بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فلم يبق النزاع ـ إلا ـ في سجود السهو ويشكل الاستدلال بالنصوص على سقوط فالاحوط الاتيان به ، واحتمل الشهيد الثاني في الذكرى اغتفار زيادة الركن سهوا من كثير السهو ، دفعا للحرج ، ولاغتفار زيادته في بعض المواضع.

أقول : طريق الاحتياط واضح ، قال ـ رحمة الله عليه ـ لو كثر شكه في فعل بعينه بنى على فعله فلو شك في غيره فالظاهر البناء على فعله أيضا لصدق الكثرة انتهى وهو حسن.

* ( الثالث ) *

في بيان حد كثرة السهو

فقال الشيخ في المبسوط : قيل حده أن يسهو ثلاث مرات متوالية ، وبه قال ابن حمزة ، وقال ابن إدريس حده أن يسهو في شئ واحد أو فريضة واحدة ثلاث مرات فيسقط بعد ذلك حكمه ، أو يسهو في أكثر الخمس أعني ثلاث صلوات الخمس ، فيسقط بعد ذلك حكم السهو في الفريضة الرابعة.

وأنكر المحقق في المعتبر هذا القول ، وقال : إن يجب أن يطالب هذا القائل بمأخذ دعواه ، فانا لا نعلم لذلك أصلا في لغة ولا شرع ، والدعوى من غير دلالة تحكم انتهى ، وأكثر الاصحاب أحالوه على العرف ، قال الشهيد الثاني قدس الله روحه : المرجع في الكثرة إلى العرف ، لعدم تقدرها شرعا ، وقيل : يتحقق بالسهو في ثلاث فرائض متوالية ، أو في فريضة واحدة ثلاث مرات ، والظاهر أنه غير مناف للعرف ، وفي حكمه السهو في فريضتين متواليتين ، وربما خصها بعضهم بالسهو في ثلاث فرائض ، لرواية ابن أبي عمير وهي غير صريحة في ذلك ، فان ظاهرها أن المراد وجود الشك في كل ثلاث بحيث لا تسلم له ثلاث صلوات خالية عن شكه ، ولم يقل أحد بانحصار الاعتبار في ذلك.

أقول : قوله : في فريضتين أي ثلاثا فيهما.

واعلم أن القائلين بالثلاث اختلفوا في أن الحكم يتعلق بالثالثة أو بالرابعة ،

٢٨١

وتمسك القائلون بالثاني بأن حصول الثلاث سبب لتحقق حكم الكثرة ، والسبب مقدم على المسبب ، ولا يخفى وهنه ، إذ تقدم السبب ذاتي ولا ينافي المعية الزمانية مع أن تقدم الزماني لا يخل هنا بالمقصود.

ثم إذ قد عرفت أقوال مشاهير الاصحاب ، فلنرجع إلى بيان مدلول صحيحة ابن أبي عمير المشتملة على بيان حد الكثرة ، فاعلم أن الخبر في غاية الاجمال ، و يشكل التمسك به في مقام الاستدلال ، إذ الثلاث المذكور فيها لا يعلم أن المراد بها الصلوات ، أو الركعات ، أو أفعال الصلاة ، أو مطلق الافعال ، لكن الظاهر أن المراد بها الصلوات ، ثم بعد بنائه على ذلك أيضا فيه احتمالات.

الاول : وهو أظهر الاحتمالات أن يكون المراد أن يسهو في كل ثلاث صلوات متواليات سهوا واحدا ، ولا يكون ثلاث صلوات متواليات منه خالية عن السهو ، كأن يسهو مثلا في الصبح ثم في المغرب ثم في الظهر ، وهكذا.

ولا يخفى أنه على هذا يظهر منه تحديد انقطاع كثرة السهو ، ولا يظهر منه تحديد حصولها إذ لو كان المراد استمرار ذلك إلى آخر العمر فلا يعلم كونه كثير السهو إلا بعد موته ، ولو حمل على اليوم والليلة فلا دلالة للخبر عليه ، مع أنه لا يتعدد الشك فيهما ، وظاهر الخبر كون ذلك في زمان يتعدد حصول الشك فيه ، والتحديد بالاسبوع والشهر وغيرهما تعيين بغير دليل ، فلابد من الحوالة إلى العرف ، أي تكررت تلك الحالة منه بحيث يقال في العرف أن ليس ثلاث صلوات منه خالية من الشك.

فعلى هذا فالخبر مستقل في تحديد الانقطاع ، ولما لم يكن مستقلا في تحديد حصول كثرة السهو إلا بمعونة العرف ، والعرف مستقل في أصل الحكم ، فيصير الخبر من تلك الجهة خاليا عن الفايدة ، فلابد أن يكون سياق الخبر لبيان حكم الانقطاع فقط ، ويكون الحوالة في حصولها إلى العرف.

ويمكن أن يقال : مدخلية العرف في ذلك لا يصير التحديد لغوا ، إذ المراد

٢٨٢

بيان المعنى الشرعي للكثرة ، بمعونة حكم العرف في أمر آخر ، وهو كونه لا يخلو ثلاث صلوات منه من السهو ، وحكمه في ذلك غير حكمه في أصل الكثرة ، ولعله لم يتوافق الحكمان ، ولو سلم أن المراد بيان المعنى العرفي للكثرة فيمكن أن يكون حكمه في مفهوم عدم الخلو أظهر من حكمه في أصل الكثرة ، فجعل تحقق أحدهما دليلا على الآخر.

الثانى : أن يكون المراد أن يسهو في اليوم والليلة في ثلاث صلوات فانه يصدق حينئذ أنه لا يخلو ثلاث صلوات منهما عن السهو ، ولا يخفى ركاكة نسبة التعبير عن هذا المطلب بتلك العبارة إلى الامام الذي هو أفصح البلغاء ، لا سيما في مقام الحكم لعامة الناس.

