الحدائق الناضرة - ج ١٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

فان ذلك حكم الأمانة الشرعية كما يأتي في محله إنشاء الله تعالى ، وحينئذ فلو ترك أثم وضمن.

وظاهر المحقق الأردبيلي المناقشة هنا ، فإنه قال بعد نقل ذلك عنهم : وفيه تأمل ، لأنه قد يتلف في الطريق مع أنه غير مأذون فيه ، وان أمكن أن يقال الظاهر أنه محسن غير مفرط ، إذ الفرض ذلك مع الا من من التلف في الطريق ، وان الغالب رضا صاحبه بذلك ، ولا يبعد وجوب الا علام أو الرد في صورة الجهل ، اما كونه فوريا فغير ظاهر نعم ينبغي ذلك بحيث لا يفوت غرض يتعلق بذلك المال ، ولا يعد القابض مهملا ومقصرا. انتهى.

وهو جيد وما نفى عنه البعد جيد حيث انه لا نص فيها على ما ذكروه ، وفيما ذكره جمع بين الحقين ، ومما يرجح القول بأنها شرعية ان حكم الأمانة المالكية عندهم انه يجب حفظها حتى يطلبها مالكها ، وفيما نحن فيه المالك لا علم له بها لانه دفعها جاهلا بها ، فكيف تيسر طلبه لها وهو لا يعلمها بالكلية ، وانها يجب على المالك حفظها الى آخر الدهر ، ثم انه على تقدير الغلط فاما ان يتبين الحال قبل التفرق ، أو بعده ، فان كان قبله فلكل منهما استرداد الزائد وإبداله ، وليس للآخر الامتناع تحذرا من الشركة ، وان كان بعد التفرق فان جوزنا الأبدال للعيب الجنسي كما تقدم في القول به فكذلك ، والا ثبت الخيار لكل منهما لعيب الشركة ، ولو كانت الزيادة يسيرة يتسامح بها فلا بأس ، ولهذا يستحب الإعطاء زائدا والأخذ ناقصا ، وقد يكون ذلك لاختلاف الموازين والمكائيل.

ومما يدل على ذلك الأخبار الواردة في فضول المكائيل والموازين ومنها ما رواه في الكافي عن على بن عطية (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٨٢ التهذيب ج ٧ ص ٤٠.

٣٢١

فقلت انا نشتري الطعام من السفن ثم نكيله فيزيد؟ قال : فقال لي وربما نقص عليكم قلت : نعم ، قال : فإذا نقص يردون عليكم؟ قلت : لا قال : لا بأس».

وظاهر هذا الخبر يدل على جواز أخذ الزيادة وان كانت زائدة على ما يتسامح به إذا كانوا في حال ظهور النقصان لا يردون عليكم النقيصة ، ولعله محمول على اختلاف المكائيل ، وان مكيال البائع كان زائدا على مكيال المشترى تارة وناقصا عنه أخرى.

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن فضول الكيل والموازين؟ فقال : إذا لم يكن تعديا فلا بأس».

وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله مراقدهم) عن إسحاق المدائني (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قلت : ان صاحب الطعام يدعو كيالا فيكيل لنا ولنا أجراء فيعيرونه فيزيد وينقص؟ فقال : لا بأس ما لم يكن شي‌ء كثير غلط».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن العلاء بن رزين (٣) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قلت له : انى أمر بالرجل فيعرض على الطعام ، ويقول لي : قد أصبت طعاما من حاجتك فأقول له : أخرجه أربحك في الكر كذا وكذا ، فإذا أخرجه نظرت إليه فإن كان من حاجتي أخذته ، وان لم يكن من حاجتي تركته ، قال : هذه المراوضة لا بأس بها ، قلت : فأقول له : أعزل منه خمسين كرا أو أقل أو أكثر ، فيكيله فيزيد وينقص وأكثر ذلك ما يزيد لمن هي؟ قال : هي لك ، ثم قال (عليه‌السلام) : انى بعثت معتبا أو سلاما فابتاع لنا طعاما فزاد علينا بدينارين ، فقتنا به عيالنا بمكيال قد عرفناه ، فقلت له : قد عرفت صاحبه؟ قال : نعم فرددناه

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٨٢ التهذيب ج ٧ ص ٤٠ الفقيه ج ٣ ص ١٣١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٨٠ التهذيب ج ٧ ص ٣٨ وفيه اختلاف يسير. الفقيه ج ٣ ص ١٣٠.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٨٢.

٣٢٢

عليه ، فقلت : رحمك الله تفتيني بأن الزيادة لي وأنت تردها ، قال : فقال : قد علمت أن ذلك كان له وكان غلطا ، قال : نعم ، انما ذلك غلط الناس لأن الذي ابتعنا به انما كان ذلك بثمانية دراهم أو تسعة ، ثم قال : ولكني أعد عليه الكيل».

وظاهر الخبران الذي شراه (عليه‌السلام) من الطعام كان ما يساوى قيمته ثمانية دراهم أو تسعة ـ والترديد الظاهر أنه من الراوي ـ وزاد فيه ما يساوى دينارين فرد (عليه‌السلام) تلك الزيادة ، لأن زيادة هذا المقدار لا يكون الا عن غلط ، بخلاف ما افتى به الراوي ، فإنه يمكن استناده الى التفاوت في المكائيل وانه مما يتعارف بين الناس.

