الحدائق الناضرة - ج ١٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

لقوله للتسجيل به على الطعن في الإجماع غير حقيق بالاتباع والاستماع.

بقي الكلام هنا في مواضع ـ الأول هل المراد بالولد في هذا المقام ، هو الولد النسبي دون الرضاعي ، وأن يكون للصلب فلا يتعدى الى الجد مع ولد الولد؟ إشكال ينشأ من الاقتصار في الرخصة على مورد اليقين ، ومن صحة إطلاق الولد شرعا على من ذكرناه من ولد الولد بل ولد البنت ، كما تقدم تحقيقه في كتاب الخمس. وكذا الولد الرضاعي ، الا أن الظاهر في الولد الرضاعي بعده ، لعدم انصراف الإطلاق إليه ما لم يقيد ، وأما الولد مع الام فلا إشكال في ثبوت الربا بينهما ، وبما ذكرنا من تخصيص الولد بالنسبي وأن يكون للصلب صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والروضة مع احتمال المعنى الأخر ، ونحوه المحقق الشيخ على (قدس‌سره) في شرح القواعد ، وبالعموم صرح في الدروس فقال : ولا بين الولد ووالده وان علا والاحتياط يقتضي الاقتصار على المعنى الأول.

الثاني ـ الأكثر على أنها لا فرق في الزوجة بين الدائمة والمتمتع بها ، وبه صرح العلامة في أكثر كتبه وغيره ، لعموم النص ونقل عن العلامة في التذكرة انه خص الزوجة بالدائم ، مستندا الى أن التفويض في مال الرجل انما ثبت في حق الدائم ، فإن للزوجة أن يأخذ من مال الرجل المأدوم. ورد بأن في معارضة ذلك لعموم النص منع ظاهر.

وظاهر المحقق الأردبيلي المناقشة هنا أيضا بناء على ما قدمنا نقله عنه ، حيث قال : وأما بين الزوجة والزوج فمثل ما تقدم ، فان كان إجماع يقتصر عليه مثل الدائمة ، كما اختاره في التذكرة مؤيدا بجواز أكلها من بيت زوجها ، وفي بعض الروايات الصحيحة تسلط الزوج على مالها بحيث لا يجوز لها العتق إلا بإذنه ، فلا يبعد عدمه بينهم من الطرفين على تقدير الإجماع ، والا فعموم أدلة منع الربا متبع. انتهى وضعفه ظاهر مما قدمناه.

الثالث ـ الظاهر من كلام أكثر الأصحاب أنه لا ربا بين المسلم والحربي ،

٢٦١

بمعنى أن للمسلم أخذ الفضل منه ، دون العكس ، فإنه محرم ، وأطلق جماعة نفي الربا بينهما من غير فرق بين أخذ المسلم الزيادة أو الحربي. وممن أطلق الشيخ في النهاية ، ومقتضاه جواز أخذ الحربي الزيادة ، ورده ابن إدريس وهو الحق.

وبنحو ما ذكره الشيخ صرح ابن البراج ، فقال : ولا ينعقد الربا بين الوالد وولده ، والسيد وعبده ، والحربي والمسلم ، والمرأة وزوجها ، يجوز أن يأخذ كل واحد ممن ذكرنا من صاحبه الدرهم بدرهمين ، والدينار بدينارين.

والذي يدل على ما هو المشهور ما تقدم نقله عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) برواية الكافي والفقيه (١) من نفى الربا بين المسلم وأهل الحرب ، وان المسلم يأخذ منهم ولا يعطيهم ، وهو صريح في المطلوب ، ولا يضر ضعف السند عندنا سيما مع تأيد ذلك بحل مال الحربي ، وقد صرح في التذكرة بأنه لا فرق بين كونه معاهدا أم لا ، لأن الحربي في‌ء لنا وأمانة ، وان منع من أخذ ماله من غير حق ، الا أنه إذا رضي بدفع الفضل انتقض أمانه فيه.

بقي الكلام في رواية زرارة ومحمد بن مسلم من حيث دلالتها على حصول الربا بين المسلم والمشرك ، ولم أقف على من تعرض لنقلها في المقام ، فضلا عن الجواب عنها الا المحقق الأردبيلي ، وظاهره الجمع بينها وبين الرواية المتقدمة ـ مع ميله الى العمل برواية زرارة ومحمد بن مسلم لوضوح سندها وتأيدها بعموم الأدلة كما أشار إليه آنفا ـ بحمل الرواية الأولى على غير المعاهد ، وحمل هذه على المعاهد ، والأصحاب كما تقدم في كلام العلامة لم يفرقوا بينهما ، كما هو ظاهر الخبر الأول.

الرابع ـ نفى الربا في الاخبار المتقدمة بين السيد وعبده ، أما من حيث عدم ملكه فالبيع غير صحيح ، والأمر واضح ، لصدق عدم الربا ، وأما بناء على ملكه فيكون العلة النص ، وان لم يظهر له وجه ينزل عليه ، وكان الاولى لمن يقول بعدم

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ١٧٦.

٢٦٢

ملكه ترك ذكره في هذا المقام ، الا أنه لما ورد به النص تعرضوا له. (١)

وظاهر المحقق الأردبيلي هنا أيضا المناقشة في الحكم على تقدير القول بملكه ، قال : وأما عدم الثبوت بين العبد وسيده ، فبناء على القول بأنه لا يملك واضح ، وأما على القول الأخر فلا يظهر ، إذ الرواية غير صحيحة ، ولا يعرف غيرها ، الا أن يدعى الإجماع فيقتصر على موضعه وهو القن الخاص لا المكاتب مطلقا ، ولا المشترك كما يشعر به الرواية المتقدمة. انتهى.

