ وفيه عن محمد بن ميسر الوسائل الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٦١ الوسائل الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٢١٤ التهذيب ج ٧ ص ٦١.

٨١

وقد قال على (عليه‌السلام) لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها ويوضع عنه من ثمنها بقدر عيب ان كان فيها».

وما روياه فيهما أيضا عن عبد الملك بن عمرو (١) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطئها صاحبها وله أرش العيب ، وترد الحبلى ويرد معها نصف عشر قيمتها».

وزاد في الكافي قال : وفي رواية اخرى «ان كانت بكرا فعشر ثمنها ، وان لم تكن بكرا فنصف عشر ثمنها».

وما رواه في التهذيب عن فضيل مولى محمد بن راشد (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل باع جارية حبلى وهو لا يعلم ، فنكحها الذي اشترى ، قال : يردها ويرد نصف عشر قيمتها».

ورواه بسند آخر صحيح (٣) مشتمل على إرسال ابن ابى عمير عن سعيد بن يسار عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) مثله.

وبإزاء هذه الاخبار ما يدل على معارضتها فيما دلت عليه من وجوب رد نصف العشر.

ومنها ما رواه في الفقيه والشيخ في التهذيب عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يشتري الجارية فيقع عليها فيجدها حبلى قال : يردها ويرد معها شيئا».

وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن محمد بن مسلم (٥) عن أبى جعفر (عليه‌السلام) في الرجل يشتري الجارية الحبلى فينكحها وهو لا يعلم؟ قال : يردها ويكسوها».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢١٤ وفيه (بن عمير) التهذيب ج ٧ ص ٦٢.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٧ ص ٦٢.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ١٣٩ التهذيب ج ٧ ص ٦٢.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٢١٥ التهذيب ج ٧ ص ٦٢ الفقيه ج ٣ ص ١٣٩.

٨٢

وما رواه في التهذيب (١) عن عبد الملك بن عمرو عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «في الرجل يشتري الجارية وهي حبلى فيطأها قال : يردها ، ويرد عشر ثمنها».

والشيخ (رحمه‌الله) حمل الشي‌ء في الحديث الأول على نصف العشر ، وكذا الكسوة في الحديث الثاني على ما يكون قيمتها ذلك.

واحتمل بعض مشايخنا حملها على ما إذا رضى البائع بهما.

واما الحديث الثالث فحمله في التهذيب على غلط الراوي والناسخ ، بإسقاط لفظ «نصف» ليطابق ما رواه هذا الراوي بعينه وغيره ، ثم قال : ولو كانت الرواية مضبوطة لجاز ان تحمل على من وطأ الجارية مع العلم بأنها حبلى ، فحينئذ يلزمه عشر قيمتها عقوبة ، وانما يلزمه نصف العشر إذا لم يعلم بحبلها ووطأها ثم علم بالحبل ، انتهى.

وكتب عليه بعض مشايخنا (٢) في الحاشية ما صورته : أنت خبير بأن هذا ليس ببعيد من جهة اللفظ ، لكن الحكم بالرد والحال هذه مشكل. انتهى (٣)

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٦٢ الكافي ج ٥ ص ٢١٥ وفي بعض النسخ ابن عمير.

(٢) هو الشيخ على بن سليمان البحراني (قدس‌سره) في حواشيه على الكتاب. منه رحمه‌الله.

(٣) قال المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد : ولو لا الإجماع لأمكن الجمع بينهما بحمل ما فيه العشر ونصف العشر على الاستحباب ، والباقية على كفاية ما يصدق عليه الشي‌ء والكسوة ، وفيه من البعد ما لا يخفى ، ولو تم هذا لأمكن أيضا القول بحمل الرد في هذه الاخبار على الاستحباب لو لا الإجماع ، لمعارضتها بما ذكرناه من الاخبار الواردة على أن وطء الأمة ثم ظهور العيب فيها انما يوجب الأرش خاصة ، كما هو مقتضى القاعدة المعتضدة بالاتفاق والنصوص ، مع انه لا يقول به ، منه رحمه‌الله.

٨٣

أقول : نقل في الدروس (١) عن الحلبي وجوب رد العشر في الصورة المذكورة ، وحينئذ فتصلح هذه الرواية دليلا له.

وعن ابن إدريس التفصيل بالبكارة والثيوبة ، ويمكن حمل هذه الرواية أيضا على ذلك ، وان ندر الفرض.

قال بعض أصحابنا : ولا استبعاد في اجتماع البكارة مع الحمل ، فإنه ممكن وان كان نادرا. انتهى. وحينئذ فلا يبعد حمل الرواية على أنها كانت بكرا وان ندر الفرض ، لجواز حصول الحمل بالمساحقة والجماع في الدبر كما صرحوا به ، ويؤيده مرسلة الكافي المتقدمة.

قال بعض محققي متأخر المتأخرين : ولزوم نصف العشر في أكثر الأخبار مبنى على ما هو الغالب من ثيوبة الحبلى ، فان كانت بالفرض النادر بكرا فعليه أن يرد معها عشر قيمتها لما مر في النكاح من أن قيمة بضع الأمة الباكرة انما هو العشر. انتهى.

وفي الدروس عن ابن الجنيد التقييد بكون الحمل من المولى ، قال : ويلوح من النهاية.

