وكان هذا الجامع يحضر إليه الناس من البلاد الشاسعة وأطراف البلد للنظر إلى محاسنه والاجتماع بمحدثه والدي وقراءة الحديث فيه بشرط الواقف أن يكون المتكلم على الجامع واحدا ، وفرض ذلك لابن حبيب ، ثم انتقلت إلى الحراني قاضي حلب الحنبلي ، ويأتون أيضا إلى سماع مؤذنه جمال الدين يوسف الكشكاوي وكان خيرا دينا صيتا يحفظ القرآن وانقطع صوته ثم عاد ، وربما كان يتزعزع في بعض الأحوال. وكذلك لسماع مؤذنه شمس الدين التيزيني وللصلاة خلف إمامه الشيخ إسرافيل وكان عبدا صالحا صيتا ، وسمي بذلك لحسن صوته ، وكان الرؤساء من أهل المحلة يجلسون على بابه فلا يستطيع أحد المرور لحشمتهم وحياء منهم ، ومن جملتهم ابن الافتخاري ووقف صطلا كبيرا من نحاس ليعلق على باب الجامع للشرب منه.
وفي هذا الجامع في قبليته من جهة الشرق إيوانان أحدهما فيه باب صغير مسدود الآن كان يدخل منه منكلي بغا للصلاة يوم الجمعة لئلا يتخطى رقاب الناس ا ه.
أقول : ذكرت في الجزء الثاني في الكلام على هذا الجامع أني لم أقف على سبب تسميته بجامع الرومي. ثم وقفت على ذلك في تاريخ أبي ذر في كلامه على جامع دباغة العتيقة الواقع بين محلة سويقة علي ومحلة سويقة الحجارين فقد قال ثم : هذا الجامع (أي جامع الدباغة) يقال له جامع الرومي. (ثم قال) : وهذا الرومي الذي ينسب إليه هذا الجامع أخبرني بعض المشايخ أنه كان تاجرا وأنه سافر ورفقته معه فوقع عليهم برد ببعض البوادي فقتل دوابهم وأهلكهم ، فسلم هذا الرجل المذكور فجمع ما كان مع رفاقه من المال ودخل حلب وبنى حمّاما بالقرب من باب قنسرين وهي الآن بعضها وقف على جامع منكلي بغا ا ه.
أقول : ويغلب على الظن أن هذا الرومي عمر في هذا الجامع ورممه ، فلوقفه بعض هذه الحمّام وتعميره فيه نسب الجامع إليه وصار يعرف من ذلك الحين بجامع الرومي ا ه.
قال في الدر المنتخب : حمّام الرومي بالقرب من جامع منكلي بغا ا ه. أقول : لا أثر لها الآن.
تتمة الكلام على جامع دباغة العتيقة :
هذا الجامع الذي قال أبو ذر عنه إنه يقال له جامع الرومي لا يعرف بهذا الاسم ، وشهرته الآن بجامع دباغة العتيقة.