من هدى القرآن - ج ١٢

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١٢

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-15-7
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٥٤٠

فاستقيموا إليه واستغفروه

هدى من الآيات :

يفتتح القرآن سورة «فصلت» بما يمهّد للحقائق التي تذكّر بها السورة ..

أوّلا : تبصّر الناس بحقيقة القرآن ، وأنّه كتاب فصّلت آياته بإحكام ، وقد أوحي بلغة عربية تبيّن الحقائق للذين يعلمون ، فهو كتاب علم ومعرفة كما هو كتاب حكمة وتربية تبشّر وتنذر ، إلّا أنّه هدى للذين يستمعون إليه أمّا الذين لا يهتدون إليه فقد أعرضوا عنه حتى قالوا : قلوبنا في أغطية ، وآذاننا ثقيلة ، وعلى أبصارنا غشاوة ، وإنّ المسافة بيننا وبينك قد سدّت بحجاب ، ثم تحدّوا الرسول (ص) بأنّهم عاملون حسب أفكارهم فليعمل حسب آدابه لينظروا لمن العاقبة.

هكذا ذكر السياق في فاتحة السورة بالمنهج الحق للانتفاع بالقرآن ، وهو منهج التسليم لا الإعراض والتحدّي.

١٦١

ثانيا : تجرّد الرسل عما يتّصل بذاتهم من أجل الرسالة شاهد صدق عليها ، فهم يدعون إلى الله وحده (لا إلى أنفسهم أو قوميتهم أو إقليمهم أو ما أشبه) ويأمرون بالاستقامة في طريقه ، ويعدون بالرحمة عبر الاستغفار ، وينذرون المشركين (الذين يعبدون الطاغوت أو سائر الأنداد) بالويل والثبور.

والمشركون هم الذين يمنعون الزكاة ويكفرون بالآخرة ، وبإزاء هذا الإنذار تأتي البشارة للذين آمنوا وعملوا الصالحات بأنّ لهم أجرا لا ينقطع.

(وهكذا تتجلّى صفات القرآن ودعوته في هذه الكلمات البليغة) .

بينات من الآيات :

بنور الله الذي يرشّه على الأشياء فيجعلها مخلوقات مدبّرات بأمره ، بنور الله الذي يفيضه على الإنسان فيجعله خليفته في أرضه ، ويمنحه به العقل والهدى والمعرفة والمشيئة ، وبنوره الذي يوحيه الى أنبيائه فيجعلهم السرج المنيرة في ديجور الحياة ..

بذلك الاسم العظيم والنور الباهر يبتدأ الوحي رسالته ، وبه نتلوا تلك الرسالة.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (حم)

مرة أخرى تستقبل أفئدتنا هذه الكلمات المتقطّعة التي تستثير عقولنا ، فهل هي أسماء للسورة التي تبدأ بها؟ أم هي إشارات إلى ذات القرآن وهي بمثابة هذه الأحرف أو هذه الكلمات أو هي رموز بين الله والراسخين في العلم من عباده؟

كلّ ذلك محتمل ، ولا ضير في أن يكون كلّ ذلك مراد القرآن ، لأنّ للقرآن تخوما

١٦٢

وعلى تخومه تخوم ، ويبدو أنّ كلمة «حم» مبتدء أسند إليها قوله تعالى : «تنزيل» ، فيكون المعنى : هذا تنزيل من الله.

[٢] تتجلّى في كتاب الله الرحمة الإلهية التي تتجلّى في خلقه ، تلك الرحمة التي تتّسم بالشمول والاستمرار.

(تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

هل استطاع العادّون إحصاء رحمات الله؟ كلّا .. وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها ، فهو الرحمن الذي وسعت رحمته كلّ شيء وأحاطت بكلّ شيء ، ورحماته مستمرة منذ أن خلقنا من تراب ، ثم من نطفة ، والى أن يوارينا الثرى ، وهي تستمرّ بالنسبة الى المؤمنين إلى الجنة.

أفلا ينبغي أن نسارع الى هذا الكتاب الذي أنزل من عند ذلكم الربّ الرحمن الرحيم؟ بلى. أو لسنا بشرا وقد أودع الله فينا حبّ المحسن إلينا ، وشكر من أنعم علينا؟ أو لا نريد المزيد من الرحمة؟ دعنا إذا نبادر الى قبول رسالته التي تتسم بالرحمة.