__________________

(١) قال في الدروس : ولو وطئ ما بعد العلم بالحمل فعليه الأرش ويظهر من التهذيب جواز الرد ويلزمه عشر قيمته عقوبة ، وجعله محتملا للرواية ، وأكثر الأخبار مقيدة بعدم العلم. انتهى.

وهو ما أشار إليه شيخنا المذكور في الأصل من الاشكال ، وظاهرهم رضوان الله عليهم أن التصرف بالوطء بعد العلم بالحبل انما يوجب الأرش خاصة دون الرد ، والرد وجوب نصف العشر انما هو موضع الجهل.

والظاهر أن المستند فيه الوقوف على ظواهر نصوص المسألة من الجهل بالحمل ، لأنها على خلاف القاعدة المقررة المؤيدة بالاخبار والاتفاق ، فيقتصر محل الخلاف على مورد النص ـ منه قدس‌سره.

٨٤

أقول : وهو ظاهر اختيار العلامة في المختلف ، ويرد عليه أولا أنه يدافع إطلاق النصوص المتقدمة ، فإن ظاهرها وجوب الرد في الصورة المذكورة ، سواء كان الحمل من المولى أو من غيره.

وثانيا ـ أنه لا وجه للتقييد بالتصرف بالوطء ، بل اللازم هو الرد على كل حال ، لبطلان البيع بظهور كونها أم ولد.

وكيف كان فالأظهر هو القول المشهور للأخبار المتقدمة ، وارتكاب التأويل فيما عارضها بأحد الوجوه المذكورة.

ولشيخنا في المسالك هنا كلام جيد في المقام لا بأس بنقله ، وان طال به زمام الكلام لما فيه من الفوائد الجمة الظاهرة لذوي الأفهام ، قال رحمه‌الله بعد ذكر المصنف أصل المسألة ، ما صورته : تحرير هذه المسألة يتوقف على مقدمات :

الاولى ـ أن تصرف المشترى في المبيع المعيب يمنع من رده ، وان جاز له أخذ الأرش.

الثانية ـ أن الحمل في الأمة عيب سواء شرط خلوها عن الحمل أم لا ، ولان ولادتها تشتمل على الخطر ، وهو نقص محض ان قلنا أن الحمل لا يدخل في بيع الأمة كما هو المشهور ، والا كان نقصا من وجه ، وزيادة من وجه ، وهو كاف في ثبوت الخيار أيضا.

الثالثة ـ أن الوطي تصرف بل هو من أقوى أنواع التصرف والأصل فيه أن يكون مانعا من الرد.

الرابعة ـ أن وطئ المالك حال الوطي لا يستعقب عليه ضمانا للبضع ، لانه تصرف في ماله وان فسخ المبيع بعد ذلك بوجه من الوجوه المجوزة له.

الخامسة ـ أن المولى لو وطأ أمته جاز له بيعها مع عدم تيقن الحمل ، ثم وان ظهر بها حمل منه تبين بطلان البيع لكونها أم ولد ، وهذه المقدمات كلها إجماعية.

السادسة ـ أن وطأ أمة الغير جهلا بتحريمه يوجب على الواطئ عشر قيمتها ان كانت بكرا ونصف العشر ، ان كانت ثيبا ، لدلالة النصوص على هذا التقدير.

٨٥

السابعة ـ أن الفسخ بالعيب يبطل العقد من حينه لأمن أصله ، لتحقق الملك بالعقد ، وجواز الاستمرار عليه ، فلا معنى لرفع ما قد ثبت. (١)

إذا تقرر هذه المقدمات فنقول : إذا اشترى أمة وتصرف فيها ثم علم بعيب سابق لم يجز له ردها ، بل يتعين الأرش ، لكن وردت النصوص هنا باستثناء مسألة ـ وهي ما لو كان العيب حبلا ، وكان التصرف بالوطء فإنه حينئذ يردها ويرد معها نصف العشر لمكان الوطي.

وهذا الحكم كما ترى مخالف لهذه المقدمات من حيث جواز الرد مع التصرف وفي وجوب شي‌ء على المشترى مع أنه وطأ أمته ، وفي إطلاق وجوب نصف العشر مع أن ذلك عقر الثيب ، والمسألة مفروضة فيما هو أعم منها.

__________________

(١) أقول : هذا مبنى على أن المبيع بالعقد ينتقل إلى المشترى ، وأن الانتفاعات والنماء في مدة الخيار له وان رد المبيع بالعيب بعد ذلك ، إلا أنك عرفت مما سبق أن النصوص مختلفة في ذلك ، واخبار خيار الحيوان متفقة على أن تلفه في زمن الخيار من مال البائع ، وهو مؤذن بعدم الانتقال للمشتري ، ولهذا نقل عن بعض الأصحاب أن المبيع زمن الخيار والنماء للبائع ، وحينئذ فلا استبعاد هنا بأن الفسخ بالعيب يبطل العقد من أصله.

وبذلك يظهر أيضا المناقشة فيما ذكره في المقدمة الرابعة من ان وطء المالك حال الوطي لا يستعقب عليه ضمان للبضع ، فإنه تصرف في ملكه ، فإنه بناء على ما قلنا ليس في ملكه ، فالضمان حينئذ ثابت ، وتخصيصه بنصف العشر على ما هو الأغلب الأكثر من ثيبوبة الحامل ، لما عرفت فيما تقدم في غير موضع من الكتاب من الإطلاق في الأحكام الشرعية انما يحمل على الغالب الأكثر ، دون الفروض النادرة.

