الحدائق الناضرة - ج ١٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

الثمرة في موثقة سماعة ، أو صيرورته حصرما كما في موثقة عمار الاولى ـ فيحمل على الأفضل والاولى ، وكراهة ما قبل ذلك ، وان ترتبت في الكراهة كما تقدم في النخل.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المفهوم من كلام الأصحاب رضوان (الله عليهم) هو المنع من البيع قبل الظهور عاما واحدا بغير ضميمة إجماعا ، ومعها على المشهور والبيع أزيد من عام فقولان.

وأما بعد الظهور فقيل : بالجواز وقيل : بأنه يتوقف على بدو الصلاح ، وانما الكلام في بدو الصلاح ، هل هو عبارة عن انعقاد الحب خاصة ـ وعلى هذا يتحد الظهور وبدو الصلاح ، إذ لا واسطة بينهما ـ أو انه يشترط مع الانعقاد تناثر الورد؟ ذكره الشيخ في النهاية وجماعة ، أو أن بدو الصلاح كما ذكره في المبسوط حيث قال : بدو الصلاح مختلف ، فان كانت الثمرة مما تحمر أو تسود أو تصفر ، فبدو الصلاح فيهما حصول هذه الألوان ، وان كانت مما تبيض بأن يتموه ، وهو أن ينمو فيه الماء الحلو ويصفو لونه ، وان كان مما لا يتلون مثل التفاح فبان يحلو ويطيب أكله ، وان كان مثل البطيخ فبان يقع فيه النضج.

قال : وقد روى أصحابنا أن التلون يعتبر في ثمرة النخل خاصة ، فأما ما يتورد فبدو صلاحه أن ينثر الورد وينعقد ، وفي الكرم أن ينعقد الحصرم ، وان كان مثل القثاء والخيار الذي لا يتغير طعمه ولا لونه ، فان ذلك يؤكل صغارا فبدو صلاحه فيه أن يتناهى عظم بعضه. انتهى.

وقال ابن إدريس بدو الصلاح يختلف بحسب اختلاف الثمار ، فان كانت ثمرة النخل وكانت مما تحمر أو تسود أو تصفر فبدو الصلاح فيها ذلك ، وان كان خلاف ذلك فحين ينمو فيها الماء الحلو ويصفر لونها ، ولا يعتبر التلون والتموه والحلاوة عند أصحابنا إلا في ثمرة النخل خاصة ، وان كانت الثمرة مما يتورد فبدو صلاحها أن ينثر الورد وينعقد ، وفي الكرم أن ينعقد الحصرم ، وان كان غير

٣٤١

ذلك فحين يحلو ويشاهد وقال بعض المخالفين : ان مثل القثاء والخيار الذي لا يتغير طعمه ولا لونه فبدو صلاحه أن يتناهى عظم بعضه ، وقد قلنا ان أصحابنا لم يعتبروا بدو الصلاح الا فيما اعتبروه من النخل والكرم ، وانتثار الورد في الذي يتورد. انتهى كلامه (زيد مقامه).

وقال العلامة في المختلف بعد نقل كلامي الشيخ وابن إدريس المذكورين : وهذا كله عندي لا عبرة به ، لأنا قد جوزنا بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ، نعم بشرط ظهورها. انتهى.

أقول : والظاهر من كلام الشيخ هو المنع من بيع البطيخ والقثاء والخيار ونحوها بعد الظهور وقبل بدو الصلاح الذي ذكره الا بشرط القطع ، وهذا الشرط وان لم يذكره هنا ، الا انه قد صرح به في موضع آخر من الكتاب المذكور.

والتحقيق هو ما ذكره ابن إدريس عن أصحابنا من ان بدو الصلاح انما يشترط ويعتبر في الثلاثة المذكورة فإنه هو الذي وردت به الاخبار ، وأما غيرها فحين يتحقق خلقه ويصير معلوما والله العالم.

المطلب الثالث في الخضر.

والمشهور بل الظاهر انه لا خلاف فيه انه لا يجوز بيعها قبل ظهورها ، وانما يجوز بعد ظهورها لقطة ولقطات ، (١) وجزة وجزات فيما يجز كالبقول ، وفيما

__________________

(١) قال في الدروس والمرجع في اللقطة والجزة والخرطة إلى العرف ، أقول : الظاهر ان مراده بالنسبة إلى إدراك ذلك الجنس وعدمه مما كان فيه صلاحية الجزة واللقطة وعدمها ، كما إذا كان صغارا لم يبلغ أو ان الانتفاع به لصغره منه رحمه‌الله.

٣٤٢

يخترط كالحناء والتوت (١) ـ خرط وخرطات أو أربع ـ خرطات ، ويدل عليه ما رواه المشايخ الثلاثة في الموثق عن سماعة (٢) في حديث تقدم اوله قال فيه : «وسألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات؟ فقال : إذا رأيت الورق في شجرة فاشتر منه ما شئت من خرطة». وهو ظاهر في انه انما يشترى بعد ظهوره ، وانه يجوز شراؤه خرطة واحدة وخرطات متعددة.

وما رواه في الكافي والتهذيب عن معاوية بن ميسرة (٣) قال : «سألته عن بيع النخل سنتين؟ قال : لا بأس به ، قلت : فالرطبة يبيعها هذه الجزة وكذا وكذا جزة بعدها؟ قال : لا بأس به ، ثم قال : قد كان أبى (عليه‌السلام) يبيع الحناء كذا وكذا خرطة».