[٣] التنوّع والاختلاف سمة بارزة للمخلوقات ، والعلم الحقّ هو الإحاطة بمعرفة خصائص الأشياء واختلافاتها ونسبة بعضها إلى البعض الآخر.

وحاجات الإنسان هي الأخرى شديدة التنوّع وعظيمة الاختلاف ، سواء منها النفسية أو الجسمية ، ولكلّ شيء حد إذا تجاوزه بطل ، وهكذا حاجات البشر ذات مقدار فإذا أسرف فيها أفسد ، وإذا قتر أفسد ، فنحن إذا بحاجة الى خريطة مفصّلة لوجود الكائنات ووجود الإنسان بينها ، فأين نجدها؟ أو ليس في كتاب ربّنا الحكيم؟ بلى.

١٦٣

(كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ)

إنّه كتاب (ثابت) ، وإنّه مفصّل قد أحكمت آياته وتشابهت وتناسقت ، لا تجد فيها عوجا ولا ثغرة ولا اختلافا ، وهذا بذاته شاهد على صدقه ، فكلّ آياته تنبعث من التوحيد الخالص ، وتدعوا الى الحق والعدل والجزاء.

والكتاب قرآن عربي جاء بهذه اللغة الفريدة التي سمت على كل اللغات في إعرابها عن نوايا المتحدّث بكلّ دقة وبلاغة.

(قُرْآناً عَرَبِيًّا)

وإنّه لشرف عظيم لهذه اللغة وللناطقين بها عبر التاريخ أنّ وحي الله قد امتطى متنها ، ولعلّنا نستوحي من هذه الإشارة : أنّ شرف العروبة باللغة ، ولذلك فكلّ من تحدّث بها واعتنق المبادئ السامية التي جاء بها الذكر فهو عربي ، وإنما تتفاوت عروبة الناس بمدى التزامهم بتلك المبادئ ، وأكرم الناس جميعا أتقاهم.

(لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)

القرآن كتاب علم ولا يبلغ آماده إلّا العلماء ، وإذا قصر عن وعيه إنسان فلنقص في معارفه ..

وكلّما تقدّم علم البشرية كلّما اقتربوا من محتوى القرآن وعرفوا عظمته ، إلّا أنّ ركب الإنسانية يسير قدما نحو التكامل ويبقى القرآن أمامه أبدا ، كالشمس ضوؤها قريب والوصول إليها مستحيل.

وهذا الاستفتاح يتناسب والحقائق العلمية التي تشير إليها هذه السورة لكي لا ننكر بعضها عند ما نجهل أبعادها ، فليس من خصائص الإنسان العاقل أن ينكر

١٦٤

ما لا يعرفه ، بل يسعى من أجل معرفته.

[٤] والى جانب أنّه كتاب علم ، فهو كتاب حكمة ، تنفذ بصائره في الفؤاد ، وتستثير عقل الإنسان من سباته ، وتنهض إرادته ، وتشحذ عزائمه ، وتربّيه وتزكّيه ، كلّ ذلك بما يحتوي من بشارة وإنذار.

(بَشِيراً وَنَذِيراً)

ولا يدع الكتاب نافذة على القلب إلّا وينفذ منها ، ولا وترا حساسا إلّا ويغرب عليه. إنّه يرغّبهم في ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة بألوان من الترغيب لا تكاد تحصى ، كما وينذرهم بألوان من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.

ولكن هل يعني ذلك أنّ القرآن يؤثّر في كلّ الناس؟ إذا بطلت حكمة الابتلاء. ولا يصبح الناس جميعا على هدى.

(فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ)

لقد أعرضوا عن ذكرهم ، ولم تشأ حكمة الربّ إكراههم ، فهم لا يسمعون الموعظة ولو سمعوها حقّا لاهتدوا إذ لا نقص أبدا من جانب القرآن ، بل قد وفّر الله وسائل الهداية ، ولكن ما ذنب الشمس لو كان الإنسان أعمى.

[٥] وكان من ملامح إعراضهم أنّهم زعموا أنّ قلوبهم موضوعة في أوعية مغلقة ، فهي لا تستجيب للحقائق الجديدة ، وأنّ بينهم وبين الرسول حجابا لا يمكنهم رؤية الرسول من ورائه.

(وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ)

لقد عقدوا عزمات قلوبهم على الكفر بما جاء به الرسول ، والتعصّب الأعمى لما

١٦٥

كان عليه آباؤهم ، فزعموا أنّ هناك سواتر وأغطية عديدة تلفّ أفئدتهم عن الدعوة الجديدة ، بلى. الغفلة والجهل والكبر والعناد كلّها أكنّة على قلوبهم ، فكيف تخترقها الرسالة؟!