وبالجملة فإن باب المناقشة فيما ذكره قدس‌سره ، غير منسد ، وبه يظهر صحة القول المشهور والله العالم ، منه قدس‌سره.

٨٦

ولأجل هذه المخالفات التجأ بعض الأصحاب (١) إلى حملها على كون الحمل من المولى البائع ، فإنها تكون حينئذ أم ولد ، ويكون البيع باطلا ، والوطء في ملك الغير جهلا ، فيلزم فيه العقر ، وإطلاق نصف العشر مبنى على الأغلب من كون الحبل مستلزما للثيبوبة ولو فرض ـ على بعد ـ كونها حاملا بكرا كان اللازم العشر.

وفي هذا دفع لهذه الإشكالات ، الا أنه مدافع لإطلاق النص بالحمل ، وبنصف العشر من غير تقييد بكونه من المولى وكونها ثيبا.

وفيه أيضا أنه لا وجه لتقييد بكونه بالوطء بل اللازم حينئذ الرد على كل حال ، لبطلان البيع ، وليس تقييد الحمل المطلق في النصوص الصحيحة وفتوى أكثر الأصحاب وكون المراد رد نصف العشر خاصة ، أولى من استثناء هذا النوع من التصرف من بين سائر التصرفات.

وكون المنفعة مضمونة على المشترى اما بناء على أن الفسخ يبطل العقد من أصله ، نظرا الى أن العيب يقتضي تزلزل العقد ، فمع اختيار الرد ينكشف لنا عن عدم الملك ، وأن العقد موقوف على اختيار الرضا بالعيب ـ أو أن ضمان المنفعة قد وجد في المصراة على ما يأتي ، ويكفي في التخصيص بكون المردود نصف العشر ، موافقته للغالب الأكثر من أن الحامل لا تكون بكرا.

وبالجملة فالعدول عن ظواهر هذه الاخبار والنصوص الكثيرة ـ مع قول أكثر الأصحاب بها لمناسبة الأصول ـ غير واضح.

وعلى هذا فيكون الرد على وجه الجواز لا اللزوم ان لم يكن الحمل من المولى ويختص بالوطء انتهى.

أقول : والأظهر ما قدمنا لك ذكره في غير مقام ـ من أن الاولى هو الدوران في

__________________

(١) الظاهر انه ابن الجنيد والشيخ في النهاية والعلامة في المختلف حيث انهم كما عرفت حملوا النصوص على ذلك ، وقد عرفت ما فيه واليه أشار بقوله هيهنا بقوله : الا انه مدافع لإطلاق النص الى آخره ، منه قدس‌سره.

٨٧

الأحكام مدار النصوص ، وما دلت عليه بالعموم أو الخصوص ، وافقت قواعدهم أم لم توافق ، واليه يشير هنا قوله في إجمال البحث المتقدم بقوله : وبالجملة فالعدول عن ظواهر النصوص الى آخره.

الموضع الثاني حلب المصراة وسيجي‌ء حكمه إنشاء الله (تعالى).

الثانية ـ قد عرفت أنه متى كان العيب سابقا على العقد ، فإن للمشتري الخيار بعد ظهوره بين الرد ، والأخذ بالأرش.

وأما لو تجدد بعد العقد وقبل القبض ، فإنه لا خلاف في أن له الرد ، وانما الخلاف في أنه مع أخذه والرضا به هل له الأرش أم لا؟ قولان : كلاهما للشيخ.

قال في النهاية : من اشترى شيئا ولم يقبضه ثم حدث فيه عيب كان له رده ، فإن أراد أخذه وأخذ الأرش كان له ذلك.

وقال في الخلاف : إذا حدث في المبيع عيب في بد البائع كان للمشتري الرد والإمساك ، وليس له اجازة البيع مع الأرش ، فلا يجبر البائع على بذل الأرش بلا خلاف ، فان تراضيا على الأرش كان جائزا ، وكذا قال في المبسوط ، وتبعه ابن إدريس على ذلك.

والى الأول ذهب العلامة في المختلف ، ونقله عن ابن البراج وأبى الصلاح ، واحتج في المختلف لما ذهب اليه ، قال : لنا ان المبيع لو تلف لكان من ضمان البائع فكذا أبعاضه وصفاته ، لأن المقتضي لثبوت الضمان ـ في الجميع وهو عدم القبض ـ موجود في الصفات ، ثم نقل عن الشيخ أنه احتج بأن الأصل ثبوت البيع ولزومه ، وعدم التسلط بالأرش ، وانما أوجبنا له الخيار بين الرد والقبول ، لدفع الضرر اللاحق بإيجاب القبول فيبقى الباقي على الأصل.

ثم أجاب عنه بأن التزامه بأحد هذين نوع ضرر ، إذ الحاجة قد مست إلى المعاوضة ، والا لم توجد ، والتزامه جميع الثمن ضرر عظيم ، لانه دفعه في مقابلة الجميع بصفاته فلا يجب دفعه عن البعض. انتهى.

