بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

أن يؤديها ، لانه وضع الزكاة في غير موضعها ، وإنما موضعها أهل الولاية (١).

بيان : هذا الخبر في نهاية الصحة وقد رواه خمسة من أفاضل الاصحاب ويدل على أن جميع فرق المخالفين لا يعيدون العبادات إلا الزكاة إذا أعطوها المخالفين سواء كانوا ممن حكم بكفرهم أم لا ، لان الحرورية هم الخوارج ، وهم كفار نواصب ، وسقوط القضاء عن الكافر الاصلي بعد إسلامه موضع وفاق ، ويدل عليه الآية و الخبر ، ولا يلحق بالكافر الاصلى من حكم بكفره من فرق المسلمين ، ولا غيرهم من المخالفين ، بل يجب عليهم القضاء عند الاستبصار إذا فاتتهم ، وأما إذا أوقعوها صحيحة بحسب معتقدهم لم يجب عليهم القضاء لهذا الخبر ، وغيره من الاخبار ، لكن الاكثر قيدوها بالصحيحة عندهم ، وبعضهم بالصحيحة عندنا ، والاول أظهر ، فانه المتبادر من النصوص ، وإن كان القول بصحة ما كان صحيحا عندنا أيضا لا يخلو من وجه ، و استشكال العلامة في التذكرة الصحة مطلقا غير موجه ، بعد ورود الاخبار الصحيحة ، و سيأتي تمام القول فيه في كتاب الحج إنشاء الله تعالى.

١١ ـ فقه الرضا : قال : قال العالم عليه‌السلام : ليس على المريض أن يقضي الصلاة إذا اغمي عليه إلا الصلاة التي أفاق في وقتها (٢).

وقال : من أجنب ثم لم يغتسل حتى يصلي الصلوات كلهن فذكر بعد ما صلى فعليه الاعادة يؤذن ويقيم ثم يفصل بين كل صلاتين باقامة (٣).

وعن رجل أجنب في رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان ، قال : عليه أن يقضي الصلاة والصوم إذا ذكر (٤).

١٢ ـ الكشى : عن محمد بن مسعود ومحمد بن الحسن معا ، عن إبراهيم بن محمد ابن فارس ، عن أحمد بن الحسن ، عن علي بن يعقوب ، عن مروان بن مسلم ، عن

____________________

(١) علل الشرايع ج ٢ ص ٦١ ، ورواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٣٦٦. ورواه الكلينى في الكافى ج ٣ ص ٥٤٥.

(٢ ـ ٤) فقه الرضا ص ١١ ص ١٩ ـ ٢٢.

٣٠١

عمار الساباطى قال : قال سليمان بن خالد لابي عبدالله عليه‌السلام وأنا جالس إني منذ عرفت هذا الامر اصلي في كل يوم صلاتين أقضى ما فاتني قبل معرفتي؟ قال : لا تفعل ، فان الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة (١).

بيان : « مافاتني » أي ما صليت مع عدم الايمان ، فكأنه لفقد الشرايط وعدم موافقة الحق قد فاتني « فان الحال التي » الغرض رفع استبعاده من قبول تلك الصلوات والعفو عن التقصيرات الواقعة فيها بأن الله تعالى إذا عفى عن أصل المذهب الباطل ، فالعفو عما يقارنه ويتبعه أخف وأسهل.

ولا يخفى أن ظاهر الخبر عدم وجوب إعادة ما تركه من الصلوات وغيرها من العبادات ، وهو خلاف المشهور ، وروى الشهيد قدس سره هذا الخبر من كتاب الرحمة (٢) بسنده إلى عمار ثم قال : وهذا الحديث مع ندوره وضعف سنده لا ينهض مخصصا للعموم ، مع قبوله التأويل بأن يكون سليمان يقضي صلواته التي صلاها ، وسماها فائتة بحسب معتقده الآن ، لانه اعتقد أنه بحكم من لم يصل لمخالفتها في بعض الامور ، ويكون قول الامام عليه‌السلام من ترك ما تركت من شرائطها وأفعالها (٣) وحينئذ لا دلالة فيه على عدم قضاء الفائتة حقيقة في الحال الاولى.

وقد تشكك بعض الاصحاب في سقوط القضاء عمن صلى منهم أو صام ، لاختلال الشرايط والاركان ، فكيف تجزي عن العبادة الصحيحة وهو ضعيف لانا كالمتفقين على عدم إعادتهم الحج الذي لا إخلال فيه بركن ، مع أنه لا يكاد ينفك من مخالفة في الصورة ، ولان الشبهة متمكنة فيه ، فيعذر ، وإنما لم يعذر في الزكاة لانها حق آدمي بني على التضييق.

١٣ ـ كتاب صفين : لنصر بن مزاح ، عن عمرو بن شمر ، عن إسماعيل السدي

____________________

(١) رجال الكشى ص ٣٦١ تحقيق المصطفوى.

(٢) رواه في الذكرى : ١٣٦.

(٣) ولعله الظاهر من افراد لفظ الصلاة في قوله عليه‌السلام « من ترك ما تركت من الصلاة » ولو كان المراد ترك اصل الصلاة لقال : « من ترك ما تركت من الصلوات ».

٣٠٢

عن عبد خير الهمداني قال : نظرت إلى عمار بن ياسر رمي رمية فاغمى عليه ، ولم يصل الظهر والعصر ، ولا المغرب ولا العشاء ولا الفجر ، ثم أفاق فقضاهن جميعا يبدء بأول شئ فاته ثم التي تليها.