الثالث : أن يكون المراد أن يسهو في كل جزء من أجزاء الثلاث صلوات أي في كل صلاة منها ، فيكون تحديدا لحصول الكثرة بالشك في ثلاث متوالية كما فهمه المحقق الاردبيلي ـ رحمة الله عليه ـ حيث قال : ويمكن أن يكون معنى رواية محمد بن أبي عمير أن السهو في كل واحدة واحدة من أجزاء الثلاث ، بحيث يتحقق في جميعه موجب لصدق الكثرة ، وأنه لا خصوصية له بثلاث دون ثلاث ، بل في كل ثلاث تحقق تحقق كثرة السهو ، فنزول بواحدة واثنتين أيضا ويتحقق حكمها في المرتبة الثالثة ، فيكون تحديدا لتحقق وزوال حكم السهو معا فتأمل فانه قريب انتهى كلامه رفع الله مقامه.

ولا يخفى أن ما قربه ـ ره ـ بعيد من سياق الخبر ولعل الاظهر في الخبر هو الاحتمال الاول ، ففي حصول الكثرة يرجع إلى العرف ، وفي انقطاعها إلى خلو ثلاث صلوات عن السهو ، وهو أيضا غير بعيد عن حكم العرف ، والاحوط في صورة اشتباه الحكم العمل بأحكام الشك ثم إعادة الصلاة.

٢٨٣

* ( الرابع ) *

في بيان مفاد قوله عليه‌السلام « ولا على الاعادة إعادة » فانه كان مقصودنا وإنما ذكرنا ما ذكرنا إعانة على فهمه.

فاعلم أن ظاهر العبارة أنه إذا صدر منه شك أو سهو مبطل للصلاة ، بحيث لزمته إعادة الصلاة ، ثم صدر في الاعادة أيضا ما يوجب الاعادة لا يلتفت إليه ، ويتم صلاته ، ولا تنافي بينه وبين التحديد الواقع في صحيحة ابن أبي عمير ، إذ لا يلزم أن يكون عدم الاعادة هنا لتحقق كثرة السهو بل هما حكمان بينهما عموم من وجه ، إذ السهو الموجب للكثرة لا ينحصر فيما كان سببا للاعادة ، والاعادة أيضا لا يستلزم كثرة السهو ، وإن اجتمع الحكمان في بعض المواد ولا تنافي بينهما.

لكن لم يتعرض له الاصحاب ولم يقل به ظاهرا أحد ، إلا الشهيد رفع الله درجته في الذكرى ، حيث احتمل ذلك ، وقال بعد بسط القول في تحقيق حد الكثرة : ويظهر من قوله عليه‌السلام في حسنة حفص بن البخترى : « ولا على الاعادة إعادة » أن السهو يكثر بالثانية إلا أن يقال : يخص بموضع وجوب الاعادة انتهى.

وقال السيد صاحب المدارك بعد نقل هذا القول : وهو كذلك إلا أني لا أعلم بمضمونها قائلا.

أقول : لما لم يعلم تحقق إجماع على خلافه ، والرواية المعتبرة دلت عليه ، فلا مانع من القول به ، ولذا مال إليه والدي العلامة قدس الله روحه ، والاحوط الاتمام والاعادة ، رعاية للمشهور بين الاصحاب.

ثم إن لمن لم يقل بظاهره وجوها من التأويل فيه :

الاول أن يحمل على ما إذا تحققت الكثرة في الشك في المعادة أو قبله على القولين.

الثاني أن يكون المراد عدم استحباب الاعادة ثانية فيما تستحب فيه الاعادة ، كاعادة الصلاة لمن صلى منفردا فانها مستحبة ، ولا يستحب بعد ذلك إعادتها جماعة مرة اخرى ، كما إذا اعاد الناسي للنجاسة الصلاة خارج الوقت استحبابا على القول

٢٨٤

به ، فلا يستحب له الاعادة مرة اخرى ، وأمثال ذلك.

الثالث أنه إذا أعاد الصلاة في موضع تجب فيه الاعادة فلا تجوز الاعادة مرة اخرى بالسبب الاول من غير عروض سبب آخر لها ، ولا يخفى بعد تلك الوجوه.

٤١ ـ السرائر : نقلا من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب ، عن العباس ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لا سهو على من أقر على نفسه بسهو (١).

بيان : أقول : لعل المعنى أنه لا يعتبر الشك أو السهو ممن يعرف من نفسه كثرتهما ، بتقدير مضاف ، أو ممن أقر على نفسه أن شكه من قبيل وسواس الشيطان وليس شكا واقعيا ، بل يعلم بعد التأمل أنه أتى بالفعل كما هو غالب حال من يكثر الشك ، أو لا يلزم سجود السهو بعد التذكر والاتيان بالفعل المنسي في محله أو المعنى أنه لا يقبل من الصناع ادعاء السهو فيما جنوا بأيديهم على المتاع ، ولا يعذرون بذلك ، أو ينبغي عدم مؤاخذتهم على سهوهم ، ويمكن حمله على بعض معاني السهو في السهو ، ولا يخلو شئ منها من التكلف ، وإن كان الاول أقل تكلفا.

أقول : وإنما خرجنا في هذا الباب عما التزمناه في أول الكتاب من رعاية الاختصار ، وعطفنا عنان البيان قليلا إلى التطويل والاطناب والاكثار ، لعموم البلوى بتلك المقاصد وكثرة حاجة الناس إليها والله ولي التوفيق.