وفيه أن الرواية التي أشار إليها ، وهي رواية زرارة ومحمد بن مسلم (٢) وظاهره أنه لم يطلع على غيرها وان كانت غير صحيحة باصطلاحه الذي يدور مداره ، الا أن رواية على بن جعفر صحيحة كما أشرنا إليه آنفا (٣) ، وموردها المملوك وسيده ، فلا مجال لما ذكره من المناقشة ، وعدم ظهور الوجه من النص ليحمل عليه لا يدل على العدم ، والواجب التسليم لما ثبت عنهم (عليه‌السلام) سواء ظهر لنا الوجه فيه أم لا ، وقد صرح الأصحاب بأنه لا بد هنا من اختصاص الملك بالسيد ، فلو كان مشتركا ثبت

__________________

(١) أقول : ومن هنا قال ابن إدريس معترضا على الشيخ : فأما قولهم : ولا بين العبد وسيده ، فلا فائدة فيه ، ولا لنا حاجة الى هذا التعليل وأى مال للعبد ، وانما الربا بين الاثنين مالكين ، واعترضه العلامة بأن هذا الكلام ليس بجيد ، فان الشيخ نقل الحديث ، وهو قول الصادق (عليه‌السلام) وليس بين السيد وعبده ربا ، ونفى الربا قد يكون لنفى الملك ، وقد يكون لغير ذلك ، فنفى التملك علة لنفي الربا ، فأي مأخذ على الشيخ حيث ذكر الحكم المعلل ، ولم يذكر علته ، إذ كانت معروفة ، ثم ان الشيخ يذهب الى أن العبد يملك ، انتهى وهو جيد. منه رحمه‌الله.

(٢ و ٣) تقدم في ص ٢٥٨ في ص ٢٥٩.

٢٦٣

الربا بينه وبين كل من الشركاء ، ويدل عليه ما تقدم في رواية زرارة ومحمد بن مسلم (١). والمدبر وأم الولد في حكم القن ، وفي المكاتب بقسميه إشكال ، ينشأ من إطلاق النص ومن انقطاع سلطنته عليه ، فهو كالأجنبي منه ، وظاهر كلام المحقق المتقدم ذكره ثبوت الربا بينه وبين سيده ، وهو ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ايضا ، مع احتماله العدم والاحتياط ظاهر.

الخامس ـ المشهور بين الأصحاب ثبوت الربا بين المسلم والذمي ، لعموم أدلة التحريم ، ولان مال الذمي محترم. وذهب السيد المرتضى وابنا بابويه وجماعة الى عدم ثبوته ، وعليه دلت الأخبار المتقدمة.

والذي يقرب عندي أن هذه الاخبار انما صرحت بنفي الربا بين المسلم والذمي ، بناء على أن أهل الكتاب ـ في تلك الأعصار فضلا عن زماننا هذا ـ قد خرقوا الذمة ، ولم يقوموا بها كما صرح به جملة من الاخبار ، ومن ثم دل جملة من الاخبار على أن مالهم في‌ء للمسلمين ، وجواز استرقاقهم ، كما صرح به جملة من الأصحاب أيضا ، وحينئذ فلا اشكال. وعلى هذا فيختص جواز أخذ الفضل بالمسلم ، دون الذمي كما تقدم في الحربي (٢).

السادس ـ لا يخفى انه حيث أن المشهور بين متأخري أصحابنا هو الحكم بإسلام المخالفين ، ووجوب اجراء حكم الإسلام عليهم فإنه يكون الحكم فيهم كما في المؤمنين. وأما على ما يظهر من الاخبار وعليه متقدمو علمائنا الأبرار وجملة من متأخري المتأخرين في قرب هذه الأعصار ـ من أن حكمهم حكم الحربي في جواز القتل وأخذ المال والنجاسة ونحو ذلك من الأحكام ، لاستفاضة الاخبار بل تواترها معنا بكفرهم وشركهم ، وما يترتب على ذلك من الأحكام المتقدمة ونحوها ، فينبغي دخولهم في الكافر الذي دلت عليه الاخبار المتقدمة ، وأن يكون حكمهم كذلك ،

__________________

(١ و ٢) ص ٢٥٨.

٢٦٤

وبطريق أولى الخوارج ، ونحوهم ممن اتفقوا على كفرهم ونجاستهم وجواز قتلهم وأخذ أموالهم ، وان لم يتعرضوا هنا لذكرهم ، الا أن مقتضى ذلك دخولهم تحت إطلاق الكافر والمشرك والحربي ونحوها من هذه الاخبار. والله العالم.

تنبيهات

الاولى ظاهر الأصحاب جواز بيع درهم ودينار أو درهم ومتاع بدينارين أو درهمين ، بل نقل في المسالك أنه موضع وفاق وقال العلامة في التذكرة : وهو جائز عند علمائنا أجمع ، وبه قال أبو حنيفة حتى لو باع دينارا في خريطة بمأة دينار جاز.

أقول : ويعضده ما تقدم في آخر المسألة الثالثة من أن ما يعمل من جنسين ربويين أو يضم أحدهما إلى الأخر في عقد واحد ، فإنه لا خلاف ولا إشكال في بيعها بهما أو بأحدهما بشرط زيادته على مجانسيه ، وينصرف كل من الثمن الى ما يخالفه من المبيع ، ويدل على ذلك جملة من الاخبار.