١٤ ـ دعائم الاسلام : عن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه قال : المريض إذا ثقل و ترك الصلاة أياما أعاد ما ترك إذا استطاع الصلاة (١).

وعنه عليه‌السلام أنه سئل عن سكران صلى وهو سكران ، قال : يعيد الصلاة (٢).

وعنه عليه‌السلام قال : المغمى عليه إذا أفاق قضى كل ما فاته من الصلاة (٣).

____________________

(١ ـ ٣) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٩٨.

٣٠٣

٢

( باب )

* ( القضاء عن الميت والصلاة له وتشريك ) *

* ( الغير في ثواب الصلاة ) *

١ ـ المحاسن : عن أبيه ، عن أبان بن عثمان ، عن معاوية بن عمار قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : أي شئ يلحق الرجل بعد موته؟ قال : يلحقه الحج عنه ، و الصدقة عنه ، والصوم عنه (١).

٢ ـ فهرست النجاشى وفهرست الشيخ : عن صفوان بن يحيى مولى بجيلة يكنى أبا محمد بياع السابري ، أوثق أهل زمانه عند أهل الحديث ، وأعبدهم ، كان يصلي كل يوم خمسين ومائة ركعة ، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر ، ويخرج زكاة ماله كل سنة ثلاث مرات ، وذلك أنه اشترك هو وعبدالله بن جندب وعلي بن النعمان في بيت الله الحرام ، فتعاقدوا جميعا إن مات واحد منهم يصلي من بقي بعده صلاته ويصوم عنه ويحج عنه ، ويزكي عنه مادام حيا ، فمات صاحباه وبقي صفوان بعدهما وكان يفي لهما بذلك ويصلي لهما ، ويزكي عنهما ، ويصوم عنهما ، ويحج عنهما وكل شئ من البر والصلاح يفعله لنفسه كذلك يفعله عن صاحبيه (٢).

الاختصاص : قال : ذكر محمد بن جعفر المؤذب أن صفوان بن يحيى كان يصلي في كل يوم خمسين ومائة ركعة وساق الخبر إلى آخره (٣).

٣ ـ دعوات الراوندى : عن الصادق عليه‌السلام : يكون الرجل عاقا لوالديه في حياتهما ، فيصوم عنهما بعد موتهما ، ويصلي ويقضي عنهما الدين ، فلا يزال كذلك

____________________

(١) المحاسن : ٧٢.

(٢) رجال النجاشى : ١٤٨.

(٣) الاختصاص : ٨٨.

٣٠٤

حتى يكتب بارا ، ويكون بارا في حياتهما ، فاذا مات لا يقضى دينه ولا يبره بوجه من وجوه البر ، فلا يزال كذلك حتى يكتب عاقا.

* ( تبيين وتفصيل ) *

اعلم أنه ذهب الشيخان وابن أبى عقيل وابن البراج وابن حمزة والعلامة في أكثر كتبه إلى أنه يجب على الولي قضاء جميع ما فات عن الميت من الصلوات.

وقال ابن الجنيد والعليل إذا وجب عليه صلاة فأخرها عن وقتها إلى أن مات قضاها عنه وليه كما يقضي عنه وليه حجة الاسلام والصيام ، ببدنه ، وإن جعل بدل كل ركعتين مدا أجزأه ، فان لم يقدر فلكل أربع ، فان لم يقدر فمد الصلاة النهار ومد لصلاة الليل ، والصلاة أفضل ، وكذا المرتضى.

وقال ابن زهرة : ومن مات وعليه صلاة وجب عليه وليه قضاؤها ، وإن يصدق عن كل ركعتين بمد أجزأها إلى آخر ما قاله ابن الجنيد ، واحتج بالاجماع و طريقة الاحتياط.

وقال ابن إدريس بوجوب القضاء على ولية الاكبر من الذكران عما وجب على العليل فأخرها عن أوقاته حتى مات ، ولا يقضي عنه إلا الصلاة الفائتة في حال مرض موته ، وتبعه يحيى بن سعيد والشهيد في اللمعة.

وقال المحقق في بعض مصنفاته : الذي ظهر أن الولد يلزمه قضاء ما فات الميت من صلاة وصيام لعذر كالمرض والسفر والحيض ، لا ما تركه الميت عمدا مع قدرته عليه ، وهو قول السيد عميد الدين.

ثم اعلم أن السيد ابن زهرة بعد ذهابه إلى ما مر أورد على نفسه قوله تعالى :  « وأن ليس للانسان إلا ما سعى » (١) وما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث (٢).

____________________

(١) النجم : ٣٩.

(٢) وهى اما صدقة أجراها في حياته فهى تجرى عليه بعد موته ، أو سنة هدى سنها فهى

٣٠٥

وأجاب بأن الثواب للفاعل لا للميت لان الله تعالى تعبد الولي بذلك و سماه قضاء عنه ، لحصوله عند تفريطه ، وقد يجاب عنه أيضا بأن الاعمال الواقعة نيابة عنه بعد موته نتيجة سعيه في تحصيل الايمان واصول العقايد المسوغة للنيابة عنه ، فهي مستندة إليه ، أو أن بعض الاعمال الخير الصادرة عنه في أيام حياته سوى الايمان يمكن أن يكون مستتبعا بالخاصية الغائبة عن مداركنا لاشفاق بعض المؤمنين عليه ، فيفعل الاعمال نيابة عنه ، فيكون أثر سعيه.