أقول : وهذا الخبر وان كان مطلقا في الظهور وعدمه ، الا أنه مما يجب حمله على الأول ، حمل المطلق على المقيد ، وأما ما نقل عن ابن حمزة مما يشعر بجواز بيع الجزة الثانية أو الثالثة على حدة ، حيث قال : يجوز بيع الرطبة وأمثالها الجزة ، أو الثانية أو جميعا فهو مردود بالخبر الأول الدال صريحا على أنه لا يجوز البيع الا بعد الظهور جزة أو جزات ، ومقتضى ما ذكره جواز البيع قبل الظهور ، وهو بيع مجهول ، فلا يصح بانفراده بخلاف ما لو ضمها الى الموجود كما دل عليه الخبر.

__________________

(١) التوت بالتائين المنقطتين نقطتين ، من فوق ، وقيل بالتاء والثاء المثلة منه رحمه‌الله.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٧٦ التهذيب ج ٧ ص ٨٦ الفقيه ج ٣ ص ١٤٣.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٧٧ التهذيب ج ٧ ص ٨٦.

٣٤٣

المطلب الرابع في الأحكام

وفيه مسائل الاولى لو باع الأصول بعد انعقاد الثمرة لم تدخل في المبيع الا بالشرط ، وأما قبله فتدخل وان كان وردا خلافا للشيخ (١) ومتى لم تدخل في المبيع فالواجب على المشترى إبقاؤها إلى أو ان بلوغها ، ويرجع في ذلك الى ما هو المتعارف في تلك الأشجار من حد البلوغ ، هذا على المشهور في غير النخل.

أما النخل إذا بيع فإنه يفرق فيه بالتأبير وعدمه ، فإن أبرت ثمرته فهي للبائع وان كان قبل التأبير فهي للمشتري ، والظاهر أنه لا خلاف فيه.

ويدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب عن يحيى بن أبى العلاء (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من باع نخلا قد لقح فالثمرة للبائع الا أن يشترط المبتاع ، قضى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بذلك».

وعن غياث بن إبراهيم (٣) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : من باع نخلا قد أبره فثمرته «للذي باع» الا أن يشترط المبتاع ، ثم قال : ان عليا (عليه‌السلام) قال : قضى به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

وما رواه في الكافي عن عقبة بن خالد (٤) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «

__________________

(١) قال في الدروس : وفي دخول الورد قبل انعقاد الثمرة في بيع الأصول خلاف ، فأدخله الشيخ في الظاهر ، ومنعه الفاضل انتهى. منه رحمه‌الله.

(٢ و ٣) الكافي ج ٥ ص ١٧٧ التهذيب ج ٧ ص ٨٧.

(٤) الكافي ج ٥ ص ١٧٨ التهذيب ج ٧ ص ٨٧.

٣٤٤

قضى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أن ثمر النخل للذي أبرها الا أن يشترط المبتاع».

وانما الخلاف فيما عدا النخل ، وفي النخل في الانتقال بغير المبيع ، فان ظاهر المشهور هو ما قلناه من أن الثمرة للبائع ، لا تدخل في المبيع ، للأصل وعدم شمول اللفظ لها ، الا ان يصرح بدخولها.

وقال الشيخ في النهاية : إذا باع نخلا قد أبر ولقح فثمرته للبائع الا أن يشترط المبتاع الثمرة ، فإن شرط كان على ما شرط ، وكذلك الحكم فيما عدا النخل من شجر الفواكه ، وكذا قال الشيخ المفيد على ما نقل عنه في المختلف ، وظاهره كما ترى اجراء الحكم المذكور في غير النخل ، وتأول ابن إدريس في السرائر كلامه بأن قصد الشيخ من ذلك أن الثمرة للبائع ، لأنه ما ذكر الا ما يختص بالبائع ، ولا اعتبار عند أصحابنا بالتأبير إلا في النخل ، فأما ما عداه متى باع الأصول وفيها ثمرة فهي للبائع الا ان يشترطها المشترى ، سواء لقحت وأبرت أو لم تلقح.

وأنت خبير بان كلامه في المبسوط لا يقبل ما ذكره من التأويل ، حيث قال : إذا باع القطن وقد خرجت جوزته فان كان قد تشقق فالقطن للبائع الا أن يشترطه المشترى ، وان لم يكن تشقق فهو للمشتري ، قال : وما عدا النخيل والقطن فهو على أقسام أربعة أحدها ـ ما يكون ثمرتها بارزة لا في كمام ولا ورد ، كالعنب والتين ، فإذا باع أصلها فإن كانت الثمرة قد خرجت فهي للبائع ، والا فهي للمشتري.

الثاني ـ أن يخرج الثمرة في ورد ، فان باع الأصل بعد خروج وردها فان تناثر الورد وظهرت الثمرة فهي للبائع ، وان لم يتناثر وردها ولم تظهر الثمرة ولا بعضها فهي للمشتري.

الثالث ـ ان يخرج في كمام كالجوز واللوز مما دونه قشر يواريه إذا ظهر ثمرته

٣٤٥

فالثمرة للبائع.

الرابع ـ ما يقصد ورده كشجرة الورد والياسمين ، فإذا بيع الأصل فإن كان ورده قد تفتح فهو للبائع ، وان لم يكن تفتح وانما هو جنبذ فهو للمشتري. وتبعه في ذلك ابن البراج ، وابن حمزة عمم الحكم أيضا في النخل والشجر ، ومحل المخالفة في القطن بعد خروج جوزته وقبل تشققها وفي الورد قبل تفتحه ، والا فباقى كلامه موافق لما عليه الأصحاب من التفصيل بالظهور وعدمه.

