من هدى القرآن - ج ١٢

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١٢

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-15-7
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٥٤٠

(وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ)

لقد ذهب أصحاب الأموال ، وأصبحوا أحاديث يعتبر بهم المعتبرون ، بينما بقي ذكر أصحاب الرسالة على كلّ شفة وعلى امتداد العصور.

بلى. إنّ أصحاب الرسالة مسئولون قبل غيرهم عنها ، لأنّها نزلت في بيوتهم فهم أحقّ بها وأهلها.

(وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ)

وجاء في حديث مأثور عن الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ أنّه قال : «الذكر رسول الله ، وأهل بيته أهل الذكر ، وهم المسؤولون» (١) .

[٤٥] ولا يجوز الاستسلام لأهواء المترفين أو الطغاة ، لأنّ في ذلك شركا بربّ العزة .. وقد جاءت الرسالة لتطهير النفوس من الشرك ، وتطهير المجتمع من القيادات الشركية ، فكيف تقبل بهم اليوم شركاء في السلطة.

(وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ)

كلّا .. إنّما هو إله واحد ، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه يخضع بأحدهما لربّه وبالثاني لأصحاب الثروة أو السلطة.

التوحيد محور العلاقة الاجتماعية :

سبق الحديث في محور سورة الزخرف المتمثّل في تهوين شأن الدنيا ، لكي

__________________

(١) نور الثقلين / ج (٤) ص (١٠٥) .

٤٨١

لا يجعلها المسلم قيمة يقيس بها الأمور ، وآيات هذا الدرس تنسف العلاقة القائمة على أساس هذه القيمة الزائلة ، ذلك أنّ القيمة السليمة عند الله هي التي تمتدّ من الحياة الدنيا إلى الآخرة.

وإذا استطعنا إصلاح قيمة التجمّع أو الرابطة التي توصلنا ببعضنا فجعلناها الإيمان دون المصالح العاجلة ، ولا الإقليم ، والعنصر ، والشهوات ، والأهواء ، والعصبيّات ، فقد أقمنا فعلا المجتمع الربّاني المنشود.

ولقد جاءت رسالات السماء جميعا وفي طليعتها القرآن الكريم لتحقيق هذه الغاية السامية ، ولكن كيف؟ بتهوين الدنيا ، وحط شأنها ، لكي لا تصبح بما فيها من زخرف مقياسا ، ثمّ بالنهي عن اتخاذ المترفين فيها قادة ، وأخيرا ببيان الرابطة الشيطانية التي تنتهي بأصحابها الى النار.

وإذا كان حبّ الدنيا أرضيّة فإنّ قيادة المترفين الشجرة. أمّا ثمرتها فهي الصلة بين قرناء السوء.

ويبدو أنّ السياق ذكّرنا أوّلا بهوان الدنيا على الله (حتى أعطاها للكفّار) ثم أخذ يبصّرنا بحقيقة قرناء السوء في هذا الدرس ، حيث نستوحي منه بصائر حكيمة في الروابط الاجتماعية ، ذلك أنّ للعلاقة الاجتماعية ـ وبالذات تلك التي ترتكز عليها البنى التحتيّة للمجتمع ـ قاعدة ، فقد تكون الأرض قاعدة التجمّع فتنشأ الصلة الوطنيّة والإقليمية ، وقد تكون اللغة هي القاعدة فتنمو الحالة القوميّة ، وقد نكون المصالح العامّة التي تنمو وتتّسع الى الحالة الإمبريالية ، وقد تتجلّى في صورة الأمميّة البروليتاريّة.

والصلة التي تربط في هذه الحالات جميعا بين الإنسان والإنسان هي صلة مادية

٤٨٢

ناشئة من التراب ، بينما رسالات الله تريد صلة أخرى هي صلة الروح ، صلة الحبّ الإلهي ، صلة القيم الربّانية ، وهذه الصلة قائمة على أساس ذكر الله.

وهي تستنزل رحمة الله ، وتنمّي قيم الفضيلة والخير والإحسان ، كما تحافظ على الحق والعدل والحرية ، بينما الصلات الأخرى تستدرج البشر الى نقمة الله ، وتطمس معالم الحق ، ولا تنمّي الخير ، بل وتساهم ـ عادة ـ في إشاعة الفحشاء ، وبثّ روح الاعتداء والظلم.

