الحدائق الناضرة - ج ١٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

تنبيهات

الأول ـ قد عرفت ان الأصحاب خصوا الحكم بالأطفال ، وفرعوا عليه ايضا الخلاف في الغاية التي يزول معها التحريم أو الكراهة ، هل هي مدة سبع سنين ، أو أن يستغنى عن الرضاع؟ وهو مشكل ، إذ لم نقف له على مستند ، وبذلك اعترف في المسالك أيضا ، وذكر جماعة من المتأخرين أنه مترتب على الخلاف في الحضانة الاتى في كتاب النكاح إنشاء الله تعالى وهو أشكل لاختلاف الاخبار (١) والأقوال في ذلك أيضا.

__________________

وهو ظاهر الاخبار ، وطرد الحكم في أم الأم وابن الجنيد طرد في من يقوم مقام الأم في الشفقة ، وأفسد البيع في السبايا وكره ذلك في غيرهم والحليون على كراهية التفرقة وتخصيص ذلك بالأم وهو فتوى الشيخ في العتق من النهاية انتهى منه رحمه‌الله.

(١) ففي بعض الاخبار ان الولد للأب وله ان يعطيه لمن شاء يرضعه الا يطلب الام ذلك ، فترضى بما يرضى به غيرها فهي أحق ما لم يفطم ، وفي بعض أن الأم أحق بالولد الى سبع سنين ، وفي بعض آخر الى ان يتزوج ، وفي بعض آخر انه ما دام في الرضاع فهو بين الأبوين ، فإذا فطم فالأب أحق به من الأم فإذا مات الأب فالأم أحق به من العصبة ، وفي بعضها انه ليس للوصي أن يخرجه من حجر الام حتى يدرك ويدفع اليه ماله والشيخ قد جمع بينها بأن الأم أحق قبل الفطام وإذا أرضعت بما يرضع التهذيب ج ٨ ص ١٠٤

٤٢١

وأنت خبير بأن ظاهر الروايات المذكورة عدم الاختصاص بالأطفال بل ظاهر جملة منها انما هو الكبار ، كما يعطيه ظاهر صحيحة معاوية بن عمار من بيع الجارية لنفقة العسكر ، ومن الظاهر الغالب أن قيمة الطفل لا يفي بذلك ، وأظهر منها صحيحة هشام بن الحكم ، وقوله فيها «ان الجارية ذهبت تقوم في بعض حوائجها ،» وهو ايضا ظاهر موثقة سماعة وان الولد فيها أعم من الصغير والكبير ، بل الظاهر انما هو كونه كبيرا لقوله «الا ان يريدوا ذلك» فإن الإرادة لا تحصل من الرضيع.

وكذلك قوله في صحيحة ابن سنان (١) «وان كانت له أم فطابت نفسها ونفسه ، فاشتره». فان طيب النفس لا يتم في الرضيع وهذا كله بحمد الله سبحانه ظاهر لا ريب فيه.

الثاني ـ انه على تقدير القول بالتحريم هل يحكم ببطلان البيع أيضا أم لا؟ وجهان بل قولان ـ يلتفتان الى ان النهى في غير العبادة لا يقتضي الفساد ولرجوعه الى وصف خارج عن ذات المبيع ، فيكون كالبيع وقت النداء ، وعلى هذا فيصح البيع وان اثم ، والى ان المفهوم من صحيحتي معاوية وهشام من حيث اشتمالهما على الرد من غير رضى المتبايعين هو البطلان ، والظاهر ان الوجه فيه هو ان تحريم التفرقة أخرجها عن صلاحية المعاوضة ، وهو الأظهر ، وفاقا لجملة من الأصحاب.

__________________

الغير فهي أحق ، وانها أحق بالأنثى ما لم تتزوج ، وجمع جملة من الأصحاب بينها بحمل رواية السبع على الأنثى ، والحولين على الذكر ، لمناسبة الحكمة في احتياج الأنثى إلى تربية الام زيادة على الذكر ، قال في المسالك وهذا هو الأجود ، ثم قال وحيث كان ذلك في حكم الحرة فليكن في الأمة كذلك لان حقها لا يزيد على الحرة ، ولان ذلك هو الحق المقرر لسلام في كون الولد معها في نظر الشارع انتهى ـ منه رحمه‌الله.

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٠٤.

٤٢٢

الثالث أنه هل يختص النهى عن التفرقة بالولد مع الأم ، أم يعم الأرحام المشاركة في الشفقة والاستيناس. كالأخت والعمة والخالة؟ قولان ، استجود شيخنا الشهيد الثاني في الروضة والمسالك الثاني ، واستقرب العلامة في التذكرة الأول ، وظاهر موثقة سماعة وصحيحة ابن سنان يؤيد الثاني ، الا أن ظاهرهم تخصيص التعدية الى ما شارك الأم في الشفقة من الإناث خاصة ، وظاهر الروايتين المذكورتين التعدي إلى الذكور أيضا فالتخصيص المذكور خروج عن النص.

والأظهر الوقوف على ما دلت عليه النصوص من الام والأخ والأخت والأب اقتصارا فيما خرج عن الأصل على موضع النص ، ولان ما زاد لا يخرج عن القياس.

الرابع أنه هل يلحق بالبيع غيره؟ قال في المسالك : الظاهر عدم الفرق بين البيع وغيره ، وان كان في بعض الاخبار ذكر البيع لايمائها إلى العلة الموجودة في غيره ، فيتعدى الى كل ناقل للعين حتى القسمة والإجارة الموجبة للفرقة ، وحيث كانت علة المنع الفرقة فلو لم يستلزمها ـ كما لو باع أحدهما وشرط استخدامه مدة المنع أو على من لا يحصل معه التفريق بينهما ـ لم يحرم ، مع احتماله في الثاني إذا لم يكن الاجتماع لازما له شرعا. انتهى.

