[في بيان دلالة الحروف المقطعة على حقائق أسماء الله سبحانه واستبصارات فيها]
أقول : الذى يظهر لي في المقام بملاحظة تلك الاخبار المترائى منها الاختلاف وملاحظة بعض الاستبصارات ، هو أنه كما أن الحروف المفردة اللفظية أصل للكلمات المركبة منها ، والمفهوم من المركبة أمور غير بسيطة بحسب الاستقراء في الغالب أو الكل ، فالظاهر أن يكون تلك الحروف المفردة بازاء أصول للعالم هي بسائط بالقياس إلى أجزاء العالم ؛ كما أن النفس الانساني أول ما يحصل فيها الحروف على حسب مراتبها ، فالظاهر ان يكون النفس الرحماني أيضا محصلا لبسائط هي الاصول للعوالم المقيدة المركبة ، ويكون كل حرف من الحروف الصادرة عن الانسان بازاء حقيقة من تلك الحقائق البسيطة حتى يطابق الاية التي هى الانسان مع ذي الآية ، ويطابق مع مقام اللّفظ مقام المعنى حتى يصلح لكونه مرآتا له. وإذا لاحظت بعقلك نسبة البسيط إلى المركب المفروض وجوده ، فأحدس أنه لم يتحقق المركب في الكون إلا وقد سبقه فيها البسائط التي هي أصول هذا المركب ، فان البسيط مقدم على المركب ، وأولى بالتقدم في الايجاد وقبول الفيض ، فيشبه أن يكون مقتضى النظام الاكمل تقديم إيجاد البسائط على بساطتها على خلق المركبات ، حتى تكون بمنزلة الخزائن للحصص التي عرضها التركيب في عالم التركيب ولعل إليها ينظر قوله سبحانه : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)(١)
والذي يناسبها في عالم الالفاظ بحيث يدل عليها بذاته أن جعلنا دلالة الالفاظ ذاتية ، أو يوضع لها واضع حكيم يضع الاشياء مواضعه ، ولا يرجح المرجوح على الراجح هو الحروف البسيطة المفردة ، فيشبه أن يكون تلك دالة على تلك الحقائق
__________________
(١) الحجر / ٢١.