منها ما رواه في التهذيب عن الحسن بن صدقة (١) عن أبى الحسن الرضا (عليه‌السلام) قال : «قلت له : جعلت فداك انى أدخل المعادن وأبيع الجوهر بترابه بالدنانير والدراهم ، قال : لا بأس به ، قلت : وأنا أصرف الدراهم بالدراهم وأصير الغلة وضحا وأصير الوضح غلة؟ قال : إذا كان فيها (ذهب) فلا بأس قال : فحكيت ذلك لعمار بن موسى (الساباطي) (٢) قال : كذا قال : لي أبوه ، ثم قال لي : الدنانير اين تكون؟ قلت : لا أدرى ، قال عمار ، قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) : تكون مع الذي ينقص».

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١١٧ وفيه «دنانير» بدل كلمة (ذهب).

(٢) كلمة الساباطي زيادة في التهذيب وليس في النسخة المطبوعة.

٢٦٥

أقول : والوضح هو الدرهم الصحيح الذي لا ينقص شيئا ، والغلة بالكسر الدراهم المغشوشة. وفي بعض الاخبار «فبعثنا بالغلة فصرفوا ألفا وخمسين بألف» فزيادة الذهب حينئذ يكون في جانب الغلة ليقع كل في مقابلة مخالفه.

وما رواه عن ابى بصير (١) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الدراهم بالدراهم وعن فضل ما بينهما فقال : إذا كان بينهما نحاس أو ذهب فلا بأس».

وعن عبد الرحمن بن الحجاج (٢) في حديث قال : «قلت له : اشترى الف درهم ودينار بألفي درهم؟ قال : لا بأس بذلك ، ان أبى (عليه‌السلام) كان اجرأ على أهل المدينة مني ، وكان يقول هذا ، فيقولون انما هذا الفرار ، لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم ، ولو جاء بألف درهم لحم لم يعط ألف دينار ، فكان يقول لهم : نعم الشي‌ء الفرار من الحرام الى الحلال». الى غير ذلك من الاخبار الاتية في باب الصرف إنشاء الله ـ تعالى ـ مثل أخبار المراكب المحلاة ، والسيف المحلى

كرواية أبي بصير (٣) قال : سألته عن السيف المفضض يباع بالدراهم ، قال : إذا كانت فضته أقل من النقد فلا بأس ، وان كانت أكثر فلا يصلح.

وبالجملة فقد اتفق الإجماع والاخبار في الدلالة على صحة ذلك ، ويزيده تأكيدا أن الربا انما يكون في بيع أحد المتجانسين المقدرين بالكيل أو الوزن مع التفاضل ، أو نسيئة الأخر ، وما نحن فيه ليس كذلك ، لان المركب من الجنسين أو مع ضم أحدهما إلى الأخر في العقد ليس بجنس واحد ، الا أن شيخنا الشهيد الثاني في المسالك قد أورد هنا إشكالا في المقام ، فإنه بعد أن نقل اتفاق أصحابنا على

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٩٨.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ١٠٤.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ١١٣ الوسائل الباب ـ ١٥ من أبواب الصرف.

٢٦٦

الحكم المذكور ، ونقل عن الشافعي الخلاف في ذلك محتجا بحصول التفاوت عند المقابلة على بعض الوجوه ، كما لو بيع مد ودرهم بمدين ، والدرهم ثمن لمد ونصف بحسب القيمة الحاضرة ، ثم أجاب عنه بأن الزيادة حينئذ بمقتضى التقسيط لا بالبيع ، فإنه انما وقع على المجموع بالمجموع.

قال : ويشكل الحكم لو احتيج الى التقسيط شرعا ، كما تلف الدرهم المعين قبل القبض أو ظهر مستحقا مطلقا ، وكان في مقابله ما يوجب الزيادة المفضية إلى الربا ، فإنه حينئذ يحتمل بطلان البيع من رأس ، للزوم التفاوت في الجنس الواحد ، كما لو باع مدا ودرهما بمدين أو درهمين مثلا ، فان الدرهم التالف إذا كان نصف المبيع ، بأن كانت قيمة المد درهما يبطل البيع في نصف الثمن ، فيبقى النصف الأخر ، وحيث كان منزلا على الإشاعة ، كان النصف في كل من الجنسين ، فيكون نصف المدين ونصف الدرهمين في مقابلة المد ، فيلزم الزيادة الموجبة للبطلان الى آخر ما ذكره من الكلام ، وتعدد الاحتمال في المقام.

وفيه ان هذا لا يوجب إشكالا في أصل المسألة لخروجها بهذا الفرض عما هي عليه أولا ، والغرض انما هو بيان صحة الحكم بما ذكرنا كما اتفقت عليه الاخبار والإجماع في الصورة المفروضة ، وأما مع الخروج عنها الى فرض آخر كما إذا اتفق الأمر كما ذكره ، فهي مسألة أخرى ، يرجع فيها إلى الأصول المقررة والقواعد المعتبرة ، فلا اشكال بحمد الله الملك المتعال.

الثاني ـ قال في الخلاف : يجوز بيع مد طعام ، بمد طعام وان كان في أحدهما فضل ، وهو عقد التبن أو زوان ، وهو حب أصغر منه دقيق الطرفين ، أو شيلم وهو معروف ، واحتج بالآية (١) وعدم المانع ، ونحوه في المبسوط الا أنه قال فيه : وقال قوم لا يجوز وهو الأحوط ، والمشهور بين الأصحاب الجواز ، صرح به ابن إدريس ومن تأخر عنه ، واحتجوا بأنها تابعة ، فلا يؤثر في المنع ، ولا في المماثلة

__________________

(١) سورة البقرة الآية ـ ٢٧٥.

٢٦٧

والتجانس ، ولهذا لو اشترى منه طعاما ودفع اليه مثل ذلك مما جرت العادة بكونه فيه ، وجب عليه القبض.