____________________

(١) السرائر : ٤٧٨.

٢٨٥

( أبواب )

* ( ما يحصل من الانواع للصلوات اليومية بحسب ) *

* ( ما يعرض لها من خصوص الاحوال ) *

* ( والازمان وأحكامها وآدابها وما يتبعها ) *

* ( من النوافل والسنن وفيها أنواع ) *

* ( من الابواب ) *

( أبواب القضاء )

١

( باب )

( أحكام قضاء الصلوات )

الايات : طه : فاعبدني وأقم الصلوة لذكرى (١).

الفرقان : وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد

____________________

(١) طه : ١٤ ، والظاهر من لفظ الاية الكريمة أن اللام في « لذكرى » ظرفية بمعنى « عند » كما في قوله تعالى : « أقم الصلاة لدلوك الشمس » الاية ، فالمراد بالذكر هو الذكر عن نسيان ، ليصح معنى التوقيت ، ولو كان المراد بالذكر ما يشمل الذكر عن ادامة الحفظ ، كما قيل سواء كان ذكرا باللسان أو باللقب ، لوجب عليه اقامة الصلاة متواترا في كل حين ، وهو خلاف ظاهر الاية الكريمة من التوقيت بوقت معين ، كما هو كذلك في كل شرع.

٢٨٦

..........

____________________

وأما معنى الصلاة ، فقد كانت عند بنى اسرائيل معهودة بهيئتها وأركانها واشتمالها على ذكر الله عزوجل بالتوجه والدعاء والتضرع اليه والانابة له ، من لدن أن قال ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام : « رب اجعلنى مقيم الصلاة ومن ذريتى ربنا وتقبل دعاء » ،

فمن المسلم أن موسى بن عمران عليه‌السلام ـ قبل أن يوحى اليه هذا الوحى ـ كان يصلى لله عزوجل ويعبده على الوجه المقرر في شريعة ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وخاصة بعد ما بلغ أشده وآتاه الله الحكم والعلم ، ولذلك لم يتكفل الوحى لبيان معنى الصلاة له وشرح أذكارها وأركانها ، وانما بين له عليه‌السلام ما كان يهمه ويخصه من وقت الصلاة مدى اشتغاله بابلاغ الرسالة إلى فرعون وملائه فوقت له اقامة الصلاة كلما تنبه لذكر الله عزوجل ولا يكون ذلك الا بعد ذهول وغفلة ونسيان كعند قيامه من النوم أو الفراغ من المشاغل التى ينسى ويمحو ذكر الله عزوجل عن القلب.

وهذا الذى وصى الله عزوجل به موسى بن عمران ، يجب علينا العمل به في ظرفه بعد ملاحظة شرع نبينا المطهر ، لقوله عزوجل : « شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذى أوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه » الشورى : ١٢.

فبحكم الاية الكريمة شرع الله عزوجل لنا ما أوحى إلى نبينا المكرم من أوقات الصلوات الخمسة كما أن شرع لنا من أحكام الدين ما وصى به الانبياء الاربعة اولى العزم خصوصا فشرف تلك الامة المرحومة بالشرافة التى كان خص بها اولى العزم من الرسل ليشملهم بذلك رحمته ورضوانه.

فمن ذلك الصلاة والزكاة كما قال الله عزوجل حاكيا عن عيسى بن مريم عليهما‌السلام  « وأوصانى بالصلاة والزكاة مادمت حيا » مريم : ٣١ ، ومن ذلك الامر بالمعروف والنهى عن المنكر بتبليغ أمر الله عزوجل ونشر دينه وعدم التفرق فيه كما عرفت من قوله تعالى : « أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه » الاية. ومن ذلك اقامة الصلاة حين تذكرها بعد النسيان والذهول عنها في أوقاتها المعلومة في شرعنا ، لقوله عزوجل لموسى (ع)

٢٨٧

شكورا (١).

تفسير : « وأقم الصلاة لذكري » قيل فيه وجوه : الاول : لتذكرني فان ذكري أن اعبد ويصلى لي ، الثاني : لتذكرني فيها لاشتمال الصلاة على الاذكار الثالث : لاني ذكرتها في الكتب وأمرت بها ، الرابع لان أذكرك بالمدح والثناء ، وأجعل لك لسان صدق ، الخامس لذكرى خاصة ، أو لاخلاص ذكر وطلب وجهي لا ترائي بها ولا تقصد بها غرضنا آخر ، السادس لتكون لي ذاكرا غير ناس ، فعل المخلصين في جعلهم ذكر ربهم على بال منهم ، وتوكيل هممهم وأفكارهم به كما قال تعالى :  « رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله » (٢) السابع لاوقات ذكرى وهي مواقيت الصلوات ، الثامن عند ذكر الصلاة بعد نسيانها أي أقمها متى ذكرت كنت في وقتها أو لم تكن.

وهذا أقوى الوجوه بحسب الروايات (٣) ونسبه في مجمع البيان إلى أكثر

____________________

« اننى أنا الله لا اله الا أنا فاعبدنى وأقم الصلاة لذكرى ».

فعلى هذا يجب على من فاتته احدى الصلوات اليومية في وقتها المعين في شرعنا بالفرض أو السنة ، أن يصليها حين تذكرها وتبدل نسيانها إلى الذكر ، بحيث اذا أهملها بعد ذكرانها حتى نسيها مرة اخرى فقد عصى باهماله بحكم الاية الكريمة ، وسيمر عليك في تضاعيف الاخبار ما ينص على ذلك انشاء الله.