وأما قوله في الوافي وقوله : «بدينارين» متعلق بقوله «فابتاع» فالظاهر أنه سهو من صاحب الكتاب ، بل انما هو متعلق بقوله فزاد ، وكيف لا وهو (عليه‌السلام) قد صرح في آخر الخبر بأن الذي ابتاع انما كان بثمانية دراهم أو تسعة ، وهو ظاهر في كون ما قابل الدينارين كان هو الزائد ، ولذا أمر برده ، وقوله في الخبر «فقلت له : عرفت صاحبه» يحتمل أن يكون من قول الامام (عليه‌السلام) لمعتب أو سلام ، ويحتمل أن يكون من قول الراوي للإمام (عليه‌السلام) وتكون جملة معترضة بين قوله «عرفناه» وقوله «فرددناه» وربما أشعر هذا الخبر بكون الزيادة الكثيرة الواقعة غلطا أمانة شرعية ، لأن حكم الأمانة المالكية عندهم هو حفظها حتى يطلبها المالك ، والأمانة الشرعية وجوب ردها ، أو إعلام المالك بها وهو (عليه‌السلام) في هذا الخبر قد أمر بردها على المالك ، وبالجملة فالخبر ظاهر في تأييد القول المذكور زيادة على ما قدمناه والله العالم.

٣٢٣

الفصل الثامن في بيع الثمار

من النخل والفواكه والخضر وما يلحق ذلك من الأحكام ، والبحث في هذا الفصل في مطالب أربعة.

الأول ـ في ثمرة النخل ، وتحقيق الكلام فيها أنه لا خلاف بين الأصحاب ، (رضوان الله عليهم) ـ في جواز بيعها بعد ظهور صلاحها ، وانما الخلاف فيما قبله ، وتفصيل القول فيه أنه اما ان يكون قبل ظهورها ، أو بعده قبل بدو الصلاح ، وعلى الأول فاما أن يكون عاما واحدا أو أزيد ، ثم انه على تقدير بيعها عاما واحدا هل يجوز مع الضميمة أم لا؟ فهيهنا مقامات أربعة.

الأول ـ في بيعها عاما واحدا قبل ظهورها مع عدم ضميمة ، والمشهور بين الأصحاب ـ بل ادعى عليه العلامة في التذكرة الإجماع ، ومثله الشهيدان في الدروس والمسالك أنه لا يجوز بيعها قبل ظهورها عاما واحدا من غير ضميمة ، والمراد بالظهور هو بروزها الى الخارج وان كانت في طلعها ، كما تضمنته موثقة سماعة ، ورواية يعقوب بن شعيب الاتيتان إنشاء الله تعالى.

والمفهوم من كلام الشيخ في كتابه الأخبار القول هنا بالكراهة ، قال (قدس‌سره) بعد نقل أخبار المسألة : قال محمد بن الحسن : الأصل في هذا أن الأحوط أن لا يشترى الثمرة سنة واحدة إلا بعد أن يبدو صلاحها ، فان اشتريت فلا تشترى الا بعد أن يكون معها شي‌ء آخر ، فان خاست كان رأس المال فيما بقي ، ومتى اشترى من غير ذلك لم يكن البيع باطلا ، لكن يكون قد فعل مكروها ، وقد صرح بذلك ـ في الاخبار التي قدمناها ـ أبو عبد الله (عليه‌السلام).

٣٢٤

منها حديث الحلبي (١) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى عن ذلك لأجل قطع الخصومة الواقعة بين الأصحاب ولم يحرمه». وكذلك ذكر ثعلبة عن بريد (٢) وزاد فيه «انما نهاه ذلك العام دون سائر الأعوام» ، وفي حديث يعقوب بن شعيب (٣) «ان أبا عبد الله (عليه‌السلام) كان يكره ذلك ، ولم يقل أنه «كان يحرمه» وعلى هذا الوجه لا تنافي بين الاخبار انتهى.

والواجب أولا ذكر الأخبار الواردة في المسألة ، ثم بيان ما هو الظاهر منها فمنها ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله مراقدهم) عن سماعة (٤) في الموثق قال : «سألته (عليه‌السلام) عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها ، قال : لا الا أن يشترى معها شيئا غيرها رطبة أو بقلا فيقول : أشترى منك هذه الرطبة وهذا النخل وهذا الشجر بكذا وكذا ، فان لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشترى في الرطبة والبقل» الحديث.

وما رواه في الفقيه والتهذيب عن أبى الربيع الشامي (٥) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : كان أبو جعفر (عليه‌السلام) يقول إذا بيع الحائط فيه النخل والشجر سنة واحدة فلا يباعن حتى تبلغ ثمرته ، وإذا بيع سنتين أو ثلاثا فلا بأس ببيعه بعد ان يكون فيه شي‌ء من الخضرة».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن يعقوب بن شعيب (٦) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن شراء النخل ، فقال : كان أبى يكره شراء النخل قبل ان تطلع ثمرة السنة ، ولكن السنتين والثلاث كان يقول : ان لم يحمل في هذه السنة حمل في السنة الأخرى ، قال يعقوب : وسألته «قال : سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ١٧٥ التهذيب ج ٧ ص ٨٥.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٨٧.

(٤) الكافي ج ٥ ص ١٧٦ التهذيب ج ٧ ص ٨٤ الفقيه ج ٣ ص ١٣٣.

(٥) الفقيه ج ٣ ص ١٥٧.

(٦) التهذيب ج ٧ ص ٨٧.