وأورد عليه (١) بأنه وان كان محتملا من جهة ظهور العلة المفهومة فيمكن ذلك ، ولكن يشكل ذلك من جهة كونه قياسا مع عدم المنصوصية في العلة. انتهى. وهو جيد على أنه قد تقدم ما في منصوص العلة من البحث في صدر جلد الطهارة من هذا الكتاب (٢) وبالجملة فإن الأظهر الاقتصار في ذلك على البيع كما هو مورد الاخبار ، اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص ، والنصوص المتقدمة كلها انما تضمنت البيع والشراء ، وليس فيها ما تضمن مجرد التفرقة إلا موثقة سماعة ،

__________________

(١) وهو المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ـ منه رحمه‌الله.

(٢) ج ١ ص ٦٣.

٤٢٣

فيجب حملها على ما عداها من النصوص المذكورة ، حمل المطلق على المقيد ، وبه يظهر أن التعدية قياس محض والله العالم.

الخامس ـ قال في المسالك : وموضع الخلاف بعد سقي الأم اللبأ ، أما قبله فلا يجوز قطعا ، لما فيه من التسبب الى إهلاك الولد ، فإنه لا يعيش بدونه ، صرح به جماعة. انتهى.

وفيه تأمل لأنا رأينا كثيرا من الأطفال قد عاش بدون ذلك ، بأن يشرب من لبن غير أمه بعد الولادة ، وربما تعذر وجود اللبن من أمه لمرض ونحوه بعد الولادة مدة ، وانما يرضع من حليب غيرها ، بل قيل : انه لا يوجد اللبن في كثير من النساء وبنحو ما قلنا صرح المحقق الأردبيلي قدس‌سره في شرح الإرشاد أيضا.

السادس ـ قال في المسالك : ولا يتعدى الحكم إلى البهيمة اقتصارا بالمنع على موضع النص ، فيجوز التفرقة بينها وبين ولدها بعد استغنائه عن اللبن ، وقبله ان كان مما يقع عليه الزكاة أو كان له ما يمونه من غير لبن أمه انتهى.

المسألة السابعة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه يجب استبراء الأمة على البائع قبل البيع إذا وطأها ، وكذا المشترى ويسقط الاستبراء عن المشترى لو أخبره البائع بالاستبراء وكان ثقة أو كانت لامرأة ، أو كانت يائسة أو صغيرة أو حاملا أو حائضا.

وتفصيل هذه الجملة يقع في موارد الأول ـ لا يخفى أن الاستبراء عبارة عن طلب برأيه الرحم من الحمل ، فإنه إذا صبر عليها المدة المضروبة لذلك حسبما يأتي ذكره في الاخبار تبين به حملها أو عدمه ، والحكمة فيه عدم اختلاط الأنساب والمشهور بين الأصحاب ـ وبه صرح الشيخ وتبعه الأصحاب ـ انه لا فرق في ذلك بين البيع وغيره من الوجوه الناقلة للملك ، وكذا القول في الشراء فيجب الاستبراء بكل ملك زائل وحادث ، وخالف في ذلك ابن إدريس فخصه بالبيع ، دون غيره من الوجوه المشار إليها ، قال العلامة (قدس‌سره) في المختلف : قال الشيخ

٤٢٤

في الخلاف : إذا ملك أمة بابتياع أو هبة أو إرث أو استغنام لم يجز له ووطؤها الا بعد الاستبراء.

وقال ابن إدريس : لا يجب في غير البيع ، لأن الذي رواه أصحابنا في تصانيفهم الخالية من فروع المخالفين وبياناتهم ونطقت به أخبار الأئمة (عليهم‌السلام) أن الاستبراء لا يجب الا على البائع والمشترى ، ولم يذكروا غيرهما ، والأصل براءة الذمة ، والتمسك بقوله تعالى (١) «أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» وهذه ملك يمين والحق ما قاله الشيخ ، لنا أن المقتضى لوجوب الاستبراء في صورة البيع ثابت في غيره ، وهو العلم باستفراغ رحمها ، والاختلاط على الأنساب ، والحفظ من اختلاطها ، وأى فرق بين قوله بعتك ، وقوله وهبتك ، بحيث يوجب الأول الاستبراء دون الثاني ، ولا يخفى ذلك على محصل ، وأسند النقل الى كتاب الخلاف ونسبه الى أنه من فروع المخالفين ، ولعله لم يقف في النهاية على باب السراري وملك الايمان ، فإن الشيخ نص فيه على ذلك أيضا ، بل هو نفسه قال في هذا الباب متى ملك الرجل جارية بأحد وجوه التملكات من بيع أو هبة أو سبي أو غير ذلك لم يجز له ووطؤها في قبلها الا بعد أن يستبرأها ، فلعله بعد ذلك وقف على شي‌ء لم يقف عليه من الأول حتى خرج كونه من فروع المخالفين ، وبالجملة فهذا الرجل يخبط ولا يبالي أين يذهب ، ويتجرى على شيخنا (قدس‌سره) بما لا يجوز انتهى وهو جيد.

ويؤيده ما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسن بن صالح (٢) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «نادى منادي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الناس يوم أوطاس : أن استبرؤا سباياكم بحيضة». الا أنها خاصة بالاسترقاق ، وظاهر صاحب

__________________

(١) سورة النساء الآية ـ ٣.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٧٦.

