الحدائق الناضرة - ج ١٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

إدريس ونحوه العلامة في المختلف (١).

وظاهر المحقق الأردبيلي ان دفعها للحاكم المذكور انما هو لكون الجارية المذكورة مال الامام (عليه‌السلام) ، والحاكم نائبه ، وانه يفعل بها ما يفعل بأمواله (عليه‌السلام) حال الغيبة ، قال (قدس‌سره) بعد الطعن في الرواية ما لفظه : ولهذا قال البعض : يجب ردها الى المالك وورثته بعده ، ثم الى الحاكم ، لانه وكيل الامام (عليه‌السلام) وهي حينئذ ماله (عليه‌السلام) ، فيفعل بها ما يفعل بسائر أمواله التي استورثها ممن لا وارث له ، وهو الظاهر ، ولا تستسعى انتهى وبنحو ما نقلناه عن ابن إدريس والعلامة نقله الشهيد في الدروس عنهم أيضا ، فقال بعد ذكر قول الشيخ ، قال الحلبيون : لا تستسعى لأنها ملك ، وتدفع الى الحاكم ليوصلها إلى أربابها انتهى.

وبه يظهر لك أن ما نقله عن أصحاب هذا القول من أن الدفع الى الحاكم انما هو حيث كونها ميراث من لا وارث له ، وهو للإمام (عليه‌السلام) غفلة عن مراجعة كلامهم في المسألة ، على أنه لا يظهر من النص المذكور ، ولا من كلام أحد من الأصحاب معلومية موت المالك مع عدم وجود وارث له حتى أنها يكون من قبيل ميراث من لا وارث له ، فيكون للإمام (عليه‌السلام) وانما المفروض في كلامهم ـ وهو ظاهر الخبر أيضا ـ انما هو تعذر الوصول الى المالك من حيث انها سرقت من تلك الأرض ، ونقلت إلى أرض أخرى وبيعت ، وإرجاعها إلى المالك يحتاج الى مزيد كلفة ، كما يشير اليه ما تقدم في كلام الشهيد من قوله خصوصا مع بعد دار الكفر ، ولا يتوهم ان قوله في الخبر المذكور انه مات ومات عقبه راجع الى المالك ، وان

__________________

(١) حيث قال : والتحقيق ان نقول : المشترى ان كان عالما وجب عليه ردها الى المالك ان عرفه ، والا الى الحاكم ليحفظها على مالكها. منه رحمه‌الله.

٤٦١

سياق الخبر ظاهر في ان المراد انما هو البائع ، وبالجملة فكلام المحقق المذكور لا يخلو عن غفلة وقصور والله العالم.

المسألة الحادية عشر ـ المفهوم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان ما يؤخذ من دار الحرب بغير اذن الامام ، فإن كان بسرقة وغيلة ونحوهما فهو لأخذه وعليه الخمس ، وان كان بقتال فهو بأجمعه للإمام (عليه‌السلام) وعلى كل من التقديرين فإنه يباح تملكه للشيعة حال الغيبة ، ولا يجب إخراج حصة الموجودين من الهاشميين ، لإباحتهم (عليهم‌السلام) ذلك للشيعة ، لتطيب ولادتهم ، وكذا يجوز الشراء من السابي ، وان كان جائرا ظالما ، بل الشراء من الكافر أخته وبنته وزوجته وكل حربي قهر حربيا صح الشراء منه.

أقول : والغرض من ذكرهم هذا الكلام في هذا المقام هو أنه يجوز تملك العبيد والإماء المسببة من دار الحرب ، سيما في زمن الغيبة سواء سبيت بالقهر والغلبة من سلاطين الجور ، أو بسرقة وغيلة ، وسواء كان السابي لها مسلما أو مخالفا أو كافرا ، وأن من قهر من الكفار أخته أو ابنته أو زوجته أو ابنه فإنه يتملكهم ، ثم بعد تملكهم يجوز الشراء منه ، والقاهر والمقهور حربيان ، ويدل على ذلك الأخبار.

فأما ما يدل على أن ما أخذ بقتال بغير اذنه ، فهو له (عليه‌السلام) ، فمنه رواية العباس الوراق (١) «عن رجل سماه عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) ، قال : إذا غزا قوم بغير اذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام (عليه‌السلام) وان غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس».

وصحيحة معاوية بن وهب (٢) أو حسنته بإبراهيم ابن هاشم قال : قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) السرية يبعثها الامام فيصيبوا غنائم كيف يقسم؟ قال : ان قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام (عليه‌السلام) أخرج منها

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ج ـ ١ ـ من أبواب الأنفال.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٣ وفيه «أربعة أخماس».

٤٦٢

الخمس لله والرسول ، وقسم بينهم ثلاثة أخماس وان لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلما غنموا للإمام (عليه‌السلام) يجعله حيث أحب». والمراد ان لم يكونوا قاتلوا مع أمير منه (عليه‌السلام) كما هو ظاهر السياق ، وما اشتمل عليه من إخراج خمسين من الغنيمة ، وقسمه ثلاثة أخماس شاذ لا قائل به ، وهذه الرواية الثانية لم يذكرها أحد من الأصحاب فيما أعلم ، ولكن الحكم بمجرد الرواية الأولى مشهور عندهم ، بل ادعى عليه الإجماع ، وتوقف المحقق في النافع من حيث ضعف الرواية المشار إليها ، وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب الخمس (١).

الا أن المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في هذا المقام عارض رواية الوراق برواية زكريا بن آدم (٢) عن الرضا (عليه‌السلام) قال : سألته عن سبى الديلم يسرق بعضهم من بعض ، ويغير المسلمون عليهم بلا امام أيحل شراؤهم؟ قال : إذا أقروا بالعبودية فلا بأس بشراءهم».

ويمكن الجواب بحمل نفى البأس عن شراءهم من حيث تحليل ذلك للشيعة متى ثبت العبودية ، فلا ينافي كون ذلك له (عليه‌السلام) لما تكاثرت به الاخبار من تحليل حقوقهم للشيعة (٣) وعلى ذلك أيضا يحمل صدر رواية زكريا ابن آدم المذكورة قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن قوم من العدو صالحوا ثم خفروا ولعلهم انما خفروا لأنهم لم يعدل عليهم أيصلح أن يشترى من سبيهم فقال : ان كان من قوم قد استبان عداوتهم فاشتر منهم وان كان قد نفروا وظلموا فلا تتبع من سبيهم» الحديث. قوله اخفروا (٤) أى نقضوا عهدهم.