٨٨

وما ذكره رحمه‌الله في تعليل ما اختاره ، وكذا في الجواب عما نقله عن الشيخ وان كان لا يخلو عن قوة ، الا أن المسألة لما كانت عارية عن النص ـ سيما مع ما عرفت من أنه لا وجود للأرش إلا في صورة التصرف وأنه ليس له الرد ، وانما له الأرش ـ أشكل الحكم بذلك.

وأما ما هو المشهور من أنه مع ظهور العيب مطلقا تقدم على العقد أو تأخر عنه فإنه مخير بين الرد والأرش ، فلم نقف له في الاخبار على أثر ، وانما تضمنت الرد خاصة ، كما قدمنا ذكره في خيار العيب.

وبالجملة فلتوقف في الحكم المذكور مجال ، وربما حمل الإجماع الذي ادعاه في الخلاف على عدم الأرش على إجماع العامة ، وفيه ما لا يخفى.

ولو قبض بعضه ثم حدث في الباقي عند البائع حدث كان الحكم في الباقي ما تقدم في تجدد العيب بعد العقد ولو قبل القبض على أحد القولين ، نظرا الى أن سبب الرد هو العيب الحادث في البعض ، وقد حدث حين كون ذلك البعض مضمونا وحده ، فيتعلق به وحده جواز الرد دون المقبوض.

وفيه أنه يستلزم تبعيض الصفقة المنهي عنه ، وقيل : وهو الأظهر انه يتخير بين رد الجميع وأخذ أرش العيب (١).

ولو حدث فيه عيب بعد القبض يمنع من الرد بالعيب السابق ، دون الأرش عند الأصحاب ، ولم أقف فيه على نص.

قالوا : ولا فرق بين العيب الحادث بين كونه من جهة المشتري أو غير جهته

__________________

(١) بناء على ما عرفت من ظاهر اتفاقهم على انه بظهور العيب السابق على العقد يتخير بين الرد والأرش ، وكذا ما هو المشهور في العيب المتأخر عن العقد قبل القبض كما عرفت ، فان هذه المسألة من فروع تلك المسألة وقد عرفت ما في الأصل ـ منه رحمه‌الله.

٨٩

واستثنوا من ذلك ما لو كان المبيع حيوانا وحدث فيه العيب في الثلاثة من غير جهة المشتري ، فإنه لا يمنع من الرد ولا الأرش لأنه حينئذ مضمون على البائع ، وسيأتي الكلام في هذه المسألة.

قيل : والظاهر ان كل خيار مختص بالمشتري كذلك.

ولو اشترى شيئين صفقة وعلم بالعيب في أحدهما ، لم يجز رد المعيب منفردا ، لما يتضمنه من ضرر تبعيض الصفقة على البائع ، وانما له ردهما معا ـ ان لم يتصرف فيهما ولا في أحدهما ـ أو أخذ أرش المعيب متى تصرف في أحدهما ، وان كان الصحيح ، سقط رد المعيب ، لأنهما بمنزلة مبيع واحد ، وكذا الحكم فيما اشترى اثنان شيئا واحدا كان لهما رده أو إمساكه مع الأرش ، وليس لأحدهما رد نصيبه دون صاحبه ، للزوم تبعيض الصفقة. هذا هو المشهور في هذه الصورة.

ونقل عن الشيخ وجماعة : جواز التفرق في هذه الصورة ، لجريانه مجرى عقدين بسبب تعدد المشترى ، فان التعدد في المبيع يتحقق بتعدد البائع ، وبتعدد المشترى ، وبتعدد العقد ، ولان العيب جاء من قبله حيث باع من اثنين ، وارتكب التشقيص ، فان كل واحد منهما صار مشتريا للبعض ، فهو بمنزلة البيعين. (١)

وأنت خبير بأن هذا انما يتم مع علمه بالتعدد ، وحينئذ فلو قيل بالتفصيل ـ بين علمه بالتعدد فيجوز التفرق ، وجهله بذلك ، فليس لهما الا الاتفاق في الرد أو الأرش ، كما اختاره العلامة في التحرير ـ لكان قريبا.

وظاهر المحقق الأردبيلي الميل اليه ، وكذا شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الا انه قال : وان كان القول بالجواز مطلقا متوجها.

__________________

(١) وأيده المحقق الأردبيلي بعدم ثبوت كون التشقيص عيبا مطلقا بالدليل ، مع عموم دليل ثبوت الخيار بين الرد والأرش ـ منه رحمه‌الله.

٩٠

وفيه ان الظاهر ان الجهل عذر شرعي كما مر تحقيقه في مقدمات الكتاب (١) على تفصيل فيه.

الثالثة المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف انه إذا قال البائع : بعت بالبراءة ، وأنكر المشترى ، ولم يكن للبائع بينة فالقول قول المشترى بيمينه ، للخبر المتفق عليه (٢) «البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر». ولأن الأصل عدم صدور البراءة منه حتى يتحقق.

قال المحقق الأردبيلي (قدس‌سره ـ ، في شرح الإرشاد بعد ذكر نحو ما قلناه : «ولا يلتفت الى ما في الخبر عن جعفر بن عيسى في مكاتبته الى أبى الحسن (عليه‌السلام) «فيقول له المنادي : قد برئت منها ، فيقول له المشترى : لم أسمع البراءة منها ، أيصدق فلا يجب عليه الثمن ، أم لا يصدق ، فيجب عليه الثمن؟ فكتب : عليه الثمن». لضعفه مع الكفاية ، ومخالفة القاعدة» انتهى.