٤٢٥

الكفاية التوقف هنا ، والميل الى ما ذهب اليه ابن إدريس ، وقال المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) : الظاهر إلحاق الأمور الناقلة للأمة والمبيحة للفرج بالبيع والشراء في وجوب الاستبراء ، وتحريم الوطي لظهور العلة مع احتمال الخصوص ، وهو بعيد ، خصوصا من جانب المتملك ، فان المقصود لم يتم الا بذلك انتهى.

الثاني الاستبراء يقع بخمسة وأربعين يوما ان لم تحض ، والا فحيضة ، ووجوب الاستبراء على البائع ومن في حكمه مشروط بأن يطأها وان عزل ، وأما المشترى ومن في حكمه فإنما يجب عليه الاستبراء مع علمه بوطى‌ء السابق ، أو جهله الحال ، فلو علم الانتفاء لم يجب لانتفاء الفائدة ، وللنص.

وأما ما يدل على وجوب الاستبراء على البائع والمشترى وكذا على جملة من هذه الأحكام فجملة من الاخبار ، منها خبر الحسن بن صالح المتقدم ، وما رواه في الكافي. عن سماعة (١) في الموثق «قال سألته ، عن رجل اشترى جارية وهي طامث أيستبرئ رحمها بحيضة أخرى أو تكفيه هذه الحيضة؟ قال : لإبل تكفيه هذه الحيضة ، فإن استبرأها بأخرى فلا بأس هي بمنزلة فضل».

وعن ربيع بن القاسم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الجارية التي لم تبلغ الحيض (٣) وتخاف عليها الحبل ، فقال : يستبرئ رحمها الذي يبيعها بخمس وأربعين ليلة ، والذي يشتريها بخمس وأربعين ليلة».

وما رواه الشيخ عن عبد الرحمن ابن ابى عبد الله (٤) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٧٤.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٧٠.

(٣) قوله لم تبلغ الحيض أي أنها بلغت ، لكنها لم تحض والا فلا معنى لكونها ما تخوف عليها الحبل ولو لم يبلغ بالكلية ـ منه رحمه‌الله.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ١٧٢.

٤٢٦

في الرجل يشتري الجارية ولم تحض أو قعدت عن المحيض كم عدتها قال : خمس وأربعون ليلة». أقول الظاهر ان المراد بهذه الرواية هي من كانت في سن من تحيض ولم تحض بالكلية أو انها حاضت ثم انقطع عنها الحيض ، وهي في سن من تحيض ، لما عرفت آنفا من عدم العدة على الصغيرة واليائسة.

ويدل ايضا ما رواه هذا الراوي بعينه (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يشتري الجارية التي لم تبلغ المحيض ، وإذا قعدت من المحيض ما عدتها؟ وما يحل للرجل من الأمة حتى يستبرأها قبل ان تحيض؟ قال : إذا قعدت عن المحيض أو لم تحض فلا عدة لها والتي تحيض فلا يقربها حتى تحيض وتطهر». ونحوها غيرها مما سيأتي أنشأ الله تعالى.

وعن منصور بن حازم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن عدة الأمة التي لم تبلغ المحيض وهو يخاف عليها فقال : خمس وأربعون ليلة».

وما رواه في الكافي والتهذيب في الحسن عن حفص البختري (٣) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول : انى لم أطأها فقال : ان وثق به فلا بأس بأن يأتيها ، وقال في رجل يبيع الأمة من رجل فقال : عليه أن يستبرئ من قبل ان يبيع».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (٤) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «في رجل ابتاع جارية لم تطمث ، قال : ان كانت صغيرة لا يتخوف عليها الحبل فليس عليها عدة ، فليطأها ان شاء ، وان كانت قد بلغت ولم تطمث فان عليها العدة ، قال : وسألته عن رجل اشترى جارية وهي حائض قال : إذا طهرت فليمسها ان شاء».

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٧٢.

(٢ و ٣ و ٤) التهذيب ج ٨ ص ١٧٢ و ١٧٣ و ١٧١.

٤٢٧

ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن مثله ، وعن ابن ابى يعفور (١) عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «في الجارية التي لم تطمث ولم تبلغ الحبل إذا اشتراها الرجل ، قال : ليس عليها عدة يقع عليها» الحديث.

وما رواه في الكافي عن عبد الله بن عمر (٢) قال : قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أو لأبي جعفر (عليه‌السلام) الجارية الصغيرة يشتريها الرجل وهي لم تدرك أو قد يئست من المحيض قال فقال لا بأس ان لا يستبرئها».

وما رواه الصدوق مرسلا (٣) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) : إذا اشترى الرجل جارية وهي لم تدرك أو قد يئست من المحيض فلا بأس بأن لا يستبرأها».

وما رواه الشيخ عن عمار (٤) في الموثق قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) الاستبراء على الذي يريد أن يبيع الجارية واجب ان كان يطأها ، وعلى الذي يشتريها الاستبراء أيضا قلت : فيحل له أن يأتيها دون فرجها؟ قال : نعم قبل أن يستبرأها».

وما رواه في كتاب عيون اخبار الرضا عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (٥) عن الرضا عليه‌السلام «في حد الجارية الصغيرة السن الذي إذا لم تبلغه لم يكن على الرجل استبراؤها؟ قال إذا لم تبلغ استبرئت بشهر ، قلت : وان كانت ابنته سبع سنين ونحوها مما لا تحمل ، فقال : هي صغيرة ولا يضرك أن لا تستبرئها ، فقلت :

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٧١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٧٢.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٨٣.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ١٧٧.

(٥) الوسائل الباب ٣ من أبواب نكاح العبيد.