٣٢٥

عن الرجل يبتاع النخل والفاكهة قبل ان تطلع فيشتري سنتين أو ثلاث سنين أو أربعا فقال : لا بأس ، إنما يكره شراء سنة واحدة قبل ان تطلع مخافة الافة حتى تستبين».

وعن سليمان بن خالد (١) في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): لا تشترى النخل حولا واحدا حتى يطعم وان كان يطعم ، وان شئت ان تبتاعه سنتين فافعل». هكذا نقل الخبر في الوافي عن التهذيب ، ثم قال : الظاهر سقوط لفظ «لم» من قوله «يطعم» : انتهى ، وقال بعض مشايخنا (عطر الله مراقدهم) : ان الواو في قوله «وان كان يطعم» ليست في بعض النسخ الصحيحة).

أقول : ويؤيده ان الذي في الاستبصار (٢) «وان شئت ان تبتاعه» وبالجملة فمن عرف طريقة الشيخ في الكتاب المذكور لا يستنكر من وقوع التحريف منه في الخبر المذكور ، ومعنى الخبر على تقدير زيادة الواو والنهى عن اشتراء النخل حولا واحدا حتى يطعم وان كان من شأنه بأن بلغ ذلك المبلغ ، وان شئت أن تبتاعه أزيد فلا بأس.

وما رواه الشيخ عن ابى بصير (٣) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) «انه قال : لا تشتر النخل حولا واحدا حتى يطعم ، وان شئت ان تبتاعه سنتين فافعل».

وعن ابى بصير (٤) عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سئل عن النخل والتمر يبتاعهما الرجل عاما واحدا قبل ان تثمر قال : لا حتى تثمر وتأمن ثمرتها من الافة ، فإذا أثمرت فابتعها أربعة أعوام ان شئت مع ذلك العام أو أكثر من ذلك أو أقل».

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٨٨.

(٢) الاستبصار ج ٣ ص ٨٥.

(٣ و ٤) التهذيب ج ٧ ص ٨٨.

٣٢٦

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن بريد بن معاوية (١) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الرطبة تباع قطعة أو قطعتين أو ثلاث قطعات؟ فقال : لا بأس ، قال : وأكثرت السؤال عن أشباه هذا فجعل يقول : لا بأس به فقلت : أصلحك الله ـ استحياء من كثرة ما سألته وقوله (عليه‌السلام) لا بأس به ـ ان من بيننا يفسدون علينا هذا كله ، فقال : أظنهم سمعوا حديث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في النخل ، ثم حال بيني وبينه رجل فسكت ، فأمرت محمد بن مسلم ان يسأل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن قول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في النخل فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فسمع ضوضاء فقال : ما هذا؟ فقيل له : تبايع الناس بالنخل فقعد النخل العام فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : أما إذا فعلوا فلا يشتروا النخل العام حتى يطلع فيها شي‌ء ، ولم يحرمه».

ورواه الشيخ في التهذيبين عن ثعلبة بن زيد (٢) بدل عن بريد والظاهر أنه من قبيل ما قدمنا ذكره من حال الشيخ (رحمة الله عليه) وما وقع له من التحريف والتغيير في متون الاخبار وأسانيدها.

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي. في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (٣) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سئل عن شراء الكرم والنخل والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين فقال : لا بأس به يقول : ان لم يخرج في هذه السنة أخرج في قابل ، وان اشتريته سنة واحدة فلا تشتره حتى يبلغ ، فان اشتريته ثلاث سنين قبل أن يبلغ فلا بأس ، وسئل (عليه‌السلام) عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من ارض فهلك

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٧٤ التهذيب ج ٧ ص ٨٦.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٨٦ وفيه عن ثعلبة بن زيد عن بريد.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٧٥ التهذيب ج ٧ ص ٨٥ الفقيه ج ٣ ص ١٣٢.

٣٢٧

ثمرة تلك الأرض كلها ، فقال : قد اختصموا في ذلك الى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فكانوا يذكرون ذلك فلما رآهم لا يدعون الخصومة ، نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة ولم يحرمه ، ولكن فعل ذلك من أجل خصومتهم». ورواه الصدوق مثله ، الا أنه ترك قوله وان اشتريته ثلاث سنين قبل أن تبلغ فلا بأس.

وما رواه أيضا في الكتاب المذكور في الصحيح عن ربعي (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ان لي نخلا بالبصرة فأبيعه وأسمى الثمن وأستثنى الكر من التمر أو أكثر أو العذق من النخل؟ قال : لا بأس ، قلت : جعلت فداك نبيع السنتين؟ قال : لا بأس ، قلت : جعلت فداك ان ذا عندنا عظيم ، قال : أما انك ان قلت ذاك لقد كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أحل ذلك فتظالموا فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها». وما رواه الصدوق في حديث المناهي المذكور في آخر كتاب الفقيه (٢) عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) قال : «ونهى أن تباع الثمار حتى تزهو».

وما رواه عبد الله ابن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر (٣) عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) قال : «سألته عن بيع النخل أيحل إذا كان زهوا؟ قال : إذا استبان البسر من الشيص حل بيعه وشراؤه». وعنه أيضا (٤) قال : سألته عن السلم في النخل قبل ان يطلع؟ قال : لا يصلح السلم في النخل».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٧٥ التهذيب ج ٧ ص ٨٥.

(٢) الفقيه ج ٤ ص ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ من أبواب بيع الثمار الرقم ـ ١٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ من أبواب بيع الثمار الرقم ـ ١٨.