أو تحمل الآية على أن ليس له ذلك على سبيل الاستحقاق والاستحباب ، فلا ينافي ذلك وصول أثر بعض الاعمال الذي لم يسع في تحصيله إليه على سبيل التطول والتفضل ، ومن هذا القبيل العفو وآثار الشفاعة وغيرهما ، واجيب عن الخبر بأنه دال على انقطاع عمله ، وهذا يصل إليه من عمل غيره.

وعلى تقدير التنزل عن ذلك كله قلنا : الآية والخبر معدولان عن الظاهر اتفاقا ، ونحن نخصصهما بما خصصنا به دليل معارض فيرتكب التخصيص أو الحمل على المبالغة الداعي إليه.

ثم اختلف الاصحاب في خصوصيات هذا الحكم أيضا اختلافا كثيرا.

الاول الاكثر على أن القاضي هو الولد الاكبر ، قال في الذكرى : وكأنهم جعلوه بازاء حبوته ، وأطلق ابن الجنيد وابن زهرة وليس في الاخبار تخصيص ، قال في الذكرى : القول بعموم كل ولي ذكر أولى حسبما تضمنته الروايات.

الثاني قال في الذكرى : ظاهرهم أن المقضي عنه الرجل لذكرهم إياه في معرض الحبوة ، وكلام المحقق مؤذن بالقضاء عن المرءة أيضا ، وما ورد بلفظ الميت يشملها ، لكن في أكثر الروايات بلفظ الرجل.

الثالث هل يشترط كمال الولي حال الوفات؟ قرب الشهيد ذلك ، وكذا استشكلوا في السفيه وفاسد الرأى ولعل العموم أقوى.

____________________

تعمل بها بعد موته ، أو ولد صالح يستغفر له.

٣٠٦

الرابع اختلفوا في أنه هل له الاستيجار أو لابد له من إيقاعها بنفسه ، والاخير أحوط ، ولا يبعد سقوطها عنه مع تبرع المتبرع.

الخامس إذا مات الولي هل يتحملها ولية أيضا؟ قرب في الذكرى العدم و الاحوط التحمل.

السادس لو أوصى الميت بقضائها عنه باجرة من ماله وأسندها إلى أحد أوليائه أو إلى أجنبي ، فهل يسقط عن الولي؟ اختار في الذكرى السقوط لعموم العمل بالوصية.

السابع لو قلنا بعدم قضاء الولى ماتركه الميت عمدا أو كان الميت لا ولي له ولم يوص الميت ، فالمنقول عن ظاهر المتأخرين من الاصحاب عدم الاخراج من ماله للاصل.

وقال في الذكرى : وبعض الاصحاب أوجب إخراجها كالحج ، وصب الاخبار التي لا ولي فيها عليه ، واحتج أيضا بخبر زرارة (١) قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : إن أباك قال لي من فربها من الزكاة فعليه أن يؤديها فقال صدق أبي إن عليه أن يؤدي ما وجب عليه ومالم يجب عليه فلا شئ عليه.

ثم قال : أرأيت لو أن رجلا اغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته ، أكان عليه وقد مات أن يؤديها؟ فقلت : لا ، قال : إلا أن يكون أفاق من يومه.

فان ظاهره أنه يؤديها بعد موته ، وهو إنما يكون بوليه أو ماله ، فحيث لا ولي تحمل على المال ، وهو شامل لحالة الايصاء وعدمه.

ثم قال : لو أوصى بفعلها من ماله فان قلنا بوجوبه لولا الايصاء كان من الاصل كسائر الواجبات ، وإن قلنا بعدمه فهو تبرع يخرج من الثلث ، إلا أن يجيزه الوارث.

ولنذكر الآن مستند ما اشتهر بين الاصحاب من استيجار الصلاة للميت و

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٣٥٠.

٣٠٧

التبرع عنه ، ولما كان الشهيد قدس الله روحه في الذكرى بسط في ذلك الكلام ، و وفى حق المقام ، نذكر ما أفاده ، قال طيب الله رمسه :

قال الفاضل : أما الدعاء والاستغفار والصدقة ، والواجبات التي تدخلها النيابة فاجماع ، قال الله : « والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان » (١) وقال تعالى : « واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات » (٢) وقد سبق في الدعاء للميت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اللهم اغفر لحينا وميتنا وعن الائمة عليهم‌السلام نحو ذلك.

وفي الفقيه (٣) عن الصادق عليه‌السلام إن الميت يفرح بالترحم والاستغفار له ، كما يفرح الحي بالهدية تهدى إليه.

وفي البخاري وغيره عن ابن عباس قال : قال رجل إن اختي نذرت أن تحج وإنها ماتت ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لو كان عليها دين أكنت قاضية؟ قال : نعم ، قال : فاقض دين الله فانه أحق بالقضاء.

وأما ما عداها فعندنا أنه يصل إليه روى ابن بابويه (٤) عن الصادق عليه‌السلام : ستة تلحق المؤمن بعد وفاته : ولد يستغفر له ، ومصحف يخلفه ، وغرس يغرسه ، وصدقة ماء يجريه ، وقليب يحفره ، وسنة يؤخذ بها من بعده.

قلت : هذا الحديث يتضمن المهم من ذلك ، إذ قد روى ابن بابويه (٥) أيضا عن الصادق عليه‌السلام من عمل من المسلمين عن ميت عملا أضعف له أجره ، ونفع الله عزوجل به الميت.