وقال في المبسوط أيضا : إذا باع نخلا قد طلع فان كان قد أبر فثمرته للبائع ، وان لم يكن قد أبر فثمرته للمشتري ، وكذلك إذا تزوج بامرأة على نخلة مطلعة ، أو يخالع امرأة على نخلة مطلعة ، أو يصالح رجلا في شي‌ء على نخلة مطلعة أو يستأجر دارا مدة معلومة بنخلة مطلعة ، قال : فجميع ذلك ان كان قد أبر فثمرته باقية على ملك المالك الأول ، وان لم يكن قد أبر فهو لمن انتقل اليه النخل بأحد هذه العقود. انتهى.

وتبعه ابن البراج في ذلك ، وهو ظاهر في قياس ما عدا البيع في النخل ـ من عقود المعاوضات ـ على البيع ، مع ان مورد النص كما تقدم انما هو البيع خاصة والأصل كما عرفت بقاء الثمرة على ملك مالكها ، خرج منه ما دل النص عليه ، وهو البيع خاصة ، فيبقى الباقي على أصله.

ولهذا اعترضه ابن إدريس هنا ، فقال بعد نقل كلامه المذكور : قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب : وهذا الذي ذكره (رحمة الله عليه) مذهب المخالفين لأهل البيت (عليهم‌السلام) لان جميع هذه العقود الثمرة فيها للمالك الأول ، سواء أبر أم لم يؤبر ، بغير خلاف بين أصحابنا ، والمخالف حمل باقي العقود على عقد البيع وقاسها عليه ، والقياس عندنا باطل بغير خلاف بيننا الى آخره.

المسألة الثانية ـ الظاهر أنه لا خلاف في جواز أن يشترط استثناء ثمرة شجرة

٣٤٦

أو شجرات بعينها ، أو يستثني حصة مشاعة كالنصف أو الثلث مثلا ، وكذا استثناء جزء معين من شجرة ، كغدق معين من نخلة ، والمشهور جواز استثناء أرطال معينة ، خلافا لأبي الصلاح ، مستندا الى حصول الجهل بقدر المبيع حيث لا يعرف قدره جملة.

ويدل على المشهور ما رواه في الفقيه عن حماد بن عيسى عن ربعي (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في الرجل يبيع الثمرة ثم يستثني كيلا وتمرا قال : لا بأس به؟ قال : وكان مولى له عنده جالسا فقال المولى : انه ليبيع ويستثني أوساقا ـ يعني أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ قال : فنظر اليه ولم ينكر ذلك من قوله».

وحينئذ فإن سلمت الثمرة فالأمر واضح بأن يأخذ المستثنى ما استثناه ، وللمشتري الباقي ، وان خاست وتلف بعضها فان كان ذلك في صورة استثناء شجرة أو شجرات فلا اشكال ، لامتياز المبيع منها ، وأما في صورة الحصة المشاعة فالأمر أيضا واضح.

وأما في صورة الأرطال المعلومة فإن الساقط يكون بالنسبة بأن يخمن ثمرة البستان على تقدير السلامة تنسب إليه الأرطال المعلومة ، ثم تؤخذ بتلك النسبة من الباقي ، فإذا خمن بقدر معلوم على تقدير السلامة نسبت إليه الأرطال المعلومة ، بأن يكون ربعا أو خمسا أو نحو ذلك ، ثم يؤخذ بتلك النسبة من الثمرة الباقية ، بأن يؤخذ ربعها أو خمسها كما في المثال المذكور.

المسألة الثالثة

قالوا إذا باع ما بدا صلاحه فأصيب قبل قبضه كان من مال بايعه ، وكذا لو

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ١٣٢.

٣٤٧

أتلفه البائع ، وان أصيب البعض أخذ السليم بحصته من الثمن ، ولو أتلفه أجنبي كان كان المشترى بالخيار بين فسخ البيع ومطالبة المتلف ، ولو كان بعد القبض ـ وهو التخلية ـ لم يرجع على البائع بشي‌ء على الأشبه ، ولو أتلفه المشترى في يد البائع استقر العقد ، وكان الإتلاف كالقبض ، وكذا لو اشترى جارية وأعتقها قبل قبضها.

أقول : والكلام في هذه المسألة يقع في مواضع الأول ما ذكر من أن تلفه قبل القبض يكون من مال البائع إذا كان التلف بآفة ونحوها ، فإنه مبنى على القاعدة المشهورة ، من أنه مضمون على البائع قبل القبض ، والمعنى أنه ينفسخ العقد من حينه ، وتقدم الكلام في ذلك في المسألة الخامسة من المقام الثاني في أحكام الخيار (١) وذكرنا ثمة معارضة هذه القاعدة بالقاعدة الدالة على أن المشترى يملك المبيع بالعقد.

وأما ما ذكر من أن الحكم كذلك لو أتلفه البائع فهو خلاف ما هو المشهور بينهم ، كما قدمناه ذكره في المسألة المشار إليها من أن الحكم هنا انما هو تخير المشترى بين الرجوع بالثمن بأن يفسخ العقد ، وبين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة سواء كان البائع أو الأجنبي ، ولهذا قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك هنا بعد ذكر القول المذكور : والأقوى تخير المشترى بين الفسخ ، وإلزام البائع بالمثل ، أما الفسخ فلان المبيع مضمون على البائع قبل القبض ، واما إلزامه بالعوض فلأنه أتلف ماله ، لان المبيع قد انتقل إلى المشترى وان كان مضمونا على البائع كما لو أتلفه الأجنبي ، تمسكا بأصالة بقاء العقد ، واقتصارا بالانفساخ على موضع الوفاق. انتهى.