وبالجملة فإن جرى العادة بذلك واستمرار الناس على الرضاء به وأخذه في الأجناس أسقط حكم الزيادة به فيما نحن فيه ، ونحوه الدردي في الخل والدبس ، والثقل في البزر ونحو ذلك. نعم لو زاد ذلك عن مقتضى العادة فلا إشكال في المنع.

الثالث ـ منع الشيخ في النهاية ـ عن بيع السمن بالزيت متفاضلا نسيئة ، والمشهور بين الأصحاب الصحة ، لاختلاف الجنسين ، والظاهر أنه استند الى ما رواه في التهذيب (١) وكذا رواه الصدوق في الفقيه في الحسن عن عبد الله بن سنان «قال سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لا ينبغي للرجل إسلاف السمن في الزيت ، ولا الزيت بالسمن».

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أسلف رجلا زيتا على أن يأخذ سمنا قال : لا يصلح». والأصحاب قد حملوها على الكراهة ، وهو أحد احتمالي الشيخ أيضا في كتابي الاخبار ، فإنه جمع بين هذين الخبرين ، وبين رواية وهب ، بحمل هذين الخبرين اما على المنع من إسلاف الزيت في السمن إذا كان بينهما تفاضل ـ لان التفاضل بين الجنسين المختلفين انما يجوز إذا كان نقدا ، وإذا كان نسيئة فلا يجوز ـ واما أن يكون على الكراهة ، قال : ولأجل ذلك قال : «لا يصلح ولا ينبغي ولم يقل أنه لا يجوز وذلك حرام. انتهى.

ومنع ـ في النهاية ـ أيضا من بيع السمسم بدهنه ، والكتان بدهنه وتبعه ابن إدريس وقال ـ في المختلف بعد نقل ذلك عنهما ـ : والحق أنه لا يجوز التفاضل فيهما ويجوز التساوي ، لنا أنهما إما متساويان في الجنس فيباع أحدهما بمتساويه

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٣ الفقيه ج ٣ ص ١٦٧.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٣.

٢٦٨

في المقدار ، واما مختلفان فيباع أحدهما بالاخر مطلقا. انتهى. وهو جيد.

الرابع ـ قال في الخلاف والمبسوط : يجوز بيع الحنطة بالسويق منه وبالخبز والفالوذج المتخذ من النشاء مثلا بمثل ، ثم قال في المبسوط : «ولا يجوز متفاضلا يدا بيد ، ولا يجوز نسيئة ، وأما الفالوذج فيجوز بيعه بالحنطة أو الدقيق متفاضلا ما لم يؤد الى التفاضل في الجنس ، لان فيه غير البشاء.

والتحقيق أن ما ذكره بالنسية الى الفالوذج ان بيع بأقل منه وزنا بحيث يحصل التفاضل اما بجنسه أو بغير جنسه لم يجز ، وإلا جاز ، لأن المقتضي للمنع ثبوت الربا وان بيع بأزيد منه وزنا ، فإنه لا ربا ، لان هذه الزيادة في الحنطة الذي هو الثمن في مقابلة ما اشتمل عليه الفالوذج من الجنس الأخر.

الخامس ـ قد يتخلص من الربا بوجوه ، منها ـ أن يبيع أحد المتبايعين سلعته من صاحبه بجنس غيرها ، ثم يشترى صاحبه ذلك الجنس بالثمن (١) وكذا لو تواهبا بأن وهب كل منهما الأخر سلعته لصاحبه ، أو أقرض كل واحد منهما سلعته ثم تباريا ، وكذا لو تبايعا ووهبه الزيادة ، كل ذلك من غير شرط.

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ ونعم ما قال ـ : ولا يقدح في ذلك كون هذه الأمور غير مقصودة بالذات ، والعقود تابعة للقصود ، لان قصد التخلص من الربا انما يتم مع القصد الى بيع صحيح ، أو قرض أو غيرهما من الأنواع المذكورة ، وذلك كاف في القصد ، إذ لا يشترط في القصد الى قصد جميع الغايات المترتبة عليه ، بل يكفى قصد غاية صحيحة من غاياته ، وان من أراد شراء دار مثلا ليواجرها ويتكسب بها ، فان ذلك كاف في الصحة ، وان كان لشراء الدار غايات أخر أقوى من هذه وأظهر في نظر العقلاء ، وكذا القول في غير ذلك من افراد العقود ، وقد ورد

__________________

(١) مثاله كما لو كان لزيد مد من حنطة يريد يبيعه على عمرو بمدين من شعير ، فان زيدا يبيع مد الحنطة على عمرو بمد من أرز ، ويشترى عمرو ذلك الأرز بمدين من شعير ، يدفعه الى زيد. منه رحمه‌الله.

٢٦٩

أخبار كثيرة ما يدل على جواز الحيلة على نحو ذلك. انتهى وهو جيد.

وظاهر كلام المحقق الأردبيلي هنا يشير الى التوقف في ذلك ، قال في تمثيل ما أشار المصنف : مثل ان أراد بيع قفيز حنطة بقفيزين من شعير أو الجيد بالرديين ، وغير ذلك يبيع المساوي بالمساوي قدرا ويستوهب الزائد ، وهو ظاهر لو حصل القصد في البيع والهبة ، وينبغي الاجتناب عن الحيل مهما أمكن ، وإذا اضطر يستعمل ما ينجيه عند الله ، ولا ينظر الى الحيل ، وصورة جوازها ظاهر لما عرف من علة تحريم الربا : فكأنه الى ذلك أشار في التذكرة بقوله : لو دعت الضرورة إلى بيع الربويات مستفضلا مع اتحاد الجنس الى آخره ، وذكر الحيل. انتهى.

