عن الماء ، وانخفاض الجنوبيّة هو الموجب لانغمار معظمها في الماء ، وأنّ من حكمة الله سبحانه أنّه جعل الارض ذات سطوح مختلفة ، حتّى ينكشف بذلك بعضها عن الماء ، وينغمر الآخر حتّى يصلح البارز لمسكن الانسان والحيوان وإنبات النباتات وتكون المعادن وغير ذلك ، كما يشهد لذلك ملاحظة النقشة (١) الّتي أثبتوا فيها صورة سطح الارض والماء ، فانّ بملاحظتها يظهر أنّ كلّ قطعة من كلّ ربع من الارباع الاربعة ارتفعت انكشف عنه الماء ، وصارت جزيرة أو أرضا واسعة ، وكلّ قطعة لم يكن كذلك بقيت منغمسة تحت الماء ؛ لكنّ القدر الظاهر في هذا النصف الّذي نحن فيه معظم في الربع الشمالي ، وأقلّه في الربع الجنوبي ، لكن ليس الربع الشمالي كلّه باردا. بل جملة من سطحه مغمور في الماء ومواضعها بحار عظيمة. وأمّا النصف الآخر الّذي وقع تحتنا بالقياس إلى ملاحظتنا ، فكلا الربعين منقسم إلى الارض والبحر وإن كان البرّ في الجانب الشمالي أكثر أيضا.
ثمّ إنّه لا منافاة بين كون الارض فراشا وبساطا وكونها كرويّة الشكل بالكرويّة التسامحيّة وإن ظنّ المنافاة لما ذكره بعضهم من أنّه : «ليس فيه إلا أنّ الناس يفترشونها كما يفعلون بالمفارش سواء كانت على شكل السطح أو شكل الكرة ، فالافتراش غير مستنكر ولا مدفوع لعظم حجمها ، واتّساع جرمها ، وتباعد أطرافها» (٢). بل الكرويّة فيها ممّا لا ينبغي التأمّل فيها. وعليها بناء القواعد الهيئيّة في تشخيص القبلة وغيرها ، والظاهر من الفقهاء التعويل على كثير ممّا ذكروه مع ظهور ابتنائه على ذلك ، وببالي تصريح العلامة وفخر المحقّقين وغيرهما بذلك. وعليها براهين عديدة معتضدة بشواهد مذكورة بعضها في محالّها ، هذا.
__________________
(١) يعني : الخريطة.
(٢) الكشاف ، ج ١ ، ص ٤٦.