__________________

(١) ج ١٣ ص ٣٢٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢١٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال.

(٤) يقال : خفرت الرجل أخفره من باب ضرب خفر بالتحريك إذا آجرته ـ

٤٦٣

وفي التهذيب عن محمد بن عبد الله (١) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن قوم خرجوا وقتلوا أناسا من المسلمين وهدموا المساجد ، وان المستوفي هارون بعث إليهم فأخذوا وقتلوا وسبى النساء والصبيان ، هل يستقيم شراء شي‌ء منهن ويطأهن أم لا؟ قال : لا بأس بشراء متاعهن وسبيهن». وليس في هذه الاخبار على تعددها دلالة على تملك السابي كما توهمه المحقق المتقدم ذكره ، وانما دلت على جواز الشراء خاصة ، فيحمل على ما قلنا من التحليل لكون ذلك لهم (عليهم‌السلام) فلا تنافي الخبرين الأولين ، على أنه يمكن حمل هذه الاخبار على التقية أيضا ، بمعنى أنه لم ينبه فيها على كون ذلك للإمام (عليه‌السلام) تقية ، وانما ذكر جواز الشراء خاصة ، بناء على ما قلناه.

واما ما ذكره من أن ما أخذ بغيلة وسرقة فهو لأخذه ، وعليه الخمس فلم أقف فيه بعد التتبع للاخبار على نص ، وغاية ما استدل به عليه في المدارك هو اخبار (٢) «خذ مال الناصب حيثما وجدته ، وادفع لنا الخمس ،». وفيه نظر ، لعدم ذكره في صدر كتاب الخمس ، وإيجاب الخمس هنا أحد القولين ، وبه صرح في المسالك وقيل : بالعدم وهو ظاهر الشهيد في الدروس في مبحث الخمس ، لانه لا تسمى غنيمة ، وهو الأقرب لما عرفت من عدم الدليل على ذلك ، بل على عدم كون المأخوذ على هذا الوجه لأخذه ، فإن الأخبار خالية من الأمرين ، ولهذا إنما التجأ صاحب

__________________

وكنت له حاميا وكفيلا ، فاخفرت الرجل وخفرت إذا أنقضت عهدته ، وعذرت به ، والهمزة للسلب والإزالة ، اى أزلت خفالته ، والخفارة بالكسر والضم الزمام والعهد منه رحمه‌الله.

(١) التهذيب ج ٦ ص ١٦٢.

(٢) التهذيب ج ٦ ص ٣٨٧.

٤٦٤

المدارك في الأمرين الى أخبار «خذ مال الناصب».

وأما ما يدل على جواز الشراء من السابي وان كان جابرا فالروايات المذكورة عن الرضا (عليه‌السلام) لكن لا من حيث كون ذلك ملكا له كما عرفت ، وان أوهم ظاهرها ذلك ، الا أنه يجب حملها على ما ذكرناه جمعا بين الاخبار الواردة في المسألة.

وأما جواز الشراء من الكافر الحربي بنته وأخته وزوجته ، فيدل عليه ما رواه الشيخ عن عبد الله اللحام (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يشترى من رجل من أهل الشرك ابنته فيتخذها؟ قال : لا بأس». وبالإسناد المذكور (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يشتري امرأة رجل من أهل الشرك يتخذها أم ولد قال : لا بأس».

بقي الكلام في أنه قد صرح الأصحاب بأن كل حربي قهر حربيا فباعه صح بيعه ، لان القاهر مالك المقهور بقهره إياه ، فيصح بيعه له ، وهذا ظاهر فيمن لا ينعتق عليه كالزوجة ونحوها ، أما لو كان ممن ينعتق عليه كالبنت في الخبر الأول فإشكال ، ينشأ من أنه بدوام القهر يبطل العتق لو فرض ، وبدوام القرابة يرتفع الملك بالقهر (٣)

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٧٧.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٧٧.

(٣) أقول : وتوضيحه ان القرابة المخصوصة تقتضي العتق ، وقهر الحربي يقتضي الملك ، والمقتضيان دائما ، وبدوامهما يجب أن يدوم ما يترتب عليهما ويقتضيانه ، والوجهان قد تعارضا وتكافئا ولا ترجيح لأحدهما على الآخر ، فلا يمكن الحكم بأحدهما دون الأخر ، فلما ثبت بالخبر المذكور جواز الشراء فلا بد من حمله على الاستنقاذ ، لخروجه عن القاعدة المذكورة لا أنه بيع حقيقي ، لأن شرطه الملك ، وملك البائع هنا غير معلوم لما عرفت وقولهم المبطل العتق لو فرض مقتضاه ان العتق لا يقع ، لأنهم حكموا ببطلانه على تقدير فرض وقوعه ، وكأنه مبني على ان القهر دائم وهو في كل آن

٤٦٥

وحينئذ فالتحقيق حمل الشراء في الخبر المذكور على الاستنقاذ ، ويثبت الملك بعد ذلك بالتسلط ، وفي لحوق أحكام البيع من خيار المجلس وخيار الحيوان والعيب ونحو ذلك نظر أقربه ـ بناء على ما قلناه ـ العدم ، قالوا والاستنقاذ دفع يد شخص شرعية أم غير شرعية عن مال بعوض أو بغير عوض ، ويشكل أيضا ثبوت الملك بالتسلط بعد الاستنقاذ إذ قد يكون المملوك الذي بيده ممن ينعتق عليه مأمونا : أي دخل بلاد الإسلام بإمام ، فيشكل حينئذ تملك المشترى له بالتسلط عليه ، وربما ظهر من كلام العلامة في القواعد لحوق أحكام البيع بالنسبة إلى البائع ، وفيه أنه مع حكمه بالاستنقاذ لا معنى لذلك ، لانه عقد واحد يبعد كونه بيعا حقيقيا بالنسبة إلى البائع وغير بيع بالنسبة إلى المشترى ، على أن سبب عدم كونه بيعا حقيقيا بالنسبة اليه انما هو عدم صلاحية المبيع لتملك البائع ، وهو موجب لعدم كونه حقيقيا بالنسبة اليه.