ثمّ قالوا : وحتى ولو كانت قلوبنا سليمة فإنّ آذاننا لا تسمع لما فيها من ثقل ، وأبصارنا لا ترى وجوارحنا لا تحس لأنّ المسافة التي بيننا وبينك قد سدّت بالحجاب.

(وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ)

فمن أعرض قلبه ثقل سمعه عن استقبال الدعوة ، كما علت عينه غشاوة.

ثم كشفوا عن غاية تعصّبهم وشدة جمودهم إذ قالوا :

(فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ)

فلم يطيقوا الحوار فقطعوه ، وقالوا : اعمل أنت بما ترى ، ونعمل بما نعتقد ، والمستقبل يحكم بيننا وبينك ، وإذا كنت تخطّط للمواجهة فنحن مستعدون!!

هكذا أعرضوا عن الذكر ، فهل يلام على ضلالتهم غيرهم؟

[٦] في مواجهة الدعوات الصادقة يلتجئ المتعصّبون الى مكر شيطاني ، وذلك بأن يخلطوا بين الدعوة وبين صاحبها فيتهموه بحبّ السلطان أو الجاه وما أشبه ، ومن هنا كان من أقوى الحجج التي اعتمدها الرسل ـ عليهم السلام ـ التجرّد للرسالة عن شخصيّاتهم ، وأنّهم لا يطالبون الناس بأجر (اللهمّ إلّا ما يكون لهم) وأنّهم لا يبحثون عن جاه أو سلطة أو ثروة ، وأنّهم لا يدّعون التميّز عليهم إلّا بالوحي.

١٦٦

(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ)

وأنّ دعوتهم خالصة لله ، وأنّهم يسلّمون أمرهم لذلك الربّ الواحد الذي يدعون الناس للتسليم له ..

(أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ)

وهذه هي الميزة الأساسية لرسالات الله عن كلّ دعوات الباطل ، أنّ تلك الدعوات تسعى لإخراج الناس من ظلام الى ظلام ، ومن عبودية الى عبودية ، ومن غلّ الى غلّ آخر ، بينما رسالات الله تدعو الى النور ، الى الحرية ، الى فكّ الأغلال جميعا.

ولولا حجاب الجهل والعصبية والعناد فإنّ نور الصدق يتجلّى في دعوات الأنبياء ومن اتبع نهجهم.

(فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ)

وهذه ميزة أساسية ثانية : إنّ دعوات الباطل تجرّ أصحابها من انحراف الى انحراف ومن ظلم الى ظلم ومن إسراف الى تقتير ومن إفراط الى تفريط ، بينما رسالات الله تدعو الإنسان الى الحكمة والاعتدال والاستقامة ، في طريق الله.

وبما أنّ الاستقامة الى الله تعني مقاومة شهوات النفس ، وضغط المجتمع ، وسلبيات الماضي ، وإرهاب الطغاة ، فإنّ البقاء عليها يشبه المستحيل ، أو لم يقل رسول الله (ص) شيّبتني سورة هود ، لأنّ فيها آية الاستقامة ، ولذلك أمرنا الله بعد الاستقامة بالاستغفار ، كما أشار في سورة هود الى مثل ذلك حيث قال : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ) .

١٦٧

(وَاسْتَغْفِرُوهُ)

فكلّما دفعتك أعاصير الضغوط ذات اليمين وذات الشمال عد الى طريقك المستقيم ، فإنّ على أطراف طريق الجنة حفر النيران فلا تسترسل مع الرياح الى نهايتها المريعة.

(وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ)

وهم الذين انحرفوا مع رياح الضغط حتى وقعوا في حفر الشرك فلحقهم الويل ، ونستوحي من الآية أنّ من لم يستغفر ربّه بعد الانحراف عن خطّ الاستقامة ينتهي به المطاف الى الشرك والكفر ، كما قال ربّنا في آية أخرى : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) .

[٧] وقد يكون الإنسان مشركا دون أن يعرف ، لاعتقاد أكثر الناس أنّ مجرّد الشهادة بالتوحيد لفظيّا تكفي علامة على الإيمان ، بلى. إنّه كاف في مجال التعامل الاجتماعي إذ يحسب من المسلمين ظاهرا ، وتحلّ ذبيحته ، ويجوز مصاهرته ، ولكن لا يكفي عند الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

إنّ الإيمان وقر في القلب ، وأثر على السلوك وممارسة للطقوس .. ومن أبر علائمه الزكاة والإيمان بالآخرة ، فمن منع زكاة ماله واعتبره مغرما وارتاب في الاخرة فهو مشرك حتى ولو لهج لسانه بالتوحيد.

(الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ)

أيّ زكاة هذه؟ هل هي النصاب المعروف أم مطلق الإنفاق في سبيل الله؟ يبدو أنّ الثاني أقرب باعتبار الآية مكية.

١٦٨

(وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ)

فلو لا كفرهم بالآخرة لما منعوا زكاة أموالهم جاء في الأثر المروي عن الإمام الصادق (ع) أنّ النبي (ص) أوصى عليّا (ع) فقال ضمن وصية :

«يا علي كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة (وعدّ منه مانع الزكاة ، ثم قال :) من منع قيراطا من زكاة ماله فليس بمؤمن ولا مسلم ولا كرامة ، يا علي :لا تارك الزكاة يسأل الله الرجعة الى الدنيا ، وذلك قوله عزّ وجلّ : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ)» (١)

[٨] أمّا المؤمنون الذين يعملون الصالحات فإنّهم ينفقون زكاة أموالهم طلبا لأجر الله الذي لا ينقطع.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)

ويبقى سؤال أخير : ما هو صراط الله الذي يجب أن نستقيم عليه؟

إنّه يتمثّل في كتاب الله الذي أوحي الى الرسول (ص) فيكون الشرك هو مخالفة كتاب الله المتمثّلة في مخالفة الرسول.

ومخالفة الرسول تعني اليوم مخالفة القيادة الشرعية التي تدعو الى الله وتنفّذ كتابه ، هذا ما نقرأه في تفسير أهل البيت لهذه الآيات. (٢)

__________________

(١) تفسير نمونه / ج (٢٠) ص (٢١٩) نقلا عن وسائل الشيعة / ج (٦) ص (١٨ ـ ١٩)

(٢) راجع نور الثقلين / ج (٤) ص (٥٣٩) نقلا عن الإمام الصادق (ع) في حديث مفصّل.

١٦٩

قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠)

١٧٠

وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ

هدى من الآيات :

ربط حقائق الكون بعضها ببعض ، ربطا متناسقا ، ومؤثّرا في قلب الإنسان ، من الميزات التي يتّسم بها القرآن الحكيم في منهجه التربوي والتعليمي ، فبينما يحدّثنا في هذا الدرس عن العالمين ، عن الأرض كيف نظّم شؤونها ، وقدّر فيها أقواتها ، وعن السماء كيف استوى إليها ، ووجّه لها وللأرض الأوامر ، وكيف قضاهما سبعا ، وكيف أوحى في كلّ سماء أمرها ، نجده يحدّثنا ـ في ذات الوقت ـ عن التاريخ ودروسه وعبره ، عن تلك المجتمعات المقتدرة التي دمّرها الله شرّ تدمير ، بسبب اغترارها بقوتها المادية ، ثم تحدّثنا الآيات الحكيمة ـ بصورة مباشرة ـ عن ضرورة معالجة الأمراض النفسية التي تعتري الفرد هكذا توصل آيات الذكر آفاق السماء وأبعاد الأرض بأعماق التاريخ وأغوار النفس لتصنع منها جميعا منهجا تربويّا بديعا ، كما أنّها تمهّد ـ فيما يبدو ـ فؤاد الإنسان لاستقبال الوحي الإلهي بالطريقة المناسبة.

١٧١

فالذي بسط الأرض وقدّر فيها أقواتها ، والذي سمك السموات وجعلهنّ سبعا ، وأوحى في كل سماء أمرها ، هو الذي هدى الإنسان الى القرآن الحكيم ، بركة للإنسان وسلاما ورحمة ، وإنّ الأعراض عن منهاج القرآن خطير ، كما الإعراض عن سنن الله في السموات والأرض ، وكما الإعراض عن عبر التاريخ.

إنّ سنّة الله في القرآن كسنّته في الخليقة .. فهل تستطيع أن تكفر بسنة الجاذبية فتلقي بنفسك من قمة جبل دون أن يصيبك سوء ، وهل تضرب رأسك بصخرة وتنتظر السلامة ، وهل تقدر على الاستغناء عن الهواء ، عن الغذاء؟ كذلك لا يمكنك الاستغناء عن وحي الله بله الإعراض عنه.