٤٢٨

ما بينها وبين تسع سنين؟ فقال : نعم تسع سنين».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري (١) عن ابى الحسن الرضا (عليه‌السلام) قال : «سألته عن رجل يبيع جارية كان يعزل عنها هل عليه منها استبراء؟ قال : نعم ، وعن أدنى ما يجزى من الاستبراء للمشتري والبائع؟ قال : أهل المدينة يقولون حيضة ، وكان جعفر (عليه‌السلام) يقول : حيضتان ، وسألته عن أدنى استبراء البكر فقال : أهل المدينة يقولون حيضة ، وكان جعفر (عليه‌السلام) يقول : حيضتان». ونحوها في الاستبراء بحيضتين صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع الاتية في مسألة اخبار البائع بالاستبراء.

وما رواه في الكافي عن سماعة (٢) في الموثق قال : «سالته عن رجل اشترط جارية ولم يكن لها زوج أيستبرئ رحمها؟ قال : نعم ، قلت فان كانت لم تحض؟ قال : أمرها شديد وان هو أتاها فلا ينزل الماء حتى يستبين أحبلى هي أم لا ، قلت : وفي كم تستبين له؟ قال : في خمسة وأربعين يوما».

وعن الحبلى (٣) في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل اشترى جارية لم يكن صاحبها يطؤها أيستبرئ رحمها؟ قال : نعم ، قلت : جارية لم تحض كيف يصنع بها؟ قال : أمرها شديد غير أنه ان أتاها فلا ينزل عليها حتى يستبين له ان كان بها حبل قلت : وفيكم يستبين له؟ قال : في خمس وأربعين ليلة». الى غير ذلك من الاخبار المتعلقة بهذا المقام وسيأتي أيضا نحوها.

والكلام فيها يقع في مواضع ، أحدها ما دلت عليه جملة منها من وجوب الاستبراء على البائع والمشترى ، مما لا خلاف فيه فيما أعلم ولا اشكال والمعتبر في الاستبراء عندهم هو ترك الوطي في القبل والدبر ، واحتمل بعض المحققين تخصيص الوطي بالقبل ، ولا يخلو من قرب ، فإنه هو المتبادر من الاخبار بحمل

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٧١.

(٢ و ٣) الكافي ج ٥ ص ٤٧٢.

٤٢٩

مطلقها على مقيدها ، ولانه هو المناسب للاستبراء بالحيض ، والحكمة في الاستبراء ، على أن إطلاق الاخبار انما يحمل على الفرد الشائع المتكرر ، وهو انما يكون بالنسبة إلى القبل كما لا يخفى ، الا أن الاحتياط في الوقوف على ما ذكره الأصحاب.

وكيف كان فلا يتعدى الاستبراء إلى باقي وجوه الاستمتاع ، خلافا للشيخ في المبسوط على ما نقل عنه حيث حرم الجميع على المشترى حتى يستبرأها ويرده نولها في صحيحة محمد بن إسماعيل الاتية قريبا إنشاء الله (تعالى) «قلت : يحل للمشتري ملامستها؟ قال : نعم ، ولا يقرب فرجها». وقوله عليه‌السلام في رواية عبد الله بن سنان الاتية إنشاء الله تعالى أيضا «ولكن يجوز ذلك فيما دون الفرج». وفي رواية عبد الله بن محمد (١) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا بأس بالتفخيذ لها حتى تستبرئها وان صبرت فهو خير لك».

ويؤيده أن العلة براءة الرحم وعدم اختلاط الأنساب ، الا أنه لو لم يستبرئها البائع ونحوه ، فالظاهر من كلام الأصحاب انه يأثم ويصح البيع وغيره من العقود لرجوع النهي إلى أمر خارج عن البيع ، والظاهر أنه لا كلام في وجوب تسليم البائع الجارية إلى المشتري لو لم يستبرئها لأن تركه الواجب عليه من استبرائها لا يوجب جواز حبس المال عن صاحبه.

واما ما احتمله في المسالك ـ من بقاء وجوب الاستبراء قبله ولو بالوضع على يد عدل لوجوبه قبل البيع فيستصحب ـ فلا يخلو من ضعف لعدم حجية مثل هذا الاستصحاب المتثاقل في أمثال هذه المقامات ، واما إبقاؤها في يد البائع فلا يجب قطعا ، لأنها صارت أجنبية منه بالبيع ، ولو لم يستبرئها المشتري أثم وعزر مع العلم بالتحريم ويلحق به الولد ، لانه فراش ، وهل يسقط الاستبراء حينئذ؟ إشكال ، ينشأ من انتفاء الفائدة فيه والحكمة المطلوبة في المقام ـ لانه قد

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٧٨.

٤٣٠

اختلط الماء ان ، وألحق به الولد الذي يمكن تجدده ـ ومن إطلاق الأمر بالاستبراء في المدة ، وهي باقية ، وفي رواية عبد الله بن سنان (١) الاتية قريبا إنشاء الله تعالى «لان الذين يشترون الإماء ثم يأتونهن قبل أن يستبرؤهن فأولئك الزناة بأموالهم».

وثانيها ـ أكثر الروايات المتقدمة على الاكتفاء بالحيضة الواحدة في الاستبراء وهو المشهور في كلامهم من غير خلاف يعرف ، الا ان صحيحة سعد بن سعد الأشعري وكذا صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع دلنا على الحيضتين ، ونسبة الحيضة الى علما العامة.

والشيخ ومن تبعه حملوها على الاستحباب ، واستند الشيخ في الحمل المذكور إلى موثقة سماعة المتقدمة ، وقوله (عليه‌السلام) فيها «فإن استبرأها بأخرى فلا بأس ، هي بمنزلة فضل» وهو جيد ، ولو لا اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور وتظافر الاخبار به لأمكن حمل أخبار الحيضة على التقية كما يشعر به ظاهر الصحيحتين المذكورتين ، والاحتياط يقتضي العمل بهما.