فإذا بحثنا عميقا في أسباب الشقاء والعداء وعوامل الصراع والحرب والاعتداء بين الناس ، سواء داخل التجمّع الواحد أو بين الأمم ، فلن نجدها سوى هذه الصلات الجاهلية النابعة من حبّ الدنيا وزخرفها.

والقرآن هنا يحذّرنا من الوقوع في هذه المهالك ، ويأمرنا بالتمسّك بالوحي ، فمن عشى عنه فقد قرن به شيطان ، يبعده عن السبيل ، ويزيّن له السيئات.

ويبدو أنّ باطن هذه الآيات التبصير بدور القرين في حياة الإنسان ، والقرين قد يكون زوجة أو زوجا أو صاحب السبيل أو زميل الدراسة أو شريك التجارة أو الجليس والأنيس ، والإسلام يأمرنا بذكر الله حتى يكون معيار اتخاذ القرين ربانيّا ، لأنّه حسب ما يكون الإنسان يختار أقرانه ، وكما يقول الإمام أمير المؤمنين (ع) : «كلّ امرء يميل إلى مثله» .

«لا يصحب الأبرار إلّا نظراؤهم» .

«لا يوادّ الأشرار إلّا أشباههم» (١) .

__________________

(١) ميزان الحكمة / ج (٥) ص (٢٩٨) .

٤٨٣

وحين يتخذ القرين بمعيار إلهي تكون علاقته به متينة ، بينما إذا كانت المصلحة أو الهوى أساسا للصداقة انهارت بتبدّل الأحوال ..

وحين يكون المعيار الإلهي حاكما يصنع المؤمنون من تجمّعهم جنة أرضيّة حيث يوادّون بعضهم في الله لا تجد في قلوبهم غلّا للذين آمنوا ويأنس الواحد منهم الى صاحبه كما الظمآن الى شراب سائغ .. وهنالك تتجلّى السعادة الدنيوية ، كما لا تتجلّى في أيّ نعمة أخرى ..

وتمتد هذه الخلّة حتى يوم القيامة حيث يقول ربّنا : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) وحتى تبلغ بهم الجنة حيث تراهم (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ)

٤٨٤

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠) وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ

___________________

٥٠ [ينكثون] أي يغدرون وينقضون العهد.

٥٣ [أسورة] : جمع سوار وهو الحلية التي تلبس في اليدين المرفق والزند.

٤٨٥

مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (٥٦)

___________________

٥٤ [فاستخفّ قومه] : بأن حسبهم خفيفي العقول يتمكّن من إنهاضهم لنصره بمجرد خطاب ومغالطة ، كما هي عادة الطغاة دائما أمام الجماهير.

٥٥ [آسفونا] : أغضبونا والله تعالى لا يغضب كما الإنسان ، وإنّما له رسل وملائكة يغضبون له ، كما أنّ غضبه عزّ وجل على العصاة هو إرادة عقوبتهم.

٤٨٦

أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ؟!

هدى من الآيات :

في سياق هذه السورة التي تدور حول تصحيح علاقة الإنسان بما حوله ، يضرب لنا القرآن مثلا من فرعون الذي اغترّ بزينة الحياة الدنيا ، واستعبد الناس بها ، فكانت نهايته الأليمة أن أغرقه الله وجنده ، وما هذه العاقبة وأمثالها من الظالمين ببعيد.

لقد جاء موسى (ع) الى فرعون لكي يحدّد له العلاقة السليمة بالطبيعة ، فله أن يسخّرها ويستفيد منها ، لا أن يركن إليها ويطمئنّ بها ، لأنّها متغيّرة ، وكلّ متغيّر زائل ، بيد أنّ فرعون آثر الكفر على الإيمان ، ورفض الانقياد لرسالة الله ، وقيادة موسى (ع)

ويركّز الله في هذه القصة على علاقة الإنسان بالطبيعة ، فقد اعتقد فرعون أنّه ما دام يملك مصر ، وأنّ الأنهار تجري من تحته ، فلا بدّ أن يكون هو ملك الناس وموجّههم دون موسى (ع) الذي جاءه بمدرعة الصوف ، وبيده عصاه التي يتوكّأ

٤٨٧

عليها ، ويهشّ بها على غنمه ، غافلا عن أنّ قيادة الحياة ليست للأغنى أو الأعتى بل للأصلح.

وتتناسب هذه الآيات والآية التي تقول : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) لأنّ أهل الجاهلية كما فرعون اعتقدوا بأنّ الأصلح للحكم هو الأغنى وليس الأصلح الأقرب إلى الله عزّ وجل.