أقول : وقد تقدم في المسألة المشار إليها آنفا ما في هذا الكلام من تطرق الإيراد ، فإن قضية كونه قبل القبض مضمونا على البائع الاقتصار على الفسخ وعدم

__________________

(١) ص ٧٧.

٣٤٨

الرجوع بالمثل لبطلان العقد بالتلف ، وقضية كون المبيع ينتقل بالعقد إلى المشترى ـ ويكون ملكا له ـ هو عدم الرجوع على البائع بوجه ، الا أنه حيث كان ظاهرهم الإجماع على كل من القاعدتين جمعوا بينهما بما ذكر ، كما يشير اليه قوله «واقتصارا بالانفساخ على موضع الوفاق».

الثاني ـ ما ذكر «من أنه لو كان بعد القبض وهو التخلية» الى آخره فإنه لا ريب أن مقتضى قاعدة البيع أنه بعد القبض لا يرجع على البائع بشي‌ء ، وهو المشهور في كلامهم بأي نوع كان من أنواع التلف المذكورة ، الا أنه قد نقل في المسالك عن بعض الأصحاب أنه ذهب هنا الى أن الثمرة على الشجرة مضمونة على البائع وان أقبضها بالتخلية ، نظرا الى أن بيعها بعد بدو صلاحها بغير كيل ولا وزن على خلاف الأصل ، لأن شأنها بعده النقل ، والاعتبار بالوزن أو الكيل بالقوة القريبة من الفعل ، وانما أجيز بيعها كذلك للضرورة ، ويراعى فيها السلامة وعلى هذا فيحتمل أن يكون قوله «على الأشبه» متعلقا بقوله «لم يرجع» ويكون إشارة الى هذا القول ، ويحتمل أن يكون متعلقا بقوله «وهو التخلية ،» حيث أنه كما تقدم قد وقع الخلاف في القبض ، هل هو عبارة عن التخلية مطلقا ، أو من الكيل أو الوزن في المكيل والموزون؟ وهذه الثمرة بعد بدو صلاحها قد صارت صالحة للاعتبار بهما ، وحينئذ فيكون فيه تنبيه على اختياره القول بالتخلية مطلقا ، كما هو أحد القولين المذكورين.

الثالث ما ذكره بقوله «ولو أتلفه المشترى في يد البائع» الى آخره ، لا يخفى ان إتلاف المشتري في الصورة المذكورة ان كان بإذن البائع فهو قبض ، يترتب عليه أحكام القبض مطلقا ، وان كان بغير اذنه وهو الظاهر من العبارة ، فهو قبض من حيث انتقال الضمان إلى المشتري بالإتلاف وان لم يكن باقي أحكام القبض مترتبة عليه ، لان الغرض هنا بيان عدم الرجوع على البائع ، وحيث انتقل الضمان اليه فلا رجوع.

٣٤٩

قيل : وانما شبه الإتلاف هنا بالقبض ولم يجعله قبضا لأن الإتلاف قد يكون بمباشرة المشتري ، فيكون قبضه حقيقة ، وقد يكون بالتسبيب فيكون في حكم القبض خاصة.

الرابع ـ ما ذكره من قوله «وكذا لو اشترى جارية» الى آخره والغرض منه التنبيه على ان العتق مثل الإتلاف في كونه قبضا ، ويكون العتق صحيحا لتقدم الملك والله العالم.

المسألة الرابعة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز بيع الثمرة في أصولها بالأثمان والعروض ، ولا اشكال فيه ، وعليه يدل عموم الأخبار المتقدمة ، وانما الممنوع منه بيع ثمرة النخل بمثلها من تلك النخلة ، أو غيرها على الخلاف الاتى ، وكذا الزرع بحنطة منه أو غيره ، وهو المسمى بالمحاقلة والمزابنة وتفصيل هذا الإجمال يقع في مواضع

الأول ـ ينبغي ان يعلم ان المزابنة مفاعلة من الزبن وهو الدفع ، ومنه الزبانية ، لأنهم يدفعون الناس في النار ، قيل : سميت هذه المعاملة بذلك لأنها مبنية على التخمين ، والغبن فيها كثير ، فكل من البائع والمشترى يريد دفعه عن نفسه إلى الأخر فيتدافعان.

والمحاقلة مفاعلة من الحقل : وهي الساحة التي يزرع فيها ، قيل : سميت هذه المعاملة بذلك لتعلقها بزرع في حقل ، فأطلق اسم الحقل على الزرع مجازا ، من باب إطلاق اسم المحل على الحال ، أو المجاور على مجاورة ، فكأنه باع حقلا بحقل ، وتحريمهما في الجملة إجماعي منصوص.

الثاني المفهوم من كلام أكثر الأصحاب ، وكذا من كلام جملة من أهل اللغة أن المزابنة مختصة بالنخل ، والمحاقلة بالزرع ، والمفهوم من صحيحة عبد الرحمن ابن أبى عبد الله (١) وموثقته الآتيتين عكس ما ذكروه ، وهو أن المحاقلة في النخل ، والمزابنة في الزرع ، وكأن الأصحاب وكذا أهل اللغة بنوا فيما ذكروه على وجه

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٤٣.