وثالثها ـ ما دلت عليه الاخبار المتقدمة ـ من أنه مع عدم الحيض فالاستبراء بخمسة وأربعين يوما ـ هو المشهور بين الأصحاب ، ونقل في المختلف عن الشيخ المفيد أن الاستبراء بثلاثة أشهر ولم نقف على مستنده ورابعها ما دل عليه موثق سماعة المتقدم ـ ونحوه صحيح الحلبي المتقدم الاكتفاء بإتمام الحيضة عند انتقالها إليه حائضا ـ هو المشهور بين الأصحاب ، ونقل عن ابن إدريس عدم الاكتفاء بذلك وهو مردود بالأخبار المذكورة.

وخامسها ـ ما تضمنه صحيح الحلبي ونحوه غيره ـ كرواية ابن ابى يعفور ورواية عبد الله بن عمرو مرسلة الفقيه وغيرها من جواز وطئ الصغيرة ـ لا يخلو من

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٨٢.

٤٣١

الاشكال ، لظاهر الاتفاق نصا وفتوى على أنه لا يجوز الوطء قبل بلوغها ، فان المراد من الصغيرة عند الإطلاق هي من لم يبلغ سنها تسع سنين الذي هو سن البلوغ ، ولا يمكن الحمل على من تجاوز سنها التسع ولم تحض بناء على الغالب لان قوله في الصحيحة المذكورة «وان كانت قد بلغت ولم تطمث» ما ينافي ذلك

ويمكن توجيه الروايات المشار إليها وان بعد بأنه لا بأس من حيث عدم الاستبراء وان وجد البأس من جهة أخرى ، ويحتمل أن يكون المراد أنها كانت صغيرة عند البائع ، فلو وطأها البائع ـ وان فعل محرما ـ كان في حال عدم البلوغ وأنها بلغت عند المشترى قبل الاستبراء فلا بأس حينئذ بأن يطأها المشتري بدون الاستبراء لعدم إمكان حملها من البائع ، حيث أنها لم تكن بالغة يومئذ ، وكونها بالغة عند وطئ المشترى ، وينبغي ان يحمل على ذلك كلام الأصحاب أيضا ، حيث أنهم جعلوا من مسقطات الاستبراء ما إذا اشتراها صغيرة ، حيث أنه مؤذن بجواز الوطي من غير استبراء ، ولم أر من تنبه لما نبهنا عليه سوى المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد ، وقد سبق لنا لهذا الإشكال في حواشينا على الوافي قبل تصنيف هذا الكتاب بما ذكرناه هنا ، وقد وفق الله سبحانه للوقوف على كلام المحقق المذكور مؤيدا لما ذكرناه ، حيث قال ـ بعد نقل صحيحة الحلبي ورواية ابن ابى يعفور دليلا لما ذكره الأصحاب من عدم وجوب الاستبراء على الصغيرة ـ ما لفظه : وفيه تأمل لأنه يفهم منه تجويز الوقوع على غير البالغ ، مع انه حرام قبل البلوغ عندهم ، أو البالغ التي لم يتخوف عليها الحبل لصغرها من غير استبراء ، وهو جائز ، فلعل المراد عدم التحريم من جهة الاستبراء ، أو الوقوع بعد البلوغ انتهى. والاحتمال الثاني الذي ذكره وان تم في بعض الروايات المشار إليها ، الا أنه لا يتم في صحيحة الحلبي لما ذكرناه من مقابلة الصغيرة بالبالغة ، فإنه ظاهر في أن المراد بها قبل البلوغ.

وسادسها ـ ما تضمنه موثق سماعة وصحيح الحلبي بالنسبة إلى الجارية التي

٤٣٢

لم تحض ، من أن أمرها شديد ـ وأنه ان أتاها فلا ينزل حتى يستبين له حالها من كونها حبلى أم لا ـ لا يخلو من الإشكال ، فإن قوله «لم تحض» اما أن يراد به الكناية عن كونها صغيرة لم تبلغ ، وحينئذ فالحكم بجواز إتيانها وان كان مع عدم الانزال خلاف الاخبار وكلام الأصحاب الصريح في عدم جواز الوطي في الصورة المذكورة ، وان أريد بها البالغة وان لم تحض بالفعل فوجوب الاستبراء فيها مما اتفقت عليه الاخبار ، وكلمة الأصحاب أيضا ، فجواز جماعها على كل من الوجهين لا وجه له.

قال شيخنا المجلسي عطر الله مرقده في حواشيه على كتب الاخبار في خبر سماعة : يمكن حمله على أن عدم الإنزال كناية عن عدم الوطي في الفرج ، وشدة أمرها باعتبار عسر الصبر في هذه المدة ، وهو مؤيد لما ذهب إليه الأصحاب من جواز الاستمتاع بها فيما دون الفرج ، وذهب جماعة إلى المنع من الاستمتاع بها مطلقا. انتهى ولا يخفى بعده.

وقال والده في حواشيه له على هذا الخبر ايضا : قوله (عليه‌السلام) «أمرها شديد» أي في الاستبراء وعدم الوطي أو ترك الانزال ، قوله «فإن أتاها» وان كان حراما ، أو يحمل على تقدير الاخبار أو كان ذلك على جهة الاستحباب ، أو يحمل الإتيان على غير الفرج ، اى الدبر وترك الانزال ، لإمكان الحمل بوطى‌ء الدبر انتهى وهو كسابقه.

