من هدى القرآن - ج ١٢

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١٢

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-15-7
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٥٤٠

الآية الكريمة :

«قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم ، فمن قالها حتى يموت فهو ممّن استقام عليها» (١)

وأبرز مظاهر الاستقامة الولاية ، واتباع الخط السياسي المستقيم في ظلّ القيادة الشرعية ، ذلك لأنّ أعظم ما يتصارع عليه أبناء آدم هو قيادة المجتمع السياسية ، وللمؤمنين خطهم السياسي الواضح الذي يدعون إليه ، والمتمثّل في قيادة الصالحين ، والاستقامة على هذا الخط تعني محاربة كلّ قوى الشرك والجهل والنفاق في المجتمع ، والتي تتركّز عادة في اتباع نهج أئمة الكفر والضلال ، وكذلك حين يأتي أحد المجاهدين من أتباع أهل بيت الرسول إلى الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ ويسأله عن الآية يقول له الإمام

«هي والله ما أنتم عليه»

كذلك يقول الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ لرجل من شيعته الأبرار. (٢)

[٣١] من ارتقى ذروة الإيمان عاش هنالك وحده ، ويخشى عليه وحشة الانفراد ، فها هم أصدقاؤه يتفرّقون عنه لأنّه يستقيم على الحق ، وهم يتساقطون تحت وطأة الضغوط ، حتى يقول مثلما قال إمام المتقين :

«ما ترك الحقّ لي من صديق»

وها هم أسرته يتخلّون عنه ، ويقولون له لا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به ..

__________________

(١) نور الثقلين / ج (٤) ـ ص (٥٤٧) .

(٢) المصدر.

٢٢١

وها هو المجتمع الفاسد أو اللّامسئول يواجهه ، أو لا أقل يتخلّى عنه في ساعة المواجهة ، حتى لتكاد الدنيا تضيق به على رحبها ..

هنالك تتنزّل عليه ملائكة الله ليعلنوا ولاءهم له ومساندتهم إيّاه.

ومن عاش مع الملائكة الموكّلين بشؤون الكائنات لا يبقى غريبا. إنّه يمشي في الاتجاه الصحيح مع كلّ الخليقة ، إنّما أعداء الحق هم الغرباء ، لأنّهم يعيشون ضد سنن الله في خلقه ، وفي الاتجاه المضاد لحركة الكائنات.

(نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا)

لقد عاش إبراهيم (ع) وحده في ذروة التوحيد ، فهل كان غريبا؟ وكيف يكون غريبا يتنزّل عليه جبرائيل وميكائيل وإسرافيل؟

وحين وضع في المنجنيق ليرمي به في النار ، هرعت إليه سائر الملائكة الموكّلين بشؤون الطبيعة ، وعرضوا عليه دعمهم له ، فلم يقبل ، إنّما سلّم أمره الى الله ، فجعل الله النار بردا وسلاما عليه.

(وَفِي الْآخِرَةِ)

عند ما تبلغ النفس التراقي ، وتهبط على ابن آدم كربة الموت ، ويقف أحبّاؤه حياله عاجزين عن تقديم أيّ عون له ، هنالك تهبط ملائكة السلام على من استقام من المؤمنين فيبشّرونه بالجنة. الله أكبر ، ما أحلاها من بشارة ، وما أعظمها من نعمة.

وعند ما يوضع الإنسان في لحده ، ويتفرّق عنه أبناؤه وأحبّاؤه ، وقد تركوه تحت التراب وحيدا غريبا ، تهبط ملائكة الله بالبشرى على المؤمن ، ويزيلون وحشته ،

٢٢٢

ويرافقونه حتى النشور ، وعند ما يبعث الناس الى ربهم في صحراء المحشر (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) ، (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) ، (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) ، هنالك يتقدم ملائكة الرحمة لمرافقة المؤمنين الى ربّهم.

(وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ)

لقد زهدوا في الدنيا وشهواتها ، فعوّضهم الله بنعيم الآخرة ، وإذا كانت شهوات الدنيا مشوبة بالآلام ، ومشحونة بالمصائب والنكبات ، وهي سريعة الزوال ، فإنّ نعيم الآخرة التي تشتهيها نفوسهم صافية لا زوال لها.

بلى. إنّ الدنيا والآخرة ضرّتان ، فمن رغب في الآخرة زهد في الدنيا ، ومن أذهب طيّباته في هذه الحياة الزائلة ، فسوف لا يجد نعيما في تلك الحياة الأبديّة.

لقد رئي على إمام المتقين عليّ بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ إزار خلق مرقّع ، فقيل له في ذلك ، فقال :

«يخشع له القلب ، وتذلّ به النفس ، ويقتدي به المؤمنون ، إنّ الدنيا والآخرة عدوّان متفاوتان ، وسبيلان مختلفان ، فمن أحبّ الدنيا وتولّاها ، أبغض الآخرة وعاداها ، وهما بمنزلة المشرق والمغرب وماش بينهما ، كلّما قرب من واحد بعد من الآخر وهما بعد ضرّتان» (١)

(وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ)

الدنيا دار السعي ، والآخرة دار الجزاء ، وفي الدنيا لا يمكن أن تتحقّق كلّ أماني

__________________

(١) نهج البلاغة / خطبة (١٣٠) .

٢٢٣

البشر ، ولا يمكن أن يرضي أحد أحدا ، لأنّ ادعاءات ابن آدم أكبر من حجم الدنيا نفسها ، وتمنيّاته أوسع من حياته على الأرض ، فكيف تتحقّق جميعا؟ بينما الآخرة دار واسعة ، أكبر من طموحات البشر وتطلّعاته ، وهكذا تتحقّق أماني المؤمنين بلا جهد أو سعي.

جاء في حديث مأثور رواه الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ٧٤ ـ :

«وليس من مؤمن في الجنة إلّا وله جنات كثيرة ، معروشات وغير معروشات ، وأنهار من خمر ، وأنهار من ماء غير آسن ، وأنهار من لبن ، وأنهار من عسل ، فإذا دعا وليّ الله بغذائه أتي بما تشتهي نفسه عند طلبه الغذاء من غير أن يسمّي شهوته» (١)

[٣٢] وأعظم النعم لأهل الجنة أنّهم في ضيافة الرحمن ربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم ..

(نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)

[٣٣] ومثلما الإيمان بالله ذروة الكمال وسبيل كلّ خير ، فإن الدعوة إليه أحسن المقال ، وطريق كلّ صلاح وإصلاح ، ولأنّ الدعاء الى الله خير الأعمال فقد اجتبى له الربّ خير خلقه ، وهم الرسل ثمّ الأمثل فالأمثل من عباده الصالحين.

وحين يرفع الإنسان صوته بالدعوة تتساقط الأوهام التي يبثّها الشيطان في روع البشر ، كما تهتزّ الأصنام التي يصنعها في المجتمع!!

__________________

(١) نور الثقلين / ج (٤) ـ ص (٥٤٨) .

٢٢٤

الدعاء إلى الله يعني محاربة الجبت وعبادة الذات ، كما يعني مواجهة الطاغوت وعبادة أولي القوة والثروة.

الدعاء إلى الله ينطوي على تزييف الدعوات الكاذبة إلى القومية والعنصرية والإقليمية وما إليها من ضلالات الشرك.

الدعاء الى الله يستدعي زكاة النفس ألّا تسترسل مع الشهوات ، ولا تستفز بهمزات الغضب الشيطانية.

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ)

أحسن قولا : لأنّ محتوى قوله الدعوة الى الغفور الرحيم.

وأحسن قولا : لأنّ أسلوب دعوته سليم ، فلأنّها مجردة عن ذاته لا تتأثّر بالمصالح الشخصية ، أو بالظروف المتغيّرة ، فيختار أفضل السبل للدعوة ، يتواضع للناس ، ويحسن إليهم ، ولا يتجبّر عليهم ولا يبحث في دعوته عن شهرة أو سمعة ، ولا يتأثّر بعصبيّة.