(١) الفرقان : ٦٢ ، ومعنى قوله عزوجل : « لمن أراد أن يذكر » أى لمن أراد أن يتلبس بالذكر ، فان المراد من الذكر ههنا هو الذكر اللسانى والقلبى كلما خلف النهار الليل وخلف الليل النهار ، بقرينة الترديد بينه وبين الشكر وجعلهما متعلقا لارادة من أراد وهو واضح.

(٢) النور : ٣٧.

(٣) بل بحسب ظاهر الاية الكريمة أيضا كما عرفت ، ونزيدك بيانا أن مآل الوجه الاول والثانى وهكذا الوجه السادس إلى تقدير الاية هكذا : أقم ذكرى لتذكرنى وهذا الكلام من السخافة بمكان وأما الوجه الثالث ومعناه : أقم الصلاة لانى ذكرتها في الكتب

٢٨٨

المفسرين ، وقال : وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ويعضده ما رواه مسلم في الصحيح عن أنس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من نسي صلاته فليصلها إذا ذكرها لاكفارة لها

____________________

وأمرت بها ، فهو أسخف من القولين الاولين ، فان « أقم الصلاة » أمر مستقل في وحى مستقل توجه إلى موسى عليه‌السلام من دون واسطة ، فلا وجه لان يعلل ايجابها بأنها قد سطرت في كتب الاقدمين ، لو كان هناك كتب ، غير صحف ابراهيم عليه‌السلام ، وبعبارة اخرى هذا الامر مولوى توجه بالخطاب اليه حضورا ، فلا معنى لجعله ارشاديا بارجاعه إلى كتب الاقدمين.

وأما الوجه الرابع : أقم الصلاة لان أذكرك بالمدح والثناء وأجعل لك لسان صدق ، فمفاده اخراج الامر المولوى بايجاب الصلاة في حد ذاتها على الاطلاق إلى الامر الاستحبابى الترغيبى مع أن المقام الامر المولوى لظاهر قوله : « اننى أنا الله لا اله الا أنا فاعبدنى ».

وأما الوجه الخامس ويشبهه بوجه الوجه السادس أيضا ، « صل لى ولا تصل لغيرى كما يفعله المشركون » فلا يليق لان يخاطب به مثل موسى عليه‌السلام بعد ما قال عزوجل :  « وأنا اخترتك » فانه عليه‌السلام كان منزها من الشرك والرياء بعصمة من الله عزوجل وقد آتاه رشده وأعطاه الحكمة والعلم ، ولا يكون من باب قولهم اياك أعنى واسمعى يا جارة ، فان هذا الوحى والتكليم كان مخصوصا به عليه‌السلام لم يحضر الطور غيره أحد من البشر.

وأما الوجه السابع « أقم الصلاة لاوقات ذكرى » ثم تأويله إلى مثل قولنا « أقم الصلاة لاوقات الصلوات » فان كان المراد بالاوقات التى وقتت في شرع ابراهيم عليه‌السلام تبدل الامر ارشاديا بعد ما كان مولويا كما قلنا في الوجه الثالث ، مع أنه أوهم تضييع موسى عليه‌السلام لاوقات الصلوات ، حيث وصاه باقامة الصلاة في أوقاتها ، وان كان المراد بالاوقات غير ما وقت في شرع ابراهيم الخليل لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، حيث أمر بالصلاة ولم يبين أوقاتها الموقتة.

٢٨٩

غير ذلك ، وقرأ « أقم الصلوة لذكرى » انتهى (١).

وروى الشيخ (٢) والكليني (٣) بسند فيه جهالة على المشهور (٤) عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام أنه قال : إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اخرى ، فان كنت تعلم أنك إذا صليت التي فاتتك كنت من الاخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك ، فان الله تعالى يقول : « أقم الصلوة لذكري ».

وروى الشهيد رحمة الله عليه في الذكرى (٥) بسنده الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة قال : فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه فقبلوا ذلك مني.

فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر عليه‌السلام فحدثنى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عرس في بعض أسفاره فقال : من يكلؤنا؟ فقال بلال : أنا ، فنام بلال وناموا حتى طلعت الشمس فقال : يا بلال ما أرقدك؟ فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ بنفسى الذي أخذ بأنفاسكم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة ، وقال : يا بلال أذن فأذن فصلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ركعتى الفجر وأمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر ثم قام فصلى بهم الصبح ثم قال : من نسي شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها ، فان الله عزوجل يقول : « وأقم الصلوة لذكرى » قال زرارة : فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه فقال : نقضت حديثك الاول.

____________________

(١) مجمع البيان ج ٧ ص ٥ و ٦.

(٢) التهذيب : ج ١ ص ١٨٤.

(٣) الكافى ج ٣ ص ٢٩٣.

(٤) بل هو مهمل لم يذكر بمدح الا ما ذكره ابن داود حيث عنونه في القسم الاول تحت الرقم ١١٩٢ ، وقال كان وزير أبى جعفر المنصور ممدوح.

(٥) الذكرى : ١٣٤ ، وقد مر مشروحا في ج ٨٧ ص ٢٤.

٢٩٠

فقدمت على أبي جعفر عليه‌السلام فأخبرته بما قال القوم ، فقال : يا زرارة ألا أخبرتهم أنه قد فات الوقتان جميعا ، وأن ذلك كان قضاء من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفي تفسير علي بن ابراهيم قال : إذا نسيتها ثم ذكرتها فصلها (١).

بقي الكلام في توجيه الآية على هذا الوجه ، فان الظاهر عليه أن يقال :

لذكرها (٢) وفيه أيضا وجوه :

الاول أن يقدر مضاف أي لذكر صلاتي.

الثاني أن يقال : إنما قال : « لذكرى » لبيان أن ذكر الصلاة مستلزم لذكره سبحانه ، وذكر أمره بها وعقابه على تركها ، فكان ذكرها عين ذكره تعالى.

