بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٢

( باب )

( أحكام الجماعة )

الايات : الاعراف : وإذا قرئ القرآن فاستعموا له وأنصتوا لعلكم ترحمون (١).

الحجر : ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين (٢).

تفسير : الآية الاولى بعمومها تدل على وجوب الاستماع والسكوت عند قراءة كل قارئ في الصلاة وغيرها ، بناء على كون الامر مطلقا أو أوامر القرآن للوجوب ، والمشهور الوجوب في قراءة الامام ، والاستحباب في غيره (٣) ، مع أن ظاهر كثير من الاخبار المعتبرة الوجوب مطلقا إلا صحيحة زرارة (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : وإن كنت خلف إمام فلا تقرأن شيئا في الاوليين وأنصت لقراءته ، ولا تقرأن شيئا في الاخيرتين (٥) فان الله عزوجل يقول للمؤمنين « وإذا قرئ القرآن » يعني في الفريضة خلف الامام « فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون » والاخريان تبع للاوليين.

ويمكن حمله على أنها نزلت في ذلك فلا ينافي عمومها.

لكن نقلوا الاجماع على عدم وجوب الانصاب في غير قراءة الامام ، وربما يؤيد ذلك بلزوم الحرج ، والامر بالقراءة خلف من لا يقتدى به ، ويمكن دفع الحرج بأنه إنما يلزم بترك الجماعة الشايع في هذا الزمان ، وأما النوافل فكانوا يصلونها في البيوت

____________________

(١) الاعراف : ٢٠٤.

(٢) الحجر : ٢٤.

(٣) قد عرفت الوجه في الاية في ج ٨٥ ص ٦٩.

(٤) الفقيه ج ١ ص ٢٥٦ ، ورواه في السرائر : ٤٧١.

(٥) محمول على القراءة خلف أئمة العامة ، فانهم يقرؤن في كل الركعات بفاتحة الكتاب.

٢١

والامر بها خلف من لا تقتدى به للضرورة لا يوجب عدم وجوب الانصات في غيرها ، مع أنه قد وردت الرواية فيها أيضا بالانصات وبالجملة المسألة لا تخلو من إشكال والاحوط رعاية الانصات مهما أمكن.

قال في مجمع البيان : (١) الانصات السكوت مع استماع قال ابن الاعرابي : نصت وأنصت اسمتع الحديث وسكت ، وأنصته وأنصت له ، وأنصت الرجل سكت وأنصته غيره عن الازهري.

ثم قال : اختلف في الوقت المأمور بالانصات للقرآن والاستماع له ، فقيل إنه في الصلاة خاصة خلف الامام الذي يؤتم به ، إذا سمعت قراءته عن ابن عباس وابن مسعود وابن جبير وابن المسيب ومجاهد والزهري ، وروي ذلك عن أبي جعفر عليه‌السلام.

قالوا : وكان المسلمون يتكلمون في صلاتهم ويسلم بعضهم على بعض ، وإذا دخل داخل فقال لهم : كم صليتم أجابوه ، فنهوا عن ذلك وامروا بالاستماع ، وقيل : إنه في الخطبة أمر بالانصات والاستماع إلى الامام يوم الجمعة عن عطا وعمرو بن دينار وزيد بن أسلم ، وقيل : إنه في الخطبة والصلاة جميعا عن الحسن وجماعة.

قال الشيخ أبوجعفر قدس سره : أقوى الاقوال الاول لانه لا حال يجب فيها الانصات لقراءة القرآن إلا حال قراءة الامام في الصلاة ، فان على المأموم الانصات والاستماع له ، فأما خارج الصلاة فلا خلاف أن الانصات والاستماع غير واجب ، وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال : يجب الانصات للقرآن في الصلاة وغيرها ، قال : وذلك على وجه الاستحباب.

وفي كتاب العياشي (٢) عن أبي كهمس عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قرأ ابن الكوا خلف أمير المؤمنين عليه‌السلام « لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين » (٣)

____________________

(١) مجمع البيان ج ٤ ص ٥١٥.

(٢) تفسير العياسى ج ٢ ص ٤٤.

(٣) الزمر : ٦٥.

٢٢

فأنصت له أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وعن عبدالله بن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت له : الرجل يقرء القرآن أيجب على من سمعه الانصات له والاستماع؟ قال : نعم إذا قرئ عندك القرآن وجب عليك الانصات والاستماع.

وقال الجبائي : إنها نزلت في ابتداء التبليغ ليعلموا ويتفهموا ، وقال أحمد بن حنبل : اجتمعت الامة على أنها نزلت في الصلاة. « لعلكم ترحمون » أي لترحموا بذلك وباعتباركم به واتعاظكم بمواعظه.

وقال ـ ره ـ : في الآية الثانية (١) فيه أقوال إلى أن قال : وخامسها : علمنا المستقدمين إلى الصف الاول في الصلاة ، والمتأخرين عنه ، فانه كان يتقدم بعضهم إلى الصف الاول ليدرك أفضليته ، وكان يتأخر بعضهم ينظر إلى أعجاز النساء فنزلت الآية فيهم عن ابن عباس.

وسادسها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حث الناس على الصف الاول في الصلاة ، وقال  « خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها » وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدم » فازدحم الناس ، و كانت دور بني عذرة بعيدة من المسجد ، فقالوا لنبيعن دورنا ولنشترين دورا قريبة من المسجد حتى ندرك الصف المتقدم فنزلت هذه الآية عن الربيع بن أنس.

فعلى هذا يكون المعنى أنا نجازي الناس على نياتهم « وإن ربك هو يحشرهم » أي يجمعهم يوم القيامة ويبعثهم للمجازات والمحاسبة « إنه حكيم » في أفعاله « عليم » بما يستحق كل منهم.