إنّ دعوته بذاتها خير عظيم حظي به فهو يحمد الله أبدا على هذا التوفيق ، فلا يطلب على دعوته أجرا من الناس أو شكرا ، وإذا واجه إعراضا أو كفورا لا يلويه ذلك عن سبيل الدعوة ، لأنّ دعوته مدفوعة الثمن سلفا من عند ربّه.

ثم إنّ دعوته ليست مجرّدة عن سلوكه. إنّه يسارع إلى تنفيذ شرائع الله ، والعمل الصالح ، والتسليم للقيادة الشرعية ، والرضا بها ، ممّا يشهد بصدقه في دعوته ، كما يشهد على صدق دعوته ، فمن دعا الى الله حقّا فقد عرف ربّه ، ومن عرف ربّه صلحت أفعاله ، ولم يطلب علوّا في الأرض ولا فسادا ، بل سلّم الأمر لله ولأولى

٢٢٥

الناس برسول الله.

(وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)

فهو أوّل من يسلم وجهه لربّه ، ويعلن عن ذلك ، ويتحدّى ـ بدعوته ـ الطغاة والجبابرة ، كما ويجابه بها شيطان نفسه النزّاعة الى الرئاسة والسلطة.

وهكذا تبصّرنا الآية ـ بكلمات وجيزة بليغة ـ بشواهد الصدق في الدعاة ، وكيف أنّهم الأحسن قولا ، والأسبق إلى تهذيب النفس من شوائب الهوى في الدعوة ، وتهذيب أسلوب الدعوة من الرعونة والخشونة والكلمات النابية ..

إنّ من الناس من يدعو الى الله ، ويختار وسيلة معيّنة لهذه الدعوة ، مثلا ينتمي الى تنظيم رسالي ، أو ينخرط في سلك العلماء والخطباء ، أو يصدر صحيفة ، أو يفتح دارا للنشر .. ويقف الشيطان له بالمرصاد فيضلّه عن السبيل فيحرف اهتمامه من الله إلى تلك الوسيلة التي اختارها ، فإذا به يجعل تنظيمه أو جماعته أو مؤسسته محور دعوته ، ويصارع من أجلها سائر الدعاة الى الله ، وبدل أن يذوّب نفسه في بوتقة الدعوة تراه يذوّب دعوته في بوتقة نفسه ، ويضلّ ضلالا بعيدا.

ولعلّ خاتمة الآية تعالج هذه الحالة ، إذ الإسلام هو التسليم ، والتسليم يتنافى والصراعات المصلحية عند الدعاة يقول أمير المؤمنين الامام علي ـ عليه السلام ـ :

«لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي ، الإسلام هو التسليم ، والتسليم هو اليقين ، واليقين هو التصديق ، والتصديق هو الإقرار ، والإقرار هو الأداء ، والأداء هو العمل» (١)

__________________

(١) نهج البلاغة / الخطبة (١٢٥) .

٢٢٦

[٣٤] الذي يدعو إلى الله يختار أحسن القول ، فما هو الأحسن؟ هناك الحسنة والسيئة والفارق بينهما كبير ، ولكن للحسنة درجات متصاعدة ، كما أنّ للسيئة دركات متسافلة ، والداعي الى الله يختار الأحسن بين درجات الحسنة ..

(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ)

قال الشيخ الطبرسي : والمعنى : أنّ الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما ، فلا تستوي الأعمال الحسنة والأعمال السيئة ، فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها إذا اعترضتك حسنتان. (١)

(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)

وحسب هذا التفسير ، معناه : اختر من الحسنات أفضلها ، ومن الوسائل أبلغها أثرا.

(فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)

إنّ الداعي إلى الله يدلّ الناس إلى ذروة الكمال ، ولا يوفّق لهدفه إلّا إذا اكتملت نفسه أوّلا ، واستطاع أن يتعالى على غضبه ومصالحه ، فإذا كانت بينه وبين أحد من الناس عداوة لا يستغل مركزه لتحطيمه ، بل يسعى إليه ليهديه حبّا له ، وحبّا لدعوته ، إذ أنّ وجود حزازات بين الناس وصاحب الدعوة تؤثّر سلبيّا على الدعوة ، ولكن ماذا يملك الداعية في هذا السبيل؟ إنّه يملك نفسه فيسخو بها لربّه ولدعوته ، فإذا به يتنازل عن حقوقه ، وعمّا يسمّى عند الناس بالكرامة الشخصية ، ويطفق بالإحسان الى أعدائه.

__________________

(١) جوامع الجامع / ج (٢) ـ ص (٤٨٢) .

٢٢٧

ثم يستخدم حكمته في اختيار السبيل الأحسن ، ذلك أنّ التدبير وحسن الإدارة في الدعوة إلى الله ذوا أهمية كبيرة ، بالرغم من صعوبتهما البالغة ، إذ أنّ حسن الإدارة بحاجة إلى علم غزير ، وتفكّر مستمر ، ومقدرة فائقة في تنفيذ المهام ، مثلا يستدعي التدبير ـ عادة ـ الكتمان ، واتباع السبل الخفيّة في العمل على ما نحمل من مشاق كبيرة ، ولكن أنّى كانت الصعاب فإنّ الكتمان وسيلة هامّة لإنجاح مهام الدعوة. أو لم يقل الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ :

«استعينوا في أعمالكم بالصبر والكتمان»؟

وهنا نعرف عمق تفسير أهل البيت ـ عليهم السّلام – حيث جاء في الحديث المأثور عن الإمام الصادق ـ عليه السّلام ـ :

«إنّ الحسنة التقيّة ، والسيئة الإذاعة» (١)

ثم إنّ طموح الداعية عال حيث لا يسعى الى تجنّب أذى العدو ، بل إلى جعله وليّا حميما له. إنّه يسعى أبدا لكسب الناس لدعوته.

[٣٥] إنّها القمّة السامقة في الخلق الرفيع ، لن يبلغها إلّا من تميّز بأمرين : الصبر والحلم.

(وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا)

فمن تجرّع مرارة الصبر أوتي الخلق الرفيع. والصبر في جملة معانيه التطلّع الى المستقبل ، ومعايشة أحداثه ، بتجاوز اللحظة الراهنة.

وهناك علاقة قريبة بين الصبر والعلم ، فمن أحاط معرفة بالمستقبل ، وطبيعة سير

__________________

(١) مجمع البيان / ج (٥) ـ ص (١٣) .

٢٢٨

الأحداث ، لم يستبدّ به الحدث الحاضر ومؤثّراته ، ولعلّه لذلك قال ربّنا سبحانه :

(وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)

فمن كان حظّه عظيما من اليقين والحكمة حسن خلقه ، وصبر على المكاره.

والآية تشير إلى أنّ من يردّ الإساءة بالإحسان يكون مجمل حظّه عظيما (حيث جاءت الكلمة مطلقة) ممّا يعني أنّه ينتصر في صراعه مع منافسيه وأعدائه ، ويتمتّع بالتقدم والرقي في كافّة الحقول.

[٣٦] لأنّ الاستقامة ، وردّ الإسائة بالإحسان ، والصبر ، صعب مستصعب ، فإنّ الإنسان الذي خلق من ضعف قد يسقط تحت الضغوط ، فلا ينبغي اليأس والاسترسال في الهبوط ، بل لا بدّ من تجديد العزم ، وتجاوز حالة الضعف ، والاعتصام بحبل الله ، والاستعاذة به.

(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ)

أي دفعك الشيطان دفعا إلى الانحراف في حالة من حالات الضعف الذي يعتري البشر عادة ..

(فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)

ذلك أنّ ضعف البشر لا يجبره سوى قوّة الرب ، فحين تذكر ربّك ، وتتّجه إليه بقلبك ، يصلك المدد من الملائكة الذين يثبّت الله بهم أقدام المؤمنين عند مظنّة الزلل.