وهل يستطيع أن يقول أحد أنّي أريد تنظيم الكون تنظيما جديدا ، وسلب الأرض جاذبيتها ، والهواء رطوبته ، والغازات خصائصها؟ كلّا .. إنّ من يريد أن يفعل ذلك لا بدّ أن يجد طريقه يوما الى دار المجانين! كذلك الذي يريد مخالفة وحي الله ، وسنّته في التربية ، في الإقتصاد ، والسياسة ، والاجتماع.

بينات من الآيات :

[٩] قد يأتي على إنسان عشرات السنين ينشغل فيها عن كبريات الحقائق التي تحيط به بأتفه الأشياء ، فيرى الأرض بما فيها من آيات عظيمة ، ولكنه لا يتساءل : كيف خلقت ، وكيف سطحت ، كيف قدّر فيها أقواتها ، وتهيّأت لاستقبال الحياة هذه النعمة الكبيرة والسرّ العظيم؟

ويأتي القرآن يذكّرنا بأمّنا الأرض ، ويشير الى سنن الله فيها ، وأنّه خلقها في يومين ، لعلّنا نهتدي الى ربّ القدرة.

(قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ

١٧٢

لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ)

من خلال السياق نستوحي عظمة الأرض لعلّنا نهتدي الى عظمة الخالق الذي خلقها فقط في يومين ، وهكذا نعرف مدى خطورة الكفر بربّنا العظيم!!

ولكن تتوارد التساؤلات الواحد بعد الآخر حول هذه الآية : كيف تمّ الخلق؟ وما هما اليومان اللّذان خلقت الأرض فيهما؟ ولماذا التأكيد عليهما؟

أوّلا : تقول بعض النظريات الحديثة : إنّ الأرض انفصلت عن الشمس قبل حوالي ألفي مليون عام ، فهل هذا هو معنى خلق الأرض في يومين؟ أم معنى خلقها تهيئتها بصورتها التي استعدّت لاستقبال شروط الحياة ، فقد مرّت مدّة طويلة حتى بردت الأرض وتصلّب قشرها بعد أن كانت كرة ملتهبة مثلما هي اليوم باطنها حيث لا زالت المواد تنصهر هناك في حرارة شديدة.

وجاء في حديث مأثور عن الإمام أمير المؤمنين (ع) فيما يتّصل بخلقة الأرض :

«كبس الأرض على مور أمواج مستفحلة ، ولجج بحار زاخرة ، تلتطم أواذيّ أمواجها ، وتصطفق متقاذفات أثباجها ، وترغو زبدا كالفحول عند هياجها ، فخضع جماح الماء المتلاطم لثقل حملها ، وسكن هيج ارتمائه إذ وطأته بكلكلها ، وذلّ مستخذيا إذ تمعّكت عليه بكواهلها ، فأصبح بعد اصطخاب أمواجه ساجيا مقهورا ، وفي حكمة الذلّ منقادا أسيرا ، وسكنت الأرض مدحوّة في لجّة تيّاره ، وردّت من نخوة بأوه واعتلائه ، وشموخ أنفه ، وسموّ غلوائه» (١)

ويبدو أنّ حديث الإمام يتصل بمرحلة واحدة من أطوار الأرض ، وكيف هيّأها الربّ لسكن الأحياء ، حيث مرّت الأرض بأطوار عديدة تشير إليها سائر النصوص

__________________

(١) موسوعة بحار الأنوار / ج (٥٧) ص (١١١) .

١٧٣

المأثورة كما توضّحها النظريّات الحديثة.

ثانيا : وما هما اليومان اللذان مرت بهما الأرض؟ لقد اختلف المفسرون في ذلك اختلافا كبيرا حيث أنّهم قالوا : إذا كان تقدير اليوم بحركة الأرض فكيف نتصور اليوم قبل وجودها؟ فقال البعض : إنّ المراد منها الأوقات ، كما قال سبحانه : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) (١) أي حينئذ أو وقتئذ ، وقال بعضهم : إنّ المناط في تقدير الأيام إنّما هو بحركة الأفلاك التي كانت قبل خلقة الأرض ، وقال ثالث : ما يكون بقدر الأيام في فرض وجودها ، وقال الرازي : المراد بالأيّام الأحوال المختلفة .. (٢)

ويبدو هذا التفسير أقرب ، ذلك لأنّ أقرب المعاني لليوم هنا برهة من الوقت وحين من الدهر ، وما نتصوره من اختلاف وقت عن وقت وحين عن حين هو اختلاف الأحوال ، فمثلا نحن نميّز بين اليوم الأول من الربيع عن اليوم الثاني منه ، بفاصل الطلوع والغروب بينهما ، كذلك كانت هنالك فواصل معينة بين الوقت الأول والوقت الثاني (أو إن شئت قلت اليوم الأوّل واليوم الثاني) بتطوّر الأحوال.