وقال في الدروس : ولو اشترى حربيا من مثله جاز ، ولو كان ممن ينعتق عليه قيل كان استنقاذا حذرا من الدور لو كان شراء ، ولا يلحق به أحكام البيع بالنسبة إلى المشترى ، وروى ابن بكير (١) تسميته شراء انتهى وظاهره لحقوق أحكام البيع بالنسبة إلى البائع كما قدمنا ذكره عن ظاهر القواعد ، وفيه ما عرفت.

وبالجملة فإن مقتضى التحقيق بناء على ما ذكروه من كون ذلك استنقاذ الا بيعا حقيقيا هو عدم تحقق بيع شرعي ، لا بالنسبة إلى البائع ولا إلى المشتري ، فتملك

__________________

يقتضي الملك فيمتنع حصول العتق حقيقة لوجود منافيه فلا يكون الا بطريق الفرض.

(منه رحمه‌الله).

(١) أقول : نسبه : في الدروس الرواية الى ابن بكير باعتبار أنه هو الراوي عن عبد الله اللحام ، ولعل ذلك للتنبيه بشأن الرواية حيث أن سندها الى ابن بكير من الموثق ، وعبد الله اللحام مجهول ـ منه رحمه‌الله.

٤٦٦

المشترى للمبيع مشكل ، وتملك البائع للثمن مشكل ، إلا أنك قد عرفت من الرواية المتقدمة كون ذلك بيعا وشراء من غير معارض ، سوى ما قالوه ، والأظهر الوقوف على مقتضى النص ، فان ما ذكروه وان كان مقتضى القواعد الشرعية أيضا ، الا انه يمكن تخصيصها بهذا الخبر بأن يخص الانعتاق بالملك بالشراء ، دون التملك قهرا ، وقوفا على مورد أخبار كل من المقامين والله العالم.

والمسألة الثانية عشر ـ اختلف الأصحاب فيما لو دفع الى مأذون مالا ليشتري به نسمة ويعتقها عنه ويحج بالباقي ، فاشترى أباه ودفع إليه بقية المال ، فحج به ، فاختلف مولاه وورثة الأمر ومولى الأب ، فكل يقول اشترى بمالي ، فقال الشيخ في النهاية الحكم أن يرد المعتق على مولاه الذي كان عنده يكون رقا له كما كان ، ثم أى الفريقين الباقيين منهما أقام البينة بأنه اشترى بماله سلم اليه ، وان كان المعتق قد حج ببقية المال لم يكن الى رد الحجة سبيل ، وتبعه في ذلك ابن البراج.

وقال ابن إدريس : لا أرى لرد المعتق على مولاه وجها ، بل الأولى عندي أن القول قول سيد العبد المأذون له في التجارة ، والعبد المبتاع لسيد العبد المباشر للعتق ، وان عتقه غير صحيح ، لأن إجماع أصحابنا على أن جميع ما بيد العبد فهو مال لسيده ، وهذا الثمن في يد المأذون ، وأنه اشتراه فإذا اشتراه فقد صار ملكا لسيد المأذون الذي هو المشترى ، فإذا أعتقه المأذون بعد ذلك فعتقه غير صحيح ، لانه لم يؤذن له في العتق ، بل أذن له في التجارة فحسب ، هذا إذا عدمت البينتان ، فهذا تحرير القول والفتوى في ذلك انتهى (١).

__________________

(١) أقول : أما دعوى مولا العبد المأذون فظاهر مما ذكره ابن إدريس ، وأما دعوى مولى الأب أنه اشتراه بمالي فيحمل على أن يكون العبد المأذون وكيلا له بالاذن وعنده مال له ، أو انه أخذ الأب من مالي وأعطاه ابنه ليشتريه ، ونحو ذلك ، واما دعوى ورثة الموصي فظاهر حيث ان مورثهم دفع اليه ذلك الوجه الذي اشترى به العبد ، فهو قد اشترى بمالنا ـ

٤٦٧

والأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ عن ابن أثيم (١) «عن أبى جعفر (عليه‌السلام) عن عبد لقوم مأذون له في التجارة ، دفع اليه رجل ألف درهم فقال له : اشتر بها نسمة وأعتقها عنى ، وحج عني بالباقي ، ثم مات صاحب الالف ، فانطلق العبد فاشترى أباه فأعتقه عن الميت ، ودفع إليه الباقي يحج عن الميت فحج عنه ، وبلغ ذلك موالي أبيه ومواليه وورثة الميت جميعا ، فاختصموا جميعا في الألف ، فقالوا موالي العبد المعتق : انما اشتريت أباك بمالنا ، وقال الورثة : إنما اشتريت أباك بمالنا ، وقال موالي العبد : انما اشتريت أباك بمالنا ، فقال : أبو جعفر (عليه‌السلام) أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد ، وأما المعتق فهو رد في العتق لموالي أبيه ، واى الفريقين بعد أقاموا البينة على أنه اشترى أباه من أموالهم كان لهم رقا». والشيخ في النهاية ومن تبعه قد عملوا بظاهر هذه الرواية.

وابن إدريس قد ردها لما ذكره وقد اقتضى ابن إدريس في هذا القول أكثر من تأخر عنه ، وطعنوا في الخبر المذكور بضعف الراوي ، فإنه غال ، ومخالفة الخبر المذكور لأصول المذهب من وجوه ، منها الحكم برد العبد الى مولاه مع اعترافه ببيعه ، ومنها دعواه فساد البيع ، ومدعى الصحة وهو الأخر ان مقدم ، ومنها حكمه بمضي الحجة مع ان ظاهر الأمر حجة بنفسه وقد استناب فيها ، ومنها مجامعة صحة الحج لعوده رقا مع كونه قد حج بغير اذن سيده ، ومنها انه كيف يدعى مولى العبد انه شرى بماله ، مع انه لم يكن لمولى الأب مال في يد المأذون ، وليس هو وكيله ، ومع الإغماض عن ذلك وثبوت ان له مالا وانه وكيل كيف يتصور صحة شراء شخص من سيده بمال ذلك السيد ، فدعوى مولى العبد انه اشترى بماله يقتضي فساد العقد ، لان العوضين إذا كانا من مال واحد لم تكن المعاوضة صحيحة ، واعتذر

__________________

وكأنهم ينكرون الوصية بما ذكره المأذون من الشراء والعتق ـ منه رحمه‌الله.