٣٥٠

المناسبة المذكور في الموضع الأول ، وبعض مشايخنا المحدثين من المتأخرين (١) لذلك ـ حمل موثقة عبد الرحمن ـ الصريحة في ذلك ـ على السهو من الراوي ، ولله در المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال ذيل الموثقة المذكورة : عكس ابن الأثير في نهايته هذا التفسير ، ولا ينبئك مثل خبير.

والعجب من صاحب الوسائل انه تبع الأصحاب فيما ذكروه ، فقال : باب أنه لا يجوز بيع ثمرة النخل بتمر منه ، وهي المزابنة ، ولا بيع الزرع بحب منه وهي المحاقلة ، ثم أورد في الباب روايتي عبد الرحمن (٢) المشار إليهما ، ولم يجب عنها بشي‌ء ، مع أنها ظاهرتان في خلاف ما عنون به الباب ، نعم أورد في الباب أيضا رواية من كتاب معاني الأخبار مسندة برجال من العامة عن ابى عبيد القاسم بن سلام (٣) بإسناده إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه نهى عن بيع المحاقلة والمزابنة ، فالمحاقلة بيع الزرع وهو في سنبله بالبر ، والمزابنة ، بيع الثمر في رؤوس النخل بالتمر.

أقول : من المحتمل قريبا ان هذا التفسير انما هو عن ابى عبيد المذكور ، كما صرح به الصدوق في غير موضع من الكتاب المذكور ، ومع تسليم كونه من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فهو لا يعارض ما قدمناه من الاخبار ، خصوصا مع كون سنده انما هو رجال العامة.

__________________

(١) هو شيخنا الشيخ على بن سليمان البحراني في حواشيه على التهذيب حيث قال : المعروف عند أهل اللغة ـ على خلاف بينهم وكذا عند الفقهاء من الخاصة والعامة ـ ان المزابنة بيع ثمر النخل والشجر من جنسه ، والمحاقلة بيع الزرع بحنطة أو شعير ، فلعل ما في الرواية سهو من الراوي والله يعلم. انتهى منه رحمه‌الله.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب بيع الثمار.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب بيع الثمار.

٣٥١

الثالث ـ لا خلاف بين الأصحاب في تحريم بيع الثمرة بتمر منه ، والزرع بعد بدو صلاحه بحنطة منه ، وانما الخلاف فيما إذا كان من غيره ، فقيل بالاختصاص وهو المتفق عليه ، وخصوا المزابنة والمحاقلة المتفق على تحريمها بذلك ، وقيل بالعموم ، وأن الاسمين المذكورين مراد بهما الأعم مما إذا كان منه أو من غيره ولو كانت مطروحة على الأرض ، والظاهر أنه المشهور.

واستند القائلون بالعموم إلى صحيحة عبد الرحمن بن أبى عبد الله عن أبى عبد الله (١) (عليه‌السلام) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن المحاقلة والمزابنة ، قلت وما هو؟ قال أن تشترى حمل النخل بالتمر ، والزرع بالحنطة». وموثقته عن ابى عبد الله (عليه‌السلام ،) قال : نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن المحاقلة والمزابنة فقال : المحاقلة بيع النخل بالتمر والمزابنة بيع السنبل بالحنطة». وهما ظاهرتان في كون كل من التمر والحنطة أعم من أن يكونا من المبيع أو غيره والثانية صريحة فيما قدمناه من ان المحاقلة انما هي في النخل ، والمزابنة في الزرع ، خلاف ما هو المشهور بين الأصحاب.

واستند القائلون بالتخصيص الى ما دل على جواز البيع بتمر غير ما في المبيع ومنه حسنة الحلبي (٢) أو صحيحته قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) في رجل قال لاخر : بعني ثمرة نخلك هذا الذي فيها بقفيزين من تمر أو أقل أو أكثر يسمي ما شاء فباعه؟ قال : لا بأس به».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن بيع حصائد الحنطة والشعير وسائر الحصائد؟

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٤٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٧٦.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٠٥.

٣٥٢

قال : حلال فليبعه بما شاء». وهو وان كان عاما لما لو كان الثمن من جملة المبيع الا انه يجب استثناؤه بالنص والإجماع ، وجملة الأخبار الدالة على التحريم فيما لو كان من المبيع ، والجواز من غيره.

ومنه ما رواه الشيخ في الحسن عن الحسن بن على الوشاء (١) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل اشترى من رجل أرضا جريانا معلومة بمأة كر على أن يعطيه من الأرض ، فقال : حرام ، قال : فقلت له فما تقول جعلت فداك أن اشترى منه الأرض بكيل معلوم وحنطة من غيرها؟ قال : لا بأس». والمراد زراعة الأرض ، ورواه بسند آخر أيضا عنه (عليه‌السلام) قال : سألت الرضا (عليه‌السلام) الحديث.

ومما يدل أيضا على الجواز فيما لو كان من غير المبيع أيضا ما رواه الشيخ في الموثق عن الكناني (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : ان رجلا كان له على رجل خمسة عشر وسقا من تمر وكان له نخل فقال له : خذ ما في نخلي بتمرك فأبى أن يقبل ، فأتى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال : يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان لفلان علي خمسة عشر وسقا من تمر ، فكلمه أن يأخذ ما في نخلي بتمره ، فبعث اليه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال : يا فلان خذ ما في نخله بتمرك ، فقال يا رسول الله لا يفي وأبى أن يفعل ، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لصاحب النخل : اجذذ نخلك ، فجذه ، فكال له خمسة عشر وسقا ، فأخبرني بعض أصحابنا عن ابن رباط ولا أعلم الا انى قد سمعته منه أن أبا عبد الله (عليه‌السلام) قال : ان ربيعة الرأي لما بلغه هذا عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : هذا ربا : قلت : أشهد بالله انه لمن الكاذبين قال : صدقت».