وفي القرآن يصرّح بهذا التطوّر حيث خلق الله الكائنات بصورة ماء فكان عرشه عليه ، ثم خلقها دخانا ، ثم خلق السموات والأرض ، ولا بدّ أن مرّت دهور متطاولة بين مرحلة ومرحلة حتى اليوم ، كم مرة هذه الدهور بقياساتنا المحدودة؟ حتى الآن لا نمتلك نظريّات حاسمة في هذا الحقل ، بالرغم من أنّ بعض العلماء يقدّر ذلك بخمسة عشر مليار عام مرّت من بداية ما يزعم انفجارا هائلا وموجّها حدث في هذا الكون ، وتمدّدت المادة الأولية المخلوقة في صورة مجرّات ..

__________________

(١) الأنفال / (١٦) .

(٢) نقلنا ذلك باختصار عن موسوعة البحار / ج (٥٤) ص (٦ ـ ١٠) .

١٧٤

ومن أطرف ما قرأته حول هذه المدة في النصوص ما جاء في حديث مأثور عن الإمام أمير المؤمنين (ع) بعد أن سأله رجل قائلا : فكم مقدار ما لبث الله عرشه على الماء من قبل أن يخلق الأرض والسماء؟ فأجاب : أتحسن أن تحسب؟ قال : نعم ، قال : لعلّك لا تحسن! ، قال : بلى ، إنّي لأحسن أن أحسب ، قال علي (ع):

«أفرأيت لو كان صبّ خردل في الأرض [حتى] سدّ الهواء وما بين الأرض والسماء ، ثم أذن لمثلك على ضعفك أن تنقله حبّة حبّة من مقدار المشرق الى المغرب ، ثم مدّ في عمرك ، وأعطيت القوة على ذلك حتى تنقله ، وأحصيته ، لكان ذلك أيسر من إحصاء عدد أعوام ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الأرض والسماء ، وإنّما وصفت لك ببعض عشر عشير العشير من جزء مائة ألف جزء ، وأستغفر الله من القليل في التحديد» (١)

ولعلّ أيّام خلق الأرض والسماء ، وتوفير فرص الحياة على الأرض ، هي التي أشارت إليها آيات الذكر من :

١ ـ خلقة الماء ، حيث كان عرش القدرة مستويا عليه ، ولعلّه كان أصل الكائنات مادّة تشبه الماء.

٢ ـ خلقة الدخان ، ولعلّه الحالة السديمية في الكائنات.

٣ ـ تكوّن المجرّات والشموس والكرات الأخرى ، وانفصال الأرض عن الشمس.

٤ ـ حالة دحو الأرض وتصلّب قشرتها ، حيث نجد إشارة الى ذلك في آي الذكر كثيرا.

__________________

(١) المصدر / ص (٢٣٣) .

١٧٥

٥ ـ حالة توفّر عوامل الحياة عليها من ماء وهواء ومواد ضرورية أخرى.

ثالثا : ويبقى السؤال : ما هي الحكمة التي نستفيدها من بيان هذه الحقيقة؟

والجواب :

ألف : بيان قدرة الله وعظمته المتجلّية في تكوين الخلائق وتطويرها مرحلة بعد مرحلة وتدبير أمورها في كلّ مرحلة ، حتى انتهى المطاف بها الى صورتها الحالية ، وهي لا تزال تسير في ركب التطوّر الى حيث يشاء الله ، وهنا نجد إشارة الى هذه الحكمة حيث يذكّرنا الربّ بقدرته بعد بيان خلق السماء في يومين.

حقّا ، إنّنا حين نتصوّر الكائنات تتقلب في كفّ القدرة الالهية تلك الدهور المتطاولة التي لا يعلمها الا الله سبحانه ، ونتصور ـ مثلا ـ ذلك الإنفجار المهيب الذي يرى بعض العلماء أنّه وقع في الكون قبل (١٥) مليار عام ولا تزال أصداؤه تدوّى في جنبات العالم الرحيب بالرغم من هذه الدهور المتطاولة ، لا بدّ أن تتضاءل نفوسنا أمام قدرة الرب ، وندع التكبّر والغرور والمعاصي ، وجدير بنا أن نقرأ خطب الإمام أمير المؤمنين (ع) التي تصف الكائنات وتطوّراتها ، وتعظ الناس بالتواضع واجتناب الكبر والمعاصي.