١ ـ الخصال : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمد بن عيسى اليقطيني ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن عمرو بن إبراهيم ، عن خلف بن حماد ، عن رجل من أصحابنا نسي الحسن بن علي اسمه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ثلاثة لا يصلى

____________________

(١) مجمع البيان ج ٦ ص ٣٣٤.

٢٣

خلفهم : المجهول ، والغالي ، وإن يقول : بقولك ، والمجاهر بالفسق وإن كان مقتصدا (١).

بيان وتحقيق مهم

الظاهر أن المراد بالمجهول من لا يعلم دينه ، وإلا فلم يكن حاجة إلى ذكر المجاهر بالفسق والغالي الذي يغلو في حق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة صلوات الله عليهم بالقول بالربوبية ونحوها « وان كان يقول بقولك » أي يعتقد إمامة الائمة وخلافتهم وفضلهم « وإن كان مقتصدا » أي متوسطا في العقايد بأن لا يكون غاليا ولا مفرطا.

ثم أعلم أنه لا خلاف بين الاصحاب في اشتراط إيمان الامام وعدالته ، والايمان هنا الاقرار بالاصول الخمسة على وجه يعد إماميا ، وأما العدالة (٢) فقد اختلف كلام الاصحاب فيها اختلافا كثيرا ، في باب الامامة ، وباب الشهادة ، والظاهر أنه لا فرق عندهم في معنى العدالة في المقامين ، وإن كان يظهر من الاخبار أن الامر في الصلاة أسهل منه في الشهادة.

ولعل السر فيه أن الشهادة يبتني عليها الفروج والدماء والاموال والحدود والمواريث ، فينبغي الاهتمام فيها ، بخلاف الصلاة ، فانه ليس الغرض إلا اجتماع المؤمنين وائتلافهم واستجابة دعواتهم ، ونقص الامام وفسقه وكفره وحدثه وجنابته لا يضر بصلاة المأموم كما سيأتي ، فلذا اكتفي فيه بحسن ظاهر الامام وعدم العلم بفسقه.

____________________

(١) الخصال ج ١ ص ٧٤ ، وتراه في التهذيب ج ١ ص ٢٥٤ و ٣٣٣ ط حجر وتراه في التهذيب ج ٣ ص ٣١ ط نجف ، وتراه في الفقيه ج ١ ص ٢٤٨.

(٢) لا يذهب عليك أن الاحاديث الواردة في باب جواز الاقتداء خالية عن لفظ العدالة وان كان لا يشذ مضامينها عن معناها الاصطلاحى ، وأما الاجماع ، فلما لم يكن الاجماع دليلا لفظيا ، بل كان دليلا لبيا ، لا يصح الاستناد اليه من حيث مفهوم العدالة الاصطلاحى وعمومه فلا نحتاج إلى تفسير العدالة في هذا الباب ، وانما على الفقيه أن يبحث عن أخبار الباب والسيرة القائمة عند الاصحاب.

٢٤

ثم الاشهر في معناها أن لا يكون مرتكبا للكبائر ، ولا مضرا على الصغاير ، وللعلماء في تفسير الكبيرة اختلاف شديد ، فقال قوم هي كل ذنب توعد الله عليه بالعقاب في الكتاب العزيز ، وقال بعضهم : هي كل ذنب رتب عليه الشارع حدا أو صرح فيه بالوعيد ، وقال طائفة : هي كل معصية تؤذن بقلة اكتراث فاعلها بالدين ، وقال جماعة : هي كل ذنب علمت حرمته بدليل قاطع ، وقيل : كلما توعد عليه توعد شديد في الكتاب والسنة ، وقيل : ما نهى الله عنه في سورة النساء من أوله إلى قوله تعالى « إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه » (١) الآية.

وقال قوم الكبائر سبع : الشرك بالله ، وقتل النفس التي حرم الله ، وقذف المحصنة وأكل مال اليتيم ، والزنا ، والفرار من الزحف ، وعقوق الوالدين ، وقيل : إنها تسع بزيادة السحر والالحاد في بيت الله ، أي الظلم فيه ، وزاد عليه في بعض الروايات للعامة أكل الربوا ، وعن علي عليه‌السلام زيادة على ذلك شرب الخمر والسرقة.

وزاد بعضهم على السبعة السابقة ثلاث عشرة اخرى : اللواط ، والسحر ، والربوا ، والغيبة ، واليمين الغموس ، وشهادة الزور ، وشرب الخمر ، واستحلال الكعبة ، والسرقة ، ونكث الصفقة ، والتعرب بعد الهجرة ، واليأس من روح الله ، والامن من مكر الله.

وقد يزاد أربعة عشرة اخرى : أكل الميتة ، ولحم الخنزير ، وما اهل لغير الله به من غير ضرورة ، والسحت ، والقمار ، والبخس في الكيل والوزن ، ومعونة الظالمين ، وحبس الحقوق من غير عسر ، والاسراف ، والتبذير ، والخيانة ، والاشتغال بالملاهى ، والاصرار على الذنوب.

وقد يعد منها أشياء اخر : كالقيادة ، والدياثة ، والغصب ، والنميمة ، وقطيعة الرحم ، وتأخير الصلاة عن وقتها ، والكذب ، خصوصا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم ، وضرب المسلم بغير حق ، وكتمان الشهادة ، والسعاية إلى الظالمين ، ومنع الزكاة المفروضة ، وتأخير الحج عن عام الوجوب ، والظهار ، والمحاربة ، وقطع الطريق.