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٣٤.

٤٦٨

العلامة للأول بحمل الرواية على إنكار مولى العبد البيع ، لا فساده ، ورده بمنافاته لمنطوق الخبر ، لدلالته على كونه اشترى بماله ، وهو صريح في وقوع البيع والشراء ، فلا تسمع هذه الدعوى ، ونزله الشهيد في الدروس على ان المأذون بيده مال لمولى الأب وغيره ، وبتصادم الدعاوي المتكافئة يرجع الى أصالة بقاء الملك على مالكه ، ولا يعارضه فتواهم بتقديم دعوى الصحة على الفساد لان دعوى الصحة هنا مشتركة بين متقابلين متكافئين ، فيتساقطان قال : وهذا واضح لا غبار عليه.

ورد بأن النظر فيه واضح والغبار عليه لائح ، لمنع تكافؤ الدعاوي أو لا على تقدير تسليم كون بيده مال للجميع ، لان من عدا مولاه خارج ، والداخل مقدم ، فسقط مولا الأب وورثة الأمر ، فلم يتم الرجوع الى أصل بقاء الملك على مالكه ، وبذلك يظهر فساد دعوى كون الصحة مشتركة بين متقابلين متكافئين ، فان الخارجة لا تكافؤ الداخلة ، فإذا قدمت لم يبق لرد الدعوى المشتملة على فساد البيع مانع ، إذ لم ينقدح بوجهها الا بسبب تساقط تلك الدعويين ولم يتم ، على انه لو سلم كون بيد المأذون أموال لغير مولاه ، فإن إقراره بها لغيره غير مقبول مع تكذيب المولى وان كان مأذونا ، لأن المأذون إنما يقبل إقراره بما يتعلق بالتجارة ، لا مطلقا كما سيأتي إنشاء الله تعالى ، وحينئذ فلا بد من اطراح هذه الرواية بهذه المنافيات لقبولها ، والرجوع الى أصل المذهب.

وفي المسألة قول ثالث للمحقق في النافع ، ورجحه ابن فهد في شرحه ، قال : ويناسب الأصل ، الحكم بإمضاء ما فعله المأذون ما لم تقم بينة تنافيه ، ومقتضاه الحكم بصحة البيع والعتق والحج ، لأن الأصل أن ما يفعله المأذون صحيح ، وهذا يتمشى إذا جعلنا حكم المأذون حكم الوكيل ، فيقبل إقراره بما في يده ، ويمضى تصرفه كالوكيل ، الا أن فيه أنه موقوف على تناول الاذن من سيده لذلك.

هذا كله مع عدم البينة ، وأما معها فان كانت لواحد حكم بها ، وان كانت

٤٦٩

لاثنين أو للجميع ، فان قلنا بتقديم بينة الداخل عند التعارض فكالأول ، وان قدمنا الخارج أو لم يكن للداخل بينة ، ففي تقديم بينة ورثة الأمر ـ نظرا إلى الصحة أو بينة مولى الأب ، لأنه خارج بالإضافة إلى ورثة الأمر ، لا دعائه ما ينافي الأصل ـ وجهان ، استجود أولهما في المسالك ، قال : لأنهما خارجان بالنسبة إلى المولى المأذون ، ومدعيان ، ويبقى مع ورثة الأمر ترجيح الصحة.

وبالجملة فإن المسألة من المشكلات لما عرفت مما يتطرق الى النص المذكور من الإيرادات الواضحة ، والعمل به والحال كذلك مشكل ، فالظاهر هو قوة ما ذهب إليه المتأخرون والله العالم.

المسألة الثالثة عشر ـ قال الشيخ في النهاية من اشترى من رجل عبدا وكان عند البائع عبدان ، فقال للمبتاع اذهب بهما فاختر أيهما شئت ورد الأخر وقبض المال ، فذهب بهما المشتري فأبق أحدهما من عنده فليرد الذي عنده منهما ، ويقبض نصف الثمن مما أعطى ويذهب في طلب الغلام ، فان وجده اختار حينئذ أيهما شاء ورد نصف الذي أخذه ، وان لم يجده كان العبد بينهما نصفين ، وتبعه ابن البراج في ذلك.

وقال ابن إدريس : ما ذكره شيخنا في نهايته خبر واحد ، لا يصلح ولا يجوز العمل به ، لانه مخالف لما عليه الأمة بأسرها ، مناف لأصول مذهب أصحابنا وفتاويهم وتصانيفهم وإجماعهم ، لأن المبيع إذا كان مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف ، وقوله» يقبض نصف الثمن ويكون العبد الآبق بينهما ويرد الباقي من العبدين» ، فيه اضطراب كثير ، وخلل كبير ، لأنه ان كان الآبق هو الذي وقع عليه البيع؟ فمن مال مشتريه ، والثمن بكماله لبائعه ، وان كان الآبق غير من وقع عليه البيع ، والباقي الذي وقع عليه البيع فلأي شي‌ء يرده ، وانما أورده شيخنا هذا الخبر على ما جاء إيراد إلا اعتقادا ، لانه رجع في مسائل خلافه في كتاب السلم. انتهى.

أقول : أشار بقوله رجع عنه في خلافه الى ما ذكره الشيخ في الكتاب المذكور ،

٤٧٠

حيث قال في باب السلم : إذا قال : اشتريت منك أحد هذين العبدين بكذا ، أو أحد هذه العبيد الثلاثة بكذا لم يصح الشراء ، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة إذا شرط فيه الخيار ثلاثة أيام جاز ، لان هذا غرر يسير ، وأما في الأربعة فما زاد عليها فلا يجوز ، دليلنا أن هذا بيع مجهول فيجب أن لا يصح بيعه ولانه بيع غرر لاختلاف قيمتي العبدين ، ولانه لا دليل على ذلك في الشرع ، وقد ذكرنا هذه المسألة في البيوع ، وقلنا : أن أصحابنا رووا جواز ذلك في العبدين فان قلنا بذلك تبعنا فيه الرواية ، ولم نقس غيرها عليها. انتهى.