قال : وقال عليه‌السلام (٦) يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء ، ويكتب أجره للذي فعله وللميت.

____________________

(١) الحشر : ١٠.

(٢) غافر : ٥٥.

(٣ ـ ٦) الفقيه ج ١ ص ١١٧.

٣٠٨

ثم قال قدس الله روحه : (١) ولنذكر هنا أحاديث من هذا الباب ، ضمنها السيد المرتضى رضي الدين أبوالقاسم علي بن طاوس الحسيني طيب الله سره في كتابه المسمى « غياث سلطان الوري لسكان الثرى » وقصد به بيان قضاء الصلوات عن الاموات.

الحديث الاول : ما رواه الصدوق (٢) في كتاب من لا يحضره الفقيه ، وقد ضمن صحة ما اشتمل عليه ، وأنه حجة بينه وبين ربه أن الصادق عليه‌السلام سأله عمر بن يزيد أيصلى عن الميت؟ فقال : نعم ، حتى أن ليكون في ضيق فيوسع عليه ذلك الضيق ، ثم يؤتي فيقال له خفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك.

الثاني مارواه علي بن جعفر (٣) في مسائلة عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : حدثني أخي موسى بن جعفر قال : سألت أبي جعفر بن محمد عليه‌السلام عن الرجل هل يصلح له أن يصلي أو يصوم عن بعض موتاه؟ قال : نعم ، فيصلي ما أحب ، ويجعل تلك للميت ، فهو للميت إذا جعل ذلك له.

ولفظ « ما أحب » للعموم ، وجعلها نفسها للميت دون ثوابها ، ينفي أن يكون هدية صلاة مندوبة.

الثالث من مسائله (٤) أيضا عن أخيه موسى عليه‌السلام وسأله عن الرجل هل أن يصلح أن يصلي ويصوم عن بعض أهله بعد موته؟ فقال : نعم يصلي ما أحب ويجعل ذلك للميت فهو للميت إذا جعله له.

الرابع : ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسى باسناده إلى محمد بن عمر بن يزيد قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام يصلى عن الميت؟ قال : نعم حتى أنه ليكون في ضيق

____________________

(١) راجع الذكرى ص ٧٣ ـ ٧٥.

(٢) الفقيه ج ١ ص ١١٧.

(٣) راجع البحار ج ١٠ ص ٢٩١ ، آخر الرسالة.

(٤) لم نجده في المسائل المطبوع في البحار.

٣٠٩

فيوسع عليه ذلك ، ثم يؤتى فيقال له : خفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك.

الخامس ما رواه باسناده إلى عمار بن موسى الساباطي من كتاب أصله المروي عن الصادق عليه‌السلام عن الرجل يكون عليه صلاة أو يكون عليه صوم هل يجوز له أن يقضيه رجل غير عارف؟ قال : لا يقضيه إلا مسلم عارف.

السادس ما رواه الشيخ أيضا باسناده إلى محمد بن أبي عمير ، عن رجاله عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام قال : يقضيه أولى الناس به.

السابع ما رواه الشيخ محمد بن يعقوب الكليني في الكافي باسناده إلى ابن أبي عمير ، عن حفص ابن البختري ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام قال : يقضي عنه أولى الناس به.

الثامن هذا الحديث بعينه عن حفص بطريق آخر إلى كتابه الذي هو من الاصول.

التاسع ما روي في أصل هشام بن سالم من رجال الصادق والكاظم عليهما‌السلام ويروي عنه ابن أبي عمير قال هشام في كتابه : وعنه عليه‌السلام قال : قلت : يصل إلى الميت الدعاء والصدقة والصلاة ونحو هذا؟ قال : نعم ، قلت : أو يعلم من صنع ذلك به؟ قال : نعم ، ثم قال : يكون مسخوطا عليه فيرضى عنه ، وظاهره أنه من الصلاة الواجبة التي تركها لانها سبب في السخط.

العاشر ما رواه علي بن أبي حمزة في أصله وهو من رجال الصادق والكاظم عليهما‌السلام قال : وسألت عن الرجل يحج ويعتمر ويصلي ويصوم ويتصدق عن والديه ، و ذوي قرابته ، قال : لا بأس به ، يؤجر فيما يصنع وله أجر آخر بصلته قرابته ، قلت : وإن كان لا يرى ما أرى وهو ناصب؟ قال : يخفف عنه بعض ما هو فيه.

أقول : وهذا أيضا ذكره ابن بابويه في كتابه.

الحادي عشر ما رواه الحسين بن الحسن العلوي الكوكبي في كتاب المنسك باسناده إلى علي بن أبي حمزة قال : قلت لابي إبراهيم عليه‌السلام : أحج واصلي وأتصدق

٣١٠

عن الاحياء والاموات من قرابتي وأصحابى؟ قال : نعم صدق عنه ، وصل عنه ، ولك أجر آخر بصلاتك إياه.

قال ابن طاوس ـ رحمه الله ـ يحمل في الحى على ما يصح فيه النيابة من الصلوات ، ويبقى الميت على عمومه.

الثانى عشر ما رواه الحسن بن محبوب في كتاب المشيخة عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء قال : ويكتب أجره للذي يفعله وللميت.

وهذا الحسن بن محبوب يروي عن ستين رجلا من أصحاب أبى عبدالله عليه‌السلام وروى عن الرضا عليه‌السلام وقد دعا له الرضا عليه‌السلام وأثنى عليه ، فقال فيما كتبه : إن الله قد أيدك بحكمة ، وأنطقها على لسانك ، قد أحسنت وأصبت ، أصاب الله بك الرشاد ويسرك للخير ووفقك لطاعته.