__________________

(١) النساء : ٣١ ، وقد مر البحث عن الاية مستوفى في ج ٧٩ ص ١٠ ـ ١١ ، وشطر منه في ص ٢ و ٣ من المجلد المذكور ، راجعه.

٢٥

والمعروف بين أصحابنا القول الاول من هذه الاموال ، وهو الصحيح ، ويدل عليه أخبار كثيرة وأما أخبار ففي رواية يونس (١) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : الكبائر سبع : قتل المؤمن متعمدا ، وقذف المحصنة ، والفرار من الزحف ، والتعرب بعد الهجرة ، وأكل مال اليتيم ظلما ، وأكل الربوا بعد البينة ، وكل ما أوجب الله عزوجل عليها النار ، وقال : إن أكبر الكبائر الشرك بالله.

وفي حسنة (٢) عبيدة بن زرارة الكفر بالله عزوجل ، وقتل النفس ، والعقوق وأكل الربوا بعد البينة ، وأكل مال اليتيم ظلما ، والفرار من الزحف ، والتعرب بعد الهجرة ، وقال عليه‌السلام : ترك الصلاة داخل في الكفر.

وفي رواية مسعدة بن صدقة (٣) عن الصادق عليه‌السلام القنوط من رحمة الله ، والاياس من روح الله ، والامن من مكر الله وقتل النفس التي حرم الله ، والعقوق ، وأكل مال اليتيم ، والربوا ، والتعرب بعد الهجرة ، وقذف المحصنة والفرار من الزحف.

وفي الحسن بل الصحيح (٤) عن عبدالعظيم الحسني ، عن أبي جعفر الثاني ، عن أبيه ، عن جده موسى عليهم‌السلام أن الصادق عليه‌السلام قال لعمرو بن عبيد : أكبر الكبائر الاشراك بالله ، ثم الياس من روح الله ، ثم الامان من مكر الله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزحف ، وأكل الربوا ، والسحر ، والزنا ، واليمين الغموس ، والغلول ، ومنع الزكاة المفروضة ، وشهادة الزور ، وكتمان الشهادة ، وترك الصلاة متعمدا أو شئ مما فرض الله ونقض العهد ، وقطيعة الرحم.

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٢٧٧.

(٣) الكافى ج ٢ ص ٢٧٨.

(٣) الكافى ج ٢ ص ٢٨٠.

(٤) الكافى ج ٢ ص ٢٨٥ ، وتراه في العيون ج ١ ص ٢٨٥ ، والعلل الشرايع ج ٢ ص ٧٨ ، ورواه الصدوق في الفقيه أيضا ج ٣ ص ٣٦٨.

٢٦

وروى الصدوق (١) بسنده المعتبر عن الفضل بن شاذان فيما كتب الرضا عليه‌السلام للمأمون الكبائر هي قتل النفس التي حرم الله والزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر وعقوق الوالدين ، والفرار من الزحف ، وأكل مال اليتيم ظلما ، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير ، وما اهل لغير الله به من غير ضرورة ، وأكل الربوا بعد البينة ، والسحت والميسر ، وهو القمار ، والبخس في المكيال والميزان ، وقذف المحصنات ، واللواط وشهادة الزور ، واليأس من روح الله ، والامن من مكر الله ، والقنوط من رحمة الله ، و معونة الظالمين ، والركون إليهم ، واليمين الغموس ، وحبس الحقوق من غير عسر ، و الكذب ، والكبر ، والاسراف ، والتبذير ، والخيانة ، والاستخفاف بالحج ، والمحاربة لاولياء الله ، والاشتغال بالملاهي ، والاصرار على الذنوب.

وروى مثله (٢) باسناده عن الاعمش عن الصادق عليه‌السلام وزاد في أوله الشرك بالله ثم ترك معاونة المظلومين وقال في آخره والملاهى التى تصد عن ذكر الله تبارك وتعالى مكروهة كالغناء وضرب الاوتار.

ثم قال الصدوق ـ ره ـ : الكبائر هي سبع ، وبعدها فكل ذنب كبير بالاضافة إلى ما هو أصغر منه ، وصغير بالاضافة إلى ما هو أكبر منه (٣) وهذا معنى ما ذكره الصادق عليه‌السلام في هذا الحديث من ذكر الكبائر الزائدة على السبع ، ولا قوة إلا بالله انتهى.

ويدل على أن الصدوق انما يقول بالسبع في الكبائر.

وروى أيضا في الصحيح (٤) عن أبى عبدالله عليه‌السلام قال : وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام

____________________

(١) عيون الاخبار ج ٢ ص ١٢٧.

(٢) الخصال ج ٢ ص ١٥٥.

(٣) لكنه لا يصح على ذلك قوله تعالى « ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم » فان صريح الاية أن الكبائر في مقابلة الصغائر ، لا أنه يصدق على كل معصية بالاضافة أنها صغيرة باعتبار وكبيرة باعتبار.

(٤) تراه في الخصال ج ١ ص ١٣١ ، علل الشرايع ج ٢ ص ١٦٠.

٢٧

أن الكبائر خمس : الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، وأكل الربوا بعد البينة ، والفرار من الزحف ، والتعرب بعد الهجرة.

وفى رواية معتبرة (١) اخرى عن عبيد بن زرارة ، عنه عليه‌السلام أنها أكل مال اليتيم والفرار من الزحف ، وأكل الربوا ، ورمى المحصنات ، وقتل المؤمن متعمدا.

وعن عبدالرحمن بن كثير (٢) عنه عليه‌السلام أنها سبع : الشرك ، وقتل النفس ، و أكل مال اليتيم ، وعقوق الوالدين ، وقذف المحصنة ، والفرار من الزحف ، وإنكار حق أهل البيت.