وقال العلامة في المختلف بعد نقل ما ذكرناه : والتحقيق أن نقول : العقد أن وقع على عبد مطلق موصوف بصفاته المقصودة الرافعة للجهالة صح البيع ، فإذا دفع البائع العبدين إلى المشتري ليتخير أحدهما ، جاز أن يتخير أيهما شاء ، فإذا أبق أحدهما فإن قلنا المقبوض بالسوم مضمون ضمنه المشترى ثمنا والا فلا ، وان وقع على أحدهما كان باطلا.

والشيخ رحمة الله عليه عول في ذلك على رواية محمد بن مسلم (١) عن الباقر (عليه‌السلام) ، «قال سألته عن رجل اشترى من رجل عبدا وكان عنده عبدان ، فقال للمشتري : اذهب بهما فاختر أيهما شئت ورد الأخر وقد قبض المال فذهب بهما المشتري فأبق أحدهما من عنده قال : ليرد الذي عنده منهما ويقبض نصف الثمن مما أعطى من المبيع ، ويذهب في طلب الغلام ، فان وجده اختار أيهما شاء ، ورد النصف الذي أخذ ، وان لم يجده كان العبد بينهما نصفه للبائع ونصفه للمبتاع». وهذه الرواية تدل على ان البيع وقع صحيحا لا على انه وقع على عبد من عبدين وكذا كلام الشيخ.

واما قول الشيخ في الخلاف عن الرواية ، فإن لها محملا ، وهو ان نفرض

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٨٢ الكافي ج ٥ ص ٢١٧.

٤٧١

تساوى العبدين من كل وجه فلا استبعاد حينئذ في بيع أحدهما لا بعينه ، كما لو باعه من متساوي الأجزاء بعضه ، كما لو باعه قفيزا من الصبرة ، واما تضمين النصف فلان البيع وقع مشاعا على أحدهما فقبل الاختيار يكون العبدان بينهما ، فلما أبق أحدهما ضمن نصف الذي اشتراه ، والنصف الأخر لا يضمنه ، لانه مقبوض على وجه السوم ، والعبد الباقي بينهما لشياع الاستحقاق في العبدين. انتهى.

أقول : وجه الإشكال في الرواية المذكورة من حيث أنه اشترى عبدا في الذمة ، وهو أمر كلي يتوقف على تشخيصه في عين مخصوصة متصفة بما وقع عليه الاتفاق من الأوصاف ، والخبر دل على انحصار ذلك الأمر الكلي في العبدين قبل تعيينه ، ومن حيث دلالة الخبر على ثبوت البيع في نصف الموجود الموجب للشركة مع عدم وجود ما يقتضي الشركة ، ثم الرجوع الى التخيير لو وجد الآبق ، ومن أجل هذه الإشكالات نزل بعض الأصحاب ـ (رضوان الله عليهم) الرواية المذكورة ـ على تقدير أربع مقدمات ، الاولى ـ تساويهما قيمة ، الثانية ـ مطابقتهما للمبيع الكلى وصفا ، الثالثة ـ انحصار الحق فيهما حيث دفعهما اليه وعينهما للتخيير ، كما لو حصر الحق في واحد ، الرابعة ـ عدم ضمان المقبوض بالسوم فلا يضمن الآبق هنا ، أو تنزيل هذا التخيير هنا منزلة الخيار في البيع فكما ان تلف المبيع في مدة الخيار من البائع ، فكذلك هيهنا متى تلف قبل الاختيار (١).

ولا يخفى ما في البناء على هذه المقدمات من الاشكال لما يمكن تطرقه إلى جملة منها ، ولهذا قيل انه يشكل الحكم بانحصار الحق فيهما على هذه التقادير ، لان المبيع أمر كلي لا يشخص الا بتشخيص البائع ، ودفعه الاثنين ليتخير أحدهما ليس تشخيصا وان حصر الأمر فيهما ، لأصالة بقاء الحق في الذمة الى ان يثبت شرعا كون ذلك كافيا ، كما لو حصره في عشرة فصاعدا ، وما ذكره في المختلف ـ من التنزيل ـ على تساوى

__________________

(١) مرجع المقدمة الرابعة الى أن عدم الضمان مترتب على أحد الأمرين المذكورين منه ـ رحمه‌الله.

٤٧٢

العبدين من كل وجه ليلحق بمتساوي الأجزاء حتى جوز بيع عبد منهما كما يجوز بيع قفيز من الصبرة ـ ففيه اشكال ظاهر ، لمنع تساوى العبدين على وجه يلحقان بالمثلي الذي هو عبارة عن متساوي الاجزاء ، ومنع تنزيل بيع القفيز من الصبرة على الإشاعة ، كما تقدم في البحث عن هذه المسألة.

وبالجملة فإن الأكثر على اطراح الرواية المذكورة لما عرفت من مخالفتها لمقتضى الأصول وعسر تنزيلها على ما ذكروه من هذه التكلفات السخيفة ، والأظهر الرجوع الى مقتضى الأصول ، فينظر في هذين العبدين فان كانا بالصفات الذي اشترى بها العبد في الذمة تخير بينهما ، فان اختار الآبق منهما رد ما أخذه من نصف الثمن ، ولا شي‌ء له ، وان اختار الباقي منهما أخذه.

بقي الكلام في ضمان الآبق على هذا التقدير ، فان قلنا بضمان المقبوض بالسوم ضمنه ، والا فلا ، وان كان أحدهما بالصفات أخذه وحكم الأخر على ما تقدم ، وان لم يكن شي‌ء منهما بالصفات رجع على البائع بحقه لان حقه في الذمة باق حتى يدفع اليه ما كان على الصفات التي وقع عليها العقد وفي ضمان الذاهب ما تقدم ، وعلى هذا لا فرق بين عبدين أو أكثر أو غير العبد من المتاع وغيره ، وعلى تقدير العمل بالرواية يجب الاقتصار فيه على موردها فلا يتعدى الحكم الى غير العبدين اقتصارا فيما خالف الأصول على موضع النص وبه جزم الشيخ رحمه‌الله.