والعجب هنا من صاحب الكفاية حيث جعل هذا الخبر مؤيدا لعموم «البينة على المدعى ، واليمين على من أنكره» وهو على العكس من ذلك.

أقول : والمفهوم من سياق الخبر المذكور أن إنكار المشتري انما وقع مدالسة ، لعدم رغبته في المبيع ، والا فهو عالم بتبرئ البائع ، والامام (عليه‌السلام) إنما ألزمه الثمن من هذه الجهة ، ونحن قدمنا الخبر المذكور في خيار العيب ، ولكن نعيده هنا إزاحة لثقل المراجعة ، ليظهر لك صحة ما ادعيناه.

وهو ما رواه الشيخ في التهذيب عن جعفر بن عيسى (٣) قال : «كتبت الى أبى الحسن (عليه‌السلام) جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي ،

__________________

(١) ج ١ ص ٧٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٦٦.

٩١

فإذا نادى عليه بري‌ء من كل عيب فيه ، فإذا اشتراه المشترى ورضيه ولم يبق الا نقده الثمن فربما زهده ، فإذا زهد فيه ادعى فيه عيوبا وأنه لم يعلم بها ، فيقول له المنادي : قد برئت منها ، فيقول المشترى : لم أسمع البراءة منها أيصدق فلا يجب عليه الثمن أم لا يصدق فيجب عليه الثمن؟ فكتب : عليه الثمن».

فإنه ظاهر في أنه عالم بالنداء بالبراءة ، وأنه رضيه مع ذلك ، الا أنه لما تجدد له زهده وعدم الرغبة فيه ، ادعى عدم علمه بالعيوب وعدم سماعه النداء ، فهذه الدعوى إنما نشأت من حيث زهده فيه وعدم رغبته ، لا من حيث العيوب.

وحينئذ فلا يكون الخبر مخالفا للقاعدة المتفق عليها ، ولا يحتاج الى طرحه ، وكثيرا ما يحكمون (عليهم‌السلام) في بعض الأحكام بمقتضى علمهم بالحال ، فكيف مع ظهور ذلك في السؤال.

الرابعة ـ التصرية تدليس يثبت به الخيار بين الرد ، والإمساك بالثمن بلا أرش ، كما في خيار التدليس في غير هذا الموضع والتصرية مصدر من قولك صريت إذا جمعت بين الصرى ، وهو الجمع.

يقال : صرى الماء في الحوض إذا جمعه ، (١) وصريت الشاة تصرية إذا تركت حبلها أياما حتى يجتمع اللبن في ضرعها ، والشاة مصراة وتسمى المصراة محفلة أيضا ، وهو من الحفل ، ومنه قيل للمجمع : محفل.

والمراد هنا أن يربط إحلاف الشاة ونحوها يومين أو ثلاثة ، فيجتمع اللبن في ضرعها ، ويظن الجاهل بحالها أنها لكثرة ما تحلبه كل يوم ، فيرغب في شرائها.

قال في المسالك : «والأصل في تحريمه مع الإجماع النص

__________________

(١) قال في المصباح المنير : وصرى الماء صريا طال مكثه ، ويتعدى بالحركة فيقال : صريته صريا من باب رمى إذا جمعته فصار كذلك ، وصريته بالتشديد مبالغة ، منه رحمه‌الله.

٩٢

عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو من طرق العامة (١) وليس في أخبارنا تصريح به ، لكنه في الجملة موضع وفاق ، انتهى.

أقول : وروى الصدوق (عطر الله مرقده) في كتاب معاني الاخبار عن محمد ابن هارون الزنجاني على بن عبد العزيز عن أبى عبيد (٢) رفعه إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : «لا تصروا الإبل والغنم فإنه خداع ، من اشترى مصراة فإنه بأحد النظرين ، ان شاء ردها ورد معها صاعا من تمر.

والظاهر أن الصدوق نقل هذا الخبر من طريق الجمهور ، لعدم وجوده في كتب الاخبار ، حسبما اعترف به شيخنا المتقدم ذكره.

وكيف كان فالكلام هنا يقع في مواضع ، الأول ـ أنه إذا اختار الرد قالوا يرد معها لبنها الموجود وقت البيع ، لانه جزء من المبيع ، فإذا فسخ البيع رده ، كما رد المصراة ، فإن تعذر فمثله ، وان تعذر فقيمته وقت الدفع ومكانه.

أما اللبن المتجدد بعد العقد ففي رده وجهان ، من إطلاق الرد في الاخبار ، ومن أنه نماء المبيع الذي هو ملكه ، والعقد انما ينفسخ من حينه ، قال في المسالك : وهو الأقوى.

أقول : قد عرفت أنه لا نص في المسألة ، كما اعترفوا به كيف يستند في الوجه الأول إلى إطلاق الاخبار.

اللهم ان يراد أخبار العامة ، وفيه ما لا يخفى ، وبه يظهر قوة الوجه الثاني مضافا الى ما ذكره في تعليله.

