تعاطى صنعة الشهادة وجلس بمركز العدول داخل باب النصر بها ، وكان لفرط ديانته لا يشهد على امرأة ، وربما كتب بخطه في الوثايق فتح الله رمضان ، وكان فتح الله لقبه. ومما اتفق له أن واحدا من رفقائه في الشهادة دس عليه في بعض الوثائق أن صحف كلمة فتح بقبح بقاف وموحدة وحاء مفتوحات ورفع الجلالة ، فلما رفع الوثيقة إلى القاضي الذي قصدا أن يؤديا عنده الشهادة نظر فإذا فيها ما فيها ، فقال له : ما هذا الذي كتبت بخطك؟ فلما رآه اضطرب اضطرابا شديدا وعلم أن ذلك من رفيقه بطريق العبث به ، فأخذ في القدح فيه حتى أضحك الحاضرين.
وكان مشهورا بالميل إلى العظيم من كل شيء ، فكانت عمامته عظمى وأكمامه في غاية الاتساع وجبته المصقولة في نهاية الصقالة وقبقابه في غاية الارتفاع ، وله دواة تناهز برنية صغيرة وقلم من القصب الفارسي وخط غليظ ، وكان له السخاء الزائد حتى كان يستعمل له عند الخباز رغفانا كبارا ولا يقنع بالرغفان المعتادة. ثم افتقر عند اضمحلال الدولة الجركسية لبطلان مكاتب العدول بحلب في الدولة الرومية وصار يلبس الكينك (١) في آخر عمره ويقنع بما له من معلوم الخطابة بالمدرسة السلطانية تجاه قلعة حلب ، إلى أن توفاه الله تعالى بين سنة اثنتين وعشرين وسبع وعشرين.
٧٠٥ ـ أحمد بن علي المشهور بابن الصوا المتوفى سنة ٩٢٤
أحمد بن علي بن إبراهيم الشيخ شهاب الدين ابن علاء الدين الباعوزي الأصل من باعوزا ، قرية من قرى الموصل ، الحلبي المولد والدار الشافعي المعروف بابن الصوا الأديب الشاعر المشهور أبوه بالصّغيّر (بالتصغير) ابن أخي خوجه شمس الدين محمد بن الصوا وكيل السلطان بحلب الذي أحرقه أهلها.
كان يتردد إلى شيخنا العلاء الموصلي ويناشده الأشعار ويعرض عليه بعض ما نظمه ، فأنشده ذات يوم أبياتا التزم فيها واوين في صدر كل مصراع وعجزه قائلا في مطلعها :
وواد به الغيد الحسان قد استووا |
|
وورد ظباء الحي في ظله ثووا |
ووافوا به من مهجتي في الهوى حووا |
|
وولوا وعن عهد المحبين ما لووا |
__________________
(١) الكينك : كلمة تركية معناها : القميص الداخلي.