والشيخ حمل هذا الخبر على الصلح دون البيع ، وكذا العلامة في المختلف ،

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٧ ص ١٩٥.

٣٥٣

وأنت خبير بما فيه ، لان الدليل غير منحصر في الخبر المذكور ، ليخرج بتأويله عن الإشكال ، فإن الخبرين الأولين صريحان في البيع ، والمسألة كما ترى محل اشكال.

وبعض المحققين احتمل في روايتي عبد الرحمن أن يكون التمر والحنطة بمعنى تمرة وحنطة فيكون الالف واللام عوضا عن الضمير المضاف اليه ، قال : بل هو المتبادر ، ولو أراد العموم لكان التنكير أولى ، وهو بتمر وحنطة. انتهى وهو احتمال قريب لا بأس به في مقام الجمع بين الاخبار ، لشيوع هذا الاستعمال في الكلام.

ومن أخبار المسألة ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن يعقوب بن شعيب (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الرجل يكون له على الأخر مأة كر تمر وله نخل فيأتيه فيقول أعطني نخلك هذا بما عليك فكأنه كرهه». والمراد تمر نخلك وظاهر هذا الخبر كراهة بيع الثمرة بجنسها من غير المبيع.

ويمكن حينئذ الجمع بين الاخبار بتخصيص التحريم بما كان من المبيع ، والجواز على كراهة بما كان من غيره ، ويحمل النهي في روايتي عبد الرحمن على ما هو الأعم من التحريم أو الكراهة ، وليس فيه الا ما ربما يقال من عدم جواز استعمال المشترك في معنييه ، وهو وان اشتهر بينهم الا أنه في الاخبار كثير شائع ، كما نبهنا عليه في جملة من المواضع في كتاب العبادات ، وقد نقلنا ثمة عن الذكرى أيضا جواز ذلك.

ومن أخبار المسألة ما رواه في الكافي والتهذيب في الحسن عن الحلبي (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال : «لا بأس أن تشترى زرعا قد سنبل وبلغ بحنطة». وهذا الخبر كما ترى يدل على جواز المزابنة ، وان كان الثمن من

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٩٣ التهذيب ج ٧ ص ١٢٥ الفقيه ج ٣ ص ١٤٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٧٤ التهذيب ج ٧ ص ١٤٢.

٣٥٤

المبيع ، نظرا إلى إطلاق الخبر ، وقد تقدم مثله في صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي (١) الا أن يقيد إطلاقه بالإجماع ، وروايتي عبد الرحمن المتقدمين ، ويمكن حمل النهي في روايتي عبد الرحمن على الكراهة جمعا كما احتمله في الوافي أيضا.

الرابع قد استند جملة من الأصحاب القائلين بالعموم الى لزوم الربا في المعاملتين المذكورتين ، وهو حرام ، فيكون مستند التحريم هو لزوم الربا ، لانه بيع ثمرتين ربويتين وهو مكيل ، والغالب التفاوت فيحصل شرط الربا ، ولان بيع الربوي مشروط بالعلم بالمساواة ، ومعلوم انها غير ظاهرة هنا ، وفيه ان الثمرة ما دامت على النخل والحنطة في الزرع ليس بمكيل ، لانه لا تباع كيلا وانما تباع بالمشاهدة.

وقد عرفت من الروايات المتقدمة جواز البيع بالجنس الذي من غير المبيع وهو ظاهر في عدم الربا في الصورة المذكورة ، بل صرح في رواية الكناني بذلك ، حيث انها دلت على ان ربيعة الرأي جعل ذلك رأيا ، وقد كذبه (عليه‌السلام) بتقريره الراوي على ما قاله ، وقوله له صدقت ، وأجاب عنه في المختلف بضعف السند ، قال : لأن في طريقه الحسن بن محمد بن سماعة ، وهو ضعيف ، سلمنا لكن لا دلالة فيه على البيع ، بل هو دال على نوع من الصلح والاستيفاء ، ونحن نقول بجوازه.

وفيه ان الرجل المذكور وان كان واقفيا الا انه ثقة ، فحديثه في الموثق وهو يعمل به في غير موضع ، والحمل على الصلح قد عرفت ما فيه.

الخامس ـ قد اختلفت عبائر الأصحاب (رضوان الله عليهم) وكذا النصوص في التعبير عن المبيع في المحاقلة ، ففي بعض عبر بالزرع ، وفي آخر بالسنبل ،

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٠٥.

٣٥٥

والظاهر ان مراد من عبر بالأول انما هو مع وجود الحب ، بان تكون سنبلا ، فيرجع الى الثاني لأنه قبل انعقاد الحب علف يجوز بيعه بكل شي‌ء.

ولهذا قال في المسالك بعد نقل مثل ذلك : ويظهر من كلامهم الاتفاق على ان المراد به السنبل وان عبروا بالأعم ، وقال في التذكرة لو باع الزرع قبل ظهور الحب بالحب فلا بأس ، لأنه حشيش ، وهو غير مطعوم ولا مكيل ، سواء تساويا جنسا أو اختلفا ، ولا يشترط التقابض في الحال. انتهى.