إنّ الشيطان الغوي يجنّد لمحاربتك جنوده ، ويوسوس إليك بأمانيه وغروره ،

٢٢٩

والريب واليأس ، ولكن إذا أقبلت إلى ربّك ، وذكرته في سرّك ، هرب إبليس وجنوده ، وخرجت منتصرا.

وكلمة أخيرة :

إنّ سياق الآيات في هذا الدرس يهدي إلى أنّها تعالج وضع الدعاة في أشدّ الظروف ، حيث يحتاجون الى الاستقامة ، وردّ الإسائة بالإحسان والصبر ، ولا ريب أنّ الدرع الحصين لهم هو التقية ، وهي بحاجة الى أناة وحكمة ، وصبر عظيم ، وإنّ كثيرا من الحركات الرسالية فشلت في صراعها ضد الطغاة بسبب فقدان بند أو أكثر من هذا البرنامج في حياتهم ، وذهبت تضحياتهم الكبيرة سدى ، فعلينا ألّا نستهين ولا بواحدة من هذه الوصايا ، بل نتمسّك بها جميعا وبقوة حتى يأذن الله لنا بالنصر.

٢٣٠

وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ

___________________

٣٨ [لا يسئمون] : من سأم بمعنى تعب ، أي لا يتعبون عن التسبيح والعبادة.

٣٩ [اهتزّت] : تحرّكت ، فإنّ الماء ينشّ الأرض ويحرّكها بالانتفاخ وتعلية الأملاح.

[وربت] : ارتفعت لدخول الماء والهواء خلالها.

٢٣١

قَدِيرٌ (٣٩) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣) وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥)

٢٣٢

لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ

وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ

هدى من الآيات :

من المحاور الرئيسية لسورة فصّلت بيان الصلة السليمة بين البشر والخليقة من حوله ، المتمثّلة في أنّهما جميعا خلق الله ، وخاضعان طوعا أو كرها لمشيئته ، فلا ينبغي أن يتخذ الإنسان آيات الله أندادا من دون الله ، فيسجد للشمس أو للقمر ، إنّما السجود (والتعبّد) لله وحده. أليس هو الخالق للكائنات جميعا ، وهكذا تسبّح ملائكة الله ومن هم عند الله لربّ العالمين ليلا ونهارا بلا سأم أو ملل.

كذلك الأرض تراها خاشعة (كأنّها في حالة تعبّد لربّها وانتظار لبركاته المتمثّلة في الغيث) فإذا أنزل الله عليها الماء اهتزّت وربت ، وكان في إحيائها بعد موتها شهادة حق على إحياء الموتى للنشور ، وأنّ ربّنا على كل شيء قدير.

(كلّ ذلك من آيات الله ، ولكن ماذا عمّن يلحد فيها؟) .

إنّ الملحدين لا يخفون على الله (وهم لا يستوون مع من يستجيب لها بالتصديق

٢٣٣

والعمل) (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) (ولا يعني تأخير العقوبة جهلا وتهاونا ، كلّا) فليعملوا ما شاؤوا فإنّ الله بصير بهم.

(من هم الملحدون في آيات الله؟) إنّهم الذين يكفرون بذكرهم (المتمثّل في القرآن) لمّا جاءهم ، بينما هو كتاب عزيز يستمدّ قوته من ربّه ، وإنّه كتاب حقّ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. أو ليس قد أنزله الحكيم الحميد ، فكيف يأتيه الباطل؟

(وما يجادلون به حول آيات الله وذكره باطل) .

ولا يقال للرسول إلّا ما قد قيل للرسل السابقين ..

(فاخذهم الله بأليم عقابه ، بعد أن أمهلهم بمغفرته) .

(إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) .