باء : لعلّنا نستوحي من خلقة الله الخلائق في الزمن أنّ انقضاء الأجل وتقدّم المدة وصيرورة التكوّن من حقيقة الكائنات المحدثة ، ذلك أنّ أول الشواهد وأبلغ الحجج على أوّلية الخالق زوال الكائنات وعلى قدمه حدوثها ، وعلى حدوثها صيرورتها وتقلباتها ، واكتمالنا بعد النقص ، وانتقاصها بعد الكمال.

جاء في الحديث عن الإمام علي (ع) :

١٧٦

«الحمد لله الدال على وجوده بخلقه ، وبحدث خلقه على أزليّته» (١) .

وبتعبير آخر : إنّ الزمن جزء من حقيقة الأشياء ، وإنّ هذا آخر ما توصّل إليه علماء الفيزياء ابتداء من كبيرهم إنشتاين.

إنّ بركات الله ورحماته مستديمة على الكائنات فهي تنتقل من طور الى طور أفضل بفضل الله فتتكامل ، ولكنّها قد تنتكس الى الأسفل إن هي تجبّرت وتكبّرت ، ولعلّ هذه هي البصيرة في التكامل والتطوّر ، ونستوحيها من قوله سبحانه في سورة الأعراف : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢) .

فقد ختمت الآية باسم «تبارك» بعد بيان خلقة الكائنات في ستة أيّام ، ممّا بصّرنا بالتكامل الذي تفضّل الله به على الخلائق ببركته وخيره العميم المستمر.

وفي سياق هذه الآيات نجد قوله تعالى : (وَبارَكَ فِيها) .

جيم : وإنّ علينا أن نعيش وعي الزمن في تقييمنا لما في الكون ليكون تقييما سليما ، فمن لم يضع في حساباته (الزمن) يتكاسل دون أن يعرف أنّ عمره هو هذا الزمن الذي يستهين به ، ولا يرى إلّا ما يجري أمامه فيصاب بالعجلة والجزع ، ولا تحرّكه النتائج البعيدة ، فهو يزداد نشاطا إذا أوتي جزاؤه الحسن عاجلا ، ويخمل كلّما ابتعد زمن الجزاء.

ولعلّ وعي الزمن واحد من الغايات التربوية السامية في كثير من آي الذكر ،

__________________

(١) موسوعة البحار / ج (٥٤) ص (٢٧) .

(٢) الأعراف / (٥٤) .

١٧٧

ولقد ذكّرنا بذلك مكرّرا.

[١٠] لقد وفّر الله شروط الحياة في الأرض ، وأوّلها استقرار الأرض بالجبال الراسيات ، التي تتصل ببعضها وتمنع الميلان ، الناشئ من الرياح الهوج أو الغازات المتجمّعة في مركز الأرض والتي تسبّب الزلازل.

(وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها)

يقول العلماء : إنّ كلّ حدث يحدث في الأرض في سطحها أو فيما دون سطحها يكون من أثره انتقال مادة من مكان الى مكان يؤثر في سرعة دورانها ، فليس المد والجزر هو العامل الوحيد في ذلك ، حتى ما تنقله الأنهار من مائها من ناحية الى ناحية تؤثر في سرعة الدوران ، وما ينتقل من رياح يؤثر في سرعة الدوران ، وسقوط في قاع البحار ، أو بروز في سطح الأرض هنا أو هنا يؤثر في سرعة الدوران ، ومما يؤثر في سرعة الدوران أن تتمدّد الأرض أو تنكمش بسبب ما ، ولو انكماشا أو تمدّدا طفيفا لا يزيد في قطرها أو ينقص منه إلّا بضع أقدام. (١)

وهذه الحسّاسية البالغة بحاجة الى أثقال تحافظ على الأرض ، سواء من تأثير الهواء المحيط بها أو الغازات المحتبسة فيها لكي لا يختلّ توازنها.

والمعروف أنّ الجبال هي النتوءات الظاهرة للقشرة الصخرية التي تحيط بكرة الأرض ، وكأنّها درع حديدي برز بعض جوانبه بينما تبقى سائر جوانبه غائرة في الماء أو مدفونة بالتراب.