وروى العياشى (٣) باسناده عن ميسر ، عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : كنت أنا و علقمة الحضرمى وأبوحسان العجلى وعبدالله بن عجلان ننتظر أبا جعفر عليه‌السلام فخرج علينا فقال : مرحبا وأهلا ، والله إنى لاحب ريحكم وأرواحكم ، وأنتم لعلى دين الله فقال علقمة : فمن كان على دين الله تشهد أنه من أهل الجنة؟ قال : فمكث هنيئة ثم قال : نوروا أنفسكم ، فان لم تكونوا قرفتم الكبائر فأنا أشهد.

قلنا : وما الكبائر؟ قال هي في كتاب الله على سبع ، قلنا : فعدها علينا جعلنا فداك ، قال : الشرك بالله العظيم ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربوا بعد البينة ، وعقوق الوالدين ، والفرار من الزحف ، وقتل المؤمن ، وقذف المحصنة ، قلنا : مامنا أحد أصاب من هذه شيئا قال : فأنتم إذا.

وروى الشيخ جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات (٤) باسناده عن محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت جعلت فداك : مالنا نشهد على من خالفنا بالكفر وبالنار ولا نشهد على أنفسنا ولا على أصحابنا أنهم في الجنة؟ فقال : من ضعفكم ، إذا لم يكن

____________________

(١) ثواب الاعمال ص ٢٠٩ ، علل الشرايع ج ٢ ص ١٦١ ، الخصال ج ١ ص ١٣١.

(٢) علل الشرايع ج ٢ ص ٧٩ و ١٦٠ باسناد آخر ، الخصال ج ٢ ص ١٤ ، ورواه في الفقيه ج ٣ ص ٣٦٦.

(٣) تفسير العياشى ج ١ ص ٢٣٧.

(٤) ورواه الصدوق في الخصال ج ٢ ص ٤١.

٢٨

فيكم شئ من الكبائر ، فاشهدوا أنكم في الجنة ، قلت : أي شئ الكبائر؟ فقال : أكبر الكبائر الشرك ، وعقوق الوالدين ، والتعرب بعد الهجرة ، وقذف المحصنة ، و الفرار من الزحف ، وأكل مال اليتيم ظلما ، والربا بعد البينة ، وقتل المؤمن ، فقلت : الزنا والسرقة؟ قال : ليس من ذلك.

وقد وقع في الاخبار في خصوص بعض ، أنها كبائر كالغناء والحيف في الوصية والكذب على الله ورسوله والائمة عليهم‌السلام ، ومعونة الظالمين ، وغيرها.

واختلف أيضا في معنى الاصرار على الصغائر فقيل : هو الاكثار منها سواء كان من نوع واحد أو من أنواع مختلفة ، وقيل : المداومة على نوع واحد منها ، ونقل بعضهم قولا بأن المراد به عدم التوبة وهو ضعيف.

وقسم بعض علمائنا الاصرار إلى فعلي وحكمي فالفعلي هو الدوام على نوع واحد منها بلا توبة أو الاكثار من جنسها بلا توبة ، والحكمي هو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها.

وهذا مما ارتضاه جماعة من المتأخرين ، والنص خال عن بيان ذلك ، لكن الانسب بالمعنى اللغوى المداومة على نوع واحد منها والعزم على المعاودة إليها ، قال الجوهري : أصررت على الشئ أي أقمت ودمت ، وقال في النهاية : أصر على الشئ يصر إصرارا إذا لزمه وداومه وثبت عليه ، وفي القاموس أصر على الامر لزم ، وأما الاكثار من الذنوب وإن لم يكن من نوع واحد بحيث يكون ارتكابه للذنب أكثر من اجتنابه عنه ، إذا عن له من غير توبة ، فالظاهر أنه قادح في العدالة بلا خلاف في ذلك بينهم.

وفي كون العزم على الفعل بعد الفراغ منه قادحا فيه محل إشكال ، لكن روى الكليني (١) عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل « ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون » (٢) قال : الاصرار أن يذنب الذنب ولا يستغفر ، ولا يحدث نفسه

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٢٨٨.

(٢) آل عمران : ١٣٥.

٢٩

بتوبة ، فذلك الاصرار.

والحديث المشهور « لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار » يومي إلى أن الاصرار يحصل بعدم الاستغفار ، بقرينة المقابلة ، وفي العرف يقال : فلان مصر على هذا الامر إذا كان عازما على العود إليه ، فالقول بكون العزم داخلا في الاصرار لا يخلو من قوة.

والمشهور لا سيما بين المتأخرين اعتبار المروة في الامامة والشهادة ، ولا شاهد له من جهة النصوص ، وفي ضبط معناها عبارات لهم متقاربة المعنى ، وحاصلها مجانبة ما يؤذن بخسة النفس ، ودناءة الهمة من المباحات والمكروهات ، وصغائر المحرمات التي لا تبلغ حد الاصرار كالاكل في الاسواق والمجامع ، في أكثر البلاد ، والبول في الشوارع المسلوكة ، وكشف الرأس في المجامع ، وتقبيل أمته وزوجته في المحاضر ولبس الفقيه لباس الجندي ، والاكثار من المضحكات ، والمضايقة في اليسير التي لا تناسب حاله ، ويختلف ذلك بحسب اختلاف الاشخاص والاعصار والامصار والعادات المختلفة.