كما هي مثل للقرين الذي يقيّضه الله لمن يعشو عن ذكره ، حيث أنّ فرعون حين وجد قوما فاسقين استخفّهم ، وأثار فيهم النزعات الشرّيرة والشهوات العقيمة ، فقال لهم : ألا ترون ـ يا قومي ـ أنّي أملك مصر ، كما بيدي تنظيم أنهارها. هل أنا خير أم هذا الذي لا يتزيّن بأسورة من ذهب ، ولا تصفّ وراءه جنوده (من الملائكة)؟!

وهكذا يصدّ الطغاة (وهم قرناء السوء) الغافلين عن ذكر ربّهم ، ويزيّنون لهم سوء أعمالهم ليحسبوا أنّهم مهتدون!

وأخيرا : يضرب القرآن بهذه الآيات مثلا لعاقبة المستهزئين بالرسالات ، الذين ازيّنت الدنيا في أعينهم ، فعبدوها وقاسوا كلّ شيء بزخرفها ، كيف يحيط بهم ما عبدوه ، ويكون هلاكهم بما افتخروا به. ألا ترى كيف تبجّح فرعون بالأنهار التي تجري من تحته فأطاعه قومه بذلك فأغرقهم الله فيها؟! هكذا يضرب الله للناس الأمثال.

وللسياق هنا محوران : الأول : ما يتعلّق بموسى (ع) وفرعون ، الثاني : ما يرتبط بفرعون وملئه ، الذين لم يتدخّلوا لحسم الحوار للحق ، فاستحقّوا العذاب بسبب سكوتهم عن فرعون واتباعهم له.

٤٨٨

بينات من الآيات :

[٤٦] (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ)

الملأ في القرآن هي الطبقة المترفة المتسلّطة على الناس. ونستوحي من إشراك الله للملأ مع فرعون في الدعوة أنّ هؤلاء كانوا فراعنة صغارا يستفيدون من فرعون ، ويستفيد منهم ، وكانوا يلتفّون حوله ، ويستعين بهم ، وإذا راجعنا قصص الأنبياء نجد أنّ الملأ هم الذين كانوا يحرّضون الناس على الكفر ، ويقفون أمام الرسالات.

[٤٧] (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ)

كانوا يضحكون من الآيات التي جاء بها موسى (ع) بدل أن يستفيدوا منها ويؤمنوا بها ، ومثلهم مثل الصخرة الملساء لا يستقرّ عليها قطر السماء ، ولا تنبت الزرع ، كذلك القلوب المتحجّرة تنزاح عنها المواعظ ، ويستهزأ أصحابها بالرسالات والرسل ، وهذا مثل لما أجمله السياق في فاتحة السورة.

[٤٨] (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها)

تدرّج الله لهم بالآيات ، فمن العصا واليد ، الى السنين ونقص من الأموال والثمرات ، الى الطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم ، الى الرجز ، وكلّ آية من هذه الآيات أكبر وأعظم من أختها ، وكلّها كانت من نوع العذاب الأدنى الذي يقضيه الله بلطفه على بعض الأمم بهدف إنذارهم.

(وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)

[٤٩] تراهم هل رجعوا؟ كلّا .. فحين يصيبهم العذاب يتوسّلون بموسى (ع)

٤٨٩

ـ ويسمّونه ساحرا ـ أن يدعو ربّه بما عهد عنده من الآيات والرسالة إن أزال عنهم العذاب إنّهم لمهتدون.

(وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ)

وفي هذه الآية ثلاث ملاحظات : الأولى : أنّهم سمّوا موسى ساحرا ، والثانية : أنّهم قالوا : ادع لنا ربّك ، ولم يقولوا : ربّنا ، والثالثة : أنّهم حين العذاب بالآيات لم يهتدوا ، ولكنّهم قالوا : إنّنا لمهتدون إن كشف عنا ربّك العذاب ، فهم لن يهتدوا إلّا بعد أن يكشف الله عنهم العذاب.

وتساءل المفسّرون : كيف سمّوا موسى ساحرا ثم سألوه أن يدعو ربّه بالنجاة؟

والجواب :

أوّلا : يكشف القرآن الحكيم دائما تناقضات الكفّار ، وكيف أنّهم ضلّوا فلا يهتدون سبيلا ، وبالذات فيما يرتبط بظاهرة النبوّة ، فقال ربّنا سبحانه : (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) (١) .