الثالث عشر ما رواه محمد بن أبى عمير بطريق آخر عن الامام عليه‌السلام : يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء ، قال : ويكتب أجره للذي يفعله وللميت.

قال السيد ـ ره ـ : هذا عمن أدركه محمد بن أبى عمير من الائمة ، ولعله مولانا الرضا عليه‌السلام.

الرابع عشر ما رواه إسحاق بن عمار قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء ، قال ويكتب أجره للذي يفعله وللميت.

الخامس عشر روى ابن بابويه عن الصادق عليه‌السلام تدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والعتق.

السادس عشر ما رواه عمر بن محمد بن يزيد قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إن الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح ينفع الميت حتى أن الميت

٣١١

ليكون في ضيق فيوسع عليه ، ويقال : إن هذا بعمل ابنك فلان ، وبعمل أخيك فلان. أخوه في الدين.

قال السيد قال عليه‌السلام : « أخوه في الدين » إيضاح لكل ما يدخل تحت عمومه من الابتداء بالصلاة عن الميت أو بالاجارات.

السابع عشر ما رواه علي بن يقطين وكان عظيم القدر عند أبي الحسن موسى عليه‌السلام له كتاب المسائل عنه قال : وعن الرجل يتصدق عن الميت ويصوم ويعتق ويصلي قال : كل ذلك حسن يدخل منفعته على الميت.

الثامن عشر ما رواه علي بن إسماعيل الميثمي في أصل كتابه قال : حدثني كردين قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : الصدقة والحج والصوم يلحق الميت؟ قال : نعم ، قال : فقال : هذا القاضي خلفي وهو لا يرى ذلك ، قال : قلت : وما أنا وذا ، فوالله لو أمرتني أن أضرب عنقه لضربت عنقه ، قال : فضحك.

قال : وسألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصلاة على الميت أتلحق به؟ قال : نعم.

قال : وسألت أبا عبدالله عليه‌السلام قلت إني لم أتصدق بصدقة مذ ماتت امي إلا عنها؟ قال : نعم قلت : أفترى غير ذلك؟ قال : نعم نصف عنك ونصف عنها ، قلت : أيلحق بها؟ قال : نعم.

قال السيد قوله : « الصلاه على الميت » أي التي كانت على الميت أيام حياته ، ولو كانت ندبا كان الذي يلحقه ثوابها دون الصلاه نفسها.

التاسع عشر ما رواه حماد بن عثمان في كتابه قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إن الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة ، وكل عمل صالح ينفع الميت ، حتى أن الميت ليكون في ضيق فيوسع عليه ، ويقال : هذا بعمل ابنك فلان ، أو بعمل أخيك فلان أخوه في الدين.

العشرون ما رواه عبدالله بن جندب (١) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من الصلاة والبر والخير أثلاثا : ثلثا له ، وثلثين

____________________

(١) تراه في قرب الاسناد ص ١٧٥.

٣١٢

لابويه ، أو يفردهما من أعماله بشئ مما يتطوع به ، وإن كان أحدهما حيا والآخر ميتا ، فكتب إلى : أما الميت فحسن جائز ، وأما الحي فلا إلا البر والصلة.

قال السيد : لا يراد بهذا ، الصلاة المندوبة ، لان الظاهر جوازها عن الاحياء في الزيارات والحج وغيرهما.

الحادى والعشرون ما رواه محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري أنه كتب إلى الكاظم عليه‌السلام مثله وأجابه بمثله.

الثاني والعشرون ما رواه أبان بن عثمان عن علي بن مسمع قال : قلت : لابي عبدالله عليه‌السلام إن امي هلكت ولم أتصدق بصدقة كما تقدم إلى قوله : أفيلحق ذلك بها؟ قال : نعم؟ قلت : والحج قال : نعم ، قلت : والصلاة؟ قال : نعم.

قال : ثم سألت أبا الحسن عليه‌السلام بعد ذلك أيضا عن الصوم فقال : نعم.

الثالث والعشرون ما رواه الكليني باسناده (١) إلى محمد بن مروان قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين ، يصلي عنهما ويتصدق عنهما ، ويحج عنهما ويصوم عنهما ، فيكون الذى صنع لهما وله مثل ذلك فيزيده الله ببره وصلاته خيرا كثيرا.

الرابع والعشرون عن عبدالله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام قال : الصلاه التي حصل وقتها قبل أن يموت الميت يقضي عنه أولى الناس به.

ثم ذكر ـ ره ـ عشر أحاديث تدل بطريق العموم.

الاول ما رواه عبدالله بن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام قال : يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن.

الثاني ما رواه صفوان بن يحيى ، وكان من خواص الرضا والجواد عليهما‌السلام ، و روى أربعين رجلا من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، قال : يقضى عن الميت الحج و الصوم والعتق وفعاله الحسن.

الثالث ما رواه محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : يقضى عن الميت الحج

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ١٥٩ ، عدة الداعى : ٥٨.

٣١٣

والصوم والعتق وفعاله الحسن.

الرابع ما رواه العلاء بن رزين في كتابه وهو أحد رجال الصادق عليه‌السلام قال : يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن.

الخامس ما رواه البزنطي ـ ره ـ وكان رجال الرضا عليه‌السلام قال : يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعله الحسن.