والحق أن مالم يخالف ذلك الشرع ولم يرد فيه نهى لا يقدح في العدالة ، ولا دليل عليه ، وليس في الاخبار منه أثر ، بل ورد خلافه في أخبار كثيرة ، ومن كان أشرف من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يركب الحمار العاري ويردف خلفه ، ويأكل ماشيا إلى الصلاة ، كما روي ، وكأنهم اقتفوا في ذلك أثر العامة فانها مذكورة في كتبهم ، ولذا لم يذكر المحقق ـ ره ـ ذلك في معناها ، وأعرض منه كثير من القدماء والمتأخرين.

ولا يعتبر في العدالة الاتيان بالمندوبات إلا أن يبلغ تركها حدا يؤذن بقلة المبالات بالدين ، كترك المندوبات أجمع ، قال الشهيد الثاني : ولو اعتاد ترك صنف منها كالجماعة والنوافل ونحو ذلك ، فكترك الجميع لاشتراكها في العلة المقتضية لذلك نعم لو تركها أحيانا لم يضر.

وإذا زالت العدالة بارتكاب ما يقدح فيها فتعود بالتوبة بغير خلاف ظاهرا ، وكذلك من حد في معصية ثم تاب رجعت عدالته وقبلت شهادته ، ونقل بعض الاصحاب إجماع

٣٠

الفرقة على ذلك ، ولعل الاشهر أنه لا يكفي في ذلك مجرد إظهار التوبة ، بل لابد من الاختبار مدة يغلب معه الظن بأنه صادق في توبته.

ومن الاصحاب من اعتبر إصلاح العمل ، وأنه يكفى في ذلك عمل صالح ولو تسبيح أو ذكر ، ومنهم من اكتفى في ذلك بتكرر إظهار التوبة والندم.

وذهب الشيخ في موضع من المبسوط إلى الاكتفاء في قبول الشهادة باظهار التوبة عقيب قول الحاكم له تب أقبل شهادتك ، لصدق التوبة المقتضي لعود العدالة ، ولا يخلو من قوة لما رواه الشيخ في الصحيح (١) عن عبدالله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن المحدود إن تاب أتقبل شهادته؟ فقال : إذا تاب وتوبته أن يرجع فيما قال ويكذب نفسه عند الامام وعند المسلمين ، فإذا فعل ، فان على الامام أن يقبل شهادته بعد ذلك.

وبسند معتبر عن أبي الصباح (٢) الكناني قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن القاذف بعدما يقام عليه الحد ما توبته؟ قال : يكذب نفسه قلت : أرأيت إن أكذب نفسه وتاب أتقبل شهادته؟ قال : نعم ، ونحوه روي عن يونس ، عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما‌السلام.

وباسناده عن السكوني (٣) عن أبي عبدالله عليه‌السلام أن أمير المؤمنين عليه‌السلام شهد عنده رجل ، وقد قطعت يده ورجله نهاره ، فأجاز شهادته وقد تاب وعرفت توبته.

وعن القاسم (٤) بن سليمان قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الرجل يقذف الرجل فيجلد حدا ثم يتوب ، ولا يعلم منه إلا خير أتجوز شهادته؟ فقال : نعم ، ما يقال عندكم؟ قلت : يقولون توبته فيما بينه وبين الله ، لا تقبل شهادته أبدا ، قال : بئس ما قالوا ، كان أبي عليه‌السلام يقول : إذا تاب ولم يعلم منه إلا خير جازت شهادته.

وفي الموثق (٥) عن سماعة بن مهران قال : قال : إن شهود الزور يجلدون جلدا ليس له وقت وذلك إلى الامام ، ويطاف بهم حتى يعرفهم الناس ، وأما (٦) قول الله

____________________

(١ ـ ٣) التهذيب ج ٦ ص ٢٤٥ ط نجف ، الكافى ج ٧ ص ٣٩٧.

(٤) ج ٦ ص ٢٤٦ ط نجف.

(٥) ج ١٠ ص ١٤٤ ط نجف ، الكافى ج ٧ ص ٢٤١.

(٦) وهذا ظ.

٣١

عزوجل « ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا إلا الذين تابوا » (١) قلت : كيف تعرف توبته؟ قال : يكذب نفسه حين يضرب ويستغفر ربه ، فاذا فعل ذلك فقد ظهر توبته ومثله كثير.

ثم اعلم أن المتأخرين من علمائنا اعتبروا في العدالة الملكة ، وهي صفة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروة ، ولم أجدها في النصوص ، ولا في كلام من تقدم على العلامة من علمائنا ، ولا وجه لاعتبارها.

بقي الكلام في أن المعتبر في العدالة المشروطة في إمام الجماعة والشاهد ، هل هو الظن الغالب بحصول العدالة المستند إلى البحث والتفتيش ، أم يكفى في ذلك ظهور الايمان ، وعدم ظهور ما يقدح في العدالة.

المشهور بين المتأخرين الاول ، وجوز بعض الاصحاب التعويل فيها على حسن الظاهر ، وقال ابن الجنيد : كل المسلمين على العدالة إلى أن يظهر خلافها ، و ذهب الشيخ في الخلاف وابن الجنيد والمفيد في كتاب الاشراف إلى أنه يكفي في قبول الشهادة ظاهر الاسلام ، مع عدم ظهور ما يقدح في العدالة ، ومال إليه في المبسوط وهو ظاهر الاستبصار ، بل ادعى في الخلاف الاجماع والاخبار.

وقال : البحث عن عدالة الشهود ما كان في أيام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أيام الصحابة ولا أيام التابعين ، وإنما شئ أحدثه شريك بن عبدالله القاضي ، ولو كان شرطا لما أجمع أهل الامصار على تركه ، والظاهر عدم القائل بالفصل في باب الامامة والشهادة فما يدل على حال في أحدهما يدل على الحال في الآخر ، والقول الاخير أقوى لاخبار كثيرة دلت عليه.