المسألة العاشرة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تحقق الربا وثبوته في غير البيع من المعاوضات ، وبالعموم صرح الشهيد الثاني وثاني المحققين في المسالك وشرح القواعد ، وذكر بعض المحققين أنه قول الأكثر ، وبالاختصاص يشعر كلام المحقق في كتاب البيع من الشرائع ، والعلامة في الإرشاد والقواعد ، الا أن المحقق في باب الغصب صرح بثبوته في كل معاوضة ، وهو ظاهر اختياره في باب الصلح ، والعلامة في باب الصلح من القواعد تردد في ذلك على ما نقله الشارح المتقدم ، وظاهر صاحبي المسالك وشرح القواعد الاستناد في العموم الى قوله عزوجل «وَحَرَّمَ الرِّبا» (١).

وفيه أن أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان قال في تفسير الآية المذكورة ، معنى «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا» أحل الله البيع الذي لا ربا فيه وحرم البيع التي فيه الربا ، وعلى هذا فيكون الآية دليلا للاختصاص بالبيع ، ولا أقل أن يكون محتملة لذلك ، وعليه يكون الآية متشابهة لا تصلح للدلالة على شي‌ء من القولين.

والتحقيق أن المعلوم من الاخبار ثبوته في البيع والقرض ، وأما غيرهما فإشكال ينشأ من عموم أدلة الحل ـ كأصالة الإباحة ودلالة الآيات والروايات على أن حصول

__________________

(١) سورة البقرة الآية ـ ٢٧٥.

٢٧٠

التراضي كاف في الإباحة وحصر المحرمات ، وليس هذا منها ، «والناس مسلطون على أموالهم» (١) خرج ما خرج من ذلك بدليل ، وبقي الباقي ـ ومن أن الربا قد ثبت تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع ، وأنه لغة بمعنى الزيادة مطلقا ، ولم يثبت له معنى شرعي ولا عرفي يوجب الخروج عن معناه لغة ، وما ذكره الأصحاب في تعريفه مما قدمنا ذكره في أول الفصل مجرد اصطلاح ، ولكل أن يصطلح على ما شاء مما قام له دليله ، وحينئذ فتعين حمله على معناه اللغوي ، خرج منه ما خرج بدليل من إجماع ونحوه ، وبقي الباقي تحت التحريم ، ويؤيده ما في كتاب مجمع البيان (٢) في علة تحريم الربا ، حيث قال : اما علة تحريمه فقد قيل : هي ان فيه تعطيل المعايش والإجلاب والمتاجر إذا وجد المربي من يعطيه دراهم وفضلا بدراهم لم يتجر ، وقال الصادق (عليه‌السلام) : «انما شدد في تحريم الربا لئلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف قرضا أو رفدا». انتهى.

أقول ونظير هذا الخبر الذي ذكره ما رواه في الكافي والتهذيب عن سماعة (٣). في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : انى رأيت الله قد ذكر الربا في غير آية (وكرره) فقال : أو تدري لم ذلك؟ قلت : لا قال : لئلا يمتنع الناس عن اصطناع المعروف». وعن هشام بن سالم (٤) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «انما حرم الله

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ٢٧٢.

(٢) تفسير المجمع ج ٢ ص ٣٩٠ طبع صيدا.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٤٦ التهذيب ج ٧ ص ١٧ وفيه (وكبره) بدل (وكرره).

(٤) الكافي ج ٥ ص ١٤٦ التهذيب ج ٧ ص ١٧.

٢٧١

الربا لكيلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف» (١). والظاهر أن المراد بالمعروف هو ما ذكره في الخبر الأول من القرض والرفد ، وأما ما ذكره بعض الأفاضل من أن خبر كتاب مجمع البيان انما هو مضمون هذين الخبرين ، وأن قوله قرضا ورفدا انما هو من كلام صاحب الكتاب تفسيرا منه للمعروف فالظاهر بعده ، لما علم من نقله في هذا الكتاب كثيرا أخبارا ليست في الكتب الأربعة ، وأيضا فلفظ خبره غير ألفاظ هذين الخبرين ، ومن القاعدة المعهودة بين المحدثين في نقل الاخبار أنه متى أريد تفسير بعض الألفاظ في الخبر يشيرون الى ذلك بلفظ يدل عليه.

وروى الصدوق بإسناده عن هشام بن الحكم (٢) أنه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن علة تحريم الربا ، فقال : انه لو كان حلالا لترك الناس التجارات وما يحتاجون اليه ، فحرم الله الربا ليفر الناس من الحرام الى الحلال والى التجارات من البيع والشراء ، فيبقى ذلك بينهم في القرض.

ويعضد ما ذكرناه من العموم أيضا ما نقله في كتاب مجمع البيان (٣) عن ابن عباس ، قال : «كان الرجل منهم إذا حل دينه على غريمه ، فطالبه به ، قال المطلوب منه : زدني في الأجل وأزيدك في المال ، فيتراضيان عليه ويعملان به ، فإذا قيل لهم : هذا ربا ، قالوا : هما سواء ، يعنون بذلك ان الزيادة في الثمن حال البيع ، والزيادة فيه بسبب الأجل عند محل الدين سواء فذمهم الله به ، وألحق الوعيد بهم

__________________

(١) أقول : ويعضده ما رواه الصدوق في العلل فيما كتبه الرضا (عليه‌السلام) في جواب مسائل محمد بن سنان في حديث قال فيه : وعلة تحريم الربا بالنسيئة لعلة ذهاب المعروف ، وتلف الأموال ، ورغبة الناس في الربح ، وتركهم القرض ، والقرض صنائع المعروف. الحديث منه رحمه‌الله.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٣٧١.