أقول وقد روى ثقة الإسلام في الكافي عن ابى بصير ـ (١) وهو ليث المرادي في حديث ـ «انه قال لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الرجل يشتري الجارية الصغيرة التي لم تطمث وليست بعذراء أيستبرئها؟ قال : أمرها شديد إذا كان مثلها تعلق ، فليستبرئها». ورواه الشيخ في الصحيح مثله ، والظاهر من هذا الخبر انه اشترى الجارية بعد افتضاضها وزوال بكارتها ، ولكن في ظنه انها لم تبلغ سيما مع عدم طمثها ، فقال

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٧٥ التهذيب ج ٨ ص ١٧٦.

٤٣٣

(عليه‌السلام) : ان هذه باعتبار عدم معلومية البلوغ وعدمه محل إشكال ، وأمرها شديد ، سيما إذا كان مثلها ومن هو في قدر جثتها وصورتها يحصل له الحمل ، فالواجب استبراؤها إذا كانت بهذه الكيفية ، وحينئذ فيمكن حمل الخبرين المشار إليهما على من كانت كذلك ، وقوله فيهما جارية «لم تحض» اى لم يعلم بلوغها بالحيض ، ولكنها محتملة للبلوغ وعدمه بالسن ، فأجاب (عليه‌السلام) بأن هذه من حيث احتمال البلوغ وعدمه أمرها شديد ، الا انه حيث كان الأصل عدم البلوغ حتى يتحقق ، فلا بأس لو جامعها ، لكن الاحتياط في العزل عنها حتى يستبرئها ، وفي خبر ابى بصير إنما أمر بالاستبراء من حيث ان مثلها تعلق ، فهو قرينة على احتمال البلوغ ، ومرجح له ويعضده ما تقدم في رواية منصور بن حازم من قوله «سألته عن عدة الأمة التي لم تبلغ المحيض وهو يخاف عليها؟ فقال : خمسة وأربعون ليلة» ،. ونحوها رواية ربيع بن القاسم ، فإنهما ظاهرتان في عدم تحقق البلوغ ، إلا أنهما محتملة له احتمالا قريبا حسبما ذكرناه في رواية أبي بصير المذكورة ، ونحو هذه الروايات في ذلك مفهوم صحيحة الحلبي المتقدمة.

فرعان

الأول ـ قال الشيخ في النهاية والشيخ المفيد : إذا اشترى جارية وعزلها عند انسان للاستبراء كانت من مال البائع إذا هلكت في مدة الاستبراء ما لم يحدث المبتاع فيها حدثا ، فإن أحدث كان تلفها منه.

وقال في المبسوط : وان جعلت عند من يثق به جاز ، فان هلكت فان كان المشترى قبضها ثم جعلت عند عدل فمن ضمان المشتري ، لأن العدل وكيله ، ولو سلمها البائع للعدل قبل قبض المشترى بطل البيع ، واختاره ابن إدريس قال العلامة في المختلف بعد نقل ذلك : ولا أرى بينهما تنافيا ، فان كلام النهاية قد يحمل على هذا.

أقول حمل كلام النهاية على هذا تعسف ظاهر ، فان كلامه ظاهر في ان المودع

٤٣٤

للجارية انما هو المشترى ، ومع هذا جعل هلاكها من البائع ، والحق في المسألة انما هو ما ذكره في المبسوط ، وحمل كلامه في النهاية على ذلك مما لا يخفى بعده.

الثاني قال الشيخ في النهاية والمفيد وابن حمزة : النفقة مدة الاستبراء على البائع ، قال في المختلف : وليس بجيد ، لأنها ملك المشترى والنفقة تابعة للملك انتهى وهو جيد ، ونقل عنه ايضا القول بما ذهب اليه الشيخان ، قال في الدروس : والنفقة على البائع مدة الاستبراء عند الشيخين ، والفاضل تارة يقول به بشرط الوضع عند عدل ، وتارة يقول النفقة على المشترى ، لأنها تابعة للملك. انتهى وهو ظاهر في اضطراب فتواه (قدس‌سره) في هذه المسألة.

الثالث ـ قد عرفت آنفا انه يسقط الاستبراء في مواضع تقدم ذكرها إجمالا ، والواجب ذكرها مفصلا وبيان القول فيها مشروحا ، فمنها الصغيرة وقد تقدم ذكر الأخبار الدالة عليها وما فيها من الاشكال ، والجواب عن ذلك بما رزق الله سبحانه فهمه في هذا المجال.

ومنها اليائسة وقد تقدمت في جملة من الاخبار المتقدمة كصحيحة عبد الرحمن ابن أبى عبد الله (١) وقوله (عليه‌السلام) فيها «إذا قعدت عن المحيض أو لم تحض فلا عدة عليها». ونحوها رواية عبد الله بن عمرو مرسلة الصدوق ، الا انه قد تقدم أيضا ما يشعر بالعدة عليها وعلى الصغيرة ، مثل رواية عبد الرحمن بن أبى عبد الله (٢) «في الجارية التي لم تحض أو قعدت عن الحيض كم عدتها؟ قال : خمسة وأربعون ليلة». وحملها بعض الأصحاب على الاستحباب ، وحملها الشيخ على التي يخاف عليها الحبل ، وظني أن ما قدمناه في تأويلها أقرب ، وبالجملة فإن هذه الرواية على ظاهرها مخالفة للأصل والشهرة بل الإجماع في الصغيرة والروايات المتقدمة ، مضافا الى ضعف سندها.

ومنها ما لو أخبر البائع بالاستبراء مع كونه ثقة ، وهو المشهور خلافا

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٨ ص ١٧٢.

٤٣٥

لابن إدريس ، وتبعه فخر المحققين في شرح القواعد فأوجبا عليها الاستبراء ، والاخبار هنا لا يخلو من اختلاف.