(وكان بين ما قالوا أنّ من يعلّم الرسول (ص) أعجمي ، بينما القرآن عربيّ مبين) ولو جعله الله أعجميّا لطالبوا بأن يكون عربيّا مبينا قد فصّلت آياته تفصيلا ، ولكن هل هذا هو مقياس الحق والباطل ، والهدى والضلال؟ (كلّا .. إنّ المقياس هو الإيمان) فمن آمن بالقرآن كان له هدى وشفاء ، بينما الذين لا يؤمنون كان في آذانهم وقر ، وهو عليهم عمى ، كمن ينادى من بعيد.

(والله سبحانه لا يعاجلهم بالعقوبة ، كما لم يفعل بالأمم السالفة) فقد آتى موسى الكتاب فاختلف فيه فمنهم من آمن ومنهم من كفر (ولكنّ الله أمهلهم ليبتليهم) ولو لا أنّه قدّر الابتلاء في الدنيا لقضي بينهم.

(إلّا أنّ تأجيل القضاء لا يدلّ على إلغائه بل الإنسان مسئول عن أفعاله) (مَنْ

٢٣٤

عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ، وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) .

بينات من الآيات :

[٣٧] بين البشر وسائر الخليقة أكثر من صلة ، وحين يكتشف الإنسان آماد هذه الصلة لا يزداد وعيا بما حوله فقط ، ولا يزداد قدرة على تسخير الطبيعة فحسب ، بل ويزداد إيمانا بربّه ، ومعرفة بأسمائه الحسنى التي تتجلّى في السموات والأرض.

فإذا نظرنا إلى الليل والنهار والشمس والقمر راعتنا عظمتها وكبر حجمها ودقّة نظمها ، ولكن حين نجد أنّها مسخّرات بأمر الله ، وخاشعة لمشيئته ، محاطة بعلمه وقدرته ، هنالك يهتدي المؤمنون الى ربّهم ، ويعرفون شيئا من عظمته ، فيخرّون ساجدين لله وحده الذي له الحمد والمجد والكبرياء والعظمة.

(وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)

اختلاف الليل والنهار بما فيه من دقّة التدبير وحسن النظم شاهد على عظمة مقدّرهما ومدبّرهما ، كما أنّ حركة الشمس ذات الأبعاد الثلاث المتناهية في الدقة ، ودورات القمر المتصلة ذات الأثر البالغ في مقدّرات الأرض ، كل ذلك آية من آيات قدرة الله ، فمن الضلالة تقديس الشمس والقمر من دون بارئهما!

(لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ)

وكانت من عادات الجاهلية ، والتي لا تزال شائعة عند بعض الأمم ، ولعلّها ناشئة من النظرة السطحية الى آيات الخليقة التي لا تنفذ الى ما ورائها من حقائق الغيب.

(وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)

٢٣٥

وكان بعضهم يزعم أنّ السجود للشمس والقمر وللأصنام التي تنحت كرمز لهما ولغيرهما من مظاهر القوة والجمال في الخلق يعتبر عبادة لله أو ليس كلّ أولئك من خلق الله ، ومن مظاهر قوّته وجماله؟ فنهرهم الربّ بأنّ عبادة الله لا تتمّ إلّا بالسجود له وحده ، فإن كانوا يريدون الله فليعبدوه وحده ، ذلك أنّ السجود للشمس وللقمر ولكلّ مظهر من مظاهر القدرة والجمال يبهر البشر وبالتالي الاستسلام للسلطة والثروة ، وما إليهما من زينة الحياة الدنيا. كلّ ذلك أصل الفساد في حياة الإنسان ، وإنّ من عبادة الله تحصين البشر من هذا الفساد الكبير.

وبعضهم أخذ يفلسف هذا الفساد ، ويزعم أنّ آيات الله هي عين ذاته ، وأنّ الوجود والموجود واحد ، وأنّ الخالق والمخلوق واحد ، وأنّ الطرق الى الله بعدد أنفاس الخلائق.

كلّا .. لا تعايش عند الله بين عبادة الله والسجود للشمس والقمر ، فمن سجد لهما خرج عن إطار عبادة الله.