السادس ما ذكره صاحب الفاخر مما أجمع عليه وصح من قول الائمة عليهم‌السلام قال : ويقضى عن الميت أعماله الحسنة كلها.

السابع ما رواه ابن بابويه ـ ره ـ (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : من عمل من المسلمين عملا صالحا عن ميت أضعف الله أجره ونفع الله به الميت.

الثامن ما رواه عمر بن يزيد قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : من عمل من المؤمنين عن ميت عملا صالحا أضعف الله أجره وينعم بذلك الميت.

التاسع ما رواه العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن.

العاشر ما رواه حماد بن عثمان في كتابه قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : من عمل من المؤمنين عن ميت عملا صالحا أضعف الله أجره ، وينعم بذلك الميت.

قلت : وروى يونس عن العلاء بن رزين عن عبدالله بن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام قال : يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق والفعل الحسن.

ومما يصلح هنا ما أورده في التهذيب (٢) باسناده عن عمر بن يزيد قال : كان أبوعبدالله عليه‌السلام يصلي عن ولده في كل ليلة ركعتين ، وعن والديه في كل يوم ركعتين قلت : جعلت فداك كيف صار للولد الليل ، قال : لان الفراش للولد ، قال : وكان يقرأ فيهما القدر والكوثر.

فان هذا الحديث يدل على وقوع الصلاة عن الميت من غير ولد كالاب وهو

____________________

(١) الفقيه ج ١ ص ١١٧.

(٢) التهذيب ج ١ ص ١٣٢.

٣١٤

حجة على من ينفي الوقوع أصلا أو ينفيه إلا من الولد.

ثم ذكر ـ ره ـ أن الصلاة دين وكل دين يقضى عن الميت ، أما أن الصلاة تسمى دينا ففيه أربعة أحاديث.

الاول ما رواه حماد عن أبى عبدالله الصادق عليه‌السلام في أخباره عن لقمان عليه‌السلام : إذا جاء وقت صلاة فلا تؤخرها بشئ ، صلها واسترح منها ، فانها دين.

الثانى ما ذكره ابن بابويه (١) في باب آداب المسافر : إذا جاء وقت صلاة فلا تؤخرها لشئ صلها واسترح منها فانها دين.

الثالث ما رواه ابن بابويه في كتاب معاني الاخبار (٢) باسناده إلى محمد بن الحنفية في حديث الاذان لما اسري بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قوله ثم قال : حي على الصلاة قال الله جل جلاله : فرضتها على عبادي ، وجعلتها لي دينا إذا روي بفتح الدال.

الرابع ما رواه حريز بن عبدالله ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح ، ولم يصل صلاة ليلته تلك ، قال : يؤخر القضاء ، ويصلي صلاة ليلته تلك.

وأما قضاء الدين عن الميت فلقضية الخثعمية (٣) لما سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن أبي أدركته فريضة الحج شيخا زمنا لا يستطيع أن

____________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١٩٥.

(٢) معانى الاخبار : ٤٢.

(٣) عن ابن عباس قال : ان امرءة من خثعم قالت : يا رسول الله ان فريضة الله على عباده في الحج ، أدركت أبى شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه؟ قال : نعم وذلك في حجة الوداع ، متفق عليه.

وعن ابن عباس قال : أتى رجل النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أختى نذرت أن تحج ، و انها ماتت فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو كان عليها دين أكنت قاضيه : قال : نعم ، قال : فاقض دين الله ، فهو أحق بالقضاء ، متفق عليه ، راجع مشكاة المصابيح ص ٢٢١.

٣١٥

يحج إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ قال لها : أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان ينفعه ذلك؟ قالت : نعم ، قال : فدين الله أحق بالقضاء.

إذا تقرر ذلك فلو أوصى الميت بالصلاة عنه ، وجب العمل بوصيته ، لعموم قوله تعالى : « فمن بدله بعد ما سمعه فانما إثمه على الذين يبدلونه » (١) ولانه لو أوصى ليهودي أو نصراني وجب إنفاذ وصيته فكيف الصلاة المشروعة لرواية الحسين ابن سعيد بسنده إلى محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل أوصى بماله في سبيل الله قال : أعطه لمن أوصى له ، إن كان يهوديا أو نصرانيا ، إن الله عزو جل يقول : « فمن بدله بعد ما سمعه فانما إثمه على الذين يبدلونه ».

وذكر الحسين بن سعيد في حديث آخر عن الصادق عليه‌السلام لو أن رجلا أوصى إلى أن أضع في يهودي أو نصراني لو ضعت فيهم ، إن الله يقول : « فمن بدله بعد ما سمعه » الآية.

قال السيد بعد هذا الكلام : ويدل على أن الصلاة عن الميت أمر مشروع : تعاقد صفوان بن يحيى وعبدالله بن جندب وعلي بن النعمان في بيت الله الحرام أن من مات منهم يصلي من بقي صلاته ويصوم عنه ويحج عنه ما دام حيا ، فمات صاحباه وبقي صفوان فكان يفي لهما بذلك فيصلي كل يوم وليلة خمسين ومائة ركعة ، وهؤلاء من أعيان مشايخ الاصحاب والرواة عن الائمة عليهم‌السلام.