الثالث أن يكون المعنى عند ذكر الصلاة الذي هو من قبلي وأنا علته ، كما ورد في الاخبار أن الذكر والنسيان من الاشياء التى ليس للعباد فيها صنع.

الرابع أن يكون المراد عند ذكري لك ، وذكر الله كناية عن لطفه ورحمته

____________________

(١) تفسير القمى : ٤٨١.

(٢) قد عرفت أن الاية الكريمة انما تحكى وحيا وتكليما من الله عزوجل لموسى عليه‌السلام ( لا ريب في ذلك ) يوقت له أوقات الصلاة بوجه خاص ، الا أن ذلك التوقيت اذا توجه الينا بحكم آية الشورى كان مفادها كمثل هذا القول : « أقم الصلاة لذكرها بعد نسيانها ».

فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته المعصومون انما يحتجون بالاية بهذا الوجه ، لا بما أنها نزلت تخاطب النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يرد على الروايات ما ذكره المؤلف العلامة.

وهذا مثل ما كان أهل البيت يحتجون بقوله تعالى « لله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله » على أن الصلاة النافلة تجوز إلى كل جانب ، وصلاة المتحير تجوز اذا وقعت ما بين المشرق والمغرب ، مع أنها نزلت في غير هذا المورد على ما عرفت بيانها في ج ٨٤ ص ٢٩ و ٣٣ ، وكثيرا ما يستند الامام عليه‌السلام بآية من آيات القرآن الكريم من حيث نتيجة مفادها بالنسبة الينا مع أن الظاهر لفظ الاية تخالف حكمهم بذلك ، فلا تغفل عن هذه الدقيقة ، ولعل الله يوفقنا للبحث عن ذلك مستوفى فيما بعد انشاء الله تعالى.

٢٩١

كما قال : « اذكروني أذكركم » (١) و « نسوا الله فنسيهم » (٢) إذ تذكير الصلاة بعد نسيانها من ألطافه سبحانه ، ولم أر هذا الوجه في كلامهم (٣).

ثم إن الآية على الوجه الاخير الذي قويناه تدل على أن وقت القضاء الذكر وأنه لا تكره ولا تمنع في شئ من الاوقات إلا مع مزاحمته لواجب مضيق ، ولذا أجمع الفقهاء على أنه تقضى الفرائض في كل وقت ما لم تتضيق الحاضرة ، ولو عممنا الصلاة بحيث تشمل الفريضة والنافلة والامر بحيث يشمل الوجوب والندب ، دلت الآية على جواز قضاء النافلة في أوقات الفرائض كما مر القول فيه ، وتدل عليه صحيحة زرارة المتقدمة في الجملة.

واستدل بها أيضا على المضايقة في القضاء للامر بايقاعها عند الذكر ، والامر للوجوب ، واجيب بأنه إنما يتم إذا كان الامر للفور ، ولم يثبت ، واعترض عليه بأن الآية على هذا الحمل دالة على تعيين زمان المأمور به ، والاخلال به يوجب عدم الاتيان بالمأمور به ، والحقيقة ههنا وإن كانت ههنا وإن كانت غير مرادة ، لكن لابد من حمله على أقرب المجازات إليها ، فيجب الاتيان بهابعد التذكر بلا فصل يعتد به ، على أن هذا المعنى ينساق إلى الذهن في أمثال هذه المواضع عرفا.

أقول : يمكن أن يقال : على هذا الوجه لا تدل الآية إلا على أن زمان الذكر وقت للصلاة ، وهو وقت متسع ولا تدل على أن وقته أول أوقات الذكر حتى يحتاج إلى تلك التكلفات ، فتفطن ، وما ذكره من شهادة العرف ممنوع.

« جعل الليل والنهار خلفة » أي جعلهما ذوي خلفة يخلف كل منهما الآخر ، بأن يقوم مقامه فيما كان ينبغي أن يعمل فيه أو بأن يعقبه ، يقال هما يختلفان كما يقال : يعتقبان ، ومنه قوله : « واختلاف الليل والنهار » (٤) وقيل أي جعل كلا

____________________

(١) البقرة : ١٥٢.

(٢) براءة : ٦٧.

(٣) هذه الوجوه تشبه بعض الوجوه السبعة التى مر البحث عنها فيما سبق.

(٤) آيات كثيرة منها في سورة البقرة : ١٦٤ ، آل عمران : ١٩٠.

٢٩٢

منهما مخالفا للآخر ، وليس بشئ ، والاول هو المؤيد بالاخبار.

« لمن أراد أن يذكر » قال في الكشاف : وقرئ تذكر ويذكر ، وعن ابي ابن كعب يتذكر ، والمعنى لينظر في اختلافهما الناظر فيعلم أنه لابد لا نتقالهما من حال إلى حال وتغيرهما من ناقل ومغير ، ويستدل بذلك على عظم قدرته ، ويشكر الشاكر على النعمة فيهما من السكون بالليل والتصرف بالنهار ، كما قال عزوجل :  « ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله » (١) أو ليكونا وقتين للمتذكرين والشاكرين ، من فاته في أحدهما ورده من العبادة ، قام به في الآخر انتهى.

والاخير أظهر وأقوى كما اختاره في مجمع البيان (٢) ونسبه إلى ابن عباس وغيره ، وقال : وروي ذلك عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : يقضي صلاة الليل بالنهار ، وحمل قوله : « لمن أراد أن يذكر » على قضاء الفريضة ، وقوله : « شكورا » على قضاء النافلة.

ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن عنبسة العابد (٣) قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل « وهو الذى جعل الليل والنهار خلفة » الآية قال : قضاء صلاة الليل بالنهار ، وصلاة النهار بالليل.

وقال في الفقيه : (٤) قال الصادق عليه‌السلام : كلما فاتك بالليل فاقضه بالنهار قال الله تبارك وتعالى : « وهو الذي الليل والنهار خلفه لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا » يعني أن يقضي الرجل ما فافته بالليل بالنهار وما فاته بالنهار بالليل ، وقد مر في باب أحكام النوافل مثله برواية علي بن إبراهيم (٥) عن أبيه عن صالح بن عقبة

____________________

(١) القصص : ٧٣.

(٢) مجمع البيان ج ٧ ص ١٧٨.

(٣) التهذيب ج ٢ ص ٢٧٥ ، ط نجف.

(٤) الفقيه ج ١ ص ٣١٥.

(٥) تفسير القمى : ٤٦٧ ، وقد مر في باب جوامع أحكام النوافل ج ٨٧ ص ٤٣.

٢٩٣

عن جميل عنه عليه‌السلام وزاد في آخره وهو من سر آله محمد المكنون.

فعلى هذا تدل الآية على رجحان قضاء كل ما فات بالليل في النهار وبالعكس إلا ما أخرجه الدليل.

١ ـ المحاسن : عن أبيه ، عن العباس بن معروف ، عن علي بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد يرفع الحديث قال : سئل أبوعبدالله عليه‌السلام عن رجل نسي صلاة من الصلوات الخمس لا يدري أيتها هي؟ قال : يصلي ثلاثة وأربعة وركعتين ، فان كانت الظهر والعصر والعشاء كان قد صلى ، وإن كانت المغرب والغداة فقد صلى (١).

بيان : روى الشيخ مضمونه بسندين صحيحين (٢) عن علي بن أسباط ، عن غير واحد من أصحابنا عنه عليه‌السلام وعلي بن أسباط قد وثقه النجاشي (٣) وقال إنه من أوثق الناس وأصدقهم لهجة ، وذكر أنه كان فطحيا ثم رجع عنه وتركه ، ولم يذكر الشيخ كونه فطحيا ، ومثل هذا إذا قال : عن غير واحد من أصحابنا يمكن عده من الصحاح ، لا سيما مع تأيده بهذه الرواية وعمل الاصحاب ، وذكر الصدوق (٤) في المقنع أيضا ولذا ذهب جل الاصحاب إلى العمل بمضمونه وقالوا يردد الاربع بين الظهر والعصر والعشاء مخيرا بين الجهر والاخفات ، ونقل الشيخ في الخلاف عليه إجماع الفرقة ، وحكي عن أبي الصلاح وابن حمزة وجوب الخمس والاول أقوى.

والقائلون بالاول قالوا لو كانت الفائتة من صلاة السفر اكتفى باثنتين ثنائية مطلقة إطلاقا رباعيا ومغرب إلا ابن إدريس ، حيث لم يوافق هنا مع موافقته في الاول ، نظرا إلى اختصاص النص بالاول فالتعدية قياس.

____________________

(١) المحاسن : ٣٢٥ وفى هامش الاصل : ثلاثا وأربعا ظ.

(٢) التهذيب ج ١ ص ١٩١ بسند وص ١٩٢ بسند آخر.

(٣) رجال النجاشى ص ١٩٠.

(٤) المقنع ص ٣٢ ط الاسلامية ، الفقيه ج ١ ص ٢٣١.

٢٩٤

وأقول : يمكن أن يقال : الاستدلال بخبر المحاسن من قبيل القياس على العلة المنصوصة ، والمشهور حجيته فتأمل ، وما قيل من أنه من قبيل دلالة التنبيه ومفهوم الموافقة ، فلم نعرف معناه.

٢ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن المريض يغمى عليه أياما ثم يفيق ، ما عليه من قضاء ما ترك من الصلاة؟ قال : يقضي صلاة ذلك اليوم الذي أفاق فيه (١).

٣ ـ العيون والعلل : عن عبدالواحد بن عبدوس ، عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان فيما رواه من العلل عن الرضا عليه‌السلام فان قال : فلم صارت الحائض يقضي الصيام لا الصلاة؟ قيل : لعلل شتى إلى آخر ما مر في كتاب الطهارة (٢).

ثم قال : فان قال : فلم إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يفق من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للاول ، وسقط القضاء؟ قيل : لان ذلك الصوم إنما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر ، وأما الذي لم يفق فانه لما مر عليه السنة كلها وقد غلب الله عليه ، فلم يجعل له السبيل إلى أدائها سقط عنه ، وكذلك كل ما غلب الله عليه مثل المغمى عليه يغمى عليه في يوم وليلة ، فلا يجب عليه قضاء الصلوات كما قال الصادق عليه‌السلام كلما غلب الله على العبد فهو أعذر له (٣).

٤ ـ الذكرى : عن إسماعيل بن جابر قال : سقطت عن بعيري فانقلبت على ام رأسي ، فمكثت سبع عشرة ليلة مغمى عليه فسألته عن ذلك فقال : اقض مع كل صلاة صلاة (٤).

____________________

(١) قرب الاسناد ص ٩٧ ط حجر ص ١٢٨ ط نجف.

(٢) راجع ج ٨١ ص ١٠٦.

(٣) علل الشرايع ج ١ ص ٢٥٧ ، عيون الاخبار ج ٢ ص ١١٧.

(٤) الذكرى : ١٣٤.