ثم انه لو امتزج الموجود حالة البيع بالمتجدد صار شريكا ورجعا الى الصلح ، وللشيخ قول بأنه مع ردها يرد معها ثلاثة أمداد.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٣١٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الخيار الرقم ـ ٢ لكن عن القاسم ابن سلام بإسناد متصل.

٩٣

واستدل له بعض المحققين (١) بحسنة الحلبي (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها ، قال : ان كان في تلك الثلاثة الأيام يشرب لبنها رد معها ثلاثة أمداد ، وان لم يكن لها لبن فليس عليه شي‌ء». قال : والرواية مختصة بصورة شرب اللبن ، ولا يبعد العمل بمضمونها لحسنها مع اعتضادها بغيرها.

أقول : فيه أولا أن الشيخ انما حكم بذلك في المصراة ، وما تضمنه الخبر المذكور ليس كذلك ، فلا يكون منطبقا على المدعى.

وثانيا ـ ان الرواية المذكورة تضمنت جواز الرد بعد الثلاثة» وهو مخالف لمقتضى القاعدة المتفق عليها نصا وفتوى ، وان المشترى ليس له الخيار في الحيوان إلا في ضمن الثلاثة ، وأما بعدها فلا ، وحمل الرواية على كون الرد في الثلاثة بعيد عن مقتضى سياقها ، وحاق لفظها.

وثالثا ـ ان مقتضى كلامهم أنه بالعقد ينتقل الى ملك المشترى ، فالمشتري في ضمن الثلاثة انما تصرف في ملكه ، فكيف يضمنه ، ويعطى بعد الرد ثلاثة أمداد عوضا عنه ، (٣).

ورابعا ـ أنه لا ريب في انه ضمن الثلاثة قد أنفق على الشاة ما لعله أكثر من قيمة لبنها ، فكيف أهمل ذالك في الرواية ، أو مثلها ، وبالجملة فالاستناد في الحكم المذكور الى هذه الرواية مع ما عرفت لا يخلو من غفلة أو مسامحة.

ونقل عن الشيخ قول آخر ، وهو انه : يرد معها صاعا من تمر أو بر ، قيل : وهو

__________________

(١) هو الفاضل الخراساني في الكفاية منه رحمه‌الله.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الخيار الرقم ـ ١.

(٣) أقول هذا الوجه الثالث إلزامي حيث أنهم يقولون بذلك والا فقد عرفت من أخبار الحيوان أنه انما ينتقل للمشتري بعد الثلاثة كما تقدم تحقيقه منه رحمه‌الله.

٩٤

منصوص عن النبي (١) (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من طرق العامة ولعله في رواية أخرى غير التي قدمنا نقلها عن الصدوق فإنها اشتملت على صاع التمر خاصة.

الثاني قد صرحوا بأنه لو ثبتت التصرية بإقرار البائع أو البينة قبل أن يحلبها ثبت له الخيار ، ولا يحتاج الى الاختبار بمضي ثلاثة أيام لو لم يثبت ذلك.

وربما صرح بعضهم بالفورية ، لأن التصرية التي هي تدليس وموجبة لجواز الرد قد ثبتت ، فيكون مقتضاها ايضا ثابتا ، الا ان الظاهر من كلام بعض انه لا مانع من جواز الصبر والاختبار ، لاحتمال الارتفاع بهبة من الله عزوجل ، فلا يثبت له بزوال الموجب ، لأن التصرية غير موجبة من حيث هي هي ، وانما هي موجبة من حيث الاستظهار بمعرفة ما فيه ، مما يوجب زيادة الثمن والرغبة.

قال في المسالك : فلو ثبت بإقرار البائع أو البينة جاز الفسخ قبل الثلاثة ، لكن بشرط النقصان ، فلو تساوت أو زادت هبة من الله تعالى فالأشهر زوال الخيار لزوال الموجب له مع احتمال بقائه ، ومثله ما لو لم يعلم العيب حتى زال انتهى.

ونقل عن الشيخ في الخلاف انه قوى جواز الرد مع ثبوت التصرية وان زالت ، وصار اللبن زائدا كل يوم على لبن الأول ، أو ساواه.

وفي المبسوط صرح بسقوط الخيار كما هو المشهور. ولو لم يثبت بأحد الأمرين المتقدمين فلا بد من اختبارها ثلاثة أيام ، فإن اتفقت فيها الحلبات عادة ، أو زادت اللاحقة فليست مصراة ، وان اختلفت في الثلاثة وكان بعضها ناقصا عن الأول نقصانا خارجا عن العادة ، وان زاد بعد الثلاثة ثبت الخيار بعد الثلاثة بلا فصل على الفور.

الثالث ـ ظاهر الأصحاب الإجماع على ثبوت التصرية في الشاة ، والمشهور ذالك أيضا في الناقة والبقرة ، بل قيل : انه إجماع.

قال شيخنا في الروضة : فإن ثبت فهو الحجة ، والا فالمنصوص الشاة ، وإلحاق غيرها بها قياس ، انتهى.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٣١٨.