قال السيد ـ ره ـ وحسنا قال إنك إذا اعتبرت كثيرا من الاحكام الشرعية ، وجدت الاخبار فيها مختلفة حتى صنف لاجلها كتب ، ولم يستوعب الخلاف ، والصلاة عن الاموات قد ورد فيها مجموع هذه الاخبار ، ولم نجد خبرا واحدا يخالفها ، ومن المعلوم أن هذا المهم في الدين لا يخلو عن شرع بقضاء أو ترك ، فاذا وجد المقتضي ولم يوجد المانع ، علم موافقة ذلك للحكمة الالهية.

وقد ذكر ذلك الاصحاب لانهم مفتون بلزوم قضاء الصلاة على الولي ، فقد

____________________

(١) البقرة : ١٨١.

٣١٦

حكى ابن حمزة في كتابه في قضاء الصلاة عن الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسين الشوهاني أنه كان يجوز الاستيجار عن الميت ، واستدل ابن زهرة على وجوب قضاء الولي الصلاة بالاجماع على أنها تجري مجرى الصوم والحج ، وقد سبقه ابن الجنيد بهذا الكلام حيث قال : والعليل إذا وجبت عليه الصلاة وأخرها عن وقتها إلى أن فاتت قضاها عنه وليه كما يقضي حجة الاسلام والصيام ، قال : وكذلك روى أبويحيى إبراهيم بن سليم عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، فقد سويا بين الصلاة وبين الحج ، ولا ريب في جواز الاستيجار على الحج.

قلت : هذه المسألة أعني الاستيجار على فعل الصلاة الواجبة بعد الوفات ، مبنية على مقدمتين إحداهما جواز الصلاة عن الميت ، وهذه إجماعية ، والاخبار الصحيحة ناطقة بها كما تلوناه ، والثانية أنه كلما جازت الصلاة عن الميت جاز الاستيجار عنه.

وهذه المقدمة داخلة في عموم الاستيجار على الاعمال المباحة التي يمكن أن تقع للمستأجر ، ولا يخالف فيها أحد من الامامية ، بل ولا من غيرهم ، لان المخالف من العامة إنما منع لزعمه أنه لا يمكن وقوعها للمستأجر عنه ، أما من يقول بامكان وقوعها له ، وهم جميع الامامية ، فلا يمكنه القول بمنع الاستيجار إلا أن يخرق الاجماع في إحدى المقدمتين ، على أن هذا النوع قد انعقد عليه الاجماع من الامامية الخلف والسلف من عهد المصنف وما قبله إلى زماننا هذا ، وقد تقرر أن إجماعهم حجة قطعية.

فان قلت : فهلا اشتهر الاستيجار على ذلك والعمل به عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة عليهم‌السلام كما اشتهر الاستيجار على الحج حتى علم من المذهب ضرورة.

قلت : ليس كل واقع يجب اشتهاره ، ولا كل مشهور يجب الجزم بصحته فرب مشهور لا أصل له ، ورب متأصل لم يشتهر ، إما لعدم الحاجة إليه في بعض الاحيان أو لندور وقوعه ، والامر في الصلاة كذلك فان سلف الشيعة كانوا على ملازمة الفريضة

٣١٧

والنافلة على حد لا يقع من أحد منهم إخلال بها ، إلا لعذر يعتد به كمرض موت أو غيره ، وإذا اتفق فوات فريضة بادروا إلى فعلها ، لان أكثر قدمائهم على المضايقة المحصنة ، فلم يفتقروا إلى هذه المسألة ، واكتفوا بذكر قضاء الولي لما فات الميت من ذلك على طريقة الندور ، ويعرف هذه الدعاوي من طالع كتب الحديث والفقه وسيرة السلف ، معرفة لا يرتاب فيها.

فخلف من بعدهم قوم تطرق إليهم التقصير ، واستولى عليهم فتور الهمم حتى آل الحال إلى أنه لا يوجد من يقوم بكمال السنن إلا أوحديهم ، ولا مبادر بقضاء الفائت إلا أقلهم ، فاحتاجوا إلى استدراك ذلك بعد الموت ، لظنهم عجز الولي عن القيام ، فوجب رد ذلك إلى الاصول المقررة ، والقواعد الممهدة ، وفيما ذكرناه كفاية ، انتهى كلامه زيد إكرامه (١).

ولقد حقق وأفاد ، وأحسن وأجاد ، والحديث الثاني والثالث مذكوران في كتاب المسائل ، والعشرون والحادي والعشرون وهما واحد رواه في قرب الاسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن محبوب ، عن عبدالله بن جندب ، والثالث و العشرون رواه مرسلا في عدة الداعي (٢) ولا بأس أن نتمم ما حققه ببعض الكلام.

اعلم أن الصلوات والاعمال التي يؤتى بها للميت على وجوه وأنواع :

الاول الاتيان بالتطوعات ، وإهداء ثوابها إلى الميت ، وهذا مما لا ريب في جوازه واستحبابه كالصلوات المندوبة ، والصوم والحج المندوبين ، والصدقات المستحبة ، بل يجوز ذلك للاحياء أيضا بأن يشركهم في ثوابها بعد الفعل ، أو يهب لهم جميع الثواب ، والاحوط أن لا يفعل الاخير في الواجبات.

الثاني الصلاة التي فاتت عن الميت وعلم ذلك ، ولم يكن له ولد ، أو كان ولم

____________________

(١) الذكرى : ٧٣ ـ ٧٥.

(٢) قد أشرنا إلى مواضعها.