[٣٨] ولكن لماذا يترك الإنسان عبادة الله إلى عبادة مخلوقاته؟

لأنّ في عبادة الخالق استشعار الذلّة والصغار ، والتحسّس بالمخلوقية والعبودية ، وبالتالي الالتزام برسالات الله وما فيها من قيم وشرائع ، واتقاء شحّ النفس ، ومخالفة أهوائها ، والتحلّق في سماء العقل ، والعبور من واقع الشهود الى حقائق الغيب ، وما إلى ذلك من الكمال الرفيع الذي يستصعب على البشر فتراه يتكبر ، فكيف يشافي المنهج القرآني حالة الاستكبار؟ بتذكير البشر بأنّ الملائكة وهم أفضل منه ، وأقرب الى ربّهم ، وأعظم قوّة وسلطانا ، يتعبّدون الله وحده ، ويقدّسونه من الشركاء الموهومين ، وأنّ المقرّبين من عباد الله الصالحين الذين يحظون بقرب الله يسبّحونه ، وأنّ طريق التعالي هو الخضوع ، وأنه لا يتسامى البشر من دون كسر حاجز

٢٣٦

الاستكبار في نفسه.

(فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا)

وأخذوا يشركون بالله خلقه ، ويسجدون للشمس والقمر ، ويخضعون لزينة الحياة الدنيا ، ويزعمون أنّ ذلك طريق الكمال ، تكريسا للأنانيّة ، وإبقاء للجهل والجهالة ، فليعلموا أنّهم لم يهتدوا الى سبيل التقرّب الى الله.

(فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ)

من الملائكة والمقرّبين ، ولعلّ هناك خلق غيرهما لا نعلمه ، هؤلاء الذين لاحظوا بمقام القرب من الله حتى صاروا عنده ، ويحتمل أن يشمل المقرّبين وهم أحياء في الدنيا ، لأنّهم عند ربّهم بأرواحهم وقلوبهم ، وليس لربنا مكان محدّد ، فالقرب منه قرب معنوي.

(يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ)

فآيات الله لا تستبدّ بمشاعرهم ، بل تذكّرهم بعظمة ربّهم. أو ليس الليل يزول ، والله دائم لا يزال؟ أو ليس النهار ينسلخ ، والله حيّ قيوم؟ فهم ينظرون الى الجوانب السلبية في الخليقة فينزّهون بارئها منها ، كما أنّهم ينظرون الى الجوانب الإيجابية فيزدادون حبّا لربّهم وشوقا ، وهذا المنهج في النظر الى الليل والنهار يلهمهم المزيد من معرفة الله باختلاف الليل والنهار ، فلا يتعبون من تسبيحه ، لأنّ النظر الإيماني يعطيهم الطاقة والنشاط في كلّ ساعة.

(وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ)

ترى المؤمنين يستقبلون يومهم بمثل هذا الدعاء الذي يعكس بصيرتهم التي

٢٣٧

ينظرون من خلالها الى ظواهر الخليقة ، يقولون :

«اللهم يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلّجه ، وسرّح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه ، وأتقن صنع الفلك الدوّار في مقادير تبرّجه ، وشعشع ضياء الشمس بنور تأجّجه» (١)

فالطبيعة تجلّيات لأسماء الله ، والنظر إليها يهديهم الى تلك الأسماء.

ويعكس دعاء الإمام الحسين (ع) في يوم عرفة هذه المنهجية في تفكير أولياء الله حين يقول :

«الهي علمت باختلاف الآثار ، وتنقّلات الأطوار ، أنّ مرادك منّي أن تتعرّف إليّ في كلّ شيء ، حتى لا أجهلك في شيء» (٢)

وإذا أشرق نور معرفة الله على قلب مؤمن انسحب منه ظلام الأغيار ، فلا شيء ولا شخص يشارك الربّ في القلب.