٩٥

أقول : وأى نص هنا ورد في الشاة وبذلك اعترف «قدس‌سره» في المسالك ، انه في الموضعين إنما التجأ إلى الإجماع ، قال في الكتاب المذكور بعد قول المصنف (رحمه‌الله) : وتثبت التصرية في الشاة قطعا ، وفي الناقة والبقرة على تردد ، ما لفظه :

وجه التردد من عدم النص ظاهر عندنا على هذا الحكم ، لكن الشاة محل وفاق فيحتمل إلحاق الناقة والبقرة بها ، لمساواتهما لها في العلة الموجبة للخيار ، وهي كون اللبن مقصود مع التدليس ، كما ادعى الشيخ الإجماع على إلحاقها بها ، فان ثبت فهو الحجة ، والا ففي إثبات الحكم المخالف للأصل ، بغير النص والإجماع إشكال.

ثم نقل عن ابن الجنيد ، أنه طرد الحكم في سائر الحيوانات حتى الأدمي ، قال وفي بعض الاخبار من طرق العامة ما يدل عليه ، وهو مناسب لمقابلة المدلس ، وفي الدروس انه ليس بذلك البعيد. انتهى.

ويظهر من المحقق الأردبيلي (عطر الله مرقده) الميل إلى إلحاق البقرة والناقة في الموضع المذكور ، لكن لا من حيث التصرية ، بل من حيث التدليس وحصول الضرر المنفي عقلا ونقلا لو لم يتخير ، قال في بيان وجه الإشكال في إلحاق الفردين المذكورين : ووجه الاشكال عدم وجود النص والإجماع ، ووجود العلة الموجبة في الشاة ، فالثبوت ليس ببعيد ، لما تقدم من العلة في الشاة ، إذ لا نص ، بل التدليس الموجب لذلك ، والا لزم الضرر المنفي عقلا ونقلا ، مؤيدا بأخبار العامة ، انتهى.

هذا خلاصة كلامهم في هذه المسألة.

وقد عرفت خلو أصل المسألة من المستند ، والظاهر أن أصل هذه المسألة انما هي في كلام العامة ، لأنها مروية في أخبارهم ، والأصحاب كثيرا ما يستلقون الاخبار والأحكام والفروع من كتبهم.

قال المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في بعض مواضع البحث في هذه المسألة ما لفظه :

٩٦

والظاهر أنه لا دليل للأصحاب على رد الشاة واللبن عينا أو مثلا أو قيمة بعد التصرف الموجب للسقوط ، بل في هذه المسألة مما لا نص فيه للأصحاب ، كما قال المصنف والشارح وغيرهما ، وانما هي مذكورة في بعض كتب العامة وأخبارهم.

ولهذا قالوا المراد برد اللبن رد اللبن الموجود حال البيع ، وقبل أن تصير الشاة للمشتري ، وهو بناء على مذهبهم من كون المبيع زمن الخيار ملك البائع فلا إشكال حينئذ ، ولكن يشكل ذلك على مذهب الأصحاب بناء على ما تقرر عندهم (١) الى آخر كلامه زيد في مقامه والله سبحانه العالم بأحكامه.

الرابع قد عرفت مما تقدم في المسألة الأولى انهم استثنوا من التصرف المسقط للرد بالعيب أمرين ، ثانيهما حلب الشاة المصراة وهو مبنى على أن التصرية من قبيل العيوب.

والظاهر من كلام جملة منهم أنها تدليس ، وخيار العيب وأحكامه على حده ، وخيار التدليس وأحكامه على حده ولا يدخل إحديهما في الأخر ، ولهذا عد في اللمعة كلا منهما على حده وجعل التصرية في التدليس.

والمفهوم من كلامهم ان خيار حكم التدليس هو التخيير بين الرد والإمساك بغير أرش ، تصرف أو لم يتصرف متى ظهر التدليس ، وحكم خيار العيب هو التخيير قبل التصرف ، بين الرد والإمساك بالأرش ، وبعد التصرف ليس إلا الإمساك مع الأرش ، وليس له الرد.

والمفهوم من كلامهم أيضا ان التدليس انما هو عبارة عن اشتراط أمر زائد ، ثم يظهر عدمه ، وأما العيب فإنما يتعلق بذات المبيع مما يوجب نقصه وخروجه عن أمثاله أو أبناء نوعه.

__________________

(١) أقول المراد بما تقرر عندهم ما تقدم ذكره من أن المبيع ينقل بالعقد الى ملك المشترى منه رحمه‌الله.

٩٧

وبالجملة فإنه متى جعلت التصرية من قبيل التدليس لم يتوجه الاستثناء الذي ذكروه كما عرفت والله العالم.

الخامسة ـ أطلق جمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن الثيوبة ليست عيبا ، نظرا الى أن أكثر الإماء لا يوجدون الاثيبات ، فكانت الثيوبة بمنزلة الخلقة الأصلية ، وان كانت عارضة.

واستشكل ذلك في المسالك في الصغيرة التي ليست محل الوطي ، فإن أصل الخلقة والغالب في مثلها البكارة ، فينبغي أن يكون الثيوبة عيبا.

قال : ونقل مثل ذلك في التذكرة عن بعض الشافعية ، ونفى البأس عنه ، وهو كذلك ، بل يمكن القول بكونها عيبا مطلقا ، نظرا الى الأصل ، وهو ظاهر ابن البراج انتهى.

أقول : صورة عبارة التذكرة هكذا إطلاق العقد في الأمة لا يقتضي البكارة ولا الثيوبة ، فلا يثبت الخيار بأحدهما مع الإطلاق.