٢٩٥

قال الشهيد ـ رحمه الله ـ وفيه تصريح بالتوسعة لو أوجبنا القضاء على المغمى عليه ، وقال : قال سلار ـ ره ـ وقد روي أنه إذا أفاق آخر النهار قضى صلاة ذلك اليوم ، وإن أفاق آخر الليل قضى صلاة تلك الليلة ، وابن إدريس حكى هذا ، وأنه روي أنه يقضي صلاة شهر.

المقنع : اعلم أن المغمى عليه يقضي جميع ما فاته من الصلوات ، وروي ليس على المغمى عليه أن يقضي إلا صلاة اليوم الذي أفاق فيه ، والليلة التي أفاق فيها وروي أنه يقضي صلاة ثلاثة أيام ، وروي أنه يقضي الصلاة التي أفاق فيها في وقتها (٥).

تنقيح : اعلم أن الاصحاب اختلفوا في قضاء المغمى عليه الصلاة ، مع استيعاب الاغماء جميع وقت الصلاة ، فذهب الاكثر إلى أنه لا يجب عليه القضاء أصلا ، وذهب الصدوق إلى القضاء مطلقا كما عرفت (١) وحكي عن بعض الاصحاب أنه يقضي آخر

____________________

(١) المقنع : ٣٧.

(٢) وهو المختار ، لما عرفت في ج ٨٢ ص ٣١٣ ذيل قوله تعالى : « ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا » أن الصلاة مكتوبة على المؤمنين كالدين المؤجل بآجال معينة كلما حل أجل وجب أداء ما افترض وكتب عليه من ثنائية أو رباعية او ثلاثية ، فلا يسقط تلك الكتابة الا بالاداء ، حتى انه يطالب أولياء المؤمنين بعد مماتهم بقضاء هذا الدين عن ميته كما هو المسلم في الشريعة.

فعلى هذا يكون قضاء الصلوات في أى ظرف كان بالامر الاول ، وهذا الامر انما يتوجه إلى المكلف حين يبلغ أول تكليفه فيحكم عليه بكتابة هذا الدين عليه ليؤدى ديون صلوات المكتوبة في أنجمها ، فاذا تركها عمدا يؤدى ما فاته بعد التوبة والاعتذار ، ويكون فاسقا بل كافرا حين تركه للصلاة ، واذاتركها نسيانا أداها بعد التذكر ، واذا تركها لمرض غلبه كالسليم أو صاحب الوجع الذى لا يزال يلتوى من شدة الوجع ، أداها بعد رفع الحرج واذا فاتته الصلاة لاغماء أو سكر أو برسام غلب

٢٩٦

أيام إفاقته إن أفاق نهارا أو آخر ليلته إن أفاق ليلا ، والاول أقوى ، والاخبار

____________________

عليه ، أداها بعد الافاقة واذا تركها لنوم غلبه أداها بعد اليقظة ، كل ذلك لان الصلاة مكتوبة لا يخرج عن عهدتها الا بأدائها.

الا أنه لا عصيان في هذه الصور غير العمدية ، لان هذه الافات عرض عليه من دون اختياره وكلما غلب الله على العبد ، فالله أولى بالعذر ، ولما ثبت عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : رفع عن امتى تسعة : الخطا ، والنسيان ، وما اضطروا اليه ، وما لا يطيقون ... ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق.

وهناك روايات صحيحة كثيرة تنص على أن المغمى عليه يقضى صلواته كلها منها صحيحة عبدالله بن سنان عن أبى عبدالله (ع) قال : كل ما تركته من صلاتك لمرض اغمى عليك فيه فاقضه اذا أفقت ومنها صحيحة رفاعة عن أبى عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن المغمى عليه شهرا ما يقضى من الصلاة؟ قال : يقضيها كلها ، ان أمر الصلاة شديد ، ومنها ما عن منصور بن حازم عن أبى عبدالله (ع) أنه سأله عن المغمى عليه شهرا أو أربعين ليلة؟ قال : فقال : ان شئت أخبرتك بما آمر به نفسى وولدى : أن تقضى كل ما فاتك ( التهذيب ج ١ ص ٤٢١ ).

واما ما روى من أنه لا يقضى صلاته ، ويحتج فيها بقوله عليه‌السلام : « كلما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر » فهذا الاحتجاج دليل التقية والاتقاء في الفتوى ، فان العذر انما هو في تركه في الوقت المعين وعدم نقصان دينه وعدالته وورعه بذلك ، وأما بعد رفع العذر ، فالتكليف بحاله ، ولا فرق بين الاعذار بأنه لو كان النوم والنسيان وجب القضاء ، ولو كان هو الاغماء لم يجب.

ولذلك ترى الامام عليه‌السلام يحتج بهذه القاعدة في غير مورد الاغماء أيضا كما في حديث مرازم قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن المريض لا يقدر على الصلاة؟ قال : فقال كلما غلب الله على العبد فالله اولى بالعذر.

نعم لو كان المكلف هو الذى أورد على نفسه احدى هذه الاعذار ، كما اذا شرب مسكرا أو مخدرا أو غير ذلك من الادوية فغلب عليه النوم أو النسيان أو الاغماء أو الهجر كان في

٢٩٧

الدالة على القضاء محمولة على الاستحباب ، وبعضها أشد استحبابا من بعض كاليوم والثلاثة الايام.

وذكر الشهيد ـ ره ـ أنه لو أغمى بفعله وجب عليه القضاء ، وأسنده إلى الاصحاب ولا حجة عليه ظاهرا.

قال في الذكرى : لو زال عقل المكلف بشئ من قبله فصار مجنونا أو سكر فغطي عقله واغمي عليه بفعل فعله ، وجب القضاء ، لانه مسبب عن فعله وأفتى به الاصحاب وكذا النوم المستوعب ، وشرب المرقد.