(٣) تفسير المجمع ج ٢ ص ٣٨٩ ط صيدا.

٢٧٢

وخطأهم في ذلك بقوله (١) «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا» الى ان قال : والفرق بينهما ان الزيادة في أحدهما لتأخر الدين وفي الأخر لأجل البيع» الى آخره ، والظاهر انه لذلك صرح الأصحاب بتحريم الزيادة لزيادة الأجل مع أن ذلك ليس بيعا ولا قرضا.

والظاهر أنه الى ذلك يشير ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) في الصحيح والحسن (٢) بأسانيد عديدة واختلاف لا يضر بالمعنى ، عن ابى جعفر وأبى عبد الله (عليهما‌السلام) «أنه سئل عن الرجل يكون عليه الدين إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول له : انقدني كذا وكذا ، وأضع عنك بقيته ، أو يقول : انقدني بعضه ، وأمد لك في الأجل فيما بقي؟ قال : لا أرى به بأسا ، انه لم يزدد على رأس ماله ، قال الله جل ثناؤه «فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ ، لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ». فان فيه إشارة الى عدم جواز التأجيل بالزيادة على الحق ، وان كان على سبيل الصلح ، فإنه ربا ، كما يشير اليه ذكر الآية ، والربا وان حصل بالنقص أيضا الا أن الخبر المذكور وغيره دل على جوازه.

ويعضد هذا الخبر الذي هو في قوة أخبار متعددة ، كما أشرنا إليه آنفا ما رواه في الكافي والتهذيب في الحسن عن أبان (٣) عمن حدثه ، عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الرجل يكون له على الرجل الدين ، فيقول له قبل أن يحل الأجل : عجل النصف من حقي على أن أضع عنك النصف ، أيحل ذلك لواحد منهما؟ قال : نعم».

__________________

(١) سورة البقرة الآية ـ ٢٧٥.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٥٩ التهذيب ج ٦ ص ٢٠٧ الفقيه ج ٣ ص ٢١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٢٥٨ التهذيب ج ٦ ص ٢٠٦.

٢٧٣

ثم ان من الاخبار الدالة على وقوعه في القرض ما رواه في الفقيه مرسلا مقطوعا ، (١) قال : «الربا رباء ان ، ربا يؤكل وربا لا يؤكل ، (٢) فأما الربا الذي يؤكل فهديتك الى الرجل تطلب منه الثواب أفضل منها ، فذلك الربا الذي يؤكل ، وهو قول الله عزوجل «وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ» (٣) وأما الربا الذي لا يؤكل فهو أن يدفع الرجل الى الرجل عشرة دراهم على أن يرد عليه أكثر منها ، فهذا الذي نهى الله عنه ، فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ)» (٤) الاية.

وقال الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٥) : «واعلم أن الربا رباء ان ربا يؤكل وربا لا يؤكل ، فأما الربا الذي يؤكل فهو هديتك الى الرجل تطلب الثواب أفضل منه ، فأما الربا الذي لا يؤكل ، فهو ما يكال ويوزن ، فإذا دفع الرجل الى رجل عشرة دراهم على أن يرد عليه أكثر منها فهو الذي نهى الله عنه ،

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ١٨٢.

(٢) أقول صدر عبارته الى قوله وأما الربا الذي لا يؤكل فهو ان يدفع الى آخره مأخوذ من رواية إبراهيم بن عمر اليماني (المذكور في الفقيه (الفقيه ص ١٧٥.) وقوله واما الربا الذي لا يؤكل مأخوذ من كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (عليه‌السلام) كما ذكرناه ، ويقصد تمام العبارة زيادة على ما ذكرناه ، فان ما في الفقيه عين عبارة كتاب الفقه الرضوي كما ذكرناهما ، وبذلك يظهر أن ما توهمه بعض المحققين من أنه من كلام الصدوق حيث ذكره ذيل صحيحة شعيب بن يعقوب فهو هنا غلط محض منه رحمه‌الله.

(٣) سورة الروم الآية ـ ٣٩.

(٤) سورة البقرة الآية ـ ٢٧٨.

(٥) المستدرك ج ٢ ص ٤٧٩.

٢٧٤

فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا)» الاية.

وما رواه في الكافي والتهذيب عن خالد بن الحجاج (١) قال : «سألته عن رجل كانت لي عليه مأة درهم عددا قضانيها مأة درهم وزنا قال : لا بأس ما لم تشارط ، قال : وقال : جاء الربا من قبل الشروط ، وانما يفسده الشروط» :.

وما رواه الشيخ في التهذيب عن داود الأبزاري (٢) قال : «لا يصلح ان تقرض ثمرة وتأخذ أجود منها بأرض أخرى غير التي أقرضت فيها».

ومن هذه الروايات يظهر ضعف تخصيص الربا بالبيع ، كما أشرنا إليه آنفا ،

ومما يمكن الاستدلال به للقول بالعموم أيضا إطلاق جملة من الاخبار المتقدمة في المسائل السابقة ، مثل صحيحة عمر بن يزيد (٣) عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «يا عمر قد أحل الله البيع وحرم الربا ، فاربح ولا تربه ، قلت : وما الربا؟ قال : دراهم بدراهم ، مثلان بمثل».

والتقريب فيها ان الدراهم بالدراهم يجري في جميع المعاوضات التي تكون بالدراهم كذلك ، وذكر الدراهم والمثل بالمثلين انما خرج مخرج التمثيل.

وموثقة عبيد بن زرارة (٤) عن ابى جعفر (عليه) قال : «لا يكون الربا الا فيما يكال أو يوزن».