وقال سبحانه : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) (٢)

وقوم فرعون بدورهم ضلّوا في أمر موسى ، فمن جهة قالوا : يا ساحر ، ومن جهة ثانية اعترفوا بأنّ قدرته ليست منه ، ولا من بعض ما يعرفه من الحيل ، بل من الله ، فسألوه أن يدعو ربّه.

__________________

(١) الأنبياء / (٥) .

(٢) الإسراء / (٤٨) .

٤٩٠

ثانيا : إنّ تهمة السحر التي كان الكفّار يفترونها على الأنبياء كانت أقوى حجّة لصدق نبوّتهم ، إذ أنّهم اعترفوا من خلالها بأنّ الرسل يأتون بما هو خارق العادة ، ولكنّهم كانوا يفسّرونها بالسحر .. ونحن نعرف براءة الرسل من السحر ، إذ لا يفلح الساحر حيث أتى ، ونعرف الفرق الذي جهلوه بين السحر والنبوة ، فيكون اعتراف الأمم الكافرة دليلا على صدق الرسل ، وأنّ تلك كانت آيات تشابهت عليهم بامتلاك الرسل الخوارق ، كما نعرف أنّ كفر أولئك الجاهلين كان بدافع الكبر وحبّ الدنيا والهروب من المسؤولية.

ثالثا : بالرغم من اتهام النبي موسى (ع) بالسحر ، ونكثهم المكرّر لوعدهم إيّاه بالتصديق ، لم يزل هذا النبي العظيم يدعو ربّه لأجلهم. وحقّا : ما أوسع هذا الصدر ، وما أرحم هذا القلب ، وما أدوم هذه الاستقامة في طريق الدعوة التي ينبغي أن نجعلها لأنفسنا أسوة ومثلا حسنا.

[٥٠] وبرحمة الله سبحانه الواسعة وعطفه على العباد يرفع عنهم العذاب ، مع علمه أنّهم لن يهتدوا إذا أبدا ، ولكن ليعطيهم الفرصة تلو الفرصة.

(فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ)

ويتبيّن لنا من هذه الآيات أنّ العذاب نوعان : عذاب الإنذار ، وعذاب الانتقام ، فمن رأى النوع الأوّل من العذاب فلا يفوّت الفرصة على نفسه ، لأنّه إذا جاءه العذاب الثاني فلا مردّ له من الله.

وإنّنا نجد فرعون وملأه قد تعهّدوا بالهداية ، إذ قالوا : (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) ، ولكنّهم أخلفوا بعد أن كشف الله عنهم العذاب.

[٥١] وخشي فرعون من انتشار الدعوة بين قومه فاستدرك الأمر بإثارة الشهوات

٤٩١

في أنفسهم.

(وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ)

كيف نادى كلّ أهل مصر الذين كانوا قومه؟ هل جمع الملأ منهم فنادى فيهم؟ أم أنّه بثّ الشائعات عبر أجهزة إعلامه ، ووسائل دعايته ، كالسحرة والكهنة ومن أشبه؟ لعلّ هذا أقرب الى معنى النداء في قومه ، حيث يظهر أنّه أبلغ كلّ قومه بكلامه هذا.

(قالَ يا قَوْمِ)

فأثار فيهم النخوة والعصبية حيث ناداهم بأنهم قومه.

(أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ)

وهكذا احتجّ عليهم بأنّه ملكهم الشرعي فلا بدّ من طاعته. أو ليس يملك القوة والمنعة؟ ثم احتجّ عليهم بأنّه يملك ناصية القدرة الاقتصادية أيضا ، قائلا :

(وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي)

فهو المنظّم للريّ الذي بأمره تجري الأنهار المتفرّعة من النيل ، والتي قيل بأنّها كانت تبلغ (٣٦٠) كم ، وكانت تروي منها زراعتهم.

وقد قالوا : إنّ الحضارة النهريّة تدعو الى النظم والاستقرار أكثر من غيرها ، لأنّ حياة أهلها قائمة على حسن توزيع المياه. ولعلّ السياق يشير الى ذلك حيث لمّح فرعون بأنّ الرسالة تهدّد الناظم الذي يهيّأ توزيع المياه ، ولذلك قال المفسّرون إنّ معنى «من تحتي» هو بأمري وسلطتي ، وهو تعبير بالغ الروعة.