٣٢٨

ورواه على بن جعفر في كتابه (١) وكذا الذي قبله ، وزاد فيه «سألته عن شراء النخل سنتين أيحل؟ قال : لا بأس ، يقول : ان لم يخرج العام شيئا أخرج القابل إنشاء الله (تعالى). قال : وسألته عن شراء النخل سنة واحدة أيصلح؟ قال لا يشترى حتى يبلغ».

أقول : هذا ما حضرني من الاخبار المتعلقة بالمسألة ، وقد عرفت كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك ، والذي يلوح لي ـ من صحيحة بريد بن معاوية وقوله فيها «ان من بيننا يفسدون علينا ذلك ، فقال : أظنهم سمعوا حديث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)» الى آخر الخبر وقوله في صحيحة ربعي «ان هذا عندنا عظيم ، فقال : أما انك ان قلت» الى آخره ـ أن مذهب العامة يومئذ تحريم بيع الثمرة قبل ظهورها عاما أو عامين ، كما هو مذهب أصحابنا (رضوان الله عليهم) إجماعا كما يدعونه في العام الواحد ، وبناء على المشهور في الأزيد ، كما يأتي ذكره إنشاء الله (تعالى) وعلى هذا فلا يبعد حمل اخبار التحريم مما يكون صريحا فيه على التقية.

وكيف كان فإن صحيحة بريد ، وصحيحة الحلبي وحسنته ـ انما هو بإبراهيم ابن هاشم المتفق على قبول حديثه وان عدوه حسنا ـ وصحيحة ربعي صريحة في الحل وعدم الحرمة ، فيتعين العمل بها لصحتها وصراحتها ، فلا بد من ارتكاب التأويل فيما كان ظاهرا في منافاتها ، اما بالحمل على الكراهة كما ذكروه ، أو التقية كما أشرنا اليه ، والى هذا القول يميل كلام جملة من محققي متأخري المتأخرين كالمحقق الأردبيلي والفاضل الخراساني.

المقام الثاني ـ المسألة الأولى بحالها الا أن المبيع مع الضميمة ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك ، قال في المسالك بعد أن ادعى عدم الخلاف في المنع مع

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ من أبواب بيع الثمار الرقم ـ ٢٠ ـ ٢١.

٣٢٩

عدم الضميمة : والمشهور المنع مع الضميمة أيضا ، حيث لا تكون الضميمة هي المقصودة بالبيع ، لانه غرر انتهى. والمفهوم منه التفصيل بين كون الضميمة هي المقصودة بالبيع والثمرة تابعة ـ فيصح البيع كما لو باعه الأصل والثمرة ـ أو لا تكون مقصودة ، بل جعلت تابعة ، كسائر الضمائم التي ذكروها في غير موضع مثل ضميمة الآبق ونحوها ، فلا يصح.

وأنت خبير بأنه قد تقدم في موثقة سماعة التصريح بالصحة مع الضميمة مع ظهور كون الضميمة تابعة ، فان ضم الرطبة أو البقل الى الثمرة ظاهر بل صريح في التبعية وعدم المقصودية ، ويعضد ذلك اتفاقهم على الصحة مع الضميمة المعلومة تبعيتها في غير موضع ، مما يحكمون فيه ببطلان العقد لو لا الضميمة ، وأظهر تأييدا في ذلك ما عرفت آنفا من صحة البيع مع عدم الضميمة بالكلية ، كما اخترناه وصرح به من قدمناه.

وبالجملة فإن ما ذكروه لا أعرف له وجه استقامة بعد ما عرفت. ولا سيما بعد ما رجحناه من صحة البيع مع عدمها بالكلية.

المقام الثالث ـ في بيعها قبل الظهور أزيد من عام واحد ، قال في المختلف المشهور أنه لا يجوز بيع الثمرة قبل ظهورها ، لا عاما واحدا ولا عامين أما العام الواحد فبالإجماع ، ولانه بيع عين معدومة ، فلا يصح وأما بيع عامين فالمشهور أنه كذلك ، وادعى ابن إدريس الإجماع فيه أيضا ، قال : وقد يشتبه على كثير من أصحابنا ذلك ، ويظنون أنه يجوز بيعها سنتين وان كانت فارغة لم يطلع بعد وقت العقد ، قال : وهذا بخلاف ما يجدونه في تصانيف أصحابنا وخلاف إجماعهم واخبار أئمتهم وفتاويهم ، وهذا غلط في النقل ، فان الصدوق قال في المقنع : بالجواز (١) والمعتمد الأول ، لنا انه بيع عين مجهولة معدومة ، فلا يصح كغيرها

__________________

(١) حيث قال بعد المنع من البيع سنة واحدة : ومع الانضمام إلى سنة

٣٣٠

من المجهولات ، ولقول الباقر (عليه‌السلام) في حديث أبى الربيع الشامي : «وإذا بيع سنتين أو ثلاثة فلا بأس ببيعه بعد أن يكون فيه شي‌ء من الخضرة». انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : المشهور في كلامهم نسبة الخلاف في هذه الصورة الى الصدوق خاصة (١) مع أن ظاهر العلامة في التذكرة القول بذلك أيضا ، وكذا نقله بعض المحققين عن الشيخ أيضا ، ومما يدل على القول المذكور ما تقدم في صحيحة يعقوب بن شعيب وصحيحة سليمان بن خالد بالتقريب الذي ذكرناه ذيلها ورواية أبي بصير الاولى وصحيحة الحلبي أو حسنته وصحيحة ربعي وصحيحة على بن جعفر المذكور في كتابه ، معللا ذلك في رواية يعقوب بن شعيب ، وصحيحة الحلبي أو حسنته وصحيحة على بن جعفر ـ بأنه ان لم يخرج العام أخرج في القابل.