فقد روي عن الرضا عليه‌السلام (٢) بسند صحيح : كل من ولد على الفطرة ، وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته.

وروى الشيخ (٣) عن أبي عبدالله عليه‌السلام بسند معتبر أنه قال : خمسة أشياء يجب

____________________

(١) النور : ٤.

(٢ ـ ٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٨ ، التهذيب ج ٦ ص ٣٨٣ ط نجف.

٣٢

على الناس الاخذ بظاهر الحكم : الولايات والتناكح والمواريث والذبايح والشهادات فاذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته ، ولا يسأل عن باطنه.

ورواه الصدوق بسند آخر في الخصال (١).

وروى الشيخ والصدوق أنه سئل أبوعبدالله عليه‌السلام عن قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال ، وكان يؤمهم رجل ، فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي ، قال : لا يعيدون (٢).

وروى الشيخ (٣) عن عبدالرحيم القصير قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إذا كان الرجل لا تعرفه يؤم الناس يقرء القرآن فلا تقرء خلفه ، واعتد بصلاته.

وقد ورد في أخبار كثيرة إذا عرض للامام عارض أخذ بيد رجل من القوم فيقدمه ومن تأمل في عادة الاعصار السابقة في مواظبتهم على الجماعات ، وترغيب الشارع في ذلك ، وإشهادهم على البيوع والاجارات ، وساير المعاملات ، وسنن الحكام في قبول الشهادات ، والامراء الذين عينهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين والحسن عليهما‌السلام لذلك ولما هو أعظم منه ، لا ينبغي أن يرتاب في فسحة الامر في العدالة في المقامين.

ولو كان التضييق الذي بنوا عليه الامر في تلك الاعصار ، وجعلوا العدالة تلو العصمة حقا لما كان يكاد يوجد في البلاد العظيمة رجلان يتصف بها ، ولو وجد فرضا كيف يتحملان جميع عقود المسلمين وطلاقهم ونكاحهم وإمامتهم فيلزم تعطل السنن والاحكام ، وصار ذلك سببا لتشكيك الشيطان أكثر الخلق في هذه الازمنة ، وصيرهم بذلك محرومين عن فضائل الجمعة والجماعة ، وفقنا الله وساير المؤمنين لما يحب و يرضى ، وأعاذنا وإياهم من متابعة أهل الهوى.

قال الشهيد الثاني ـ ره ـ : وهذا القول وإن كان أبين دليلا وأكثر رواية ، وحال السلف تشهد به ، وبدونه لا يكاد ينتظم الاحكام للحكام ، خصوصا في المدن الكبار ،

____________________

(١) الخصال ج ١ ص ١٥٠.

(٢) راجع التهذيب ج ١ ص ٢٥٧ ط حجر ، ج ٣ ص ٤٠ ط نجف ، الفقيه ج ١ ص ٢٦٣ ، ورواه الكلينى في الكافى ج ٣ ص ٣٧٨.

(٣) التهذيب ج ٣ ص ٣٣١.

٣٣

والقاضي من المتقدمين يستند إليها لكن المشهور الآن بل المذهب خلافه.

وقال سبطه السيد قدس سره في المدارك : قد نقل جمع من الاصحاب الاجماع على أن العدالة شرط في الامام وان اكتفى بعضهم في تحقيقها بحسن الظاهر أو عدم معلومية الفسق ، ثم ذكر بعض الروايات التي استدل بها القوم ، ثم قال : وهذه الاخبار لا تخلو من ضعف في سند أو قصور في دلالة ، والمستفاد من إطلاق كثير من الروايات وخصوص بعضها الاكتفاء في ذلك بحسن الظاهر ، والمعرفة بفقه الصلاة ، بل المنقول من فعل السلف الاكتفاء بما دون ذلك إلا أن المصير إلى ما ذكره الاصحاب أحوط انتهى.

والذي يظهر لي من الاخبار أن المعتبر في الشهادة عدم معلومية الفسق ، وحسن الظاهر ، وفي الصلاة مع ذلك المواظبة على الجمعة والجماعة ، وعدم الاخلال بذلك بغير عذر ، ولو ظهر فسق نادرا ، وعلم من ظواهر أحواله التأثر والتألم والندامة ، فهذا يكفي في عدم الحكم بفسقه ، ولو علم منه عدم المبالاة أو التجاهر والتظاهر فهذا قادح لعدالته.

ولنذكر زائدا على ما تقدم بعض ما يدل على ذلك : فمنها ما رواه الصدوق (١) عن أبيه ، عن علي بن محمد بن قتيبة ، عن حمدان ابن سليمان ، عن نوح بن شعيب ، عن محمد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن علقمة بن محمد قال : قال الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام وقد قلت له : يا ابن رسول الله أخبرني عمن تقبل شهادته ومن لا تقبل ، فقال : يا علقمة كل من كان على فطرة الاسلام جازت شهادته.

قال : فقلت له : تقبل شهادة مقترف بالذنوب؟ فقال : يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب ، لما قبلت إلا شهادات الانبياء والاوصياء عليهم‌السلام لانهم هم المعصومون دون ساير الخلق ، فمن لم تره بعينك يرتكب ، أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر ، وشهادته مقبولة ، وإن كان في نفسه مذنبا

____________________

(١) أمالى الصدوق : ٦٣.

٣٤

ومن اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية الله عزوجل ، داخل في ولاية الشيطان ـ

ولقد حدثني أبي ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة أبدا ، ومن اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما ، وكان المغتاب في النار خالدا فيها وبئس المصير إلى آخر ما مر في كتاب الايمان والكفر (١).