ولا ريب أنّ الإصلاح في المجتمعات المستقرّة كذلك المجتمع أشدّ صعوبة.

٤٩٢

(أَفَلا تُبْصِرُونَ)

لماذا لم يقل : أفلا تعقلون ، أو تتفكرون؟ لأنّه يدعوهم الى رؤية الظاهر ، أمّا إذا دعاهم للتفكير فسوف يكتشفون بأنّه ليس سوى بشر عادي مثلهم ، وإنّما سيطر عليهم بجهلهم. ولو عقلوا لعرفوا أنّ ملك مصر لله ثم لمن عمّرها ، وأنّ فرعون يستحقّ منهم أشدّ العذاب على استغلالهم ماليّا ، والتسلّط عليهم سياسيّا ، بلا تخويل منهم ، ولا تفويض من عند الله ، فكيف يطالبهم بأجر ، ويمنّ عليهم ، لأنّه طغى عليهم ، وانتهب ثرواتهم؟!!

[٥٢] ثم استهزأ برسول الله إليهم ، وأخذ يقيّم حقائق رسالات ربّ العالمين بالمعيار المادي ، وكيف أنّ موسى (ع) مستضعف ، وأنّه لا يفصح قولا ، ولا يملك شرفا.

(أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ)

مستضعف ، وراعي غنم. لا ذكر له. وهذه عادة الطغاة أن يستصغروا الرسل والدعاة الى الله ، فلقد سمعنا قصة إبراهيم وقومه لمّا جعل الأصنام جذاذا حين قالوا تصغيرا : «سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ» (١) .

[٥٣] ثم أخذ يقيس موسى (ع) بما يملكه من ثروة أو سلطة ، وهكذا يقيس الجاهليّون الناس بالغنى والقوّة ، لا بالصلاح والخير.

(فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ)

الأسورة جمع السوار.

(أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ)

٤٩٣

وإذا لم يكن ذا مال ، فلتأت معه الملائكة متقارنين يعاضد بعضهم بعضا ، كالجنود المجنّدة التي يملكها هو.

وجاء حديث شريف عن أمير المؤمنين (ع) : ولقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هارون ـ عليهما السلام ـ على فرعون ، وعليهما مدارع الصوف ، وبأيديهما العصي ، فشرطا له ـ إن أسلم ـ بقاء ملكه ، ودوام عزّه ، فقال : ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العز ، وبقاء الملك ، وهما بما ترون من حال الفقر والذلّ ، فهلّا ألقي عليهما أساورة من ذهب؟! إعظاما للذهب وجمعه ، واحتقارا للصوف ولبسه! ولو أراد الله سبحانه لأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذّهبان ، ومعادن العقيان ، ومغارس الجنان ، وأن يحشر معهم طيور السماء ووحوش الأرضين لفعل ، ولو فعل لسقط البلاء ، وبطل الجزاء ، واضمحلّت الأنباء ، ولما وجب للقابلين أجور المبتلين ، ولا استحقّ المؤمنون ثواب المحسنين ، ولا لزمت الأسماء معانيها ، ولكنّ الله سبحانه جعل رسله أولي قوّة في عزائمهم ، وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم ، مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنى ، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذى.

ولو كانت الأنبياء أهل قوة لا ترام ، وعزة لا تضام ، وملك تمد نحوه أعناق الرجال ، وتشد اليه عقد الرحال ، لكان ذلك أهون على الخلق في الإعتبار ، وأبعد لهم في الاستكبار ، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم ، أو رغبة مائلة بهم ، فكانت النيات مشتركة ، والحسنات مقتسمة. ولكن الله سبحانه أراد أن يكون الإتباع لرسله ، والتصديق بكتبه ، والخشوع لوجهه ، والاستكانة لأمره ، والاستسلام لطاعته ، أمورا له خاصة ، لا تشوبها من غيرها شائبة ، وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل (١) .

__________________

(١) الأنبياء / (٦٠) .

٤٩٤

[٥٤] (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ)

لقد جرّد فرعون قومه من ثقل العقل والإيمان ، بما أثار فيهم من حبّ الشهوات الرخيصة ، فأطاعوه ، لأنّ الإنسان حينما يملك العقل والإيمان فإنّه سيكون رصينا وموزونا ، لا تحرّكه العواصف ، ولا تزيله القواصف ، بينما إذا فقده كان كريشة تتقاذفه الرياح.