وما رواه في الكافي والتهذيب عن معاوية بن ميسرة (٢) قال : «سألته عن بيع النخل سنتين؟ قال : لا بأس به» الحديث.

وبذلك يظهر قوة قول المذكور ، وأنه المؤيد المنصور ، قال في المختلف ـ بعد ذكر ما قدمنا نقله ـ : احتج ابن بابويه بما رواه يعقوب بن شعيب في الصحيح ،

__________________

أخرى يجوز لما رواه الحلبي في الحسن ثم ساق الرواية ، ثم نقل صحيحة يعقوب بن شعيب منه رحمه‌الله.

(١) حيث قال : والمشهور عدم جوازه أكثر من عام ، ولم يخالف فيه الا الصدوق لصحيحة يعقوب بن شعيب ، وحملت على عدم بدو الصلاح انتهى ، وهو ظاهر في انه لا مخالف الا الصدوق ، ولا دليل له الا صحيحة يعقوب المذكورة ، وقد عرفت مما ذكرنا وجود المخالف غير الصدوق وتعدد الاخبار الصحيحة الصريحة زيادة على الرواية المذكورة ـ منه رحمه‌الله.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٧٧ التهذيب ج ٧ ص ٨٦.

٣٣١

ثم ساق الرواية كما قدمناه ، ثم قال : والجواب أنه محمول على ظهور الثمرة قبل تأبيرها.

وأنت خبير بما في هذا الجواب ، وان تبعه فيه الشهيد في الدروس ، كيف لا والسؤال الثاني من الرواية المذكورة انما وقع عن الثمرة قبل أن تطلع ، ومع هذا أجاب (عليه‌السلام) بنفي البأس ، ويرد ما ذكروه أيضا التعليل المذكور في تلك الروايات أنه ان لم يخرج العام يخرج في العام الأخر ، فإنه إشارة إلى الوجه المصحح للبيع في هذه الصورة ، قال في المسالك ـ بعد قول المصنف : و «في جواز بيعها كذلك عامين فصاعدا تردد ، والمروي الجواز» وبعد استدلاله للقول المشهور بمفهوم الشرط في رواية أبي بصير الثانية ، ولرواية أبي الربيع ـ ما لفظه : لكن في الرواية الأولى ضعف ، والثانية من الحسن ، وأشار المصنف بقوله «والمروي الجواز» إلى صحيحة يعقوب بن شعيب ، ثم ساقها الى آخرها ، ثم قال : وعمل بمضمون الرواية الصدوق ، ويظهر من المصنف الميل اليه ، وهو قوي ـ إذ لم يثبت الإجماع على خلافه ـ لصحة روايته وترجيحها على ما يخالفها من الروايات ، مع إمكان حمل روايات المنع على الكراهة جمعا. انتهى.

وفيه أن وصفه رواية أبي الربيع بالحسن سهو منه (قدس‌سره) فان الرجل المذكور غير موثق ولا ممدوح ، وأن الدليل على الجواز غير منحصر في صحيحة يعقوب المذكورة ، لما عرفت من الاخبار التي أشرنا إليها ، وهي متكاثرة صحيحة صريحة في الحكم المذكور ، لا يعارضها ما ذكره ، سيما مع قيام التأويل في المعارض ، كما أشار اليه ، وبالجملة فالقول بالصحة في الصورة المذكورة مما لا مجال لإنكاره بعد ما عرفت والله العالم.

المقام الرابع ـ في بيعها بعد الظهور وقبل بدو صلاحها ، والمشهور أنه لا يجوز الا أن يضم إليها ما يجوز بيعه (١) أو بشرط القطع أو عامين فصاعدا ولو بيعت من

__________________

(١) في قوله ما يجوز بيعه إشارة إلى أنه يجب في الضميمة أن يكون شيئا

٣٣٢

دون أحد الشروط المذكورة ، فهل يكون جائزا على كراهة ، أو يكون باطلا ، أو يراعى السلامة؟ أقوال ثلاثة ، وبالأول ـ قال الشيخ في كتابي الاخبار ، والشيخ المفيد وسلار وابن إدريس والعلامة في التذكرة ، وبالثاني قال في النهاية والمبسوط والخلاف ، وادعى عليه الإجماع ، وبه قال الصدوق ، وابن الجنيد ، وأبو الصلاح ، وابن حمزة ، وبالثالث قال سلار في ظاهر كلامه ، واستدل القائلون بالتحريم إلى رواية أبي بصير الثانية من روايتيه المتقدمتين ، وما رواه في الكافي والفقيه ، عن الوشاء (١) في الضعيف في الأول ، والحسن في الثاني قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) هل يجوز بيع النخل إذا حمل فقال : لا يجوز بيعه حتى يزهو ، قلت : وما الزهو جعلت فداك؟ قال : يحمر ويصفر وشبه ذلك». وما رواه في الكافي والتهذيب عن على بن حمزة (٢) قال سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) الى أن قال : «وسألته عن رجل اشترى بستانا فيه نخل ليس فيه غير بسر أخضر؟ فقال : لا حتى يزهو ، قلت : وما الزهو؟ قال : يتلون». ويدل عليه أيضا ما تقدم في حديث المناهي المنقول عن الفقيه ، وما في رواية قرب الاسناد.