ومنها ما تقدم في حسنة حفص بن البختري (١) من قوله (عليه‌السلام) «ان وثق به فلا بأس ان يطأها». وما تقدم في صحيحة الحلبي أو حسنته «في رجل اشترى جارية ولم يكن صاحبها يطأها أيستبرى رحمها؟ قال : نعم». وهي محمولة على عدم الوثوق به.

ومنها ما رواه الشيخ عن ابن سنان (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يشتري الجارية ولم تحض؟ قال : يعتزلها شهرا ان كانت قد يئست ، قلت : أفرأيت ان ابتاعها وهي طاهرة وزعم صاحبها انه لم يطأها منذ طهرت؟ قال : ان كان عندك أمينا فمسها ، فقال : ان ذا الأمر شديد فان كنت لا بد فاعلا فتحفظ لا تنزل عليها ،».

وظاهر هذا الخبر لا يخلو من الاشكال ، وحمله بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) على كونه أمينا بحسب الظاهر ، وما تقدم في رواية حفص على كونه ثقة بحسب المعاشرة ، ولا بأس به ، واما الأمر باعتزالها شهر فلعله محمول على من تحيض في كل شهر ، كذا ذكره بعض المحققين (٣) وفيه ان الرواية صريحة في انها لم تحض فكيف تحمل على من تحيض في كل شهر.

ومنها ما رواه الشيخ عن ابى بصير (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الرجل يشتري الجارية وهي طاهرة ويزعم صاحبها انه لم يمسها منذ حاضت فقال : ان ائتمنته فمسها». وعد هذه الرواية في المسالك في الصحيح ، مع ان الراوي عن ابى بصير وهو شعيب العقرقوفي هو قرينة يحيى بن القاسم الذي يعدون حديثه

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٨ ص ١٧٣.

(٣) هو المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد. منه رحمه‌الله).

(٤) التهذيب ج ٨ ص ١٧٣.

٤٣٦

في الضعيف.

وعن محمد بن حكيم (١) عن العبد الصالح (عليه‌السلام) «قال إذا اشتريت جارية فضمن لك مولاها انها على طهر فلا بأس ان تقع عليها» ، ويجب تقييد إطلاقها بما دل على اعتبار الوثاقة والامانة ، جمعا بينها وبين صحيحة الحلبي الناصة على الاستبراء مطلقا.

وروى الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا قال : «وروى أنه لا بأس أن يطأ الجارية من غير استبراء لها إذا كان بائعها قد أخبره باستبرائها ، وكان صادقا في ظاهره مأمونا».

وعن محمد بن إسماعيل (٢) في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الجارية تشترى من رجل مسلم يزعم انه قد استبرأها أيجزي ذلك أم لا بد من استبرائها؟ قال : أستبرئها بحيضتين ، قلت : يحل للمشتري ملامستها؟ قال : نعم ولا يقرب فرجها». وقد عرفت الكلام في مثلها.

وما رواه في الفقيه والتهذيب عن عبد الله بن سنان (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : أشترى الجارية من الرجل المأمون فيخبرني أنه لم يمسها منذ طمثت عنده وطهرت قال : ليس بجائز أن تأتيها حتى تستبرأها بحيضة ، ولكن يجوز ذلك ما دون الفرج ان الذين يشترون الإماء ثم يأتونهن قبل أن يستبرؤهن فأولئك الزناة بأموالهم». وحملها الأصحاب على الاستحباب جمعا ولا بأس به.

واعلم أن جملة من الأصحاب قد عبروا هنا بالثقة كالمحقق في كتابيه وغيره ، قال في المسالك : انما عبروا بالثقة لوروده في النصوص المذكورة في هذه الباب ، والظاهر أن المراد بالثقة العدل ، لأنه الثقة شرعا ، وبه صرح في النافع

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٨ ص ١٧٣.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٨٢ التهذيب ج ٨ ص ٢١٢.

٤٣٧

مع احتمال الاكتفاء بمن تسكن النفس اليه وتثق بخبره. انتهى ملخصا.

وفيه أولا أن ما ذكره من ورود لفظ الثقة في النصوص ليس في محله ، وهذه نصوص المسألة كما تلوناها خالية من ذلك ، نعم ذلك في عبارة كتاب الفقه الرضوي الاتية إنشاء الله تعالى ، ولكن الكتاب غير مشهور عندهم ، وثانيا ان تفسير الثقة بالعدل شرعا كما ذكره ، فيه ما ذكره بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين من أن هذا اصطلاح طار منهم (رضوان الله عليهم) غير موجود في زمنهم (عليهم‌السلام) وبذلك يظهر أن الأظهر في معناه انما هو ما جعله احتمالا في المقام ، كما صرح به جملة من متأخري علمائنا الاعلام ، وهو المفهوم من أخبار المسألة سيما مرسلة المقنعة.

ومنها ما لو كانت لامرأة على المشهور ، وخالف فيه ابن إدريس وتبعه فخر المحققين أيضا ، ويدل على المشهور مضافا الى الأصل جملة من الاخبار منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص (١) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) «في الأمة تكون للمرأة فتبيعها؟ قال : لا بأس ان يطأها من غير ان يستبرئها».

وعن رفاعة (٢) في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الأمة تكون لامرأة فتبيعها؟ قال : لا بأس أن يطأها من غير أن يستبرأها».

وما رواه عن زرارة (٣) في الموثق قال : «اشتريت جارية بالبصرة من امرأة فخبرتني أنه لم يطأها أحد ، فوقعت عليها ولم أستبرئها فسألت عن ذلك أبا جعفر (عليه‌السلام) فقال : هو ذا انا قد فعلت ذلك وما أريد أن أعود». أقول : ومن هذه الرواية يستفاد استحباب الاستبراء في هذه الصورة.