ولقد كان فرعون ـ شأن كلّ الطغاة ـ يعرف أن منطق العقل والعلم والفطرة يؤيّد موسى (ع) ، ولكنّه انحرف عنه الى إثارة العصبيّات ، والتلويح بالإرهاب والإغراء ، وبالتالي إزاغة الناس عن عقولهم الرصينة الى شهواتهم الخفيفة.

وهذا شأن الاعلام الجاهلي اليوم الذي يستخدم آخر إنجازات العلم في إثارة الشهوات ، وبثّ العصبيّات ، وتخويف الناس من الرساليين ، انطلاقا من النزغات الشيطانيّة.

هل سمعت كيف دعا وزير الحرب الأمريكي رؤوساء العرب بدعم إسرائيل ماديّا ، لأنّها تحافظ على عروشهم ضدّ ما أسماه بالتطرّف الديني؟

أسمعت كيف يتّهمون أولياء الله بالإرهاب ، ثم يعذّبونهم ، ويذبحونهم ، ولا من معترض؟

وما نقموا منهم إلّا أنّهم يدعونهم الى التوحيد ، ونبذ الأنداد ، الذين يمثّلهم اليوم مستكبروا الشرق والغرب وعملاؤهم.

لقد قال فرعون وأجهزة إعلامه : لماذا لا يلبس موسى أسورة من ذهب ، ويدعم منطقه بجنود من الملائكة؟ واليوم تقول أجهزة الفراعنة الجدد : ما قيمة شرذمة من

٤٩٥

المطرّفين ، إنّهم لا يملكون قوة ولا مالا؟ (١)

بلى. ولكنّهم يدعون الى الله ، والله هو القويّ الغني. ولكن من الذي يتّبع دعايات الظالمين ، ويخضع لإعلامهم؟ إنّما هم الفاسقون.

(إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ)

سلّموا أنفسهم للباطل ففسقوا عن الحق ، لأنّهم لم يربّوا أنفسهم منذ البدء على التسليم للحق ، فكان لا بدّ أن يسلّموا لباطل فرعون.

ويبدو من هذه الآية أنّ فرعون ليس هو المسؤول الوحيد ، إنّما الذين اتبعوه كانوا أيضا مسئولين ، وإلّا لما قال عنهم ربّنا : «فأطاعوه» ولما قال عنهم : «إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ» فقد أطاعوا فرعون في باطله ، لأنهم كانوا فاسقين في واقعهم ، فاستحقّوا العذاب باختيارهم السيء.

[٥٥] لقد أغضبوا الربّ الرحمن بعنادهم على الجحود ، وبلغ بهم فعلهم المشين درجة الأسف.

(فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ)

إنّ الله لا يتأسّف ، ولكنّ الواقع واقع يبعث على الأسف ، والله يفعل ما ينبغي أن يفعله من يأسف ، كما أنّ أولياء الله الذين رضاهم رضى الله وسخطهم سخط الله يأسفون.

[٥٦] (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ)

سلفا : مثالا يحتذي بهم ، ومثلا : عبرة لمن يعتبر.

__________________

(١) نهج البلاغة / ح (١٩٢) ص (٢٩١ ـ ٢٩٢) ـ صبحي الصالح.

٤٩٦

وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢) وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٦٣) إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٦٥) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٦)

٤٩٧

وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ

هدى من الآيات :

تتوالى آيات الدرس تبصرنا بشرف الرسالة ، وهوان الدنيا ، لكي نبني تجمّعنا على أساس الوحي لا المتاع الزائل ، وابن مريم آية في شرف الزهد في الدنيا ، ومثل أعلى لبني إسرائيل في الرغبة عن زخرف الحياة ، وقد أمعن عبيد الدنيا من اليهود ومن تأثّر بهم من الجاهليّين العرب في الصدّ عنه ، وعن سبيله المستقيم ، ونهض الرسول لردّ الشبهات التي بثّوها حوله ، لكي تتكرّس في الأمة قيادة الحق ، وقيم الرسالة المتمثّلة في موسى وعيسى ومحمّد ـ صلى الله عليهم ـ ومن مضى على سبيلهم كالإمام علي وأهل بيت الرسول ـ عليهم السّلام ـ والمنتجبين من أصحابهم.