ثم انه على تقدير التعبير بالسنبل فهل المراد منه الحنطة بالخصوص ، أو ما هو أعم منها ومن الشعير والدخن والأرز وغيرها؟ فيدخل الجميع في المحاقلة إشكال ، وبعض تعاريف الأصحاب للمحاقلة بأنها بيع السنبل بحب منه أو من غيره يعطى العموم ، وبعض تعاريفها بأنها الحنطة في سنبله بحنطة اما منها أو من غيرها يعطى التخصيص ، وظاهره في التذكرة ان أكثر تعاريف الأصحاب من هذا القبيل وعلى هذا يدخل فيه الشعير ان جعلناه من جنس الحنطة كما تقدم بيانه سابقا ، وعلل المنع بالربا ، والا فلا (١).

أقول : والذي يظهر من روايتي عبد الرحمن المتقدمتين حيث ان الاولى تضمنت تفسير المزابنة ببيع الزرع بالحنطة ، والثانية السنبل بالحنطة ـ وهي وان سميت في الخبرين بالمزابنة الا أنها هي المحاقلة عند الأصحاب ـ هو التخصيص بالحنطة دون غيرها من افراد الحبوب ، وليس غير هاتين الروايتين في الباب فإلحاق ما ذكروه من الافراد بالحنطة مشكل.

__________________

(١) قال في التذكرة ان أكثر تفاسير المحاقلة انها بيع الحنطة في السنبل بحنطة اما منها أو من غيرها ، فيختص بالحنطة ويدخل فيه الشعير ان جعلناه من جنس الحنطة أو عللنا المنع بالربا ، والا فلا ، قال : وفي بعض ألفاظ علمائنا هي بيع الزرع بالحب من جنسه ، فيكون ذلك محاقلا. انتهى منه رحمه‌الله.

٣٥٦

نعم من علل بالربا فيمكن الإلحاق إلا انك قد عرفت ما فيه.

السادس هل ينسحب حكم النخل الى غيره من ثمار أشجار الفواكه وغيرها؟ قولان : والأقرب العدم ، والوجه فيه ان ما ورد في الاخبار وكلامي متقدمي الأصحاب في تعريف المزابنة يقتضي التخصيص بالنخل ، فيبقى غيره على عموم الجواز اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النص والوفاق وبطلان القياس.

وذهب جمع منهم الشهيد في اللمعة والدروس والشهيد الثاني في المسالك ـ بل نقل أنه ظاهر الأكثر ـ إلى انسحاب الحكم في غير النخل من الشجر ، مستندين في ذلك الى أن علة النهي انما هي عدم الأمن من الربا ، لانه بيع أحد المتجانسين بالاخر ، وهما مكيلان أو موزونان ، واحتمال المساواة في الخرص نادر ، فيحرم للتفاضل غالبا ، مع أن العلة منصوصة في المنع من بيع الرطب بالتمر ، وهي نقصانه عند الجفاف ، وهي قائمة فيما نحن فيه ، وقد عرفت الجواب عن ذلك.

نعم يبقى الكلام في العلة المنصوصة في المنع من بيع الرطب بالتمر ، وهي نقصانه عند الجفاف ، فإنها قائمة هنا ، فمن ترجح عنده العمل بالعلة المنصوصة يعدى الحكم إلى المساوي في العلة المذكورة ، الا أن العمل بالعلة المنصوصة محل كلام ، قد تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب في صدر كتاب الطهارة (١) والله العالم.

المسألة الخامسة ـ قد اتفق القائلون بالعموم في المزابنة على استثناء العرية ، وهي النخلة تكون للإنسان في دار رجل آخر ، وقال أهل اللغة وجملة من المتقدمين : أو بستانه ، واستحسنه جملة من المتأخرين ، بل قال في المسالك : أنه متفق عليه ، فيجوز بيعها بخرصها تمرا من غيرها ، وفي جوازه مع كونه التمر منها إشكال يأتي التنبيه عليه.

وأنت خبير بأنه على ما اخترناه من تفسير المزابنة ببيع ثمرة النحل بتمر

__________________

(١) ج ١ ص ٦٣.

٣٥٧

منها ، وأنه هو المحرم ، فلا معنى لهذا الاستثناء ، بل يكون الرواية الدالة على الجواز في العرية ـ من قبيل الاخبار التي قدمناها ـ دالة على جواز بيع الثمرة النخل بتمر من غيرها ، ولكن اشتهر هذا الاستثناء لشهرة القول بالعموم بين الخاصة والعامة.

والأصل في العرية ما رواه في الكافي والتهذيب عن السكوني (١) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «رخص رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في العريا أن تشتريها بخرصها تمرا ثم قال : والعرايا جمع عرية ، وهي النخلة تكون للرجل في دار رجل آخر فيجوز له أن يبيعها بخرصها تمرا ولا يجوز ذلك في غيره».

وما رواه الصدوق في كتاب معاني الاخبار عن محمد بن هارون الزنجاني عن على بن عبد العزيز عن القاسم بن سلام بإسناد متصل إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أنه رخص في العرايا ، واحدتها عرية وهي النخلة التي يعريها صاحبها رجلا محتاجا ، والإعراء أن يبتاع تلك النخلة من المعرا بتمر لموضع حاجته ، قال : وكان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا بعث الخراص قال : خففوا الخرص فان في المال العرية والوصية (٢)».