يقول الإمام الحسين (ع) في ذات الدعاء :

«أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوليائك حتى عرفوك ووحّدوك ، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبّائك حتى لم يحبّوا سواك ، ولم يلجئوا الى غيرك ، أنت المونس لهم حيث أوحشتهم العوالم ، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم ، ماذا وجد من فقدك ، وما الذي فقد من وجدك» (٣)

__________________

(١) فاتحة دعاء الصباح المأثور عن أمير المؤمنين (ع) في مفاتيح الجنان.

(٢) المصدر / ص (٢٧٢) .

(٣) المصدر / ص (٢٧٣) .

٢٣٨

وكلمة أخيرة :

اختلفت المذاهب في موضع السجدة في هذا السياق بعد اتفاقهم على وجوبها ، وأنّها من العزائم ، فقال فقهاء الشافعية والمالكية : تجب السجدة عند قوله تعالى : (وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) ، بينما قال الحنفيّة والحنابلة : إنّ موضع السجود الواجب عند قوله : (تَعْبُدُونَ) ، وذهب الشيعة الى هذا الرأي تبعا لروايات أهل البيت (ع) .

ولا يجب ذكر مخصوص في السجود ، ولكن يستحبّ أن يقول ما ذكر في راوية «من لا يحضره الفقيه» قال :

وروي أنّه يقول في سجدة العزائم :

«لا إله إلّا الله حقّا حقّا ، لا إله إلّا الله إيمانا وتصديقا ، لا إله إلّا الله عبودية ورقّا ، سجدت لك يا ربّ تعبّدا ورقّا ، لا مستنكفا ولا مستكبرا ، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير» (١)

[٣٩] القرآن بصيرة لا بصر ، ورؤية لا نظر. إنّه منهج تفكير لمن يعقل ، وهدى وعبرة لمن يعي ويعتبر. إنّه يقول لك كيف تصبح متعلّما في مدرسة الحياة وفيها من معارف الرب ، ومعالم الحق ، ومشاهد النفس ما يكفيك حكمة وعلما.

ولو اتخذنا آيات القرآن بصيرة للنظر الى ما حولنا لنطقت الطبيعة بألف درس ودرس ، وبأكثر من لغة ، لغة العواطف والأحاسيس ، لغة العلم والحكمة ، لغة الضمير والوجدان ، وفوق كل ذلك لغة الشهود والإيمان.

أنظر الى الأرض. أو لا ترى خشوعها لربّها ، وكيف تتعطّش حبّات التراب

__________________

(١) نور الثقلين / ج (٤) ص (٥٥١) .

٢٣٩

للغيث ، وكأنها تناجي ربّها طالبة إحياءها؟!

(وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً)

لا مستكبرة ولا متجبّرة ، وحقّ لها أن تخشع لربها الجبّار ، ومن دون خشوعها لا يمكن أن تنتفع ببركات ربّها ، وكذلك القلب الخاشع يهبط عليه نور ربّه العظيم فيحييه بالمعرفة والإيمان.

(فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ)

وكذلك القلوب الطاهرة تهتزّ لآيات ربّها.

(وَرَبَتْ)

لقد تنامى عليها الزرع والورق والثمر فإذا بالأرض قد علت عن مستواها الأوّل ، وكذلك كلّ من تواضع لله يعلو ، ومن يخشع يربو ، ومن تزكّى ينمو.

(إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى)

وهكذا بهذه البساطة يحلّ القرآن أعقد لغز حيّر البشر أو ليست العقول تقف على شاطئ الحياة متسائلة : ما هي؟ كيف وجدت؟ وكيف تعود حين تذهب؟

بلى. إنّك إن سمحت لنظراتك أن تعبر حاجز الظاهر الى حقيقة السنن فإنّها تغور في ألغاز الخليقة.

لا بد أن تلامس رافد الحقيقة عن كثب ، أمّا إذا وقفت على الشاطئ باسطا كفّيك إليه ليبلغ فاك فلن يبلغه ، خض البحر حتى تحظى بالجوهر ، ألق الحجاب عن عينك ترى قدرة الله تتجلّى في البساط الأخضر الذي يفرشه الربيع ـ بإذن الله ـ

٢٤٠