ويعارض هذه الاخبار ما قدمنا ذكره من الروايات الصحيحة الصريحة في جواز البيع قبل الظهور بالكلية من غير شرط ، فبعده قبل بدو الصلاح بطريق أولى ، مضافا ذلك الى عمومات الكتاب والسنة في حل البيع ، ووجوب الوفاء بالعهود ،

__________________

يمكن افراده بالبيع بأن يكون معمولا جامعا لجميع شرائط البيع وان كان قليلا بالنسبة إلى العادة الجارية بين الناس في أمثاله كما تقدم. منه رحمه‌الله.

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار الرقم ٣.

٣٣٣

وحمل الأخبار النافية على الكراهة ، كما ذكره الأصحاب غير بعيد (١) لان ما تشعر به من احتمال تطرق الافة قبل بدو الصلاح لا يصلح للمانعية ، ألا ترى أنه يمكن ذلك في أكثر المبيعات ، مثل الحيوانات وبيع الثمرة سنتين مثلا ، بل بعد بدو الصلاح يمكن تطرقها أيضا.

ونقل العلامة في التذكرة المنع من المذاهب الأربعة ، وكذا ابن إدريس في كتاب السرائر حيث قال : وانما يجوز عندنا خاصة بيعها إذا طلعت قبل بدو الصلاح سنتين ، وعند المخالفين لمذهب أهل البيت (عليهم‌السلام) لا يجوز ، وعلى هذا فلا يبعد حمل هذه الاخبار على التقية ، ولعله الأظهر.

قال في المسالك بعد ذكر الشروط الثلاثة المتقدمة : وألحق العلامة بالثلاثة بيعها على مالك الأصل ، وبيع الأصول مع استثناء الثمرة ، وفي الأخير نظر ، إذ ليس هناك بيع ولا نقل الثمرة بوجه ، ودليل الأول غير واضح ، والتبعية للأصل انما يجرى لو بيعا معا. انتهى وهو جيد.

ثم انه ينبغي أن يعلم ان الوجه في اشتراط الضميمة ـ وكذا في اشتراط الزيادة عن سنة ـ ظاهرة أما في اشتراط القطع فهو لا يخلو عن نوع غموض ، لان الظاهر أن الاشتراء انما يكون بشي‌ء يمكن الانتفاع به ، ومجرد ظهور الثمرة ـ قبل بدو الصلاح ـ لا يترتب عليها بعد القطع منفعة ـ يعتد بها بين العقلاء ـ حتى انه تقطع لأجلها ، وانما

__________________

(١) أقول : ويمكن تأييد القول بالكراهة بما تضمنته صحيحة الحلبي المتقدمة أو حسنته حيث انه ذكر في صدرها وان اشتريته في سنة واحدة فلا تشتره حتى يبلغ ، وهو ظاهر بالبيع حتى تدرك الثمرة ، ثم أنه نقل حديث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، وذكر أنه انما هم لما وقعوا في الخصومة ولم يحرمه ومنه يظهر ان نهيه (عليه‌السلام) أولا انما هو نهى تنزيه وكراهة لا نهى تحريم منه رحمه‌الله.

٣٣٤

المنافع المترتبة بعد صيرورة النخل بسرا ، أو ثمرة الكرم حصرما ونحو ذلك ، واما قبل ذلك فلا ، فإطلاق اشتراط القطع لا يخلو من غموض واشكال والله العالم.

وتمام تحقيق الكلام في المقام يتوقف على رسم فائدتين ، الأولى ـ بدو الصلاح ـ المجوز لبيع الثمرة على القول بالمنع قبله ـ هل هو عبارة عن الاحمرار أو الاصفرار؟ أو هو عبارة عن ان تبلغ مبلغا يؤمن عليها من الافة والمرجع فيه الى أهل الخبرة قولان.

ونقل في التذكرة عن بعض العلماء ان حده طلوع الثريا ، محتجا عليه برواية عن النبي (١) (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، وردت بعدم ثبوت النقل ، والروايات المتقدمة بعضها قد اشتمل على الأول ، وبعضها على الثاني.

ومما يدل على الأول صحيحة ربعي وحديث المناهي المنقول من الفقيه ، ورواية قرب الاسناد ، وحسنة الرشا ، ورواية على بن أبي حمزة.

ومما يدل على الثاني صحيحة سليمان بن خالد وفيها حتى يطعم ، وفي الصحاح «أطعمت النخلة إذا أدركت ثمرتها ، وأطعمت البسر : اى صار لها طعم» ومثلها رواية أبي بصير الاولى ، وفي روايته الثانية حتى يثمر ، وتؤمن ثمرتها من الافة.

ونحو هذه الرواية أيضا ما رواه في الكافي عن يعقوب ابن شعيب (٢) في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعه جميعا».

وما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي (٣)

__________________

(١) وهي ان ابن عمر روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه نهى عن بيع الثمار حتى يذهب العاهة فقال له عثمان بن عبد الله سراقة ومتى ذلك قال : إذا طلعت الثريا ، ورد بأن هذه التتمة من كلام ابن عمر لأقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) منه رحمه‌الله.

(٢ و ٣) الكافي ج ٥ ص ١٧٥ التهذيب ج ٧ ص ٨٥.

٣٣٥

عن بيع الثمرة قبل أن تدرك؟ فقال : إذا كان في تلك الأرض بيع له غلة قد أدركت فبيع ذلك كله حلال». أقول قوله «بيع» بمعنى «مبيع» وهذا الإطلاق شائع في الاخبار ، وقوله «له غلة» أي ثمرة.