وصحيحة الحلبي (٥) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا يصلح التمر اليابس بالرطب».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٤٤ التهذيب ج ٧ ص ١١٢.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٩١ الرقم ـ ٢٩.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ١٨ الفقيه ج ٣ ص ١٧٦.

(٤) الكافي ج ٥ ص ١٤٦ التهذيب ج ٧ ص ١٧.

(٥) الكافي ج ٥ ص ١٨٩ التهذيب ج ٧ ص ٩٤.

٢٧٥

وصحيحة أبي بصير (١) وغيره عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «الحنطة والشعير رأسا برأس لا يزداد واحد منهما على الآخر».

ورواية عبد الرحمن بن ابى عبد الله (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) يجوز قفيز من حنطة ، بقفيزين من شعير؟ قال : لا يجوز إلا مثلا بمثل».

وصحيحة الحلبي (٣) عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «الفضة بالفضة مثلا بمثل ليس فيه زيادة ولا نقصان الزائد والمستزيد في النار».

وصحيحة محمد بن مسلم (٤) قال : «سألته عن الرجل يدفع الى الطحان الطعام فيقاطعه على ان يعطى صاحبه لكل عشرة أرطال اثنى عشر دقيقا؟ فقال : لا قلت : الرجل يدفع السمسم الى العصار ، ويضمن لكل صاع أرطالا مسماة ، قال لا».

وظاهر هذه الرواية المنع من تقبيل الحنطة على الطحان بالدقيق والسمسم على العصار ، ولهذا عد العلامة تحريم التقبيل واستدل بالرواية المذكورة ، وبالجملة فإن الاحتياط في القول بالعموم ان لم يكن هو الأظهر ، والله العالم.

الفصل السابع في الصرف

وهو لغة الصوت ، وشرعا بيع الأثمان : وهي الذهب والفضة بالأثمان ، قيل : كأنه انما سمي بذلك لما يشتمل عليه من الصوت عند تقليبها في البيع والشراء ،

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٨٧ التهذيب ج ٧ ص ٩٧ الفقيه ج ٣ ص ١٧٨.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٨٨ التهذيب ج ٧ ص ٩٦.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٩٨.

(٤) الكافي ج ص ١٨٩ التهذيب ج ٧ ص ٩٦ الفقيه ج ٣ ص ١٤٧.

٢٧٦

وانما سمي الجنسان المذكوران ثمنا لأنهما يقعان عوضا عن الأشياء ، ويفترقان بباء العوض غالبا ، بل نقل العلامة قطب الدين الرازي عن شيخه العلامة الحلي (قدس‌سرهما) انهما ثمن وان اقترنت الباء بغيرهما ، حتى لو باع دينارا بحيوان ثبت للبائع الخيار مدعيا على ذلك الاتفاق.

وتحقيق الكلام في هذا الفصل يقع في مسائل.

الأولى ـ ينبغي أن يعلم انه يشترط في الصرف ـ زيادة على ما يشترط في مطلق البيع وفي الربا ـ التقابض قبل التفرق ، فلو تفرقا قبل التقابض بطل ، والكلام في التفرق هنا على حسب ما تقدم في خيار المجلس (١) وربما عبر بعضهم بالمجلس ، يعنى التقابض في المجلس ، والأظهر ما ذكرناه كما عبر به كثير منهم ، إذا المدار على عدم التفرق ، فلو فارقا المجلس مصطحبين فإنه ما لم يفترقا يصح التقابض.

ثم انه قد وقع الخلاف هنا في موضعين ، أحدهما ـ أنه قد صرح العلامة في التذكرة بأن القبض قبل التفرق شرط وواجب أيضا ، بمعنى أنهما لو تركاه يأثمان بذلك كما يأثمان بالربا ، فإن أراد التفرق قبله يفسخان العقد ، ثم يفترقان والا يأثمان ، وهو ظاهر في قطعه بوجوب الوفاء به ، والتأثيم بتركه اختيارا ، وجعله بمنزلة الربا ، حتى أوجب عليهما التفاسخ قبل التفرق لو تعذر عليهما التقابض ، وجعل تفرقهما قبله بمنزلة الربوي نسيئة ، فإن بطلانه لا يغني عن الإثم به.

وهو ظاهر عبارة الدروس أيضا حيث قال : ويجب فيه التقابض قبل التفرق ، وان كان الوجوب في مثل هذا المقام قد يعبر عنه عن الشرط ، ويسمى بالوجوب الشرطي ، وقد تقدم نظير هذه المسألة في كتاب الطهارة ، في الطهارة بالماء النجس وكيف كان فالظاهر بعد ما ذكره ، إذ غاية ما يستفاد من الاخبار بطلان العقد للإخلال بشرطه.

__________________

(١) ص ١٠.

٢٧٧

وثانيهما اشتراط التقابض في المجلس أو قبل التفرق هو المشهور ، ونقل عن الصدوق العدم ، فيصح التقابض ، وان لم يكن في أحد الوصفين المذكورين.

والذي يدل على المشهور جملة من الاخبار ، ومنها ما رواه الكليني والشيخ (روح الله روحيهما) عن عبد الرحمن بن الحجاج (١) في الصحيح قال : «سألته عن الرجل يشترى من الرجل الدراهم بالدنانير فيزنها وينقدها ويحسب ثمنها كم هو دينارا ، ثم يقول : أرسل غلامك معى حتى أعطيه الدنانير ، فقال : ما أحب أن يفارقه حتى يأخذ الدنانير ، فقلت : انما هم في دار واحدة وأمكنتهم قريبة بعضها من بعض ، وهذا يشق عليهم ، فقال : إذا فرغ من وزنها وانتقادها فليأمر الغلام الذي يرسله أن يكون هو الذي يبايعه ، ويدفع اليه الورق ويقبض منه الدنانير حيث يدفع اليه الورق».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن منصور بن حازم (٢) في الصحيح عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) ، قال : «إذا اشتريت ذهبا بفضة أو فضة بذهب ، فلا تفارقه حتى تأخذ منه ، وان نزا حائطا فانز معه».