وروي في الخصال والعيون (٢) بأسانيد ، عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، فهو ممن كملت مروته ، وظهرت عدالته ، ووجبت اخوته ، و حرمت غيبته.

وروى نحوه (٣) بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام.

وروى في المجالس (٤) بسنده عن إبراهيم بن زياد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من صلى خمس صلوات في اليوم والليلة في جماعة ، فظنوا به خيرا وأجيزوا شهادته.

وفيه أيضا (٥) عن هارون بن الجهم ، عن الصادق عليه‌السلام قال : إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة.

وروى الحميري (٦) في قرب الاسناد ، عن الصادق ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : ثلاثة ليس لهم حرمة ، وعد منهم الفاسق المعلن الفسق.

____________________

(١) راجع ج ٧٠ ص ٢ ـ ٤.

(٢) الخصال ج ١ ص ٩٧ ، عيون الاخبار ج ٢ ص ٣٠ ، وتراه في صحيفة الرضا عليه الصلاة والسلام : ٧.

(٣) الخصال ج ١ ص ٩٨.

(٤) أمالى الصدوق ص ٢٠٤.

(٥) أمالى الصدوق ص ٢٤.

(٦) قرب الاسناد : ٨٢ ط حجر ص ١٠٧ ط نجف.

٣٥

وفي كتاب الاختصاص (١) عن الرضا عليه‌السلام قال : من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له.

وروى الشيخ (٢) في الحسن عن البزنطي ، عن أبي الحسن عليه‌السلام أنه قال له : جعلت فداك كيف طلاق السنة؟ قال : يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها بشاهدين عدلين ، كما قال الله تعالى في كتابه ثم قال في آخر الرواية : من ولد على الفطرة اجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه خير.

وروى الصدوق في الصحيح (٣) عن عبدالله بن المغيرة ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته.

وروى (٤) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : من صلى الصلوات الخمس جماعة فظنوا به كل خير.

وروى الكليني (٥) باسناده ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : من أذنب ذنبا فعلم أن الله مطلع عليه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له غفر له وإن لم يستغفر.

وعن أبان بن تغلب (٦) قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : ما من عبد أذنب ذنبا فندم عليه إلا غفر الله له قبل أن يستغفر.

وعن أبى عبدالله عليه‌السلام (٧) قال : إن الله يحب المفتن التواب.

____________________

(١) الاختصاص : ٢٤٢ ، في ط الكمبانى الخصال وهو سهو.

(٢) التهذيب ج ٢ ص ٢٦٣ ط حجر.

(٣) فقيه من لا يحضره الفقيه ج ٣ ص ٢٨ ومرة اخرى ص ٢٩ ، ورواه الشيخ في التهذيب ج ٦ ص ٣٨٣ بسند وص ٣٨٤ بسند آخر ط نجف.

(٤) الفقيه ج ١ ص ٢٤٦.

(٥ و ٦) الكافى ج ٢ ص ٤٢٧.

(٧) الكافى ج ٢ ص ٤٣٢.

٣٦

وعن عمرو بن جميع (١) قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : من جاءنا يلتمس الفقه والقرآن وتفسيره فدعوه ، ومن جاءنا يبدي عورة قد سترها الله تعالى فنحوه ، فقال رجل من القوم : جعلت فداك والله إني لمقيم على ذنب منذ دهر اريد أن أتحول عنه إلى غيره ، فما أقدر عليه ، فقال له : إن كنت صادقا فان الله يحبك ، وما يمنعه أن ينقلك عنه إلى غيره إلا لكي تخافه.

وروى الشهيد الثاني (٢) عن الباقر عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام من سمع النداء فلم يجبه من غير علة فلا صلاة له ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا صلاة لمن لم يصل في المسجد مع المسلمين إلا من علة ولا غيبة إلا لمن صلى في بيته و رغب عن جماعتنا ، ومن رغب جماعة المسلمين سقطت عدالته ووجب هجرانه و إن رفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذره ، ومن لزم جماعة المسلمين حرمت غيبته وثبتت عدالته.

وروى الشيخ بسند معتبر (٣) عن عبدالله بن أبي يعفور قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : بما يعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى يقبل شهادته لهم وعليهم؟ قال : فقال : أن يعرفوه بالستر والعفاف ، والكف عن البطن والفرج واليد واللسان ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار ، من شرب الخمر ، والزنا ، و الربوا ، وعقوق الوالدين ، والفرار من الزحف وغير ذلك.

والدال على ذلك كله (٤) والساتر لجميع عيوبه ـ حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وغيبته ، ويجب عليهم توليته ، وإظهار عدالته في الناس ـ

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٤٤٢.

(٢) راجع الروضة البهية كتاب الصلاة الفصل الحادى عشر.

(٣) التهذيب ج ٦ ص ٢٤١ ط نجف باب البينات.

(٤) رواه الصدوق في الفقيه ج ٣ ص ٢٤ وفيه : والدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه الخ.

٣٧

التعاهد (١) للصلوات الخمس إذا واظب عليهن ، وحافظ مواقيتهن باحضار جماعة المسلمين وأن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا عن علة.

وذلك أن الصلاة ستر وكفارة للذنوب ، ولو لم يكن ذلك لم يكن لاحد أن يشهد على أحد بالصلاح ، لان من لم يصل فلا صلاح له بين المسلمين ، لان الحكم جرى فيه من الله ومن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالحرق في جوف بيته.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا غيبة إلا لمن يصلي في بيته ورغب عن جماعتنا.

ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته ، وسقطت بينهم عدالته ، ووجب هجرانه ، وإذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذره فان حضر جماعة المسلمين وإلا احرق عليه بيته ، ومن لزم جماعتهم حرمت عليهم غيبته ، وثبتت عدالته بينهم.

