قول زهير :
ولأنت تفري ما خلقت وبع |
|
ض القوم يخلق ثمّ [لا] يفري |
وقال العجاج : ما خلقت إلا فريت ، ولا وعدت إلا وفيت.» كذا ذكر الجوهرى.
وصرح جماعة بأنّ الخلق هو التقدير أيضا وهو المعنى المناسب لكثير من إطلاقات هذه المادّة المذكورة في اللّغة ؛ كاطلاق الخليقة على الطبيعة والخلقة على الفطرة ، وكأنّه باعتبار ملاحظة وجودها في مقام تقدير ذلك الشيء ، وكونه مقدرا بها تقديرا معنويّا. والخليق والمختلف في مقام التوصيف على تامّ الخلق المعتدل ، وكأنّه لكون تقديره على الوجه الذي ينبغي أن يكون عليه ، وكونه مقدرا بالمقدار الذي يصلح ، كان غيره خارجا عن التقدير ، والحدّ واقع بدونه ، وكما يقال : فلان خليق بكذا بمعنى : أنّه جدير به وقد خلق لذلك ، كأنّه ممّن يقدر فيه ذلك ، وترى فيه مخاملة. وخلق الافك واختلفه وتخلّقه أي : افتراه ، ومنه قوله سبحانه : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً)(١) على ما ذكروه (٢) ، وكأنّه لأنّ الكاذب هو الّذي قدره الكذب في نفسه ، وجعله من دون أن يكون له حقيقة. وكاطلاق الخلاق على النصيب ، وكأنّه لأنه المقدار الّذي قدّر له ، إلى غير ذلك.
فالظاهر أنّ أصل معنى الخلق هو التقدير ، وإطلاقه على ما ذكر وغيرها باعتباره فيها.
وعن بعض الاعلام : «قد يظنّ أنّ الخالق والبارئ والمصور ألفاظ مترادفة ، وأنّ الكلّ يرجع إلى الخلق والاختراع ، وليس كذلك ، بل كلّما يخرج من العدم إلى الوجود مفتقر إلى تقديره أولا ، وإيجاده على وفق التقدير ثانيا ، وإلى
__________________
(١) العنكبوت / ١٧.
(٢) راجع الصحاح.