وعن محمد بن قيس (٣) في الصحيح عن أبى جعفر (عليه‌السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : لا يبتاع رجل فضة بذهب الا يدا بيد ، ولا يبتاع ذهبا بفضة إلا يدا بيد».

وعن محمد بن مسلم (٤) قال : «سألته عن الرجل يبتاع الذهب بالفضة مثلا بمثلين ، فقال : لا بأس به يدا بيد» ، وعن الحلبي (٥) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل ابتاع من رجل بدينار فأخذ بنصفه بيعا وبنصفه

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٥٢ التهذيب ج ٧ ص ٩٩.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٩٩.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٩٩ الكافي ج ٥ ص ٢٥١.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٩٨.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٢٤٧ التهذيب ج ٧ ص ١٠٠.

٢٧٨

ورقا؟ قال : لا بأس به ، وسألته هل يصلح أن يأخذ بنصفه ورقا أو بيعا ، ويترك نصفه حتى يأتي بعد فيأخذ منه ورقا أو بيعا قال : «ما أحب أن أترك شيئا حتى آخذه جميعا فلا تفعله».

قال المحقق الأردبيلي ـ بعد نقل هذه الاخبار ـ : وفي دلالة الكل تأمل ، إذ ليست الاخبار بصريحة في الاشتراط ، بل ولا في الإثم ، لأن يدا بيد كأنه كناية عن النقد لا النسيئة ، فلا يدل على اشتراط القبض ، ولفظ ما أحب يشعر بالاستحباب وهو ظاهر.

وفي التهذيب والاستبصار أخبار كثيرة صريحة في جواز النسيئة في بيع الذهب والفضة بعضا ببعض ، وأصل الصحة وعموم الأدلة أيضا يقتضي عدم البطلان بالمفارقة انتهى.

أقول : لا يخفى ما في هذه المناقشة من الضعف الظاهر للخبير الماهر ، أما ما ذكره من عدم الدلالة على الإثم فجيد ، واما دعوى عدم الصراحة في الاشتراط فالخبر الأول منها صريح الدلالة في المنع من التأخير بعد نقد الدراهم ووزنها الى أن يرسل غلامه معه ، والمفروض أنهم في دار واحدة كما صرح به في الخبر ، فلم يرض (عليه‌السلام) الا ان يرسل الغلام معه ويجعله وكيلا في البيع والتقابض في المكان الذي تدفع فيه الورق ، وأى نص أصرح من ذلك.

ومثله صحيحة منصور الدالة على النهى عن المفارقة حتى يأخذ منه ، والنهى حقيقة في التحريم ، والمبالغة في أنه ان نزا حائطا فانز معه ، لئلا يحصل المفارقة الموجبة لبطلان العقد ، فهل فوق هذا التصريح بالشرطية من مزيد ان لم نقل بالوجوب كما قيل به ، ما هذا الأعجب عجيب من هذا المحقق الأريب.

وأما قوله «ان يدا بيد» كأنه كناية عن النقد لا النسيئة ، ففيه أنه لا يخفى أن حقيقة هذا اللفظ المتبادر من حاق النظر فيه انما هو التقابض في المحل ، والمعنى

٢٧٩

الذي ذكره انما هو معنى مجازي كما يشير اليه قوله (كأنه) وحمل اللفظ على خلاف حقيقته لا يصار اليه الا بدليل يمنع من ارادة حقيقته ، والأمر انما هو بالعكس.

وأما لفظ لا أحب فإنه وان اشتهر بينهم أنه من ألفاظ الكراهة ، إلا أنا قد حققنا في غير موضع مما تقدم أن هذا من الألفاظ المتشابهة ، لاستعماله في الاخبار بمعنى التحريم كثيرا مع استعماله فيها بمعنى الكراهة ، فلا يحمل على أحدهما إلا بالقرينة ، والقرينة هنا على ارادة التحريم ، قوله عليه‌السلام في آخر الخبر المذكور «فلا تفعله» الذي هو نهى وحقيقة في التحريم ، مع اعتضاد ذلك بباقي أخبار المسألة التي قد عرفت صراحتها في الحكم المذكور.

وبذلك يظهر لك أن الاخبار المذكورة كلها متفقة الدلالة على الشرطية ، ولو ادعى الوجوب من بعضها كما قيل به لم يكن بعيدا لهذه النواهي ، من قوله «فلا تفارقه ، ولا تفعله» ولأمر بأن ينز معه الحائط.

وبالجملة فإن الظاهر أن هذا المقال انما نشأ من الاستعجال وعدم التأمل فيما نقله من الاخبار بعين التحقيق والاعتبار.

وأما الاخبار التي أشار إليها فهي كما ذكره وهي مستند الصدوق فيما تقدم نقله عنه.

ومنها ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : لا بأس أن يبيع الرجل الدينار بأكثر من صرف يومه نسيئة».

وعن عمار الساباطي في الموثق (٢) ورواه الصدوق عن عمار أيضا عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قلت له : الرجل يبيع الدراهم بالدنانير نسيئة قال : لا بأس».

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٠٠.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ١٠٠ الفقيه ج ٣ ص ١٨٣.

٢٨٠