أقول : والروايتان المذكورتان في طريقهما رجال العامة ، والحكم بالعموم في المزابنة واستثناء العرية منه مذهب العامة ، الا أن الحكم أيضا في الموضعين مشهور بين أصحابنا على ما تقدم من الخلاف في الأول ، وقوله في الخبر الأول «ولا يجوز ذلك في غيره» يحتمل أن يكون المراد : أي في غير ما يكون في دار رجل آخر ، وعلى هذا ففيه دلالة على ضعف ما تقدم نقله عنهم من اضافة البستان الى الدار ، ويحتمل أن يكون المراد : أى غير النخل إذا كان في دار رجل آخر ، وعلى هذا ففيه دلالة على اختصاص العرية بالنخل دون غيره من الشجر ، والظاهر أنه موضع اتفاق ، وتمام تحقيق الكلام في المقام يتوقف على بسطه في فوائد.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٧٥ التهذيب ج ٧ ص ١٤٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب بيع الثمار الرقم ـ ٥.

٣٥٨

الاولى ـ قد شرطوا في بيع العرية شروطا أحدها ـ كون البيع على ذي الدار والبستان لا على غيرهما ، وثانيها ـ كونها واحدة في كل بستان أو دار ، فلو كان لمالك واحد اثنتان في دار أو بستان ، لم يجز بيع ثمرتهما ولا ثمرة أحدهما ، لعدم صدق العرية في هذه الصورة نعم لو تعددت الدار أو البستان جاز تعددها من الواحد.

وثالثها ـ والخرص والتخمين في ثمرة النخلة ، كما دل عليه الخبر.

رابعها ـ عدم التفاضل وقت العقد ، لظاهر الخبر الدال على اعتبار المساواة ولزوم الربا مع التفاضل ، ولأن الأصل المنع الا فيما دل عليه النص المذكور ، ولا يضر ذلك بعد الجفاف لإطلاق الخبر.

وخامسها ـ أن يكون الثمن حالا فلا يجوز تأجيله ، وان لم يقبض في المجلس ، خلافا للشيخ في المبسوط حيث شرط التقابض (١) وهو ضعيف.

وسادسها ـ كون الثمرة على رأس النخلة فلو قطعت لم يجز بيعها الا كغيرها من الموزون والمكيل.

أقول : والظاهر الاستغناء عن هذا الشرط ، لان فرض المسألة في العرية ، وهي التي تباع ثمرتها بالخرص ، وهو ظاهر.

وسابعها ـ كون الثمن من ثمرة النخل ، وفيه ما في سابقه من انه مستغنى عنه

__________________

(١) قال في المبسوط : شرط بيع العرية أمران ، أحدهما المماثلة من طريق الخرص بين ثمرة النخلة عند صيرورتها تمرا وبين التمر الذي هو الثمن ، والثاني التقابض قبل التفرق وقال ابن إدريس لا يشترط التقابض نعم يشترط الحلول. احتج الشيخ بأن ما فيه الربا لا يجوز التصرف فيه قبل التقابض ومنع ابن إدريس ذلك إلا في الصرف ، قال في المختلف : وهو الأقوى. لنا الأصل عدم الاشتراط. انتهى. أقول : الأمر الأول في عبارته إشارة إلى الشرط الرابع الذي ذكرناه منه رحمه‌الله.

٣٥٩

ايضا ، لما عرفت في تعريف العرية.

وثامنها ـ كون الثمن من غيرها قال في المسالك : وهو المعروف في المذهب ، ونقل في المختلف عن ابن حمزة ان ظاهر كلامه تحريم العرية بتمر منها ، بل يجوز بغيرها ، ثم قال : ولا بأس به ، والا لزم ان يكون الثمن والمثمن واحد ، ثم احتمل الجواز عملا بإطلاق الاذن ، ولوجود المقتضى وهو الرخصة انتهى (١) وهو جيد فان قوله في الخبر «يبيعها بخرصها تمرا» متناول لموضع النزاع ، أو هو أعم من كونه منها أو من غيرها ، ولهذا يظهر من المحقق الأردبيلي الميل الى ذلك لو صح النص الوارد في المسألة.

الثانية ـ قد عرفت ان مورد الخبر الأول بالنسبة إلى موضع النخلة انما هو الدار والأصحاب كما تقدم ألحقوا البستان أيضا وهو محل اشكال ، وان كان ظاهرهم الاتفاق على ذلك ، كما يشعر به كلامه في المسالك.

نعم خبر كتاب معاني الأخبار مطلق ، فيمكن الاستناد إلى إطلاقه في ذلك ، ثم انهم صرحوا بان المراد بالدار أو البستان ما هو أعم من المملوك والمستأجر والمستعار ، لصدق الإضافة في الجميع ، وزاد في المسالك اشتراك الجميع في العلة ، وهي مشقة دخول الغير عليهم.

أقول : هذا التعليل الأخير انما يتم في الدار دون البستان ، كما هو ظاهر ، وفيه نوع تأييد لما قدمناه من الاقتصار في الحكم على الدار ، ويؤيد أنه حكم

__________________

(١) قال : ولو وجدت صحيحة صريحة لجاز الاستثناء من المزابنة بالمعنى الذي قلناه أيضا تعبدا ، ولكن ما رأيتها ، فلا يجوز هذا الاستثناء الأعلى المعنى العام القائل به العامة الذين هم أصل هذه المسألة. انتهى أقول والمراد بالمعنى الذي قاله هو ما اختاره من تفسير المزابنة بالمعنى الأخص ـ منه رحمه‌الله.

٣٦٠