وقال بعض الشافعية : الا أن تكون صغيرة ، وكان المعهود في مثلها البكارة ، ولا بأس به عندي ، لأن البكارة أمر مرغوب اليه ، وانما بذل المشترى المال بناء على بقائها على أصل الخلقة ، فكان له الرد قضاء للعادة. انتهى.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه على المشهور لو اشترط البكارة فظهر كونها ثيبا حال البيع بالبينة ، أو إقرار البائع ، أو قرب زمان الاختبار لزمان البيع ، بحيث لا يمكن تجدد الثيوبة فيه ، فالمشهور أنه يتخير بين الرد والإمساك ، وان جهل ذلك لم يكن له الرد ، لان ذلك قد يذهب بالنزوة والعلة ونحو ذلك.

وقال الشيخ في النهاية : من اشترى جارية على أنها بكر فوجدها ثيبا لم يكن له ردها ، ولا الرجوع على البائع بشي‌ء من الأرش ، لأن ذلك قد يذهب من العلة والنزوة انتهى.

٩٨

ومثله ابن البراج في الكامل حيث قال : ان ابتاعها على أنها بكر فوجدها ثيبا لم يكن له ردها ، ولا أرش في ذلك انتهى.

أقول : ويدل على هذا القول موثقة سماعة (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل باع جارية على انها بكر فلم يجدها على ذلك قال : لا ترد عليه ولا يجب عليه شي‌ء ، لانه يكون يذهب في حال مرض أو أمر يصيبها».

والعلامة في المختلف تأول كلام الشيخ بالحمل على ما إذا لم يعلم سبق الثيوبة على العقد ، وعلى هذا يمكن حمل الرواية أيضا ، وفي التعليل اشعار بذلك.

وهل يثبت له الأرش مع اختيار الإمساك؟ الظاهر من كلام الأكثر ذلك.

ويدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب عن يونس (٢) «في رجل اشترى جارية على أنها عذراء فلم يجدها عذراء قال : يرد عليه فضل القيمة إذا علم أنه صادق».

والظاهر أن وجوب الأرش هنا مبنى على العلم بالثيوبة حال البيع بأحد الوجوه المتقدمة ، جمعا بينه وبين الخبر المتقدم ، والخبر الأول قد عرفت أنه محمول على الجهل بذلك.

قال : في الدروس : ان مع فوات الشرط يتخير بين الفسخ والإمضاء بغير أرش إلا في اشتراط البكارة ، فظهر سبق الثيوبة ، فإن الأرش مشهور ، وان كانت رواية يونس به مقطوعة ، وفي المسالك الأقوى ذلك لان فواته مما يؤثر في نقصان القيمة تأثيرا بينا ، ثم قال : ويحتمل العدم ، لأن الأرش جزء من الثمن ، وهو لا يوزع على الشروط انتهى.

وظاهره في الكفاية التوقف هنا ، وهو في محله ، لعدم اسناد الرواية المذكورة الى الامام (عليه‌السلام) ، ولو كانت مسندة لما كان عنها معدل.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٦٥ الكافي ج ٥ ص ٢١٥ الرقم ١١.

(٢) الكافي ج ـ ٥ ص ٢١٦ التهذيب ج ٧ ص ٦٤.

٩٩

ونقل في المسالك عن بعض الأصحاب : أنه ذهب الى عدم التخيير بفوات البكارة مطلقا ، يعنى مع الشرط وعدمه ، والظاهر أنه اشارة الى ما قدمنا نقله عن الشيخ في النهاية وابن البراج في الكامل.

ثم انه لو انعكس الفرض بأن شرط الثيوبة فظهرت بكرا قيل : فالأقوى تخييره أيضا بين الرد والإمساك ، لكن بغير أرش ، لجواز تعلق غرضه بذلك ، لعجزه عن البكر وقيل : لا رد هنا لزيادة قيمة البكر.

السادسة الإباق الحادث عند المشترى لا يرد به العبد ، وانما يرد به إذا حصل عند البائع أو غيره من الملاك السابقين ، وبالجملة حصوله قبل البيع ، وهل يكفي في ثبوت ذلك حصوله ولو مرة واحدة؟

ظاهر جمع منهم ذلك وبه صرح في التذكرة ، وشرط بعض الأصحاب الاعتياد ، قيل : وأقل ما يتحقق به مرتين.

والذي وقفت عليه من الاخبار هنا ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن أبى همام (١) قال : «سمعت الرضا (عليه‌السلام) يقول : يرد المملوك من أحداث السنة من الجنون والجذام والبرص ، فقلت : كيف يرد من أحداث السنة قال : هذا أول السنة وإذا اشتريت مملوكا به شي‌ء من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة رددته على صاحبه ، فقال له محمد بن على : فالإباق من ذلك ، فقال : ليس الإباق من ذلك الا ان يقيم البينة أنه كان آبق عنده».

وظاهر هذا الخبر أنه لا بد من ثبوت الإباق عند البائع ، وأنه تكفي المرة الواحدة ، كما صرح به في التذكرة.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢١٧ التهذيب ج ٧ ص ٦٣ الوسائل الباب ١ ـ من أبواب أحكام العيوب الرقم ـ ٢.

١٠٠