بسلوكه. ولم يزل بعده يتعاطى الذكر والفكر ويتردد إليه الزائرون وهو لا يرى نفسه إلا ذليلا ، ولا يطلب أحد منه الدعاء إلا سبقه إلى طلبه ، مع الزهد عما في أيدي الناس وعن أموال عظام كانت ترفع إليه من قبل الحكام ، فلا يلتفت إليها ، والإنفاق من الغيب فيما استفاض عنه ، والمكاشفات الجلية الصادرة منه ، والانكفاف عن الناس في داره إلا في ليالي الجمعات ، فإنه كان يحييها بالأذكار والطاعات ، وكان له ثلاثة بيوت أنشأها في ثلاث قرى من أعمال بيرة الفرات ولكن من طرف الأرض المقدسة برسم النزول بها وعدم تكلف أهل القرى المذكورة بالنزول في دوره مع حرصهم على الاعتقاد فيه وكثرة ترددهم إليه وهو بحلب وحملهم إياه إلى قراهم.
وكان يكثر من أن يقول : لست بشيخ ولا لي خليفة ، إلى أن قرب من الوفاة وتهالك بعض الناس على أن يكونوا له خلفا ، فلم يتغير عن مقالته.
وكانت وفاته بحلب في أواخر شوال سنة خمسين وتسعمائة ، ودفن في مقابر الصالحين ، وكان له يوم دفنه مشهد عظيم ، وحمل سريره فيه الشريف محمد بن عبد الأول الحنفي قاضي حلب.
وكان هو أحد من توجه صحبة بعض القلعيين بمفاتيح قلعة حلب إلى لقاء السلطان سليم بن عثمان وحصلت به البركة والأمن. وقد رآه في المنام قبل أن يموت بسنين الزين عمر الشماع. قال في عيون الأخبار ما نصه : رأيت في منامي جمعا من الناس في صعيد من الأرض وأنا جالس طرف الناس ، وكان في الآخر صوت قوم يذكرون الله ، وإذا بالشيخ شمس الدين محمد الخاتوني الصوفي المشهور بحلب جاء يمشي إلى الجهة التي أنا جالس فيها وهو يتقلب بالنظر يمنة ويسرة ، فوقع في قلبي أنه يريدني ، فرفعت رأسي إلى جهته ، فلما رآني توجه إليّ بمفرده ليس معه أحد ، فقربت إليه فسلم علي وسلمت عليه وقلت له : أنا ما كنت أنكر التصوف قط ، وإنما كنت أنكر وجود أحد من المتظاهرين بصفة القوم أو نحو ذلك ، فتبسم ، ثم وقع كلام غير ذلك لم أضبطه ، ثم استيقظت نفعنا الله تعالى به.
٨١٤ ـ محمد المنيّر الواسطي المتوفى ٩٥٠
محمد المنيّر الشيخ الصالح شمس الدين الواسطي الشافعي ، نزيل حلب ومؤدب الأطفال بها.