٣١٨

يأت بها ، فالظاهر أنه يجوز فعلها تبرعا عن الميت (١) والاستيجار له وإن لم يرد

____________________

(١) قد عرفت فيما سبق من أبحاثنا أن الصلاة دين لقوله تعالى : « ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا » وهكذا الصوم حيث يقول عزوجل : « كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم » وهكذا الحج ، حيث عبر عنه في القرآن العزيز كالتعبير عن الحقوق المالية ، فقال : « ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا » الا أن الصلاة والصوم دين على الابدان ، والحج دين في الاموال والابدان معا.

فاذا مات المؤمن وكان عليه صوم أو صلاة ، وجب على وليه أداء هذا الدين بنفسه أو باستيجار شخص آخر يستاجره بمال نفسه. لا من مال الميت ، فانهما حق على الابدان خاصة ، الا أنه اذا أوصى الميت بذلك أخرج وليه أجرة ذلك من ثلث ماله ، واما اذا لم يكن له ولى يطالب بأداء هذا الدين جاز لسائر المؤمنين من اخوانه أن يتبرعوا بصلاته وصيامه لقوله تعالى : « والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ».

وأما الحج ، فلما كان ذا وجهين : له تعلق بالاموال وتعلق بالابدان وجب على وليه تكفل ذلك بمعنى أنه يخرج من صلب مال الميت ما يكفى لمخارج الحج فقط وهو الشطر الذى تعلق بماله ، ثم يحج الولى بنفسه وينفق ذاك المال في سفره من دون أن يأخذ لاعماله البدنية عوضا من مال الميت ، فان هذا الشطر مما تعلق ببدنه ، وهذا وليه يطالب بذلك على حد الصلاة والصوم.

نعم له أن لايحج بنفسه ويستأجر من ينوب عنه ويؤدى الزائد على المخارج الاصلى من ماله ، الا أن يكون الميت أوصى بذلك فيخرج مؤنة ذلك من ثلث ماله ان وفى بذلك.

وأما جواز النيابة في ذلك ، سواء كان تبرعا أو استيجارا ـ فلان الصلاة والصوم والحج عبادات مجعولة ، بمعنى أن الشارع المقدس يتلقى فعل كل واحد منها عبادة له و قربة منه ، لا أنه يكون قصد القربة من المتعبد محققا لعنوان العبادة فيهما ، على ما هو الشأن في التوسليات ، ولذلك نحكم بحرمة الصلاة والصوم من الحائض ، وان لم يقصد القربة بذلك ، أو قيل بأنه لا يتمشى منها قصد القربة ، وهكذا الصلاة من غير طهارة وان

٣١٩

بخصوصه في الاخبار ، ولم يكن مشتهرا بين قدماء الاصحاب ، لكن لا يبعد القول به بالعمومات ، ولو تبرع الموجر بها أو ألزم على نفسه بالنذر أو اليمين وتبرع الوارث أو غيره بالاجرة من غير شرط وصيغة ، لكان أولى وأحوط.

الثالث الصلاة أو الصوم أو الحج باحتمال أن عليه قضاء ، إما بالاخلال بها أو ببعض شرايطها وواجباتها ، كما في أكثر الناس حيث يأتون بها مع جهلهم بالمسائل وعدم تصحيحهم للقراءة ، وعدم تورعهم عن النجاسات أو الثياب المغصوبة ، وأشباه ذلك فالظاهر استحباب إيقاعهم ثانيا بأنفسهم ، والاستيجار لهم والتبرع عنهم بعد وفاتهم لعمومات الاحتياط ولقصة صفوان.

الرابع أن يفعل للميت قضاء الصلاة والصوم وشبههما ، مع العلم أو الظن الغالب بعدم شغل ذمتهم بها ، ففيه إشكال وإن شمله بعض الاخبار المتقدمة ، بل الظاهر من حال صفوان ورفيقيه ذلك (١) لان ساير الاخبار غير صريحة في ذلك ، وقصة

____________________

كان المصلى لا يقصد القربة بذلك.

فاذا كانت الصوم والصلاة وهكذا الحج ماهية مجعولة وتلقاها الشارع عبادة ، جاز اتيانها نيابة عن الميت ، فانها مطلوبة بماهيتها : تقرب صاحبها إلى الله عزوجل ، و صاحبها عند الله هو المنوب عنه لا النائب ، فان النائب انما عمل تلك الاعمال العبادية بدلا عن الغير في مقابلة الثواب وثوابه اما الاجرة ان كان استيجار ، واما الجنة ونعيمها ان كان تبرعا ، وهذا ايضا واضح بحمدالله.

(١) بل الظاهر من حال صفوان ـ وقد مر قصته بنصها في أول الباب تحت الرقم ٢ ـ أنه كان يفرض رفيقيه الماضيين حيا ومعذلك يأتى بالعبادات المفروضة والمسنونة عليهما نيابة ، وهذا مشكل من حيث الصحة وجواز الاتيان بها ، وذلك لانه كان يصلى في اليوم والليلة خمسين ومائة ركعة : خمسين لنفسه فرضا ونفلا وخمسين لعبدالله بن جندب وخمسين لعلى بن النعمان ، وصلاته هذه عنهما ان جوزنا وصححنا بالنسبة إلى النوافل المندوبة لا يصح ولا يجوز بالنسبة إلى الفرائض ، فانها انما جعلت فرضا على الاحياء فلو فرضا حيين لم يصح النيابة عنهما لكون الفرائض مكتوبا على أنفسهما ، ولو فرضا ميتين لم تكن مفروضة عليهما.

٣٢٠