وما رواه في التهذيب والفقيه عن على بن أبي حمزة (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اشترى بستانا فيه شجرة ونخل ، منه ما قد أطعم ومنه ما لم يطعم : قال : لا بأس به إذا كان فيه ما قد أطعم». وبما ذكرناه هنا يظهر لك ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك حيث قال : بعد قول المصنف «وبدو الصلاح أن يصفر أو يحمر أو يبلغ مبلغا يؤمن عليه العاهة» : بدو صلاح ثمرة النخل أحد الأمرين المذكورين ، عملا بما دلت عليه الروايات ، فان كثيرا منها دل على الأول ، وفي رواية أبي بصير ما يدل على الثاني ، واقتصر جماعة من الأصحاب على العلامة الأولى لصحة دليلها ، وقيل بالثاني خاصة ، والأقوى اعتبار العلامة الأولى خاصة لما ذكرناه.

واعترضه المحقق الأردبيلي هنا في دعواه صحة دليل العلامة الأولى حيث ، انه انما أورد روايتي الوشاء وعلى بن أبي حمزة ، ثم قال : وما رأيت غيرهما وليس فيهما شي‌ء صحيح ، فقول شارح الشرائع «واكتفى الأكثر به لصحة دليله» محل التأمل انتهى.

وفيه أن من جملة أدلة هذه العلامة صحيحة ربعي كما ذكرناه ، ولكنه غفل عنها كما ينبئ عنه كلامه ، وانما وجه الدخل في كلام شيخنا المذكور دعواه أن كثير من الروايات دل على العلامة الاولى ، وأن فيها الصحيح والعلامة الثانية انما دل عليها خبر أبى بصير خاصة ، فمن ثم رجح العلامة الاولى ، والأمر كما عرفت مما ذكرناه ليس كذلك ، وأن الروايات الدالة على العلامة الثانية أكثر عددا وصحاحا

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٨٤ الفقيه ج ٣ ص ١٣٣.

٣٣٦

والظاهر ـ بمعونة ما قدمناه من جواز البيع قبل الظهور ـ ترتب هذه الاخبار في مراتب الكراهة ، فالأولى قبل الظهور ، والثانية بعد الظهور وقبل التلون ، والثالثة بعد التلون وقبل أن تدرك وتطعم ، وأما إذا بلغت هذا المبلغ فلا إشكال في الجواز بغير كراهة ، وقد تقدم أيضا احتمال الحمل على التقية في بعض هذه المراتب. والله العالم.

الثانية قالوا إذا أدرك بعض ثمرة البستان جاز بيعها اجمع ، ولو أدركت ثمرة بستان فهل يجوز أن يضم اليه بستان لم يدرك ويباع جميعا أم لا؟ قولان.

أقول : أما الحكم الأول فالظاهر أنه موضع اتفاق نصا وفتوى ، لان بيع ما لم يدرك جائز مع الضميمة كما تقدم ، وما أدرك من الثمرة ضميمة هنا لما لم يدرك ، وقد تقدمت صحيحة يعقوب بن شعيب وصحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، ورواية على بن أبي حمزة مصرحة بذلك.

وأما الثاني فالمشهور الجواز ايضا لمكان الضميمة ، وأيد ذلك بصحيحة الهاشمي المتقدمة أيضا ، بناء على ظاهر إطلاق الأرض فيها ، فإنه أعم من أرض ذلك البستان الذي أدرك بعضه ، أو أرض بستان آخر.

ونقل عن الشيخ في المبسوط والخلاف المنع ، لان لكل بستان حكم نفسه المتعدد ، ولما رواه عن عمار (١) في الموثق عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) أنه سئل عن الفاكهة متى يحل بيعها؟ قال : إذا كانت فاكهة كثيرة في موضع واحد فأطعم بعضها فقد حل بيع الفاكهة كلها ، فإذا كان نوعا واحدا فلا يحل بيعه حتى يطعم ، فان كان أنواعا متفرقة فلا يباع منها شي‌ء حتى يطعم كل نوع منها وحده ، ثم تباع تلك الأنواع». ورد في المسالك الرواية بالضعف ، وتردد المحقق في الشرائع في الحكم المذكور ، والظاهر عندي أن الرواية المذكورة ليست من قبيل ما نحن

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٩٢.

٣٣٧

فيه ، فان ظاهر الخبر أن التفرق انما هو في أنواع الفاكهة ، وان كانت في بستان واحد ، لا في المكان الذي فيه الفاكهة كما هو محل البحث ، وهذا الخبر على ظاهره كما ذكرناه لا قائل به ، لما عرفت في الحكم الأول من أن البستان الواحد إذا أدرك بعض ثمره جاز بيع الجميع ، ويدلك على ما قلناه قوله (عليه‌السلام) في صدر الخبر «إذا كانت فاكهة كثيرة في موضع واحد» ثم انه فصل في تلك الفاكهة بين كونها نوعا واحدا أو أنواعا متعددة ، فأثبت لكل نوع منها حكم نفسه ، وحكمه في صدر الخبر بحل بيع الفاكهة كلها إذا أطعم بعضها مبنى على كونها من نوع واحد كما ينادى به التفصيل المذكور ، وحينئذ يكون الخبر المذكور من قبيل سائر اخبار عمار المشتملة على الغرائب ، كما طعن عليه بذلك المحدث الكاشاني في الوافي في غير موضع.