ولو كان النوم على خلاف العادة فالظاهر إلحاقه بالاغماء ، وقد نبه عليه في المبسوط ، لو تناول المزيل للعقل غير عالم بذلك أو أكل غذاء موذيا لا يعلم به أو سقي المسكر كرها أو لم يعلم كونه مسكرا أو اضطر إلى استعماله دواء ، فزال عقله ، فهو في حكم الاغماء ، لظهور عذره.

أما لو علم أن جنسه مسكر وظن أن ذلك القدر لا يسكر ، أو علم أن متناوله يغمى عليه في وقت فتناوله في غيره مما يظن بأنه لا يغمى عليه فيه لم يعذر ، لتعرضه للزوال ، ولو وثب لحاجة فزال عقله أو اغمي فلا قضاء ، ولو كان عبثا فالقضاء إن ظن كون مثله يؤثر ذلك ، ولو بقول عارف انتهى.

والظاهر أن مافات بالنوم أو بالعمد أو بالنسيان يجب قضاؤها مطلقا للاخبار الكثيرة الدالة باطلاقها على جميع الافراد ، وأما المسكر والمرقد فالظاهر وجوب القضاء في جميع أفرادهما لعمومات النصوص الدالة على أن من فاتته فريضة يجب عليه القضاء ، وفي الاغماء الظاهر عدم وجوب القضاء مطلقا.

والاولى في الشقوق المختلف فيها القضاء احتياطا ، لا سيما فيما إذا كان الاغماء بفعله ، للشهرة العظيمة بين الاصحاب ، مع أنه يمكن أن يقال : النصوص الواردة بعدم القضاء في الاغماء تنصرف إلى الفرد الشايع الغالب ، وهو مالم يكن بفعله ، فيتناول غيره

____________________

فعله ذلك عاصيا وكان كأنه ترك الصلاة عمدا ، وهذا واضح بحمد الله.

٢٩٨

عمومات القضاء ولا يخلو من وجه.

٦ ـ رسالة المواسعة : في القضاء للسيد علي بن طاوس نقلا من أصل عبيدالله ابن علي الحلبي المعروض على الصادق عليه‌السلام قال : خمس صلوات يصلين على كل حال ، متى ذكره ، ومتى أحب ، صلاة فريضة نسيها يقضيها مع غروب الشمس وطلوعها وصلاة ركعتي الاحرام ، وركعتي الطواف ، والفريضة ، وكسوف الشمس عند طلوعها وعند غروبها.

ومنها عن الاصل المذكور قال : ومن نام أو نسي أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة ، فان استيقظ قبل الفجر بمقدار ما يصليهما جميعا فليصلهما وإن استيقظ بعد الفجر فليصل الفجر ثم يصلي المغرب ثم العشاء.

ومنها نقلا عن كتاب الصلاة : للحسين بن سعيد عن صفوان ، عن عيص بن القاسم قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتى دخل وقت صلاة اخرى فقال : إن كانت صلاة الاولى فليبدء بها وإن كانت صلاة العصر فليصل العشاء ثم يصلي العصر.

٧ ـ تفسير على بن ابراهيم : قال صلاة الحيرة على ثلاثة وجوه : فوجه منها هو الرجل يكون في مفازة لا يعرف القبلة يصلي إلى أربعة جوانب.

والوجه الثاني من فاتته صلاة ولم يعرف أي صلاة هي فانه يجب أن يصلي ثلاث ركعات وأربع ركعات وركعتين ، فان كانت التي فاتته المغرب فقد قضاها ، وإن كانت العتمة فقد قضاها ، وان كانت الفجر فقد قضاها ، وإن كانت الظهر فقد قضاها و إن كانت العصر فقد قضاها ، فقد قامت الثلاث مقامها ، ومن كان عليه ثوبان فأصاب أحدهما بول أو قذر أو جنابة ولم يدر أي الثوبين أصاب القذر ، فانه يصلي في هذا وفي هذا ، فاذا وجد الماء غسلهما جميعا (١).

٨ ـ الخصال : عن أبيه عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز

____________________

(١) تفسير القمى : ٧٠.

٢٩٩

عن زرارة قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة : صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها ، وصلاة ركعتي طواف الفريضة ، وصلاة الكسوف ، والصلاة على الميت ، هؤلاء يصليهن الرجل في الساعات كلها (١).

بيان : يدل على أنه لا يكره القضاء في الساعات المكروهة وهي شاملة لقضاء النافلة.

٩ ـ الخصال : عن محمد بن الحسين بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن موسى بن بكر قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : الرجل يغمى عليه اليوم واليومين والثلاثة والاربعة وأكثر من ذلك ، كم يقضي من صلاته؟ فقال : ألا أخبرك بما يجمع لك هذا وأشباهه؟ كلما غلب الله عزوجل عليه من أمر فالله أعذر لعبده.

وزاد فيه غيره أن أبا عبدالله عليه‌السلام قال : وهذا من الابواب التي يفتح كل باب منها ألف باب (٢).

البصائر : للصفار عن أحمد بن محمد مثله (٣) وفيه « يوما أو يومين أو ثلاثة أو أكثر » وفيه « بما ينتظم هذا وأشباهه ».

١٠ ـ العلل : عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن علي ابن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن عمر بن اذينة ، عن زرارة وبكير وفضيل ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الاهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ، ثم يتوب ويعرف هذا الامر ويحسن رأيه ، أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج؟ قال : ليس عليه إعادة شئ من ذلك غير الزكاة ، فانه لابد

____________________

(١) الخصال ج ١ ص ١١٨.

(٢) الخصال ج ٢ ص ١٧٤.

(٣) البصائر : ٣٠٦.

٣٠٠