ومن تأمل في هذه الاخبار حق التأمل اتضح له ما ذكرناه غاية الاتضاح ، لا سيما الخبر الاخير ، وهو مروي في الفقيه بسند صحيح بأدنى تفاوت (٢) فانه

____________________

(١) التعاهد خبر قوله : « الدال على ذلك » وما بين العلامتين جملة معترضة ، ولكن في لفظ الفقيه هكذا ، « ويكون منه التعاهد للصلوات » الخ.

(٢) لفظ الفقيه هكذا : « ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس اذا واظب عليهن وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين وأن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم الا من علة ، فاذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس ، فاذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا : ما رأينا منه الا خيرا مواظبا على الصلوات متعاهدا لاوقاتها في مصلاة ، فان ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين.

وذلك أن الصلاة ستر وكفارة للذنوب ، وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلى اذا كان لا يحضر مصلاه ، ويتعاهد جماعة المسلمين ، وانما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة لكى يعرف من يصلى ممن لا يصلى ، ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع.

٣٨

يستفاد منها أن الذي يقدح في العدالة فعل الكبيرة التي أوعد الله عليه النار ، وأنه يكفي في الحكم بها أن يظهر من حال المكلف كونه ساترا لعيوبه ، ملازما لجماعة المسلمين ، بل الظاهر من آخر الخبر الاكتفاء بلزوم جماعتهم.

وسيأتي تمام القول فيه في أبواب الشهادات (١) إنشاء الله تعالى ، وقد مضى تحقيق الكبائر والعدالة وغير ذلك في أبواب المناهي (٢) وأبواب الايمان والكفر (٣).

ثم اعلم أن أكثر الاخبار والواردة في اشتراط العدالة إنما هي في الشهادة ، ولم يرد هذا اللفظ في باب الجماعة ، والاخبار الواردة فيها منها هذا الخبر (٤) وهو مع ضعفه إنما يدل على عدم التجاهر بالفسق.

ومنها (٥) ما رواه الشيخ ، عن أبي علي بن راشد قال : قلت لابي جعفر عليه‌السلام : إن مواليك قد اختلفوا فاصلي خلفهم جميعا؟ فقال : لا تصل إلا خلف من تثق بدينه وأمانته.

وهو مع عدم صحته إنما يدل على المنع من الصلاة خلف من يكون فاسد

____________________

ولو لا ذلك لم يمكن أحد أن يشهد على آخر بصلاح ، لان من لا يصلى لا صلاح له بين المسلمين ، فان رسول الله (ص) هم بأن يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين ، وقد كان منهم من يصلى في بيته فلم يقبل منه ذلك ، وكيف تقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممن جرى الحكم من الله عزوجل ومن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه الحرق في جوف بيته بالنار ، وقد كان يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا صلاة لمن لا يصلى في المسجد في المسلمين الا من علة.

(١) راجع ج ١٠٤ ص ٣١٤ ـ ٣٢٠.

(٢) راجع ج ٧٩ ص ٢ ـ ١٦.

(٣) راجع ج ٧٠ ص ١ ـ ٤ ، ولكن هذه الابواب الثلاثة غير مبيضة بيد المؤلف العلامة ، ولا يوجد فيها بحث كامل.

(٤) يعنى خبر الخصال الذى تقدم ص ٢٣.

(٥) التهذيب ج ١ ص ٣٢٩ ط حجر.

٣٩

العقيدة ، أو يكون خائنا في أموال المسلمين أو أعراضهم.

ومنها ما رواه أيضا (١) عن سعيد بن إسماعيل ، عن أبيه قال : سألته عن الرجل يقارف الذنوب يصلى خلفه أم لا؟ قال : لا.

وهو أيضا مع عدم الصحة ، يدل على المنع من الصلاة خلف من يكون مصرا على اقتراف جميع الذنوب ، مكثرا منها ، فان المضارع يدل على الاستمرار التجددي ، والذنوب جمع معرف باللام ، يفيد العموم ، ولو قيل بأن اقتراف جميع الذنوب بعيد ، فلا أقل من الدلالة على ارتكاب كثير من الذنوب مع العلم بها ، لا مع الاحتمال والتوهم.

ومنها صحيحة عمر بن يزيد (٢) قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن إمام لا بأس به في جميع اموره ، عارف غير أنه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما ، أقرأ خلفه؟ قال : لا تقرأ خلفه مالم يكن عاقا قاطعا.

وهذا يدل على جواز الصلاة خلف المصر على الصغيرة ، وعدمه خلف العاق قال في الذكرى : ويحمل ذلك على أنه غير مصر إذ الاصرار على الصغاير يلحقها بالكبائر ، إن جعلنا هذا صغيرة ، وتحريم أن يقول لهما اف يؤذن بعظم حقهما ، وبأن المتخطي نهي الله فيهما على خطر عظيم انتهى.

وبالجملة هذا الخبر وإن كان صحيحا فهو مشتمل على مالم يقولوا به ، والحمل على عدم الاصرار في غاية البعد.

ومنها ما روي (٣) من المنع من الصلاة خلف شارب الخمر والنبيذ.

ومنها ما ورد من المنع من الصلاة خلف الفاجر (٤) والظاهر منها خلفاء

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٥٤ و ٣٣٢ ط حجر ، الفقيه ج ١ ص ٢٤٩.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢٥٤ ، الفقيه ج ١ ص ٢٤٨.

(٣) راجع السرائر : ٤٨٤.

(٤) الخصال ج ٢ ص ١٥١ في خبر الاعمش وقد مر.

٤٠