وبالجملة فإن القول الأول هو الأوفق بالقواعد المتقدمة ، ويعضده إطلاق الصحيحة المذكورة.

المطلب الثاني

في أثمار سائر الأشجار ، الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في عدم جواز بيعها قبل الظهور سنة واحدة بغير ضميمة ، ولم أقف هنا على نص صريح يدل على الجواز في الصورة المذكورة ، وانما ورد ذلك في ثمرة النخل كما تقدم ، الا أن ظاهر جملة من الأصحاب منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك أن الخلاف هنا على حسب الخلاف في ثمرة النخل.

وقال في التذكرة على ما نقله المحقق الأردبيلي في جميع مسائل ثمرة الشجر : الخلاف هنا كالخلاف في ثمرة النخل ، ثم قال موردا عليه : الا أنه اختار في ثمر النخل جواز بيعه بعد الظهور قبل البدو عامين ، وفي ثمر الشجر قال : لا يجوز.

٣٣٨

أقول : وهو ظاهر العلامة في الإرشاد ، حيث ذكر في عبارته الأحكام المتقدمة في النخل وطردها في الجميع (١).

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بالشجر ما تقدم في المقام الأول من المطلب الأول في صحيحة الحلبي أو حسنته ، حيث إن السؤال فيها وقع عن شراء الكرم والنخل والثمار ، وقد تضمنت أنه لا بأس ببيعه ثلاث سنين ، أو أربع ، وتضمنت أنه ان اشتريته سنة واحدة فلا تشتره حتى يبلغ ، وتضمنت السؤال عن اشتراء الثمرات فتهلك ، وهو أعم من ثمرة النخل وغيرها ، فأجاب (عليه‌السلام) بحديث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الدال على جواز شراء الثمرة قبل ظهورها عاما واحدا ، ويستفاد منه على هذا جواز الشراء سنة واحدة قبل الظهور على كراهية ، وجواز الشراء أزيد من سنة قبل الظهور أيضا.

ومنها ما رواه في الكافي. والتهذيب عن عمار الساباطي (٢) في الموثق عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الكرم متى يحل بيعه؟ فقال : إذا عقد وصار عروقا». والعرق اسم الحصرم بالنبطية ، كذا في الكافي. وفي التهذيب «عقودا» والعقد اسم الحصرم بالنبطية ، وهو أظهر.

أقول : وهذا الخبر من قبيل الاخبار المتقدمة في النخل ، وأنه لاتباع ثمرته بعد الظهور حتى يبدو صلاحها ، اما بالاحمرار أو الاصفرار ، أو بأن يؤمن

__________________

(١) وهذه صورة عبارته «الأول في بيع الثمار : انما يجوز بيعها بعد ظهورها ، وفي اشتراط بدو الصلاح الذي هو الاحمرار والاصفرار ، أو بلوغ غاية يؤمن غلتها الفساد ، أو ينعقد حب الزرع أو الشجر أو الضميمة أو بشرط القطع ، قولان» ولم يفصل في ذلك بين النخل وغيره من الشجر والموجود في أكثر العبارات التفصيل والفرق بين النخل وغيره من الأشجار كما في الشرائع وغيره ـ منه رحمه‌الله.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٧٨ التهذيب ج ٧ ص ٨٤.

٣٣٩

عليها العاهة.

ومنها ما تقدم في رواية أبي الربيع الشامي المشتملة على الحائط فيه النخل والشجر ، وقد تضمنت النهى عن بيعه سنة واحدة حتى يبلغ ثمرته ، وتضمنت جواز بيعه أزيد من سنة واحدة بعد أن يكون فيه شي‌ء من الخضرة.

ومنها ما تقدم أيضا في صحيحة يعقوب بن شعيب (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : وسألته عن الرجل يبتاع النخل والفاكهة قبل أن تطلع فيشترى سنتين أو ثلاث سنين أو أربعا؟ قال : لا بأس ، إنما يكره شراء سنة واحدة قبل ان يطلع مخافة الافة حتى تستبين ، وهي ظاهرة في ان حكم شجر الفاكهة حكم النخل فيما ذكرنا من كراهة شراء سنة واحدة وجوازه أزيد من سنة واحدة من غير ضميمة ، حسبما تقدم في النخل.

ومنها ما رواه في التهذيب عن محمد بن شريح (٢) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال : «وبلغني أنه قال في ثمر الشجر : لا بأس بشرائه إذا صلحت ثمرته فقيل له : وما صلاح ثمرته؟ فقال : إذا عقد بعد سقوط ورده».

ومنها موثقة عمار المتقدمة في الفائدة الثانية ، وفيها النهى عن بيع الفاكهة حتى تطعم.

أقول : والذي يقرب عندي من هذه الاخبار بعد ضم بعضها الى بعض وهو مساومة حكم الشجر للنخل ، الا أن في جواز بيعه سنة واحدة قبل الظهور توقف ، لعدم ظهوره صريحا منها ، وكذا في جواز بيعه بعد الظهور وقبل البلوغ بأحد الشروط الثلاثة المتقدمة ، فإنه لا دلالة لشي‌ء من هذه الاخبار عليه ، بل ظاهرها هو الجواز بعد الانعقاد ، كما دلت عليه رواية محمد بن شريح من غير اشتراط شي‌ء.

واما ما دل على اشتراط أن تطعم ـ كما في موثقة عمار الثانية ، ونحوه بلوغ

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٧ ص ٨٨ و ٩١.

٣٤٠