ولو تعددت العبيد فهل ينسحب الحكم ، احتمالان أحدهما نعم ، لصدق العبدين في الجملة ، فلو كانوا ثلاثة فأبق واحد فان ثلث المبيع ، فيرجع بثلث الثمن ، وهكذا فيما زاد ، وثانيهما العدم ، للخروج عن موضع النص ، وهو الأظهر ولو كانا أمتين أو أمة وعبدا ففي انسحاب الحكم الوجهان ، وقطع ، في الدروس بانسحاب الحكم هنا ، والأظهر العدم ، لما ذكرنا والله العالم.

٤٧٣

المسألة الرابعة عشر اختلف الأصحاب رضوان الله عليهم في الجارية بين الشركاء فيطأ أحدهم ، فقال الشيخ في النهاية : إذا كانت الجارية بين شركاء فتركوها عند واحد منهم فوطأها فإنه يدرأ عنه من الحد بقدر ماله منها من الثمن ، ويضرب بمقدار ما لغيره من القيمة ، وتقوم الأمة قيمة عادلة ويلزمها ، فان كانت القيمة أقل من الثمن الذي اشتريت به الزم ثمنها الأول ، وان كانت قيمتها في ذلك اليوم الذي قومت فيه أكثر من ثمنها الزم ذلك الأكثر ، فإن أراد واحد من الشركاء الجارية كان له أخذها ، ولا يلزمه الا ثمنها الذي يسوى في الحال. انتهى.

أقول : ما ذكره الشيخ هنا هو مضمون رواية عبد الله بن سنان (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجال اشتركوا في أمة فأتمنوا بعضهم على أن يكون الأمة عنده فوطأها قال : يدرأ عنه من الحد بقدر ماله من النقد ، ويضرب ما ليس له فيها ، وتقوم الأمة عليه بقيمة ويلزمها ، فان كانت القيمة أقل من الثمن ، الذي اشتريت به الجارية ألزم ثمنها الأول ، وان كان قيمتها في ذلك اليوم الذي قومت فيه أكثر من ثمنها الزم ذلك الثمن وهو صاغر لانه استفرشها ، قلت : فإن أراد بعض الشركاء شرائها دون الرجل؟ قال : ذلك له ، وليس له أن يشتريها حتى يستبرأها ، وليس على غيره أن يشتريها إلا بالقيمة».

وقال : ابن إدريس بعد نقل كلام الشيخ هذا خبر واحد أورده شيخنا إيرادا لا اعتقادا والاولى أن يقال : لا يلزم الواطئ لها شي‌ء سوى أحد الذي ذكرناه على تقدير أن يكون عالما بالتحريم بقدر حصص شركائه ، الا أن تكون بكرا فيأخذ عذرتها ، فيلزم ما بين قيمتها بكر أو غير بكر ، ويسقط عنه ما يخصه من ذلك ، ويستحق الباقي الشركاء ، فاما ان كانت غير بكر فلا يلزمه ذلك هذا إذا لم يحبلها ، فإذا أحبلها بولد ، فإنه يغرم ثمنها الذي تساوى يوم خيانته عليه ، وثمن ولدها يوم تسقط حيا لو كان عبدا ويسقط من ذلك بمقدار حصته من الثمن انتهى.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٧٢ الكافي ج ٥ ص ٢١٧.

٤٧٤

وقال العلامة في المختلف : والتحقيق أن نقول الواطئ ان كان عالما بالتحريم حد يقدر حصص الشركاء ، وعليه من المهر بقدر حصصهم أيضا ان كانت مكرهة أو جاهلة ، وان كانت مطاوعة فكذلك على الخلاف وسيأتي ، وان كانت بكرا لزمه أرش البكارة قطعا ، ولا تقوم عليه بنفس الوطي بل مع الحمل وعليه تحمل الرواية وقول الشيخ أيضا ، وعليه حصص الشركاء من القيمة ويطالب بأعلى القيم من حين الإحبال إلى وقت التقويم ، وعليه حصص الشركاء ايضا من قيمة الولد يوم سقط حيا ان لم يكن قد قومت عليه حبلى ، ولو أراد بعض الشركاء أخذها فإن كانت قد حبلت لم يكن له ذلك ، وان لم تكن حبلت كان له ذلك ويأخذها بقيمتها يوم الأخذ انتهى.

أقول : وتحقيق الكلام في هذا المقام يقع في مواضع الأول ـ لا إشكال في سقوط الحد عن الواطئ هنا مع الشبهة كما لو توهم حل الوطي من حيث الشركة لقوله (عليه‌السلام) (١) «ادرءوا الحدود بالشبهات». الثاني ظاهر النص والفتوى أن الحد هنا انما هو بالجلد وان كان محصنا يجب في مثله الرجم ، لان الرجم لا يقبل التبعيض ، وقد عرفت من النص والفتوى تبعيضه هنا ، والظاهر أن الوجه فيه أن وجوب الرجم في المحصن انما هو فيما إذا كان الزاني محصنا وهذا ليس كذلك من حيث تملكه لبعض الأمة ، ولأجل ذلك يلحق به الولد ، وتصير أم ولد وان كان عالما بالتحريم ، مع أن الزاني العالم لا يلحق به الولد.

الثالث ـ أنه يسقط من الحد ما قابل ملكه من الأمة نصفا أو ربعا أو نحو ذلك ، لعدم تحقق الزنا بالنسبة إلى حصته ، ويضرب الباقي الذي يتعلق بنصيب الشركاء ، لكونه زنا بالنسبة إلى حصصهم ، وينبغي أن يستثني من الحد أيضا ما لو كان أحد الشركاء ابن الواطئ أيضا ، فإنه لا حد على الأب في نصيب ابنه ، كما لا حد عليه لو كانت بأجمعها للولد ، ثم انه مع التبعيض لو احتيج الى تبعيض الجلدة الواحدة

__________________

(١) الفقيه ج ٤ ص ٥٣.