كذلك نجد سورة الزخرف تضرب لنا المثل العالية من حياة أولي العزم من الرسل باستثناء نوح (ع) ، لأنّ السورة تبصّرنا أساسا بقيادة أصحاب الرسالات ، وتحرّضنا ضد قيادة أولي القوّة والثروة.

والجاهليّون الذين منعهم تعصّبهم الأعمى عن الإيمان بعيسى كانوا يتساءلون :

٤٩٨

ءآلهتنا خير أم هو؟ وهم يعلمون مقام عيسى ، ولكنّهم إنّما جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق.

ثم يتابع السياق حديثه عن عيسى ـ عليه السلام ـ الذي جعله الله مثلا لبني إسرائيل ، فيقول : (إنّ أعظم فضائله كانت في عبوديّته لله!) فهو عبد أنعم الله عليه ، وكانت دعوته الى الله الواحد (كما دعوة كلّ الرسل) وإنّما جاء ليعلّم بني إسرائيل الحكمة ، ويفصل بين خلافاتهم ، ولكنّهم عادوا واختلفوا فيه ، فويل للظالمين من عذاب أليم.

ويختم الدرس بالإنذار من الساعة التي تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون.

بينات من الآيات :

[٥٧] يتّبع القرآن الحكيم منهجا رائعا حين يفصّل القول في موضوعة هامة عبر سورة واحدة أو سور شتّى ، ثم يجمله مشيرا إلى ذلك التفصيل ، وهكذا ينبغي أن يتّبع المتدبّر منهج النظرة الشموليّة الذي أشارت إليه النصوص ، بأن يفسّر بعض القرآن ببعضه ، ويعيد متشابهاته الى محكماته ، ولا يجعل القرآن عضين يأخذ ببعضه ويترك بعضا.

وهنا يجمل القرآن حديثه عن النبي عيسى ـ عليه السلام ـ كما جعله مثلا يحتذي لنبي إسرائيل ، كما ضرب مثلا للعرب لعلّهم به يهتدون إلى نوع القيادة الذي أمروا باتباعه.

لقد رفع الله شأن ابن مريم حين خلقه من غير أب ، وجعله يكلّم الناس في المهد صبيّا ، وآتاه الكتاب والحكمة ، وجعله مباركا.

ولقد أكرمه الله بالزهد في الدنيا ، والخلق الرفيع ، وتلك هي قيم الوحي الحق ،

٤٩٩

وليس المال والجاه وما أشبه.

وكان يكفي العرب هدى مثال عيسى ، فرسالة النبي محمد (ص) ورسالة أخيه عيسى (ع) واحدة ، وزهده في الدنيا ، وخلقه العظيم ، ومعالم شخصيته ، كلّها متشابهة ومعالم شخصية ابن مريم ، ولكنّ قريشا صدّت عن هذا المثل السامي. لماذا؟

أوّلا : لأنّهم لم يؤمنوا بتلك القيم العليا التي مثّلها عيسى ـ عليه السلام ـ بشخصيته ودعوته ، فهم عبدوا آلهة تمثّل الشهوات والأماني الزائلة ، وزيّنها قرناؤهم من شياطين الجنّ والإنس في أعينهم ، حتى قالوا : ءآلهتنا خير أم هو؟!

ثانيا : لأنّ إيمانهم بعيسى بن مريم (ع) مثال الفضائل (والذي قد فرض نفسه على وجدانهم وفطرتهم بالرغم منهم) كان يدعوهم الى الإيمان بالنبي محمد (ص) لأنّهما على نهج واحد ، فصدّوا عن ذاك ليصدّوا عن هذا.

ثالثا : ولعلّ قريشا تأثّرت بالدعاية السلبية التي بثّها اليهود حول النبي عيسى ـ عليه السلام ـ ، ويبدو أنّ من أبعاد رسالة النبي (ص) في قومه إحياء ذكر إخوته الأنبياء الكرام ـ عليهم السلام ـ لا سيّما أنبياء بني إسرائيل الذين ربما منعت عصبية العرب من قبولهم ، وبالذات عيسى ـ عليه السلام ـ الذي تعرّض للإعلام المضادّ من قبل اليهود بالإضافة الى كونه من بني إسرائيل.

(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً)

أي بيّن القرآن كما الرسالات السابقة واتباعها مثال عيسى (ع) في زهده وخلقه وآياته ليهتدي به العرب الى رسولهم الكريم ، والى أوصيائه الذين يجسّدون نهجه.

(إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ)

٥٠٠