وقريب من هذا المبحث كثير من المباحث ، فعليك بالمقايسة واستخراج العناوين الكلّيّة من البيانات الخاصّة ، لكن بشرط أن لا يطّرد الكلام إلى ما يتعلّق بالديانات وأصول الشرائع وفروعها ، وما يتعلّق بأغصانها وشؤونها. وإيّاك وأن تفتح باب التأويل فيها! وهذا كلام وقع في البين ، فلنرجع إلى ما كنّا فيه ، فنقول :
إنّه إن جعلنا الصيّب عبارة عن السحاب فكونه مكانا للبرق والرعد ظاهر لخروجهما منه وإن لم يتسمّيا قبل الخروج باسميهما بعد أن يكون هو محلّ خروجهما. وأمّا إن جعل عبارة عن المطر ، فلعلّ جعلها فيه لوقوعهما في أعلاه ومبدئه ، وملابستهما له في الجملة ، وكون ظهورهما وامتداد الصوت والضوء مجاورا له في الهواء الفاصل بين السحاب والارض. ولعلّ توحيدهما مع جمع الظلمات لكونهما في الاصل مصدرين ، أو لارادة المعنى المصدريّ ؛ أعني : الرعد والبرق المصدرين لرعدت السماء رعدا وبرقت برقا ، وتنكيرهما لأنّ المراد أنواع منها كأنّه قيل : ظلمات داجية ، ورعد قاصف ، وبرق خاطف.
(يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ)
والجاعلون هم أصحاب الصيّب الّذين وقعوا فيه ، وذلك بأن يقدّر للصيّب المدخول لأداة التشبيه مضافا ، فيكون المشبّه به هو ذو الصيّب حتّى يوافق المشبّه والمثال الاوّل بحسب المساق ، ويكون المضاف حينئذ هو المرجع لهذا الضمير وما بعده.
ويحتمل ترك إضمار المضاف فيه ؛ إذ لا يلزم في هذا النحو من التشبيه أن يكون المفرد المدخول لأداة التشبيه بنفسه مطابقا للمشبّه ، ولا موافقا لما ابتدء به في المثال الاوّل ، ويكون هذه الضمائر راجعة إلى القوم الّذين وقع عليهم المطر