٤٧٥

قال : بعض المحققين أنه يحتمل باعتبار مقدار السوط ، وكيفية الضرب.

أقول : بل الظاهر انه ان كان نصفا أخذ بنصف السوط ، وان كان ثلثا أخذ بثلثيه ، كما تضمنه صحيح هشام بن سالم (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «في نصف الجلدة وثلث الجلدة يؤخذ بنصف السوط ، وثلثي السوط» ،. ويمكن إرجاع ما ذكره المحقق المشار إليه الى ما ذكرناه.

الرابع ظاهر كلام الشيخ وهو ظاهر الرواية ايضا أنه تقوم الأمة على الواطئ بنفس الوطي وظاهر الأصحاب كما سمعت من كلام ابن إدريس والعلامة أنه لا تقوم عليه ولا يلزمه ثمنها الا مع الحمل ، لا بمجرد الوطي ، وعلى ذلك حمل العلامة كلام الشيخ والرواية المذكورة ، وأنت خبير أو لا بأنه لا إشعار في الرواية ، ولا في كلام الشيخ ذكر الحبل بالكلية ، وثانيا بأنه متى حمل الكلام فيهما على الحمل كما ذكره ، ـ بمعنى أن قوله في الرواية وكذا في كلام الشيخ «وتقوم الأمة عليه» يعنى من حيث حملها بعد الوطي ـ فكيف يتم قوله في آخر الرواية وكذا في كلام الشيخ «فإن أراد أحد الشركاء الجارية كان له أخذها» مع تصريحه (قدس‌سره) بأنه ان كانت قد حبلت لا يجوز ذلك ، وانما يجوز مع عدم الحبل.

وبالجملة فالظاهر أن اشتمال الرواية وكذا كلام الشيخ ـ بناء على حملها لها على ذلك ـ على هذين الحكمين أعنى التقويم على الوطي مع الحمل وعدمه ، وجواز شراء بعض الشركاء لها ـ لا يخلو من تدافع كما لا يخفى لأنه إذا كان الحكم الشرعي بعد الوطي مجردا عن الحمل كما هو ظاهر الإطلاق ، أو هو مع الحمل كما هو ظاهر الأصحاب هو التقويم على الواطئ فكيف يجوز لبعض الشركاء شراؤها.

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ١٧٥.

٤٧٦

ثم ان مما يدل على أن التقويم بمجرد الوطي كما هو ظاهر الخبر المذكور ما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) وفي الفقيه عنه (عليه‌السلام) مرسلا قال : «سئل عن رجل أصاب جارية من الفي‌ء فوطئها قبل أن تقسم؟ قال : تقوم الجارية وتدفع إليه بالقيمة ويحط له منها ما يصيبه منها من الفي‌ء ويجلد الحد ، ويدرأ عنه من الحد بقدر ما كان له فيها ، فقلت : كيف صارت الجارية تدفع إليه بالقيمة دون غيره قال : لأنه وطئها ، ولا يؤمن ان يكون ثمة حبل» ، والخبر كما ترى صريح الدلالة واضح المقالة في تقويمها على الواطئ بمجرد الوطي معللا بخوف الحبل ، لا بوجوده بالفعل ، كما ذكروه (رضوان الله عليهم) الا أنه قد روى في الكافي وكذا في التهذيب عن إسماعيل الجعفي (٢) عن ابى جعفر (عليه‌السلام) «في رجلين اشتريا جارية فنكحها أحدهما دون صاحبه ، قال : يضرب نصف الحد ، ويغرم نصف القيمة إذا أحبل».

وهي كما ترى دالة بمفهوم الشرط الذي هو حجة عند المحققين وعليه تدل جملة من الاخبار عدم القيمة مع عدم الحبل وهي مؤيدة لما ذكره الأصحاب وروى في الكافي أيضا عن إسماعيل الجعفي (٣) «عن ابى جعفر (عليه‌السلام) في جارية بين رجلين فوطئها أحدهما دون الأخر فأحبلها قال : يضرب نصف الحد ويغرم نصف القيمة» ، الا أن هذه الرواية لا دلالة فيها على نفى القول بالقيمة بمجرد الوطي ، وبالجملة فإن المعارضة هنا وقعت بين رواية العدة ، ورواية إسماعيل الاولى ، وإلا فرواية عبد الله بن سنان مطلقة ، والترجيح بحسب القواعد لرواية العدة لدلالتها صريحا على ما ذكرناه ، والأخرى انما تدل

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ١٩٤ الفقيه ج ٤ ص ٣٣.

(٢) الكافي ج ٧ ص ١٩٥ التهذيب ج ١٠ ص ٣٠.

(٣) الكافي ج ٧ ص ١٩٥ التهذيب ج ١٠ ص ٣٠.

٤٧٧

بالمفهوم ، وهو لا يعارض المنطوق الصريح ، الا ان ظاهر اتفاق الأصحاب على الحكم ـ عدا إطلاق كلام الشيخ هنا ـ مما يعضد المفهوم المذكور ، والمسألة لذلك محل اشكال والله العالم.

الخامس قد عرفت ان مع الحمل تقوم الجارية على الواطئ ، فالظاهر انه لا خلاف فيه لأنها مع الحمل تصير أم ولد ويلحقها حكم أمهات الأولاد والولد حر ، قالوا لان الاستيلاد بمنزلة الإتلاف لتحريم بيعها وانعتاقها بموت سيدها ، فكان عليه غرامة حصص باقي الشركاء من الجارية ومن الولد.

وظاهرهم انه لا فرق بين كونه عالما أو جاهلا وهو ظاهر إطلاق رواية إسماعيل الجعفي المتقدمة ولو لا ذلك لأمكن الفرق بين الأمرين فإن مقتضى القاعدة مع العلم ان لا يكون الولد كله حرا لان الزنا بأمة الغير موجب لكون الولد للمالك ، ـ لانه نماء ماله ، الا أن الحكم هنا كما ذكره الأصحاب ـ وهو ظاهر الخبر المذكور ـ على خلاف ذلك ، وكان تقويم حصص الشركاء في الولد من حيث سراية العتق ان قيل بها في مثله فإنها قهرية كما سيجي‌ء تحقيقه إنشاء الله تعالى في موضعه اللائق به.