هكذا أشار الإمام علي (ع) إلى هذه الآية الإلهية حين قال :

__________________

(١) في ظلال القرآن / ص (٣١١٣) نقلا عن كتاب «مع الله في السماء» .

١٧٨

«وعدّل حركاتها بالراسيات من جلاميدها (١) ، وذوات الشناخيب الشمّ (٢) ، من صياخيدها (٣) ، فسكنت من الميلان ، برسوب الجبال في قطع أديمها وتغلغلها ، متسرّبة في جوبات خياشيمها ، وركوبها أعناق سهول الأرض وجراثيمها» (٤) .

(وَبارَكَ فِيها)

لقد خلق الله الأرض طورا بعد طور ، حتى تكاملت وتهيّأت لاستقبال الحياة ، فبعد أن تصلّبت قشرة الأرض خلق الله فيها الماء من اتحاد الأيدروجين بنسبة ٢ والأكسجين بنسبة ١ ثم تعاون الماء والهواء في تفتيت الصخور وتشتيتها حتى صارت تربة صالحة للزراعة والبناء ، كما تعاونا على نحر الجبال والنجاد وملء الوهاد فلا تكاد تجد في شيء كان على الأرض أو هو كائن إلّا إثر الهدم والبناء. (٥)

ومرّت العصور المختلفة ، وفي كلّ يوم بل كلّ لحظة تتطوّر الكرة الأرضية أكثر فأكثر بإذن الله ، ويبارك فيها ، فحينا بالثلوج التي غطّت وجه البسيطة ، وحينا بالطوفان ، وآخر بالأعاصير ، ورابع بالشروق المستمر للشمس ، وكذلك بتلقّي أشعة تنطلق من النجوم البعيدة ، وبألوان العوامل الأخرى .. وخلال ملايين السنين بارك الله في الأرض.

(وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها)

ومن مصاديق البركة الأقوات التي قدّرها الربّ في الأرض ، حيث أودع التربة

__________________

(١) الجلاميد : الصخور.

(٢) الشناخيب الشمّ : القمم المرتفعة.

(٣) الصياخيد : الصخور الشديدة.

(٤) موسوعة البحار ج (٥٤) ص (١١٢) .

(٥) نقلا عن كتاب «مع الله في السماء» .

١٧٩

المواد الكيماوية النافعة للزراعة ، كما خزّن في الجبال المعادن المختلفة من الحديد والذهب والفضة وأنواع الأحجار الكريمة والصخور المفيدة ، كما خلق في أعماق الأرض بحيرات النفط والغاز ، كما أودع فيما حول الأرض حاجتنا من الهواء الذي نتنفّس من أوكسيجينه ، ويتغذّى النبات من كربونه ، ومن أكسيد كربونه ، كما ضمّنه النتروجين الذي يخفّف من وطأة الأوكسجين ، وأجرى فيه تيّارات رطبة لتلطيف الجو .. وأرسل الرياح في الجو مبشّرات برحمته ، حيث تحتمل السحب المتراكمة الى الأراضي المتباعدة ليسقيها الربّ حاجتها من الماء.

(فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ)

قالوا : معناه يومان لخلقة الأرض ويومان لتوفير الأقوات فيها ، ويحتمل أن تكون خلقة الأرض قد تمّت في يومين ، وقد تمّت خلقة السماء وتهيئة الأرض في يومين بالتزامن ، ثم استمرت عملية تمهيد الأرض ليومين آخرين ، فيكون المجموع ستة أيّام ، حيث أنّ الآيات القرآنية صريحة في أنّ خلقة السموات والأرض قد تمّت في ستة أيّام ، والله العالم.

وهنا وقفة اعتبار ، لقد خلق الأرض على عظمتها في يومين فقط ، بينما قدّر فيها أقواتها في أربعة أيّام. أفلا يدلّ ذلك على أنّ نعمة تهيئة الأرض للحياة أعظم من نعمة خلقها ، بلى. فقد اكتشف العلماء مزيدا من الأجرام السماوية ، ولكن حتى هذه اللحظة لم يكتشفوا شيئا من آثار الحياة فيها ، ممّا يهدينا الى عظمة النعم التي أسبغها الربّ لأهل الأرض حتى تهيّأت لحياتهم. أفلا نشكره سبحانه؟!

(سَواءً لِلسَّائِلِينَ)

فكلّ المحتاجين الى الأقوات يتساوون في الحصول عليها ، لأنّها متوفّرة في كلّ

١٨٠