ومنها الحامل على خلاف في ذلك يأتي ذكره في المسألة الاتية إنشاء الله تعالى.

ومنها الحائض وقد تقدم ما يدل عليه في صحيح الحلبي وموثق سماعة الدالان

__________________

(١ و ٢ و ٣) التهذيب ج ٨ ص ١٧٤.

٤٣٨

على انتقالها اليه حال الحيض ، وأنه يكفى في صحة وطئها إتمام الحيضة وطهرها من الحيض ، والتقريب فيهما ان التوقف على الطهر انما هو من حيث تحريم الوطي في حال الحيض ، لا من حيث الاستبراء ، ووجوب العدة بل الاستبراء والعدة هنا ساقطة ، وقد تقدم نقل الخلاف عن ابن إدريس في ذلك ، ولا وجه له كما عرفت هذا ما حضرني من المواضع المنصوصة.

بقي الكلام هنا في مواضع أخر منها ـ امة العنين والمجبوب والصغير الذي لا يمكن في حقه الوطي هل تلحق بأمة المرأة في عدم الاستبراء أم لا؟ ظاهر المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد الأول ، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الثاني ، ولا بأس بنقل كلاميهما في المقام وان طال به زمام الكلام ، لما فيه من مزيد الفائدة لذوي الأفهام.

قال في المسالك بعد ذكر حكم امة المرأة وهل يلحق به امة العنين والمجبوب والصغير الذي لا يمكن في حقه الوطي نظر ، من المشاركة فيما ظن انه علة للحكم ، وهو الا من من الوطي ، ومن انه قياس والمناسب للأصول الشرعية عدم الإلحاق ، وليس من مواضع الاشكال ما لو باعتها المرأة لرجل في المجلس فباعها حينئذ ، بل لا يجب الاستبراء هنا قطعا ، للعلم بعدم وطئ البائع ، وقد يحتال لسقوط الاستبراء ببيعها لامرأة ثم شراؤها منها ، لاندارجها حينئذ في أمة المرأة نظر الى إطلاق النص من غير تعليل ، وكذا لو باعها لرجل ثم اشتراها منه قبل وطيه لها ، حيث يجوز ذلك. انتهى.

وقال المحقق المشار اليه : واعلم ان الظاهر عدم الاستبراء في أمة الطفل على الولي البائع ، ولا على المشترى ، وكذا امة المجبوب والعنين ، ولا على التي علم عدم الوطء بيقين ، مثل ان يملك رجل في مجلس امة لا يجب استبراؤها ، لكونها ملك امراة ثم باعها في الحال ، فإنه لا استبراء عليه ، ولا على المشترى الذي يعلم ذلك مثلا ، أو ان يكون بعيدا عنها بحيث لا يمكن الوصول إليها ، أو قريبا ولكن

٤٣٩

كان مع المشترى ولم تفارقه زمانا يمكن الوصول إليها ، وغير ذلك.

ودليله الأصل مع عدم دليل صحيح على الوجوب ، فإن عمدة أدلة وجوب الاستبراء على البائع هو الإجماع ، مستندا الى بعض الاخبار ، ولا إجماع في أمثال ذلك على ما يظهر ، للأصل ، والخبر ليس بحيث يشمل هذه الصور ، لا عموما ولا خصوصا ، ولان المفهوم من الروايات المتقدمات وعبارات الأصحاب ان ما لم يطأ ولا يتخوف من الحبل لا يجب الاستبراء ، ولهذا قيد وجوبه على البائع بالوطء على المشترى باحتماله في الروايات ، مثل موثقة عمار الساباطي ، ثم نقل الرواية كما قدمناه.

ثم قال : ويؤيده عدم الاستبراء في أمة المرأة والفرض انتفاء الوطي والحبل فيما صورناه ، فليس الحكم فيما ذكرناه ملحقا بحكم أمة المرأة للاشتراك في عدم الوطي فيكون قياسا ، بل مقتضى أصول الشريعة عدمه ، كما قال في شرح الشرائع : على انه مسلم ان الصورة الأخيرة ليست بمحل الإشكال ، فإنه لا استبراء فيها من غير اشكال ، ثم إذا نظر الى ما ذكرناه يظهر أن الحيلة ببيع الأمة التي يجب استبراؤها على امراة ثم الاشتراء منه لا تنفع ، ولا تسقط وجوب الاستبراء عن المشتري ، فتأمل واحفظ وهو حسن في الكل حتى فيما ذكرناه ، فإنه فرج موصى بالاحتياط فيه في الرواية. انتهى.

وهو جيد سيما في رده عليه في سقوط الحيلة التي ذكرها في الصورتين المذكورتين في كلامه ، فإنها حيلة باطلة ، وكأنها مبنية على ما هو المشهور بينهم من الحيلة في إسقاط العدة عن البائنة ، متعة كانت أو دائمة مختلعة أو مطلقة ثلاث ، قالوا انها لو تزوجها الزوج الأول وتمتع بها ثم فارقها بغير دخول ، فإنه لا عدة عليها لا بالنسبة إلى الزوج المذكور ولا غيره ، ويجوز لها التزويج بعد مفارقته لها ثانية بشخص آخر غيره ، لكونها غير مدخول بها ، وفيه ان سقوط العدة الأولى عنها في هذه الصور انما هو بالنسبة إلى الزوج ، فإنه يجوز له التزويج بها ، وهذا الطلاق الثاني الواقع قبل الدخول وان لم يترتب عليه العدة اتفاقا ، لكن الكلام في العدة الأولى ، فإنها واجبة بالنص آية

٤٤٠