السادس ـ المعتبر في قيمة الولد قيمته يوم سقطه حيا ، فيقوم لو كان عبدا ويدفع الى باقي الشركاء حصصهم ، هذا إذا لم يكن قومت عليه حاملا ، والا دخلت قيمته معها ، ولو وقع الولد سقطا قبل التقويم استقرت ملك الشركاء للأم.

أما تقويم الام فهل المعتبر قيمتها عند الوطي ، أو يوم التقويم ، أو الأكثر منها؟ اختار في الدروس الأول ، وفي المسالك الثالث ، واستظهر المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد أكثر القيم من حين الحمل الى زمان الانتقال ، قال : ويحتمل حين الحمل ، لانه وقت الإتلاف ، والأول أظهر ، لأنه زاد في ملك الأول انتهى.

والظاهر ان ما ذكره من الاحتمال هو الذي ذكره ابن إدريس بقوله ـ في عبارته

٤٧٨

المتقدمة : يوم جنايته عليها ، والذي دلت عليه رواية عبد الله بن سنان المتقدمة أكثر الأمرين من قيمتها يوم التقويم وثمنها ، وهو ظاهر اختيار الشيخ فيما تقدم من عبارته وهو الأقرب.

السابع ـ ينبغي ان يعلم انه لا تدخل الجارية في ملك الواطئ بمجرد الحمل ، بل لا بد من التقويم ودفع القيمة أو ضمانها مع رضا الشركاء بذلك ، وظاهر الاخبار المتقدمة أنها تنتقل بمجرد التقويم ، ومقتضى قواعد الأصحاب انه لا بد من صيغة البيع ودفع القيمة أو ضمانها ، إلا أنك قد عرفت فيما تقدم ما في اشتراط الصيغة الخاصة من عدم الدليل على ذلك ، والظاهر أن ذكر التقويم في الاخبار خرج مخرج التجوز والكناية عن دفع الثمن أو ضمانه ، وأما اشتراط الرضا فالظاهر ان البيع هنا قهري على الشركاء.

الثامن ـ قد عرفت أنه لا تدخل في ملك الواطئ بمجرد الحمل ، بل لا بد من التقويم ودفع القيمة أو ضمانها وحينئذ ان كسب الجارية المذكورة وحق الخدمة مشترك بين الملاك قبل ذلك.

التاسع ظاهر كلام ابن إدريس المتقدم انه مع عدم الحمل لا يجب عليه بالوطء شي‌ء الا أن يكون بكرا فيجب عليه أرش البكارة ، وهو تفاوت ما بين قيمتها بكرا وثيبا ويسقط منه قدر نصيبه ، أما لو كان ثيبا فلا شي‌ء عليه ، وظاهر كلام العلامة المتقدم أن عليه أرش البكارة لو كانت بكرا قطعا ولو كانت ثيبا فعليه المهر ، والشيخ فيما تقدم من عبارته سكت عن ذلك.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك القول بما ذهب إليه العلامة من إيجاب الجميع لو كانت بكرا أعنى أرش البكارة ، والمهر لو كانت ثيبا ، قال في الكتاب المذكور ويجب على الأب العقر (١) بسبب الوطي ، سواء كانت بكرا أو ثيبا ،

__________________

(١) العقر بالضم : وهو دية فرج إذا غصب على نفسها وقيل : هو المهر أو ما تعطاه المرأة على وطئ الشبهة.

٤٧٩

وهو العشر أو نصفه مضافا الى ذلك أرش البكارة ، مستثنى منه قدر نصيبه على أصح القولين. انتهى (١) ونبه بقوله على أصح القولين على خلاف ابن إدريس كما عرفت ، حيث انه لم يوجب شيئا مع الثيوبة ، ومع البكارة لم يوجب إلا الأرش

وقال المحقق الأردبيلي أنه لا بد من العقر بحصة الشركاء العشر ونصفه ، وفي أرش البكارة تأمل ، والظاهر العدم ، لدخوله تحت عقر البكر ، ولهذا سكت عنه الأكثر انتهى وظاهره ان أرش البكارة انما هو العشر ، وحينئذ فإذا وجب عليه في صورة ما إذا كانت بكرا من حيث كونه مهرا فلا معنى لإيجابه مرة أخرى من حيث كونه أرشا ، مع أنك قد عرفت من كلام المسالك إيجاب الأمرين ، الا ان ظاهر عبارة ابن إدريس يدل على ان أرش البكارة انما هو تفاوت ما بين قيمتها بكرا وثيبا لا العشر ، فعلى هذا لا منافاة بين وجوب الأمرين ، ولا يحضرني الان خبر صريح في تفسير الأرش في هذا المقام بأحد المعنيين ، الا ان صحيحة الوليد بن صبيح المتقدمة في المسئلة التاسعة ظاهرة فيما ذكره المحقق المشار اليه ، وكيف كان فالظاهر هو ما ذكره المحقق المذكور ، إذ لا يستفاد من الاخبار أزيد من ذلك.

العاشر ـ خص العلامة فيما تقدم من كلامه وجوب المهر بما إذا كانت مكرهة أو جاهلة ، وظاهره كون المطاوعة أيضا كذلك ـ على خلاف فيها ، وجزم ابن فهد في المهذب بأن العالمة المطاوعة لا مهر لها ، وكأنه بنى على خبر (٢) «لا مهر لبغي» وقد تقدم في المسئلة التاسعة قول شيخنا الشهيد بذلك في نظير هذه المسئلة للخبر المذكور وفيه ما ذكرناه ثمة ـ الحادي عشر ـ ظاهر الأصحاب حرية الولد حين انعقاده ، فهو حرفي الأصل وان لم يدفع الأب حصص الشركاء ، ووجوب التقويم على أبيه

__________________

(١) واليه يميل كلام الشهيد في الدروس حيث قال : وفي دخول أرش البكارة في المهر نظر وجمع الفاضل بينهما. انتهى منه رحمه‌الله.

(٢) التهذيب ج ١٠ ص ٣٦ الكافي ج ٥ ص ٤٧٩.

٤٨٠