صرف العبد قدرته وإرادته إلى الفعل كسب ، وإيجاد الله تعالى الفعل عقيب ذلك خلق. والمقدور الواحد داخل تحت قدرتين ، لكن بجهتين مختلفتين. فالفعل مقدور الله تعالى بجهة الإيجاد ، ومقدور العبد بجهة الكسب ، وهذا القدر من المعنى ضروري وإن لم نقدر على أزيد من ذلك في تلخيص العبارة المفصحة عن تحقيق كون فعل العبد بخلق الله تعالى وإيجاده ، مع ما فيه للعبد من القدرة والاختيار. (١)
ومراده من الصرف هو توجه القدرة إلى الفعل وإن لم تكن مؤثرة في المقدور ، فمجرّد التوجيه من غير دخل في وجود الفعل ، كسب.
ويرد عليه ما أوردناه على الغزالي من أنّ القدرة غير المؤثرة لا تورث المسؤولية ولا تصحح العقاب والثواب ، إلاّ أن يكون الجزاء على نفس العزم والإرادة ، لا على الفعل وهو كما ترى.
ثمّ إنّ نظرية الكسب بلغت من الإبهام إلى حدّ أنّ القمة من مشايخ الأشاعرة كالتفتازاني يعترف بعجزه عن تفسيره حيث قال : « وإن لم نقدر على أزيد من ذلك في تلخيص العبارة المفصحة ... ».
إنّ هناك نظرية خامسة في حلّ مشكلة الجبر نقلها شارح العقيدة الطحاوية عن صاحب كتاب « المسايرة » (٢) وحاصلها : إنّ ما دلّ على حصر الخلق بالله يخصص بما سوى العزم ، فكلّ شيء مخلوق لله سبحانه ، وهو خالقه ، إلاّ العزم على الطاعة والعصيان ، فالخالق له هو العبد.
وقال في ذلك المجال ما هذا نصّه : فإن قيل : لا شكّ أنّه تعالى خلق للعبد قدرة على الأفعال ، ولذا يدرك تفرقة ضرورية بين الحركة المقدورة
ــــــــــــــــــ
١ ـ شرح العقائد النسفية : ١١٧.
٢ ـ تأليف الشيخ كمال الدين محمد بن همام الدين الشهير بابن الهمام ( المتوفّى م ٨٦١ هـ ) ولكتابه هذا شروح.